[مسألة]
ومتى قيل فما معنى قوله تعالى (وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) وكيف يصح التسبيح من الرعد. وجوابنا ان المراد دلالة الرعد وتلك الاصوات الهائلة على قدرته وعلى تنزيهه وذلك كقوله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ) لدلالة الكل على أنه منزه عما لا يليق ولذلك قال (وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) ففضل بين الامرين وقوله بعد (وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ طَوْعاً وكَرْهاً) معناه يخضع فالمكلف العارف باللّه يخضع طوعا وغيره يخضع كرها لانا نعلم ان نفس السجود لا يقع من كل واحد.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى والْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ والنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) أ لا يدل ذلك على انه الفاعل لكل شيء وعلى ان العبد لا يفعل والا كان يتشابه فعله بفعل اللّه. وجوابنا ان قوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى والْبَصِيرُ) زجر للعاصي والكافر بان شبهه بالأعمى وترغيب للمؤمن بأن شبهه بالبصير ونبه بقوله (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) على ان عبّاد الاصنام بمنزلة العميان في عبادتهم لها مع انها لا تنفع ولا تضر فهو معنى قوله (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) ثمّ بين انه الخالق للنعم التي يستوجب عندها العبادة فلا تليق العبادة الا به ولا مدخل لافعال العباد في ذلك وقد بينا من قيل وجوها في ان قوله تعالى (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) لا يدل الا على ان المقدر من هذه الاجسام والنعم من قبله فلا وجه لا يراد ذلك وبيّن تعالى ما أراده بقوله من بعد (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) فدل بذلك على مراده وقال بعده (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ والْباطِلَ) ثمّ قال بعده (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى والَّذِينَ

لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ) بأن عصوا وخالفوا ثمّ قال (أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) وبين صفة ذوي الالباب فقال (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ ولا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ والَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ويَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ويَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ والَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وأَقامُوا الصَّلاةَ وأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وعَلانِيَةً ويَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ومَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وأَزْواجِهِمْ وذُرِّيَّاتِهِمْ والْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) فانظر أيها القارئ لكتاب اللّه كيف صفة من ينال الحسنى ويفوز بثوابها وكيف صفة ذلك الثواب العظيم فانه جل جلاله لم يقتصر على أن لهم الجنة حتى بين أن من صلح من الاقربين يحصل معهم هتاك ممن كلف ويحصل معهم من لم يكلف أيضا من الذرية وأن اللّه تعالى يأمر ملائكته بالدخول عليهم في كل وقت بالسلام والتحية ويعرّفونهم أن كل ذلك جزاء لهم على ما صبروا فانهم صبروا قليلا فدام لهم ذلك الملك والنعيم فهو معنى قوله (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) لانها دائمة على عظم نعمها وخلوصها من كل شائبة ثمّ انه تعالى ذكر خلاف ذلك فيمن خالف ربه وعصى فقال (وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ ويَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ويُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) فالملائكة تلعنهم حالا بعد حال عن أنفسهم وعن ربهم ولهم سوء الدار وهو النار الدائمة التي عقابها خالص عن كل روح وراحة وقد حكى بعض الأئمة أنه سئل عن وصف المؤمن فتلا هذه الآية ولو أردنا أن نفسرها لطال الكتاب فان قوله (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ) يدخل فيه القيام بسائر الواجبات التي عهدها الينا والقيام بكل الامانات والوفاء بكل العقود وكذلك كل فضل منه ثمّ بين تعالى (أنه)

(يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ ويَقْدِرُ وفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) يعني أهل النار ثمّ قال (وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) وقوله بعد ذلك (وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) يدل على أن المراد بالهداية ما نقول من الاثابة وغيرها.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ) أ ليس ذلك مخالفا لقوله في المؤمنين حيث قال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ). وجوابنا أن الطمأنينة المذكورة هاهنا المراد بها المعرفة وسكون النفس الى المجازاة مع الوجل والخوف من المعاصي فالكلام متفق لان المؤمن ساكن النفس الى معرفة اللّه تعالى والى المجازات على الطاعات ومع ذلك خائف مما يخشاه من التقصير ووجل القلب فظن في مثل ذلك أنه مختلف اذ قد نادى على نفسه بقلة المعرفة ولذلك قال تعالى بعده (الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وحُسْنُ مَآبٍ) وبين تعالى عظم شأن القرآن بقوله من بعد (وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى). وجواب ذلك محذوف والمراد لكان هذا القرآن وذلك يدل على أنه في الفصاحة قد بلغ نهاية الرتبة وأنه صار معجزا لذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) أ ليس يدل ذلك على أنه الفاعل لكل شيء وقوله من بعد (أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) أ ليس ذلك يدل على أنه لم يشأ من جميعهم الايمان وإلا لهداهم. وجوابنا أن المراد به أنه هدى بعض الناس دون من لم يجعله بصفة المكلف ويحتمل أن يكون المراد لهداهم بالالجاء حتى يجتمعوا على الايمان وقوله (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) صحيح لان المراد اقتداره على كل شيء وأن ما يريده لا يصح فيه المنع وقوله تعالى من بعد (إِنَّ اللَّهَ لا

