سورة هود
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) كيف يصح ذلك والتفصيل ليس بشيء غير الأحكام. وجوابنا أن اللّه تعالى كتب القرآن في اللوح المحفوظ ثمّ أنزله مفصلا الى الرسول لا جملة واحدة بحسب المصلحة فهذا معنى قوله ثمّ قال (ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) لانه تعالى أمر بانزاله على هذا الحال من التفصيل بعد إحكام الجميع وهذه الآية تدل على أن القرآن فعله تعالى من حيث وصفه بأنه أحكمه وذلك لا يتأتى الا في الافعال ومن حيث وصفه بأنه فصلت آياته ومن حيث وصفه بأنه من لدن القديم تعالى وانما يقال ذلك في الأفعال كما يقال ان هذه النعم من فضله وبين ما تقتضيه آيات الكتاب بقوله (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وبَشِيرٌ وأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) فبين ما تضمنه الكتاب وبين حال التائب وانه يمتعه متاعا حسنا (وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) وبين حكم المصر بقوله (وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) ثمّ بين ان المرجع الى اللّه تعالى والمراد الى يوم لا حاكم ولا مالك سواه وهو يوم القيامة وبيّن بقوله تعالى (وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها) تكفله بإرزاق كل حي. ومتى قيل فاذا تكفل بذلك فلما ذا يلزمه السعي. فجوابنا أن تكفله هو على هذا الوجه لا على حد الابتداء كما ان تكفله برزق الولد هو على وجه المباشرة لا على وجه الابتداء وبين ان كل ذلك مكتوب

في الكتاب المبين وفائدة كتابة ذلك في اللوح المحفوظ ان الملائكة تعتبر بذلك وتعرف قدرة اللّه تعالى وعلمه اذا وافق ما يحدث من الامور ذلك المكتوب.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) ما الفائدة في خلقهما في هذه الايام وهو قادر على أن يخلقهما في لحظة واحدة. وجوابنا انه تعالى خلقهما في هذه المدة مصلحة للملائكة لكي يعتبروا بذلك كما انه قادر على جمع كل رزق لنا في يوم واحد لكنه للمصلحة يفعله حالا بعد حال ولذلك قال بعده (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) وبين تعالى بقوله ولئن قلت انكم مبعوثون من بعد الموت انكارهم للاعادة وبين بقوله (وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) استعجالهم بما كان يخوف به الرسول صلّى اللّه عليه وسلم وبين آخرا بقوله (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) ان ذلك مؤخر لانه تعالى حليم لا يعجل العقوبة ويمهل توقعا للتوبة وبين تعالى طريقة الانسان المذمومة بقوله (وَ لَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ ولَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) فبين انهم عند الاحسان اليهم يفرحون فاذا نزع ذلك لمصلحة يوجد منهم كفر النعمة واذا أجزل النعم عليهم يسلكون طريقة الفخر والفرح دون الانقطاع الى اللّه وتعالى والتواضع له وذلك تأديب من اللّه تعالى فيما ينبغي أن يفعله المرء عند الغنى والفقر وفيما يكره منه ولذلك قال بعده (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فاستثناهم من القوم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) ما الفائدة في هذا الابتداء ولا خبر له.
وجوابنا ان الخبر قد يحذف اذا كان كالمعلوم والمراد أ فمن كان بهذا الوصف كمن هو يكفر ولا يسلك طريقة العبادة وما توجبه البينة.

