(بَعْلِها نُشُوزاً) هلا قال علمت وذلك مما يعلم. وجوابنا ان النشوز من الزوج وان ظهر فان ذلك يبدو منه لا محالة ولا يعلم وانما يخاف ولا جل ذلك يستحب الصلح فلذلك ذكر اللّه تعالى الخوف دون العلم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) كيف يصح ذلك والكثير منهم مات على كفره. وجوابنا انه خاص بقوم منهم ويحتمل أن يكون المراد عند المعاينة يعرفهم اللّه تعالى ذلك ويؤمنون به وان كانوا ملجئين الى ذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ) كيف يصح لاجل ظلمهم ان يحرم عليهم ولهم في اجتناب ذلك ثواب وهو نفع لهم فكيف يعاقبون به. وجوابنا ان المراد ان عند ظلمهم كان الصلاح تحريم ذلك الا انه عقوبة لان التكليف نعمة وليس عقوبة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ والْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) كيف قال تعالى بعده (وَ الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) وذلك لا يجوز في اللغة. وجوابنا ان بعضهم قال هو نسق على ما التي في قوله بما أنزل اليك فكانه قال انهم يؤمنون بما أنزل اليك وبالمقيمين الصلاة وقيل أيضا قال بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك وبالملائكة المقيمين الصلاة وقيل كانه قال ويؤمنون بالمقيمين الصلاة وقيل كانه قال وباقام الصلاة وقيل لما طال الكلام نصب المقيمين على وجه المدح.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) أ ليس ظاهر الآية أنه يخص من
يشاء بالتزكية. وجوابنا أن التزكية من اللّه هي المدح والثناء وذلك لا يكون الا من قبله أو بأمره.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ) أ ليس يدل على أنه يضل وأنه لا سبيل لمن ضل الى الهدى. وجوابنا ان المراد من أضله اللّه عن الجنة لا يصح أن يهديه الى الجنة والثواب وقد حكم عليه بالعقاب.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) أنه يدل على أن يسلط الكفار على المؤمنين. وجوابنا أن المراد به لو شاء لفعل لكنه لا يفعل لقبحه وذلك جائز عندنا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) ان ذلك يوجب انه تعالى جسم يحيط بالأشياء. وجوابنا ان المراد به إحاطة العلم لقوله تعالى (وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ ولَوْ حَرَصْتُمْ) كيف يصح ذلك وقد أمرنا أن نعدل بين النساء. وجوابنا أن المراد بذلك أن نعدل بينهن في الشهوة والمحبة لا فيما يتصل بالنفقات والقسم وغيرها وروي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم انه قال هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك فانه صلّى اللّه عليه وسلم كان يقسم الليالي بين نسائه على السواء لكنه فيما يرجع الى شهوة القلب كان لا يمكنه التسوية لان الشهوة من قبل اللّه تعالى.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ولا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا). فبيّن انه لا سبيل لهم الى
ترك الكفر وهذا خلاف قولكم ان اللّه تعالى قد مكن وأزاح العلة. وجوابنا أن المراد انه لا يغفر لهم في الآخرة ولا ليهديهم سبيلا الى الثواب.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) ان ظاهره يدل على انه منعهم من الايمان.
وجوابنا ان المراد بالطبع والختم قد فسرناه وانه علامة وليس يمنع ولذلك قال تعالى (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) ولو كان منعا فمنع القليل كما يمنع الكثير وربما قيل في قوله تعالى (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) انه قال بعده (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) فدل بذلك ان الايمان من فعله.
وجوابنا انا نقول في الايمان انا وصلنا اليه باللّه تعالى وبفضله وألطافه. وبعد فليس في الظاهر ما قالوه بل المراد فمنّ اللّه عليكم بالأدلة والبيان وإرسال الرسل وذلك صحيح.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ولا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) كيف يصح أن يهديهم الى طريق جهنم والهداية لا تكون الا في المنافع.
وجوابنا ان ذلك مجاز فشبه ذلك بالهداية الى الثواب لما كان طريقا اليها ويحتمل أن يريد لكن يسوقهم الى جهنم فيكون في حكم المبتدأ من الكلام.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ) ما الفائدة في اثنتين وقد عرف ذلك بقوله كانتا. وجوابنا إنه كان يجوز أن يقال بعد قوله كانتا صغيرتين أو صالحتين الى غير ذلك من الصفات فأفاد بقوله اثنتين ان المراد العدد وذلك فائدة صحيحة.