يُخْلِفُ الْمِيعادَ) يدل على أن وعده ووعيده لا يقع فيهما خلف.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أ ليس ذلك يدل على أن اللّه يصد الكافرين عن طريق الخير ويفعل الاضلال وذلك لا يجوز. وجوابنا أن ذلك يدل على أن هذا التزيين من الشيطان ومن أنفسهم ولو لا ذلك لوجب أن يكون تعالى صادا لهم عن السبيل مع علمنا بأن ذلك لا يجوز عليه وأنما أراد بقوله (وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ) أي بالعقوبة على ما فعله فما له من هاد الى الجنة ولذلك قال (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ولَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ) أ ليس فيه الدلالة على أن الجنة مخلوقة الآن وذلك بخلاف ما تقولون. وجوابنا أن جنة الخلد والثواب ليست بمخلوقه الآن وذلك بخلاف ما تقولون. وجوابنا أن جنة الخلد والثواب ليست بمخلوقة الآن لفنيت اذا أفنى اللّه تعالى العالم فكان لا يكون أكلها دائما فدل ذلك على أنه تعالى يخلقها في الآخرة فيدوم أكلها.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ) أما يدل ذلك على جواز البدء على اللّه تعالى. وجوابنا أن المراد بذلك أنه جل جلاله يمحو عن المؤمن الصغائر لانها مغفورة ويحتمل أنه المنسوخ والناسخ ويحتمل أنه يمحو ما لا مدخل له في الثواب والعقاب ويثبت ماله مدخل في ذلك ويحتمل انه يمحوا ما كتب من آجال وأرزاق من مضى ويثبت ذلك فيمن يبقى ويحدث.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) كيف يصح المكر على اللّه إذ بين أنه من

صفات الذم. وجوابنا أن المراد انزاله بهم العقاب وما شاكله من حيث لا يعرفون كما ذكرنا في سورة البقرة في قوله (يُخادِعُونَ اللَّهَ والَّذِينَ آمَنُوا) وما شاكله.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) فيقولون كيف يصح ذلك.
وجوابنا أن حفظهم وان لم يقع من الامر فانه يقع عند تقدم الامر فالمراد يحفظونه عن أمر اللّه وقد يذكر الأمر ويراد به التقوية والتمكين فلما كانوا يحفظونه بأن يمكنهم ويقويهم جاز ذلك.

سورة ابراهيم
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) كيف يفعل الرسول ذلك والجواب أن المراد يدعوهم الى العدول الى الايمان عن الكفر ويبين لهم ذلك فوصف بأنه يخرج لما كان يفعل السبب الداعي الى ذلك ولذلك قال (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) اذا المراد ان ذلك بأمره ووحيه وهذا أحد ما يدل على الايمان وما عدلوا عنه من الكفر فعلهم فيكون بيانه سببا لاختيارهم العدول عن الكفر الى الايمان وقوله تعالى (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) يدل على أن ما يقع منهم من جهتهم لانه لو كان خلقا للّه فيهم لما صح أن يستحبوا شيئا على شيء.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أما يدل ذلك على أنه بعد البيان هو الذي يضل ويهدي. وجوابنا أن المراد أنه يضل عن طريق الجنة الى النار ويهدي الى الجنة من أزاح علته ببيان الرسول صلّى اللّه عليه وسلم لكي تكون الحجة للّه عليهم وهو كقوله (وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) وقوله (وَ قالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ ومَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) يدل على أنه يكلف الناس لينفعهم ولحاجتهم الى ذلك وأنه غني عن كل شيء.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ)

(قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وعادٍ وثَمُودَ والَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) أ ليس ذلك يتناقض بأن يقول آخرا لا يعلمهم الا اللّه ويقول اولا (أَ لَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). وجوابنا أن المراد بآخره هو قوله (وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) وأتاهم خبرهم على الجملة دون التفصيل فالكلام مستقيم ويحتمل أن يريد أنه أتاهم نبأ هؤلاء على الجملة ويريد بقوله (لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) التفصيل من أحوالهم فلذلك قال بعده (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) وقد ذكرنا من قبل أن ذلك ذم لهم وهو كناية عن ترك القبول منهم لان هناك استعمالا لليد في رد قولهم وبيانهم ولذلك قال (أَ فِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ والْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) فبين أن مراده تعالى بتكليفهم هذا الغفران.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) فأضافوا ايمانهم الى اللّه تعالى. وجوابنا أن المراد بذلك الارسال والنبوّة لان قومهم قالوا انهم بشر مثلنا فأجابوهم بقولهم (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ولكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وأرادوا النبوة واظهار المعجزات هذا ونحن نضيف الايمان أيضا الى اللّه تعالى ونقول انه من نعمه لما كان الوصول اليه بيسره وألطافه مع التمكين وكذلك نقول في الطاعات إنها من اللّه ولا نقول ذلك في المعاصي وقد نهى عنها وزجر عن فعلها ولذلك قال تعالى بعده (وَ ما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وقَدْ هَدانا سُبُلَنا ولَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا).
[مسألة]
وربما قيل كيف ذكر أولا جل وعز قولهم (وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ثمّ كرره ثانيا ما الفائدة في ذلك. وجوابنا