[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) أنه يدل على جواز المكان عليه لان العرض لا يصح الا على هذا الوجه. وجوابنا أنهم لما عرضوا في الموضع الذي جعله اللّه تعالى مكانا للعرض صح ذلك ومعنى قوله تعالى من بعد (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وما كانُوا يُبْصِرُونَ) انهم من حيث لم يقبلوا ولم ينتفعوا بما سمعوا ورأوا كانوا في حكم ما لا يسمع ولا يبصر ولو أراد الحقيقة لما ذمهم من قبل بقوله (وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) أن ذلك على أنه تعالى يريد الضلال. وجوابنا أن مراد نوح عليه السلام عند مخاطبة قومه بذلك انه ان كان تعالى يريد حرمانهم وخيبتهم من الفوز بالثواب وانزال العقاب فنصحه لا ينفع وذلك احالة على المعلوم من حالهم أورده على وجه الزجر لهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) أ ليس في ذلك دلالة على انه تعالى وعده تخليص ابنه مع القوم ثمّ لم يقع فكيف يصح ذلك. وجوابنا أنه تعالى قد كان وعد بنجاة أهله وأراد من آمن منهم وظن نوح أن ابنه منهم ولذلك قال تعالى بعده (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ) ان ذلك يدل على أن الطاعات

من فعل اللّه تعالى. وجوابنا أن التوفيق من فعل اللّه تعالى في الحقيقة وهو ما يفعله مما يدعو العبد إلى العبادة كخلق الولد والغنى وما شاكله فنحن نقول بالظاهر والقوم لا يمكنهم ذلك إذ قالوا إن اللّه تعالى يخلق أعمال العباد لأنّ خلقه ذلك مما يغني عن اللطف والتوفيق والمعونة والهداية فكان ذلك على مذهبهم يحب أن لا يصح.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ والْأَرْضُ) أ ليس ذلك يدل على انقطاع العذاب من حيث وقته بدوام السموات والارض الذين يفنيان وأنتم تقولون بالخلود فكيف يصح ذلك.
وجوابنا ان للنار سماء وأرضا وكذلك الجنة ولا يفنيان فهذا هو المراد وقد قيل ان المراد بذلك تبعيد خروجهم فعلقه تعالى بما يبعد في العقول زواله على مذهب العرب في مثل قول الشاعر.
اذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وصار القار كاللبن الحليب

[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) ان ذلك الاستثناء يدل على انقطاع العقاب فكيف يصح ذلك مع قولكم بالخلود.
وجوابنا أن المراد أوقات الموقف للمحاسبة قبل دخول النار وعلى هذا الوجه ذكر اللّه تعالى في السعداء مثل ما ذكره في الأشقياء فقال (وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ والْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) وقوله تعالى من بعد لرسوله صلّى اللّه عليه وسلم (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) على وجه الزجر لغيره على نحو ما قدمناه من قبل.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ إِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ

رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) كيف يصح أن يوفيهم نفس العمل. وجوابنا أن المراد جزاء العمل من ثواب وعقاب وهو الذي يصح أن يفي به وعده.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) كيف يصح ذلك وقد أبيح لنا مخالطتهم.
وجوابنا أن المراد الركون اليهم فيما يتصل بالمدح والاعظام ويجري مجرى الموالاة ولم يرد ما يتصل بالمعاشرة ومعنى قوله من بعد (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) ان التوبة تزيل عقاب المعاصي وكثرة الطاعات تكفر السيئات ومعنى قوله تعالى (وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) بالالجاء والاكراه لكنه انما شاء منهم ذلك على وجه الاختيار لكي يفوزوا بالثواب.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ولِذلِكَ خَلَقَهُمْ) أ ليس ذلك يدل على أنه خلقهم للاختلاف الذي في جملته المعصية وذلك يدل على أنه تعالى مريد منهم ذلك. وجوابنا أن المراد للرحمة خلقهم لانه قال (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ولِذلِكَ خَلَقَهُمْ) فلذلك راجع الى الرحمة لا الى الاختلاف والرحمة من اللّه تعالى لا تكون الا بارادته فكأنه قال ولكي يرحمهم خلقهم وهو أقرب مذكور اليه وقد ثبت بالدليل أن الاختلاف الباطل لا يريده اللّه تعالى بل يكرهه أشد كراهة فقد نهى وزجر عن فعله.
[مسألة]
وربما سألوا عن قوله تعالى (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) كيف يصح ذلك اذا لم يكن هو الخالق لتصرف الحيوان.
والجواب عنه أن المراد أنه قادر على تصريفها كما يشاء والعرب تذكر ذلك على هذا المعنى فتقول ناصية فلان بيد فلان.

