أنه جعلهم في كل قرية وأمرهم بالطاعة وعاقبتهم هذا المكر وهذا كقوله تعالى (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وحَزَناً) وانما التقطوه لغير ذلك لكن لما كان مآل أمرهم الى العداوة كما يقال خلقت الدنيا للفناء لما كان ذلك عاقبتها ولذلك قال تعالى (وَ ما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ) فذمهم على ذلك.
[مسألة]
وربما سألوا عن قوله تعالى (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ومَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) كيف يصح ذلك عندكم وأنتم تقولون أراد من الكل الهدى وكيف يصح ذلك ونحن نعلم ان الكافر لا يكون ضيق الصدر بكفره بل ربما يكون أشرح بما هو عليه من المؤمن. وجوابنا ان المراد فمن يرد اللّه أن يهديه بزيادات الهدى كقوله تعالى (وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) لشرح صدره للاسلام لان زيادات الهدى أحد ما يقوي صدر المؤمن على ايمانه وقوله (وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) أي عن هذه الزيادات من حيث يعلم انه لا ينتفع يجعل صدره ضيقا حرجا فتضطرب عليه اعتقاداته الفاسدة اذا فكر فيها. وهذا يدل على قولنا في العدل إنه تعالى يفعل بالمؤمن ما يكون أقرب إلى ثباته على الايمان من شرح الصدر بزيادات الادلة ويفعل بالكافر ما يكون أقرب الى ان يقلع عن الكفر من ضيق الصدر والا فقد هدى الجميع بالأدلة وأزاح لهم العلة حتى لم يؤتوا الا من قبل انفسهم وكل كافر اذا فتشت عنه متى نوظر وكلم يضيق صدره بما هو عليه من الكفر عند ايراد الادلة عليه لكنه يكابر ظاهرا ويوهم انه على بصيرة ولذلك قال تعالى من بعد (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ).
[مسألة]
وربما سئل عن قوله تعالى (وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) كيف يصح منه تعالى ان يوليهم مع ظلمهم أو ليس قد قال

في سورة البقرة (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). وجوابنا ان ذلك شبيه بقوله تعالى (وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) فاللّه تعالى يقوي الظالم على غيره من الظلمة ليدفعه عن الظلم ولو لا ظلمه لكان لا يمكنه من ذلك وذلك ليس مخالفا لقوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) اذ المراد بذلك النبوة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أما يدل ذلك على جواز المكان للّه تعالى. وجوابنا ان هذه الاضافة إضافة إعظام وإكرام كما يقال ان لزيد قدرا عظيما عند عمرو لا يراد به المكان ولذلك قال تعالى بعده (وَ هُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ) أو ليس في ذلك دلالة على أن في الجن والانس الكفار من لا يخلد في النار. وجوابنا ان المراد ما شاء اللّه ممن لا يبقى على كفره ولأنه تعالى (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها) ومن الجائز ان يؤمن بعضهم فقال (إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) أ ليس يدل ذلك على وجوب حق يوم الحصاد خاصة. وجوابنا في ذلك انه قد روى وجوب هذا الحق من قبل وانه نسخ بالعشر والزكاة وروى أيضا ان المراد به نفس العشر لانه يدخل تحت قوله وآتوا حقه يوم حصاده، والتوقيت بذلك الوقت انما دل به على الايجاب والكلام في كيفية اخراجه يرجع فيه الى دليل الشرع.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) ثمّ قال في آخره (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) كيف يصح ان يجازيهم على بغيهم بتحريم ما يحرمه ولهم في اجتناب ذلك المحرم

ثواب فيصير من هذا الوجه نعمة فكيف يصح أن يكون عقوبة. وجوابنا ان المراد جزيناهم على بغيهم بتحريم ذلك عليهم من حيث نعلم ان جزاء البغي لا يكون ما يؤدي الى النفع والى الثواب وذكر بعده ما بيّن به من وجوه أنه تعالى لا يريد الشرك والكفر فقال (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا ولا آباؤُنا ولا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) وهذا مقالة المجبرة فقال تعالى (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) والمراد كذب الرسل الذين دعوهم الى خلافه وهو قولنا انه تعالى لا يشاء الشرك ولا سائر القبائح ثمّ قال (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) وهو العذاب. والعذاب لا يذاق الا على القول القبيح ثمّ قال (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) ولا يقال ذلك الا للمبطل ثمّ قال (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) ولا يقال ذلك للمحق ثمّ قال (وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) والمراد تقدرون ما يكون كذبا أو في حكم الكذب كما قال تعالى (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) ثمّ قال بعده (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) عاطفا على ما تقدم ثمّ قال (وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) بين به انه انما أراد خلاف الشرك منهم اختيارا ليفوزوا بثوابه ولو شاء ان يهديهم لهداهم اجمع. ثمّ انه تعالى عهد الى عباده بعهد جامع ووصاهم به فقال (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ومن تأمل هذه الآيات وعمل بها اغنته عن كل دليل ثمّ قال في آخره (وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فبين ان كل ما تقدم ذكره من وصاياه جل وعز لعباده والوصايا في الشاهد يجب القيام بحقها فوصية اللّه تعالى أولى بذلك خصوصا وانما وصاهم بذلك لحظهم ولما يعود عليهم من النفع.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ)

(عَشْرُ أَمْثالِها) كيف يصح ذلك في كل الحسنات. وجوابنا انه قد قيل في ذلك ان المراد به التفضل الزائد على الثواب فمنّ اللّه تعالى بذلك في كل حسنة ترغيبا في الطاعة وقيل فيه أيضا إن المراد فله عشر أمثالها في أنها حسنة وان كان الواحد من ذلك ثوابا عظيما والثاني تفضل وهو دون ذلك الثواب فاذا تأولناه على هذا الوجه زال القدح.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) كيف يصح ذلك مع تقدم اسلام سائر الانبياء وأممهم. وجوابنا ان المراد بذلك وأنا أول المسلمين من قومي لأنه قد تقدم قوله (قُلْ إِنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيايَ ومَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ومعلوم أنه صلّى اللّه عليه وسلم كان أول من أسلم بذلك من أمته وقوله تعالى (وَ لا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) دليل بيّن في أن الفعل للعبد وأنه لا يؤاخذ بما يكون من فعل غيره وأن قول من يزعم أن أطفال المشركين يعاقبون بذنوب آبائهم خطأ عظيم ومعنى قوله (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) ان اليه المرجع خاصة دون غيره لا كما قد عهد في الدنيا أن غير اللّه قد يرجع اليه في الامور ولذلك قال تعالى (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ولو كان المراد الرجوع الى المكان لم يصح هذا القول ولم يكن فيه فائدة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) بعد ذكر القرآن وهذا يوجب أنه آتاه الكتاب بعد القرآن وذلك لا يصح.
وجوابنا أن لفظة ثمّ ربما دخلت لفظا لا معنى ويكون المراد ترتيب الاعراب والاخبار كما يقال علمت فلانا العلم ثمّ ربيته فيكون قصده اعلام انعامه عليه لا ترتيب ذلك فكأنه قال ثمّ نعلمك يا محمد انا أتينا موسى الكتاب.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ

ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) أ ليس ذلك كالاغراء بالتكذيب. وجوابنا ان المراد لمن يتوب منهم ولذلك قال (وَ لا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ويحتمل فان كذبوك فقل ربكم عاجلا ذو رحمة واسعة في الرزق وغيره فيمهل ويرزق ولا يعجل بالعقوبة. ويحتمل فقل ربكم ذو رحمة واسعة علينا وعلى من خالفنا لا يرد باسه عنه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) كيف قال ذلك وهو يؤخره الى الآخرة. وجوابنا انه وصف قدرته على ذلك على وجه الردع وليس المراد بيان كيف يقع، وبعد فان سريع يستعمل على وجه الاضافة الى ما هو أعظم منه في المدة او لانه يعقب الموت ثمّ يقال بتقدير السريع لان ما بين الامانة والاعادة طويله كقصيره.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ كَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) كيف يصح ذلك.
وجوابنا انه تعالى أخبر بذلك عن شركائهم فقال شركاؤهم ليردوهم فلا سؤال علينا في ذلك.

سورة الاعراف
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) كيف يصح أن يقول لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم والحرج هو الشك والشك لا يجوز عليه في القرآن. وجوابنا أن ذلك نهى وقد ينهاه عز وجل عن المعلوم انه لا يقع كما قال اللّه تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وبعد فليس الحرج هو الشك فيحتمل أن يريد به لا يكن في صدرك الضيق من القيام باداء القرآن وابلاغه ولذلك قال بعده (لِتُنْذِرَ بِهِ وذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) واذا بعثه اللّه تعالى على الأداء وتوعده على تركه فغيره بذلك أولى.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً) كيف يصح بعد اهلاكهم أن يعاقبهم. وجوابنا ان المراد أهلكناها بما جاءهم من بأسنا كما يقال أهلكنا القرية فخربناها وليس الاهلاك غير التخريب وانما بيّن وجه التخريب وقد قيل ان فيه تقديما. وتأخيرا فكأنه قال وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) كيف يصح ذلك ولم يمنع من أن لا يسجد وإنما منع من السجود.
وجوابنا ان المراد ما منعك أن تسجد وهو كقوله (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) والمراد لكي يعلموا وكقوله (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) والمراد أن لا تضلوا فاذا كان تعالى أمره بالسجود كما قال (ما

مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) فقد نبه بقوله اذ أمرتك على أن المراد ما منعك أن تفعل ما أمرتك وذلك يدل على قدرة ابليس على السجود كما نقوله وان لم يفعله.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) لما ذا خص ذلك المكان بأنه لا يتكبر فيه دون غيره والتكبر محرم في كل مكان. وجوابنا ان في الأماكن ما يكون له منزلة فنفس المقام فيه يكون كالتكبر. فلما جعل تعالى ذلك الموضع مقرا للانبياء جاز أن يقول ذلك لا أن التكبر يحسن في غيره ولذلك قال بعده (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) كيف يصح وقد كفر ابليس أن يجيب دعاءه. وجوابنا ان فعل ما سأل العبد قد لا يكون اجابة متى فعل لا لمكان المسألة في أنظاره بل لأن في تبقيته مصلحة العباد ليتحرزوا من المعاصي ومصلحة له في التكليف.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) كيف يصح من اللّه تعالى أن يفعل به أو بغيره ذلك وهو قبيح. وجوابنا أن المراد بما أحرمتني الثواب وخيبتني منه وليس المراد به الضلال بل المراد به الحرمان ولذلك قال بعده (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ومِنْ خَلْفِهِمْ) الآية ولا يليق ذلك الا بأن يقول اذا أحرمتني الثواب وخيبتني وقطعت رجائي لأفعلن كيت وكيت.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) كيف الحكم في ذلك وهو كالغيب. وجوابنا أنه يجوز أن يكون

قد عرف ما سيكون من الناس من حيث أعلم اللّه بذلك الملائكة فقالوا (أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها). فجوابنا في هذه المسألة كالجواب في تلك المسألة.
[مسألة]
وربما قيل اذا كان اللّه تعالى قد أخرجه من الجنة وقال لآدم (اسْكُنْ أَنْتَ وزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) فكيف يصح أن يوسوس كما قال تعالى (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ). وجوابنا أنه يجوز أن يخاطبهما وهو خارج الجنة ويجوز منهما أيضا أن يخرجا من الجنة فيراهما فليس في ذلك مناقضة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) كيف يصح ذلك على الأنبياء. وجوابنا أن الذي وقع منهما من الصغائر وقع على وجه التأويل لكن الأنبياء لما عظم اللّه من محلهم تعظيم الصغائر عند أنفسهم فعلى هذا الوجه (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) وقد يكون المرء بالصغيرة ظالما لنفسه من حيث حرمها الثواب الذي نقص لمكان الصغيرة ومن حيث يجب عليه التأسف والندم ولذلك غم عظيم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) كيف يصح ذلك وقوله للملائكة كان قبل ان خلقنا وصورنا. وجوابنا ان المراد خلقنا من هو أصلكم فذكر أولاده من حيث تفرعوا عنه فالمراد خلق آدم وهو كقوله جل وعز في سورة البقرة لأهل الكتاب (وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ) والمراد آباؤهم الذين أولادهم لم يحصلوا على هذا الوصف.
تنزيه القرآن (10)

[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) كيف يصح وعندكم أنه قد هدى الجميع. وجوابنا ان المراد في الآخرة وفي الآخرة يكون الهدى بمعنى الثواب كانه قال فريقا هداهم الى الجنة بحسن طاعتهم وفريقا حق عليهم الضلالة وذلك اخبار عن حال ما يعاد لكي يكون أقرب الى الطاعة ولذلك قال بعده (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) يعني ان الضلالة حقت عليهم لهذه الطريقة التي كانت منهم في الدنيا.
[مسألة]
وربما سألوا عن قوله تعالى (وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ) أ ليس ذلك يوجب أن أحدا لا يقدر على قطع الأجل بالقتل وغيره على ما يقوله بعض المجبرة. وجوابنا ان الأجل هو الوقت الذي يعيش المرء اليه فسواء انقطعت حياته بالقتل أو باماتة اللّه تعالى إياه، فذلك الوقت هو أجله لا أجل له سواه، والعبد قادر على كل أحد، لكن ما المعلوم خلافه لا يقع لانه لا يصح أن يفعله.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولكِنْ لا تَعْلَمُونَ) كيف يصح الضعف في العقاب وليس العقاب مما يصح فيه الزيادة فان الزيادة عليه ظلم وجوابنا انهم أرادوا الدعاء عليهم بمزيد العقاب فليس من يضل ولا يضل ولا يقتدى به بمنزلة من يضل ويضل ومعنى قوله تعالى (قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ) أنه لا أحد منهم الا ويستحق من العقاب زيادات على قدر معاصيه إما في الوقت أو في الأوقات.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) كيف يصح ذلك والجنة ما خلقت بعد ولا دخلوها ولا دخلوا النار. وجوابنا أن التقدير في ذلك أنه تعالى كتب في اللوح المحفوظ أني

سأكلف الناس، فمن أطاع منهم أدخله الجنة ومن عصى أدخله النار فعند ذلك ينادي أهل الجنة أهل النار. وينادي أهل النار أهل الجنة وليس كل ما كتب في اللوح المحفوظ ينزله تعالى الى الرسول صلّى اللّه عليه وسلم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) كيف يصح والنسيان على اللّه تعالى لا يصح. وجوابنا أن المراد فاليوم لا نجازيهم بالحسنى كما لم يحسنوا بالطاعة وأهل اللغة يستعملون النسيان بمعنى الترك وحقيقته ما ذكرناه. وفي قوله (لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) دلالة على أن كل آية ذكر اللّه تعالى فيها اللقاء وذكر نفسه أراد به غيره من اليوم أو الثواب أو غيرهما.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا واسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) كيف يصح ذلك وأبواب السماء لا تفتح لغيرهم أيضا. وجوابنا ان المراد لا تفتح لصحفهم التي فيها أعمالهم كما قال تعالى (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) وان كتاب الأبرار لفي عليين وتخصيصهم بالذكر لا يمنع من كون الفساق بمنزلتهم وقوله تعالى (وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) وهو على وجه التبعيد يحقق أن دخولهم الجنة لا يقع وقوله من بعد (وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) يدل على ان الفاسق بمنزلتهم وذلك اذا مات على فسقه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) ما فائدة هذا السؤال في الآخرة وكلهم يعرفون ذلك. وجوابنا انهم قالوه على وجه التوبيخ لهم لا على طريق المسألة والتعرف وقوله (نِعْمَ) كالاعتراف بتقصيرهم في الدنيا وانهم

14 / 47
ع
En
A+
A-