أهل الانكار والتوبيخ ولذلك قال بعده (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ويَبْغُونَها عِوَجاً).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ونادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وهُمْ يَطْمَعُونَ) كيف يصح وصفهم بذلك لأنه ان أراد أصحاب الأعراف فهم عالمون ولا يوصف العالم بأنه يدخل الجنة انه طامع وان أريد أهل النار فهم عالمون بدخول النار فكيف يطمعون في ذلك.
وجوابنا أن المراد به أصحاب الأعراف ويوصفون بالطمع وان كانوا من أهل الجنة تحقيقا لذلك ولأنهم لا يعرفون وقت دخول الجنة في حال شهاداتهم للناس وعليهم.
[مسألة]
وربما سأل الحشو عن قوله تعالى (أَلا لَهُ الْخَلْقُ والْأَمْرُ) ان ذلك يدل على أمر اللّه تعالى في القرآن ليس بخلق ولا مخلوق.
وجوابنا ان المراد أن له الخلق والأمر من نفس الخلق فهو الذي يبقيه أو يفنيه ويتصرف فيه كيف يشاء فلا يدل أفراده بالذكر على صحة ما قالوه من أنه لم يدخل الأمر تحته كقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والْإِحْسانِ) والاحسان من العدل وذلك كثير في الكلام.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) كيف يصح ذلك ومعلوم أن الذي خبث أيضا من البلاد لا يخرج نباته الا باذن اللّه. وجوابنا ان المراد بذلك يخرج نباته موافقا للمراد والنفع لا نكدا ونبه جل وعز على ذلك بقوله (وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) وذلك نقصان في الخروج وبيان النفع به لا يكاد يقع وذلك مثل من اللّه تعالى لمن يعمل العمل الصالح وخلافه ثمّ ذكر تعالى
قصص الأنبياء وأنهم دعوا الأمم الى معرفة اللّه تعالى وخوّفوهم عذابه وأن نوحا صلّى اللّه عليه وسلم قال لقومه (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ان لم تعبدوه وانهم قالوا له إنّك في ضلال مبين وأنه قال لهم (لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ ولكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وأَنْصَحُ لَكُمْ وأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وهذه الجملة يعرف بها رفق الأنبياء وحسن دعائهم الى الدين وانهم بدءوا بالدعاء الى معرفة اللّه وعبادته وأنهم نزهوا أنفسهم عن الطمع في هذه الحياة وفيها اذا تأملها المرء ما يعتبر به ويعرف آداب الأنبياء صلّى اللّه عليهم وسلم في الدعاء الى الدين وصبرهم على ما نالهم من الامم فيقتدى بهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى في قصة صالح (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) ثمّ قال (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي) كيف يجوز أن يقول لهم ذلك وقد هلكوا بأخذ الرجفة لهم. وجوابنا أن في ذلك تقديما وتأخيرا ومثل ذلك يكثر في الكلام.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) ثمّ قال تعالى (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً) كيف يصح ذلك ومعلوم أنه لغير المؤمنين أيضا وجوابنا أنه أراد بقوله (الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) قد نبه على ان ذلك لكل العباد فمراده أخيرا هو أنها للمؤمنين في الحال وفي العاقبة ولذلك قال (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) فان من نال شهوته عاجلا وعاقبته النار لا يعد ما ناله نعمة عليه وقيل ان المراد بذلك ما حرموه من البحيرة والسائبة فبين انها من الطيبات للمؤمنين من حيث عرفوا أنها من رزق اللّه تعالى.