أنهم في الأول قالوا (وَ ما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) وأرادوا فيما يتصل بالنبوّة ثمّ قال ثانيا (وَ لَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) وأرادوا في صبرهم على ما يعرض في النبوّة فأحد الامرين غير الآخر.
[مسألة]
وربما قيل كيف قال تعالى (وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وما هُوَ بِمَيِّتٍ) أ ليس ذلك يتناقض. وجوابنا ان ذلك كناية عن شدة عذابهم وان لم يكونوا أمواتا وهو كقوله (وَ تَرَى النَّاسَ سُكارى وما هُمْ بِسُكارى) ولذلك قال بعده (وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) وبين تعالى ان عمل الخير من الكفار لا ينفع فقال (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) فبين أن كفرهم يحبط كل خير عملوه وبين ان ذلك هو الضلال البعيد ثمّ بين تعالى بعده بقوله حكاية عمن استكبر عند قول الاتباع (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) انهم (قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ) وذلك في الآخرة فمرادهم اذا لو هدانا اللّه تعالى الى الجنة وعدل بنا عن النار لفعلنا ذلك بكم وهذا يدل على ان الهدى قد يكون على هذا المعنى كما قد يكون بمعنى الدلالة والبيان وقوله (سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) يدل على ان العذاب دائم لا كما يقوله بعض الجهال من انه ينقطع وقوله تعالى من بعد حكاية عن الشيطان (وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ووَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أَنْفُسَكُمْ) يدل على ان الشيطان لا يقدر الا على الوسوسة وعلى ان وسوسته لا تزيل الذم والعقاب عمن قبل منه وان اللوم في كل تنزيه القرآن (14)

فاعل على نفسه يرجع وقوله من بعد (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) يدل على ان الظلم من الذنوب العظام التي يستحق بها العذاب.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ان ذلك يدل على ان ايمانهم من فعل اللّه فيثبتهم عليه. وجوابنا ان المراد يثبتهم على الخيرات دينا ودنيا لاجل ايمانهم فلذلك قال (بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وفِي الْآخِرَةِ) ولذلك قال بعده (وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) أي يضلهم عما يفعله بالمؤمنين دينا ودنيا ولذلك قال بعده (أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً) تعجبا منهم من حيث لم يعرفوا موقع نعم اللّه تعالى وعدلوا عن شكره وطاعته ورغبنا عاجلا في الطاعة فقال (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ ولا خِلالٌ) فبين أن الذي ينفعهم في الآخرة أن يطيعوا بأنفسهم وبأموالهم قبل اليوم الذي فيه لا ينتفع أحد بمكسب وتصرف. ثمّ بين تعالى أنواع نعمه بقوله جل وعز (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ) الى قوله (وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها) ترغيبا للعبد في شكر هذه النعم حالا بعد حال ثمّ قال تعالى من بعد (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) كيف يصح أن يسأل ربه هذين الأمرين ثمّ يوجد خلاف ذلك فانا نجد البلد يجري فيه الخوف العظيم ونجد في أولاده من يعبد الاصنام. وجوابنا أن قوله آمنا لا يدل على كل شيء فقد يكون آمنا من ضروب الخوف غير آمن من سواه ومعلوم ما يحصل بمكة من الامن ويحتمل أنه دعا ربه أن يجعله آمنا في ايامه حتى يؤمن بعضهم

ويتألفوا على طاعته والمراد بقوله (وَ اجْنُبْنِي وبَنِيَّ) من هو موجود منهم وقد نزههم اللّه تعالى عن ذلك وقوله بعد ذلك (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) يعني الاصنام فمراده أنهن صرن سببا للضلال لا ان الصنم يصح أن يضل ويهدي ولذلك قال بعده (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ومَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يعني بالتوبة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) كيف يصح ذلك وهو الذي بنى البيت على ما ذكره اللّه تعالى في كتابه بقوله (وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وإِسْماعِيلُ). وجوابنا انه يحتمل في قوله عند بيتك المحرم أن يكون المراد عند تلك البقعة التي بني فيها البيت.
ويحتمل ان بناء البيت كان قائما ثمّ اختل فبناه ابراهيم فيكون الكلام مستقيما ومعنى قوله من بعد (وَ قَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ) ان عنده انزال العقوبات بهم من حيث لا يشعرون وسمّاه مكرا مجازا ومعنى قوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ والسَّماواتُ) انهما يصيران على خلاف هذه الصورة سماه تبديلا كما يقال ان فلانا قد تبدل اذا تغيرت أخلاقه. ويحتمل أن يكون اللّه تعالى يبتدئهما فيخلق أرضا غير هذه في القيامة وسماء غير هذه فيكون أقرب الى الحقيقة.

20 / 47
ع
En
A+
A-