سورة المائدة
[مسألة]
وربما سألوا في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) كيف يليق بذلك قوله من بعد (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ). وجوابنا أن قوله عز وجل أوفوا بالعقود قد دخل تحته عقد التكليف كما يدخل تحته العقود في المعاملات وغيرها فجعله تعالى مقدمة لذكر التعبد فلذلك قال (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) ثمّ بين بعده ما حرمه من الميتة والدم وغيرهما ومثل ذلك يعظم موقعه من الحكيم اذا قدمه امام أمره ونهيه كما يحسن من أحدنا أن يقول لولده التزم عهدة البر فمن سبيلك أن لا تخالفني في كيت وكيت فالكلام متسق والحمد للّه وقيل ان تقدير الكلام كأنه قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يا أيها الذين آمنوا أحلت لكم بهيمة الانعام فعلى هذا الوجه يكون الكلام أبين.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ ولَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) كيف يصح أن يحل الأماكن والأوقات. وجوابنا ان المراد لا يحل ما حرم في هذه الاماكن والاوقات فلا يجري ذلك مجرى الأمور التي يحل التصرف فيها مطلقا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) كيف يصح ذلك ولم يكن الدين من قبل ناقصا اذ لا يجوز أن يقال كان دينه صلّى اللّه عليه وسلم قبل ذلك اليوم ناقصا. وجوابنا أن المراد الكمال الذي لا يتغير
بعده ولا ينسخ ويقال انه آخر ما أنزله اللّه على الرسول. والدّين وان كان كاملا في كل وقت من حين بعثه اللّه تعالى فقد يصح فيه الزيادات في الادلة وفيما يلزم المرء يبين اللّه تعالى استقرار ذلك وكذلك قوله تعالى بعد ذلك (وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) أن المراد انه استقر حتى لا يتغير لا انه كان من قبل غير مرضي وقد يكون الشيء كاملا مرضيا وهو أنقص من شيء آخر كامل وعلى هذا الوجه فقول في الايمان والاسلام والدين انها تزيد وتنقص وعلى هذا الوجه يكون دين المسافر كاملا وان قصر في الصلاة وأفطر في الصيام كما يكون دين المقيم كاملا وكذلك القول في الغني والفقير.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ والْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ والْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) كيف يصح ذلك وقد كان قبل ذلك اليوم حلالا وكيف يصح ذلك وقد أكمل اللّه تعالى الدين من قبل. وجوابنا أن في جملة ما أحله اللّه ما لا يعلم الا بالشرع وهو نكاح الكتابيات وعلى هذا قال الفقهاء ان بذلك نعلم إباحة نكاحهن حتى قال بعضهم ان ذلك ناسخ لقوله تعالى (وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) وقال بعضهم بل هو مخصص فلما كان ذلك في جملة ما أحله اللّه تعالى جاز أن يقيده باليوم.
وبعد فقد يقال اليوم أحل كذا وأن كان حلالا من قبل وهذا هو اليوم الذي ذكر اللّه تعالى انه أكمل فيه الدين فذلك داخل تحت الدين هذا هو مذهب أكثر القدماء وقد قال بعضهم إن المراد بقوله (وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) من أسلم منهن ولم يجوز نكاحهن وهن على كفرهن والقول الاول أبين.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ
فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) كيف يصح الكفر بالايمان وانما يكفر المرء باللّه تعالى.