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ) وذلك كالمدح لهم وكيف يصح ذلك في الكفار. وجوابنا أن المراد ينالهم نصيبهم من العذاب المذكور في الكتاب. وقيل ينالهم نصيبهم من نعم الدنيا وقوله تعالى من بعد (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) عند معاينة العذاب يدل على ما قلنا لأنه بيّن به أن ما كانوا يعبدونه لا ينفعهم عند نزول العذاب بهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أ ليس هذا يدل على أن ملتهم كان عليها شعيب من قبل وذلك كفر لا يجوز على الأنبياء. وجوابنا قد يقال عاد في كذا اذا ابتدأه كما يقال أن زيدا عاد الى ما يكرهه أو يحبه وان كان من قبل لم يفعل وقد صح ان الكفر والكبائر لا يجوزان على الأنبياء صلّى اللّه عليهم وسلم فالمراد اذا أو لتدخلن في ملتنا على وجه التهديد قالوه لشعيب فكان جوابه صلّى اللّه عليه وسلم (قالَ أَ ولَوْ كُنَّا كارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا) أ ليس يدل ذلك على تجويز أن يشاء اللّه عودة شعيب الى ملتهم مع أنها كفر. وجوابنا ان المراد بذلك التبعيد فعلقه بالمشيئة التي يعلم أنها لا تكون كقوله تعالى (وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) ويحتمل أنه أراد الملة التي هي الشرائع ويجوز أن يعبد اللّه بمثلها بعد النهي عنه على وجه النسخ.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ
مِنَّا) كيف ذلك من موسى صلّى اللّه عليه وسلم مع علمه بأنه لا يؤخذ بذنب غيره. وجوابنا أنهم سألوه رؤية اللّه تعالى ولم يقنعوا بما يكون من قبل اللّه تعالى فلما سأل صلّى اللّه عليه وسلم بقوله (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) لقومه لا لنفسه قال تعالى (لَنْ تَرانِي) وأكد ذلك بقوله (وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) فشرط استقراره فلما لم يستقر بأن جعله دكا عند ذلك أخذتهم الصاعقة بظلمهم (وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ) قال هذا القول توبيخا لقومه لأن اللّه عز وجل أخذه بذنب غيره ولذلك قال (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) يعني شدة التكليف وقد كان سأل اللّه الرؤية لقومه ولم يأذن جل وعز له في ذلك والانبياء صلّى اللّه عليهم وسلم لا يسألون ربهم ما يرغبون الا بعد الاذن فعلى هذا الوجه قال ما قال.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) ثمّ قال (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) وبعض ذلك يخالف بعضا. وجوابنا ان المراد بذلك الرحمة الخاصة التي هي الثواب وما تقدم وما تأخر يدل على ذلك لأنه قال من قبل (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ ورَحْمَتِي) فقرنها الى العذاب وقال بعده (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) ثمّ وصفهم بالوصف العظيم وإنما قال (وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) أنها لو قدرت لكل واحد لوسعته أو قاله أيضا على وجه التكثير والمبالغة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ) أ ليس ذلك كالمدح لليهود. وجوابنا أنه مدح من كان على ملته في أيام حياته لأن تكذيبهم بعيسى ومحمد حدث من بعده. ويحتمل أنه مدح لقوم يؤمنون بمحمد صلّى اللّه عليه وسلم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما)
(كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) كيف يصح ذلك وقد آمن بعضهم. فجوابنا أن ذلك خبر عن قوم مخصوصين بيّن ذلك بقوله تعالى من قبل (تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها ولَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) واذا كان خبرا عن قوم لم يصح هذا الالزام.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) كيف يصح ان يمنع من الوعظ والدعاء الى الخير. وجوابنا أن المراد بذلك اليأس من صلاحهم وتعريف القوم أن الوعظ لا يؤثر فيهم او على وجه التوبيخ للقوم لا انه منع من الوعظ وكيف يكون منعا. وجوابهم (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) يبين انهم وعظوا لتجويز التقوى.
[مسألة]
وربما سألوا عن قوله تعالى (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) كيف يصح ان يتجلى وليس بجسم وما فائدة تجليه للجبل. وجوابنا ان المراد بهذا التجلي الاظهار وذكر اللّه الجبل وأراد أهله فكأنه قال فلما بيّن لاهل الجبل أنه لا يرى بأن جعله دكا حصل المراد فيما سألوا وهذا كقوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ والْأَرْضِ) وأراد على أهلها وكل ذلك بمنزلة قوله (وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ) وأراد أهلها.