[مسألة]
وربما سألوا في قوله تعالى (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) كيف يجوز منه وهو نبي أن يجادل الملائكة في ذلك. وجوابنا أنه جادل ليعرف ما لأجله استحقوا العذاب وهو أحد الوجوه التي يجادل المجادل لأجلها.

سورة يوسف
أول ما نذكر في هذه السورة أنها مشتملة من آداب الانبياء صلوات اللّه عليهم ومن آداب الاخلاق والتمسك بالصبر والحلم وتوقع الفرج بعد حين والتشدد في الصبر على المعاصي واحتمال المكاره على ما لو تأمله القارئ وتمسك بكله أو بعضه لعظم موقع ذلك في دينه ودنياه، فليتأمل القارئ أولا رؤيا يوسف للكواكب والشمس والقمر وان أباه صلّى اللّه عليهما وسلم كيف تقدم بكتمان ذلك عن اخوته والصبر في كتمان ذلك صعب فاحتمله تحرزا من حسدهم. وليتأمل ثانيا كيف جاد به على اخوته لئلا يستوحشوا وظن السلامة مع خوفه منهم عليه حتى أقدموا على ما أقدموا. وليتأمل ثالثا أنه بعد ظهور ذلك منهم كيف احتملهم ولم يجازهم على ما فعلوه بقطعهم واخراجهم عن محبته وعن النظر لهم.
وليتأمل رابعا صورة يوسف فيما وقع اليه من امرأة العزيز وكيف تشدد في الاحتراز عنها واحتمل لذلك الحبس الطويل حتى كانت عاقبة صبره ما حصل من اعتراف الكل بصيانته ووصوله الى الملك والبغية. وليتأمل خامسا ما دفع اليه اخوته في تلك السنين الصعبة من التردد الى يوسف يطلبون من جهته القوت واحتمالهم لما عاملهم به. وليتأمل سادسا كيف صبر عليهم وكيف احتمل في تخليص أخيه الى حضرته واحتباسه عنده على مهل وقد كان يمكنه التعجل.
وليتأمل سابعا كيف حسنت معاملته مع اخوته حين ظفر بهم وقد كانوا عاملوه من قبل بما عاملوه به. وليتأمل ثامنا كيف توصل الى ازالة الغمة عن قلب أبيه وصبر الى أن ظفر بالوقت الذي أمكنه فيه احضاره عنده على أحسن

الوجوه. وليتأمل تاسعا كيف كان صبر يعقوب صلّى اللّه عليه وسلم في بابه وفي باب غيبة أخيه وهو كالراجي لعودهما اليه واجتماعه معهما. وليتأمل عاشرا كيف قبل يوسف عذر إخوته وقد اعتذروا اليه مع تلك الجنايات العظام فكان جوابه (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ). وليتأمل حادي عشر كيف قبل يعقوب أيضا عذرهم وزاد بان قال (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الى وجوه أخر تركنا ذكرها ثمّ أنه تعالى قال في آخر السورة لرسوله صلّى اللّه عليه وسلم ولجماعة المكلفين (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وهُمْ يَمْكُرُونَ) فنبه بذلك على وجوب التمسك بهذه الاخلاق والآداب وكذلك قال تعالى في أول السورة (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) لان النفع يعظم بذلك لمن تأمله وهذا معنى قوله (أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) لان من تدبر القرآن وتمسك باحكامه وآدابه وأخلاقه انفتح قلبه للخيرات دينا ودنيا فاذا قرأه من غير تدبر يصير قلبه كأنّ عليه قفلا لا يتغير عما هو عليه فهذه المقدمة التي قدمناها في هذه السورة تنفع فيها وفي القرآن ثمّ نذكر ما فيها من المتشابه على طريقتنا في هذا الكتاب.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى لرسوله (وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) كيف يقول ذلك ولم يكن موصوفا من قبل بذلك.
وجوابنا أن المراد من الغافلين عن هذه القصة وما شاكلها والا فمعلوم من حاله صلّى اللّه عليه وسلم التيقظ لكل ما يتعلق بالدين.
[مسألة]
وربما قيل كيف قص يوسف رؤياه على يعقوب كأنه مصدق بها وكيف أمره أبوه بكتمان ذلك بقوله (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) كانه عالم بصدق الرؤية مع أنها قد تخطئ وتصيب وكيف قال (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) فأخبر عن أمر مستقبل لا يعرفه. وجوابنا

أن مثل ذلك قد يعمل فيه بالظن فلا ينبغي أن لا يفعل الا اليقين ويحتمل انه عرف من اخوته من قبل ما يوجب أن يأمره بالكتمان وما يعلم عنده انهم لو وقفوا على هذه الرؤيا لكادوا له ولو كان مثل ذلك لا يصح الا مع العلم لقلنا إنه تعالى قد أوحى اليه أما جملة وأما مفصلا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ويُعَلِّمُكَ) أ هو من قول يعقوب أو من قوله تعالى، فان كان من قول يعقوب فكيف عرف ذلك. وجوابنا انه من قول يعقوب وقد كان اللّه أعلمه ذلك، يبين ما قلناه قوله أخيرا (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ). فان قيل فاذا عرف ذلك فكيف يجوز أن يغتم على ما ذكره اللّه تعالى في الكتاب ويخفى عليه حال يوسف. وجوابنا انه قد عرف ذلك من جهة اللّه تعالى على شرط أن يبقى، فلذلك كان خائفا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا ونَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) كيف يجوز ذلك منهم وهم أنبياء أو مرشحون للنبوة. وجوابنا ان محل الولد من أبيه أن ينزله منزلة سائر أولاده فلا يقبح قولهم ان أبانا لفي ضلال مبين اذ مرادهم ذهابه عن انزالهم هذه المنزلة أيضا وبعد فلو قبح لكان ذلك قبل حال التكليف على ما يدل عليه قوله تعالى (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ ويَلْعَبْ) لان هذا القول لا يليق الا بحال الصبي وفقد كمال العقل وقولهم (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ) انما صح أيضا لان الحال حال الصبا وفقد كمال العقل فكذلك سائر ما فعلوه بيوسف لما أرسله يعقوب معهم (فان قيل) كيف كانت الحال حال الصبا وقد قال تعالى بعده (وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وهُمْ لا يَشْعُرُونَ). وجوابنا انه يحتمل أن يكون بمنزلة قوله تعالى (وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)

ويكون بطريقة الالهام أو اظهار أمارة ويحتمل في هذا الايحاء أن يكون الى يعقوب لتقدم ذكر يعقوب.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله تعالى (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) وما معنى (وَ جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) فكيف يصح منهم الكذب ووصف الدم بالكذب. وجوابنا انه يحتمل في قولهم أكله الذئب انهم قالوه تعريضا لا خبرا على التحقيق ويحتمل أن يكونوا قد كذبوا لكنه وقع منهم في حال الصبا فاما قوله (بِدَمٍ كَذِبٍ) فمن أحسن ما يوجد في مجاز الكلام فانهم صوروه بخلاف صورته فصار كالكذب ويحتمل أن يكون المراد بدم واقع من كاذب على معنى قوله (وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) أي أهلها وسكانها وقوله تعالى (وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وعِلْماً) يدل على ما قلناه من انه كان ذلك في حال الصبا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها) أ ليس ذلك كان بعد البلوغ والنبوّة فكيف يصح من الانبياء العزم على الزنا.
وجوابنا ان المراد بقوله (هَمَّتْ) العزيمة منها وبقوله (وَ هَمَّ) الرغبة والشهوة وان كان شديدا في الانصراف عن ذلك وقد يقال هم فلان بكيت وكيت بمعنى اشتهى ويحتمل ما قيل انه هم بها لو لا أن رأى برهان ربه فنفاه عنه بشرط قد وجد ولذلك قال تعالى (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والْفَحْشاءَ) وقال بعد ذلك بآيات حاكيا عنها انها قالت (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وهُوَ مِنَ)

18 / 47
ع
En
A+
A-