وروينا عن أبي سعيد أنها لما نزلت هذه الآية جللهم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- بكساء وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) قال: وأم سلمة على باب البيت، قالت: يا رسول الله وأنا، قال: ((وأنت إلى خير)).
وروي عن عائشة وأم سلمة أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- اشتمل بالعباءة قد ألصق صدر علي إلى صدره، وصدر فاطمة إلى ظهره، والحسن عن يمينه، والحسين عن شماله؛ ثم ضمهم ونفسه بالعباء قالت عائشة: ولقد لفهم فيه حتى أنه جعل أطرافه تحت رجليه ورفع طرفه إلى السماء وأشار بسبابته وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أنا سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم، اللهم وال من والاهم وعاد من عاداهم، وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم)) .
قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم-: ((وجبريل حاضر يؤمّن على الدعاء)) قال: (وأنا معكم) قلت: ((نعم)).
وروينا عن أم سلمة أنها نزلت في النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- وعلي وفاطمة والحسن والحسين -عليهم السلام-.

وروينا عن عائشة قالت: خرج رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- من عندي، وعليه مرط مرحل من شعر أسود قالت: فجاء الحسن فأدخله معه ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ثم جاء علي فأدخله معه ثم ضم المرط عليهم ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33)})).
وروينا عن أم سلمة قالت: في بيتي نزل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33)} [الأحزاب]، وفي البيت سبعة: جبريل وميكائيل والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- وعلي وفاطمة والحسن والحسين وأنا على باب البيت جالسة فقلت: يا رسول الله ألستُ من أهل البيت؟
فقال: ((إنك على خير، إنك من أزواج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم-)) وما قال إني من أهل البيت.
وروينا عن أم سلمة أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) فنزلت هذه الآية في بيتي، فقلت: يا رسول الله وأنا منهم؟ قال: ((وأنت إلى خير)) .

قال رضي الله عنه: فثبت أنهم مرادون بهذه الآية، ولأنه لا يسبق إلى الأفهام عند إطلاق لفظ أهل البيت غيرهم، ولا يشاركهم في هذا الإطلاق أحد من أقارب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- إلا بقرينة ، فثبت بذلك أن هذا الإطلاق حقيقة فيهم مجازٌ في غيرهم، ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم جمعهم تحت الكساء ثم قال: ((اللهم هؤلاء عترتي أهل بيتي...الخبر)) قالت أم سلمة رحمها الله: فرفعت الكساء لأدخل معهم فدفعني، ثم قال: ((مكانك وإنك على خير)).
قال رضي الله عنه: وهذا الخبر مما ظهر بين الأمة واشتهر حتى قيلت فيه الأشعار، وتواترت فيه الأخبار، فكان ذلك مخصصاً لأهل بيته من دون سائر أقاربه، ومن دون زوجاته بإقرارهن على أنفسهن، وإقرارهن على أنفسهن أقوى حجة، فلو أمكن دعوى كون الآية عموماً في جميع أقاربه لخرجت بهذا الخاص من العموم وبنيت عليه، ومن مذهبنا بناء العام على الخاص.
قال [رحمه الله]: قال الإمام المنصور بالله عليه السلام في هذا بعينه، وقد قدمنا الكلام في أن العام يبنى على الخاص، وأن عموم الكتاب والسنة يُخَصّ بخبر الواحد، فكيف بما هو معلوم من طريق النقل المتواتر، فثبت أنهم مرادون بها، فوجب أن يكون ما ادعوه حقاً لا شبهة فيه.