[مسألة]
وربما سألوا عن قوله تعالى (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) كيف يصح ان يصرفهم عن آياته وأدلته. وجوابنا أن المراد سأصرفهم عن الآيات الزائدة التي يفعلها تعالى لمن المعلوم أن ينتفع بذلك ويؤمن عنده ولذلك قال (وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) وهو كقوله تعالى (وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً)
فيزيده هدى لأنه ينتفع بذلك دون من لم يهتد وان كان الكل سواء في اقامة الحجة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ومَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) أ ليس ذلك يدل على أنه يخلق الهدى والضلال. وجوابنا ان المراد ومن يهد اللّه الى الجنة والثواب فهو المهتدي في الدنيا ومن يضلل عن الثواب الى العقاب (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) في الدنيا وسبيل ذلك ان يكون بعثا من اللّه تعالى على الطاعة وكذلك قوله تعالى (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ) المراد من يضلله عن الثواب في الآخرة ولا هادي له اليه ومعنى قوله (وَ يَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) انا نخلي بينهم وبين ذلك وان كنا قد أزحنا العلة وسهلنا السبيل الى الطاعة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) وفي الخبر ان جميع بني آدم أخذ عليهم المواثيق من ظهر آدم صلّى اللّه عليه وسلم كيف يصح ذلك. وجوابنا أن القوم مخطئون في الرواية فمن المحال أن يأخذ عليهم المواثيق وهم كالذر لا حياة لهم ولا عقل. فالمراد انه أخذ الميثاق من العقلاء بأن أودع في عقلهم ما ألزمهم اذ فائدة الميثاق أن يكون منبها وان يذكر المرء بالدنيا والآخرة وذلك لا يصح الا في العقلاء وظاهر الآية بخلاف قولهم لأنه تعالى أخذ من ظهور بني آدم لا من آدم، والمراد أنه أخرج من ظهورهم ذرية أكمل عقولهم فأخذ الميثاق عليهم وأشهدهم على أنفسهم بما أودعه عقلهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) كيف يصح فيمن يؤتيه اللّه تعالى
من الآيات والنبوّة أن ينسلخ من ذلك. وجوابنا أن ذلك لا يصح في الانبياء والمراد من آتاه اللّه العلم بالأدلة وفضله بذلك ثمّ انسلخ منه وذلك مما يصح وهذه طريقة كثير من المضلين عن دينه في المسألتين المتشاكلتين في ذلك. ويحتمل ان المراد آتيناه آياتنا فأعرض عن النظر فيها فصار منسلخا عنها لأنه قيل ثمّ انسلخ.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) ثمّ قوله (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) تكرار ذلك ما فائدته.
وجوابنا ان في الاول سألوا عن وقت الساعة فبين ان يحكم بأن علم ذلك عند ربه تعالى وان الصلاح أن لا يبين ذلك ليكون العبد الى الخوف أقرب وأراد بقوله ثانيا يسألونك كانك حفي عنها المسألة عن نفس الساعة فقد كان عالما بها في الجملة فليس في ذلك تكرار.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) كيف يصح ذلك مع كونهم صالحين وانبياء وكيف التأويل في ذلك. وجوابنا ان معنى قوله فلما آتاهما صالحا البنية الصحيحة في الاولاد ولا يمتنع في الصالح أن يكون كذلك ويقع منه الكفر والشرك وليس في الظاهر ان ذلك وقع من آدم وحواء وانما المراد وقوع ذلك من الذكر والانثى من الذرية فهو معنى قوله (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) كيف يقول صلّى اللّه عليه وسلم ذلك مع زهده في الدنيا وهي له معرّضة وجوابنا ان المراد لو كنت أعلم الغيب وقت خروجي من الدنيا لاستكثرت من الخير والطاعة فقد كان صلّى اللّه عليه وسلم لا يعرف قدر أجله ولو عرف
لزاد في الطاعات وليس المراد لاستكثرت من الخير فيما يتصل بلذات الدنيا وقد يحتمل لاستكثرت من الخير في دفع المضار عن نفسي والمؤمنين من أصحابي ولذلك قال بعده (وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
[مسألة]
وربما سألوا عن قول اللّه تعالى (أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) على وجه المحاجة لمن يعبد الاصنام كيف يصح ذلك والمعبود الذي هو الاله لا يوصف بهذه الصفات أيضا. وجوابنا أن فقد هذه الاعضاء والحواس نقص في الاجسام ووجودها فضيلة في الأحياء، فصح أن يحاجهم بذلك واستحالة ذلك على اللّه تعالى هو الذي يوجب صحة الالهية لانها لو جازت عليه لكان محدثا فكيف يصح ما سألوا عنه.