وجوابنا ان المراد جحد الايمان فان من جحده فقد غطاه فشبه ذلك بالكفر الذي هو التغطية كما يقال يكفر بالسلاح وعلى هذا الوجه قال تعالى في آية الحج (وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) ويقال ان فلانا كفر بالصلاة وكفر بالنبي والمراد ما قدمنا لكنه لا يطلق ذلك الا في جحد هذه الشرائع أو الجهل بها.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ومِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وأَطَعْنا) كيف يصح ذلك والمكلف منا ومن غيرنا لا يذكر ذلك ويعلم ان القول لم يقع منه قبل التكليف. وجوابنا ان ذلك أمر من اللّه تعالى أن يذكروا ذلك والذكر هو العلم بما يتجدد من النعم حالا بعد حال ونفس العلم ربما علم باضطرار وان كان انما يعلم انه من نعم اللّه باستدلال فأما الميثاق من اللّه تعالى فهو العلم بما أودع في العقل من التكليف ولا عاقل الا ويقر بانه يقبح منه الظلم القبيح فيجب عليه الانصاف وغيره فهذا هو المراد ولذلك قال بعده (وَ اتَّقُوا اللَّهَ) يعني فيما ألزم وكلف (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) وقال قبله عند ذكر التيمم (ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) فدل تعالى بذلك على انه لم يضيق على المكلف بالطهارة والماء معوز بل وسع فألزم التيمم بالموجود من التراب فكيف يصح مع ذلك أن يقال انه تعالى يكلف المرء الايمان وسائر الطاعات وهو لا يطيقه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) ان ذلك يدل على انه تعالى يخلق قسوة القلوب وسائر المعاصي. وجوابنا ان قوله (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) دلالة على انهم نقضوا وأنه لاجل ذلك لعنهم فجعل قلوبهم قاسية ولا يصح ذلك الا والكفر قد تقدم منهم واذا صح ذلك وجب حمل
قوله (وَ جَعَلْنا) على ان المراد حكمنا بذلك كما يقال جعلت الرجل بخيلا اذا سألته فظهر بخله ويحتمل ان يريد تعالى أنه جعل قلبهم على صفة يحتاجون معها الى مزيد تكليف في الطاعة ومثل ذلك يكون من قبل اللّه تعالى كما تقول في الجبن والشجاعة والذكاء والبلادة ولفظة الجعل وان دلت على الفعل فقد يراد بها غير ذلك كقوله تعالى (وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) والمراد اعتقدوا ذلك فسموهم وكقوله في القصاص (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) والمراد حكمنا بذلك وقد قيل ان المراد به انا خليناهم وقد يقال للرجل اذا ترك ان يعمر أرضه قد جعله خرابا واذا لم يؤدب ولده يقال قد جعله فاسدا الى غير ذلك ولو لا صحة ما ذكرناه لما قال بعده (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ونَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) فذمهم على ذلك.
[مسألة]
وربما قيل كيف يجوز أن يقول تعالى (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ والْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) واللّه تعالى لا يغري بالعداوة ولا يبعث عليها. وجوابنا أن اللّه تعالى ذكر بني اسرائيل ووعدهم بشرط أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويؤمنوا بالرسول ثمّ قال (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) ثمّ قال (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) ثمّ قال من بعد (وَ مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) ثمّ قال (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ) لما لم يتمسكوا بالميثاق والمراد بذلك انه خلاهم عن الالطاف التي لو تمسكوا بطاعة اللّه لكان يفعلها بهم فلما لم يتمسكوا بها لم يكن ذلك اللطف لطفا لهم فجائز أن يقال أغرى بينهم وهذا كقوله تعالى (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) لما لم يلطف بهم وهذا كما يقال فلان يرسل كلبه اذا لم يمنعه وقد قيل ان ذم اليهود والنصارى على التثليث وذم النصارى لليهود على تكذيب عيسى مما يحسن فاذا أغرى تعالى بينهم في ذلك حسن وعلى هذا
الوجه يحسن من أحدنا معاداة الكفار ويحسن من الكافر الذي يعبد الصنم معاداة المبتغى للشبهة معاداة عابد الصنم ومثل هذه المعاداة ربما تكون لطفا في التمسك بالحق.
[مسألة]
وربما سألوا في قوله تعالى (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) فقالوا كيف خص هؤلاء بأن يهديهم بالقرآن.
وجوابنا لانهم اذا اختصوا بقبوله جاز أن يخصهم كما ذكرناه في قوله تعالى (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ) ان ذلك يدل على أن ترك الكفر وفعل الايمان من قبل اللّه تعالى. وجوابنا أن الظاهر أن الكتاب الذي هو القرآن يخرجهم من الظلمات الى النور باذن اللّه ومعلوم انه لا يخرج في الحقيقة عن الكفر الى الايمان وإنما يقال ذلك لما كان سببا لإيمان الكافر فأما قوله باذنه فالمراد انه بأمر اللّه وعلمه وذلك صحيح لانه تعالى ألزم أمر الايمان.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) كيف يصح ذلك وليس في النصارى من يطلق ذلك. وجوابنا ان من يقول منهم بأن اللّه تعالى اتخذ المسيح فصار لاهوتا بعد ان كان ناسوتا وانه يحيي الموتى وانه يلزم عبادته فهو قائل بهذا القول في المعنى ولذلك قال تعالى بعده (وَ قالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ) فنبه بذلك على أن المراد ما ذكرناه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) كيف يصح تحريم الجنة عليهم ولا اختيار لهم تنزيه القرآن (8)
فيها. وجوابنا ان ذلك يقال فيما يقع للناس فيه من المنافع تشبيها بما يلزم المرء أن يتجنبه من المحرمات وذلك معقول في اللغة والتعارف ولذلك قال تعالى بعده (وَ مَأْواهُ النَّارُ وما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) ونبه بذلك على ان من يستحق العقاب والنار لا ناصر له.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) كيف يصح ذلك وليس في النصارى من يقول هذا القول بل يقولون الاله واحد لكنه يوصف بأنه ثلاثة أقانيم أب وابن وروح القدس. وجوابنا انه تعالى لم يحك عنهم انهم يقولون ثالث ثلاثة آلهة، بل قال انهم يقولون ثالث ثلاثة وهو معنى قولهم اذ أثبتوا ابنا وأبا وروحا قديمات وعلى هذا يقول في هؤلاء المشبهة انهم يثبتون معبودهم ثالثا ورابعا وعاشرا اذا قالوا ان معه علما وقدرة وحياة قديمة ولا معتبر بالعبارات في ذلك ولو لم يصح ما ذكرناه لقطعنا على انه كان فيهم من يقول ذلك ولم نعلمه ولذلك قال بعده (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) كيف يصح أن يقول ذلك وقد كان في زمانه مثل يوشع بن نون وغيره مما صار نبيّا.
وجوابنا (إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وأَخِي) أراد ملكا مخصوصا حتى يجري أخاه مجرى نفسه في كل وجه ولم يكن ذلك حال غيرهما فلا يصح ما ذكرته.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) كيف يصح أن يبقوا يتيهون فيها هذه المدة الطويلة وعلى ما يقال تلك البقعة انما هي فراسخ قليلة. وجوابنا ان ذلك جائز في قدرة اللّه تعالى بأن يكونوا اذا قربوا من الطرف يحول اللّه تعالى
الطرف وسطا فيكون حالهم أبدا وكذلك جائز في أزمان الأنبياء فيكون معجزة لهم ويجوز أيضا ان تتغير دواعيهم ومقاصدهم حالا بعد حال بأن يكون تعالى يطرح قلوبهم بأن يصرفهم عن الخروج عن التيه والتحير فيه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وإِثْمِكَ) كيف يجوز أن يقول هابيل هذا لقابيل والاثم يختص هو به في قتله أو ليس ذلك يدل على ان من ليس بعاص قد يلحقه اثم العاصي. وجوابنا ان الذي فعله به من القتل لما كان متعلقا بهابيل جاز أن يقول ذلك وكانه قال (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي) يعني قتلي واثمك يعني سائر ما فعلته حتى وصلت الى قتلي وقد قيل كيف يصح أن يريد ذلك وهو قبيح. وجوابنا ان المراد ارادته للذم والعقاب لا لنفس القتل الذي هو معصية ولذلك قال بعده (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) فكأنه أظهر انه مريد لوقوعه في النار من حيث فعل ذلك ليصرفه عن هذا القتل بهذا القول.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) أ ليس ذلك يدل على ان نفس الانسان سوى شخصه وهو يطيعها فيما يفعل. وجوابنا ان مثل ذلك قد يطلق في اللغة فيقال أطاعه نفسه وعصت فيمن يتبع الهوى والشهوة أو يخالف فلا يدل على ما قاله ولذلك قال تعالى (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) ولم يقل فأصحبت نفسه خاسرة.
[مسألة]
وربما قيل كيف خفي عليه بعد قتله له أن يدفنه في الأرض حتى ينبه على ذلك بما بعثه اللّه تعالى من الغراب فأراه ذلك.
وجوابنا ان ذلك كان ابتداء القتل والموت لا تمتنع الشبهة فيه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ مِنْ)