وأقول: قد تقدم ما يشبه هذه الرواية في رواية المنصور بالله -عَلَيْه السَّلام- وإنما أردنا التأكيد بما رويناه من كتاب جدي المرتضى رضي الله عنه؛ لأن الروايات إذا تظاهرت وتكاثرت أفادت شهادة في قوة العلم بها، ولأن في كل رواية فيها مزيد فائدة لمن تأملها وتدبرها، زادنا الله علماً وفهماً.
قال رضي الله عنه: ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] ، روينا عن ابن عباس أنها لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: ((علي وفاطمة وأبناؤهما)).
ومن شرط المحبة الاتباع، قال الله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ} [آل عمران:31] ، ومن لم يتبعهم فلم يودهم فكأنه تعالى أمر باتباعهم.
قال رضي الله عنه: والمروي عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- أنه قال: ((إن الله تعالى جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي وإني سائلكم فمحفكم المسألة)) .
وقوله -عَلَيْه السَّلام-: ((إن الله فرض فرائض ففرضها في حال وحقنها في حال، وفرض ولايتنا أهل البيت فلا يضعها في حال من الأحوال)) .

قال رضي الله عنه: ومن ذلك قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(61)} [آل عمران] .
قال [-رضي الله عنه-]: لا اختلاف بين الأمة أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم لا يقدر أحد من الخلق يدعيها لنفسه ولا لغيره، فأنفسنا علي عليه السلام، ونساءنا فاطمة صلوات الله عليها، وأبناءنا الحسن والحسين عليهما السلام.
قال رضي الله عنه: فكيف يسوغ التقدم على نفس رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم-، حاشا وكلا، وقال رضي الله عنه: في هذه الأخبار كلها سماع.
قال رضي الله عنه: ومن ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا..الآية} [فاطر:32] ، وأهل البيت عليهم السلام مجمعون بأنهم المرادون بهذه الآية، فأخبر تعالى أنهم صفوته من خلقه، وصفوة كل شيء أفضله، ولذلك كانوا أفضل الخلق، والأفضل أولى بالرجوع إليه.

قال رضي الله عنه: ومن ذلك قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) } [الأحزاب] ، فمنهم من قضى نحبه حمزة -رضي الله عنه وأرضاه- وجعفر بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث ومن معه، جاهدوا حتى قتلوا، وكانوا عاهدوا الله لا يولون الأدبار؛ ومنهم من ينتظر علي بن أبي طالب -عَلَيْه السَّلام- مضى على الجهاد ومات على ما عاهد لم يغير ولم يبدل، وقوله: ينتظر إلى ما صار إليه إخوانه من درجة الشهادة.
قال رضي الله عنه: ولما روينا أنه حين قتل زيد بن علي وبلغ نعيه إلى جعفر بن محمد -عليهم السلام-، استعبر باكياً ثم تلا: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:23] ، ثم قال : (ذهب والله عمي زيد وأصحابُه على ما ذهب عليه جدُّه عليٌّ والحسن والحسين، شهداء من أهل الجنة، التابع لهم مؤمن والشاك فيهم ضال، والراد عليهم كافر، وأنهم ليحشرون يوم القيامة أحسن الناس زينة وهيئة ولباساً، وفي أيديهم كتب كأمثال الطوامير فيقول الملائكة: هؤلاء خلف الخلف ودعاة الحق، ولا يزالون كذلك حتى ينتهى بهم إلى الفراديس العلا، فويل لقاتلهم من جبار الأرض والسماء).

قال [رضي الله عنه وأرضاه] وقوله تعالى: {وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب:6] ، ابتدأ الله بذكر الولاية فقال: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6] ، ثم عقب ذلك بقوله: {وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} ، دلّ على أن أولاده أولى بمقامه في الوَلاَيات من غيرهم، يوضح ذلك ما تقدم في (خبر الغدير) إلى غير ذلك من الآيات المنبهة على ما قصدناه.
قال [رضي الله عنه وأرضاه]: ومن (تفسير الثعلبي) في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} [الشورى:23] ، قال: المودة لآل محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم-.
قلت: هذه الآيات التي ذكرها -رحمه الله- مما يختص أهل البيت عليهم السلام قد روى غيره في أهل البيت أكثر منها، والقصد منها ما يكون دليلاً على فضل العترة النبوية، وذلك حاصل (بآية التطهير) و(آية ذوي القربى) وما عداهما زيادة في فضلهم.
ونعود إلى تمام الكلام في ذكر الفصل الثاني المختص بالأخبار النبوية؛ فنقول:

الفصل الثاني: [بيان ما ورد في أهل البيت(ع) من الأخبار النبوية]
وأما الفصل الثاني: وهو في إيراد ما ورد في أهل البيت -عليهم السلام- من الأخبار النبوية فإيرادها في هذا المختصر غير ممكن لأنها تفوت العد، وتجاوز الحد، وحسبك منها ما ذكره الإمام المنصور بالله عليه السلام من كتب الفقهاء دون كتب أهل البيت وشيعتهم الأولياء؛ فإنه ذكر أنها تختص بفصول في فضل العترة الطاهرة يشمل على تسعمائة وعشرين حديثاً، قد ذكرنا فيما مضى مواضعها، وبَيّنا كما بَيّنَ أماكنها.
وأما كتب الأئمة الأطهار وعلماء أتباعهم الأبرار فإنها كما ذكر الإمام المنصور عليه السلام ألوفُ أحاديث، وهي بحمد الله قوية المباني، صحيحة المعاني؛ والقصد في كتابنا هذا الإشارة لا البسط في العبارة؛ فنقول:
قد ذكرنا في تفسير آية التطهير وما ورد من حديث الكساء وهذا الفصل موضعه؛ لأنه دليل مستقل برأسه، وهو مشهور في كتب الصحاح لرسوخ أساسه.
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: من صحيح أبي داود ومسلم ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي وهو ما رواه عن زيد بن أرقم قال : قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- خطيباً بماء يدعى (خماً) بين مكة والمدينة؛ فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر.

ثم قال: ((أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به)) فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: ((وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)) فأوصى بكتاب الله دفعة وبأهل بيته ثلاثاً، تأكيداً للحق، وإيجاباً لامتثال الأمر.
ومن (صحيح مسلم) في الجزء الرابع منه من أجزاء ستة في آخر الكراسة الثانية من أوله، بإسناده يرفعه إلى زيد بن أرقم مثله، إلا أنه قال: ((وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه النور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به)) فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: ((وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي)) .
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: ومن (تفسير الثعلبي) بإسناده عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد -عليهما السلام- قال: نحن حبل الله الذي قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] ، وروايته مقبولة.
ومن (مناقب الفقيه ابن المغازلي) رفعه إلى أبي ذر الغفاري، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم-: ((إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق)) .

قال عليه السلام: وهذا الخبر مما تلقته الأمة بالقبول فصح أن يحتج به، وإذا قد علمنا أن أمة نوح كلها هلكت إلا من ركب السفينة، فكذلك هذه الأمة تهلك إلا من تمسك بالعترة الطاهرة الأمينة.
قال عليه السلام: فوجب على الأمة الرجوع إليهم، فإذا لم يمكن الرجوع إليهم عموماً فليقع الرجوع إلى الصالح، ولا بد للصالحين من إمام يكون هو المفزع وإليه المرجع، والكل كالمضاف إليه.
قال عليه السلام: ومما يزيد ذلك وضوحاً ما رويناه من حديث الثقلين، وقد رويناه من طرق شتى وصح تواتره، فقد روي في الصحاح وغيرها من الكتب المأثورة.
قال عليه السلام: وقد رويناه بالإسناد الموثوق به إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: أيها الناس اعلموا أن العلم الذي أنزله الله على الأنبياء من قبلكم في عترة نبيكم، فأين يتاه بكم عن أمر تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة هؤلاء مثلها فيكم، وهم كالكهف لأصحاب الكهف، وهم باب السلم فادخلوا في السلم كافة، وهم باب حطة من دخله غفر له، خذوا عني عن خاتم النبيين حجة من ذي حجة قالها في حجة الوداع: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) ).

8 / 39
ع
En
A+
A-