[مسألة]
وربما سألوا في قوله (خُذِ الْعَفْوَ وأْمُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) كيف يصح أن يأمر بالمعروف والجهاد والاعراض عن الجاهلين واجتماع ذلك لا يصح. وجوابنا أن المراد أن يأمرهم بالمعروف ويقيم عليهم الحجة فان هم ردوا ذلك فتجاهلوا أعرض عنهم وذلك لا يتنافى ومعنى قوله (وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) التحرز من وسوسة الشيطان لان الشيطان لا يتمكن من الرسول صلّى اللّه عليه وسلم وربما كان الخطاب بذكر الرسول صلّى اللّه عليه وسلم والمراد غيره.
سورة الأنفال
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) كيف يتعلق الانفال بالتقوى واصلاح ذات البين. وجوابنا ان الانفال التي ملكها اللّه تعالى الرسول وأمره بوضعها في حقها يحتاج فيها الى أن يتقوا اللّه والى أن يصلحوا ذات بينهم فيعدلوا عن الميل والحيف وأن يطيعوا اللّه ورسوله في الرضا بما يأتيه ومفارقة السخط وذلك نهاية في الاحكام ثمّ وصف تعالى المؤمنين بما قال (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فقال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) فجعل من وصف المؤمن انه عند ذكر ربه يوجل قلبه فيخاف من تقصير في عبادته ويرجو، وعند ذلك يصير المرء وجل القلب وعند تلاوة القرآن يزداد إيمانا بالعلم به والعمل. ويتوكل على ربة فيما يحصل له من الدنيا وفيما يكسبه من المال فيطلبه بالوجه المباح ولا يجزع اذا لم ينله بل يسير على الحال فلا يتعداه فيحصل متوكلا وليس التوكل الكسل كما ظنه بعضهم. ولذلك قال صلّى اللّه عليه وسلم (لو توكّلتم على اللّه حقّ توكله لرزقكم كما يرزق الطّير تغدو خماصا وتروح بطانا) فجعلها متوكلة وان طلبت وجعل من صفتهم اقامة الصلاة والانفاق مما رزقوا وذلك يدل على ان الرزق لا
يكون محرما لان الانفاق من المحرم ليس من صفات المؤمنين وكل ذلك يدل على ان الايمان قول وعمل ويدخل فيه كل هذه الطاعات وان المؤمن لا يكون مؤمنا الا بأن يقوم بحق العبادات ومتى وقعت منه كبيرة خرج من ان يكون مؤمنا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) هو كلام مبتدأ به غير تام لانه لم يتقدم ولم يتأخر عنه ما يشبهه به. وجوابنا ان هذا الجنس من الحذف ربما يعد في كمال الفصاحة. فبشر اللّه نبيه بالنصرة التامة وجميل العاقبة يوم بدر كما سهل له الخروج من بيته من غير قصد الى المحاربة فهذا هو المراد ولذلك قال (وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) والمراد ثقل الخروج عليهم وقوة المشقة لا انهم كرهوا الخروج معه صلّى اللّه عليه وسلم. ومعنى قوله (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) انهم يراجعونك للتبيين لا أنهم يخالفون ثمّ بين عظم المشقة بهذا الكلام ولم يكن القوم ألفوا الجهاد فان ذلك كان مبدأ الأمر بالقتال، فبين تعالى ان ذلك يؤديهم الى الخيرات من الغنائم وغيرها.
[مسألة]
وربما قالوا في قوله تعالى (وَ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) ما معنى ذلك والحق لا يخفى في نفسه. وجوابنا تحقيق ما وعدكم به من النصرة والغنائم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) كيف وقع هذا التثبيت من الملائكة للمؤمنين. وجوابنا انه يحتمل أنهم عرفوا الرسول الرسول عرف المؤمنين تقوية قلوبهم ويحتمل انهم ألقوا ذلك الى المؤمنين بالخواطر.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكِنَ