وأقول: إن غيرهم من أهل المذاهب وإن كانوا أكثر أتباعاً وأبسط في التصانيف اتساعاً فالعترة النبوية قد أبدت من العلم ما فيه كفاية لمن اكتفى، وشفاء لمن اشتفى، وكيف وهم تراجمة الكتاب، والهداة إلى مناهج الصواب ، وهم الأئمة القادة والذادة السادة ، جمعوا بين العلم والعمل، وبلغوا من طاعة الله منتهى السؤل والأمل ، فتصانيفهم رياض الأبصار، وبها الانتصار على أئمة الأمصار ، فقدّس الله تلك الأرواح الشريفة ، وجمع بيننا وبينهم في المنازل الزليفة، وعصمنا عن الزلل في القول والعمل بمحمد وآله، آمين.
- كما أثبت الناسخ في آخر المخطوطة تكملة لرسالة الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني الموجودة في الأصل، وقد نوّهت عليها في مكانها.
-الناسخ: السيد المهدي بن إبراهيم الجحّافي.
-تاريخ النسخ: سنة (1015هـ) عن أصل نسخة المؤلف التي انتهى من نساختها سنة (808هـ).
-عدد الصفحات: بلغ صفحات مجموع الكتب التي تضمنه هذا المجموع (551) صفحة – الكتاب هذا ما بين الصفحات (253- 515).
-عدد السطور: (18) سطراً في الصفحة الواحدة بمتوسط (12) كلمة في السطر.
-الخط: نسخي جيد.
وأخيراً: لا يسعني إلا أن أتقدّم بخالص الشكر والعرفان إلى كلّ من ساعد في إخراج هذا العمل إلى النور، منهم الأخ الفاضل السيد/ إبراهيم بن مجدالدين المؤيدي الذي ما توانى لحظةً في تقريب كلّ مطلوب.

وأخصّ بالشكر الأخ النبيل/ أحمد بن محمد الحجازي لما بذله من جهود في المقابلة والتصحيح للإخراج الأول من صفّ هذا الكتاب. والسيد/ أحمد بن محمد حجر الذي راجع الكتاب قبل الطبع، ونبّه على بعض الأخطاء.
جعل الله الأعمال خالصة لوجهه الكريم.....إنه على ما يشاء قدير.
عبدالرقيب بن مطهر محمد المطهر، الملقب حجر
صعدة: 12/ ربيع الأول/ سنة 1423هـ
الموافق: 22/ مايو/ 2002م

بسم الله الرحمن الرحيم
[مقدمة المؤلف]
اللهم وفق وسدد وأرشد يا كريم وصلى الله على محمد وآله:
الحمد لله الذي أيّد علوم العترة النبوية بأئمتها، واقتاد الأفهام إلى رياضها العلوية بأزمّتها، وهدى ذوي المعارف لاستخراج فرائد أكنّتها، وراض بأفكارهم جوامح فوائدها في أعنّتها، نحمده أن جعل أئمة العترة أطواد الإيمان، وأسباب الأمان، قرن بهم القرآن، فهم والكتاب الثقلان، ونظمهم في سلك الفرقان، فظهر فضلهم على الناس وبان، أنوار أقمار علومهم أقمار سماء العرفان، وأطواد حلومهم أوتاد الأرض من المَيَدان، هم عرى الحق المشبّهون يوم الطوفان بالسفينة، أبناء باب المدينة، وأسباط فاطمة الأمينة، هم أساس الدين وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة.

أخذوا الكلمة عن آبائهم، وتوارثوا الرواية بأبنائهم، فإسنادهم سلاسل الذهب، وكلامهم قواعد المذهب، متصل علم أوّلهم بآخرهم، ذلك أدنى فضائلهم ومفاخرهم. [الطويل]
ولا عيبَ فيهم غير أن سُيوفهم .... بهنّ فُلول من قراع الكتائبِ
جمعوا بين فضيلتي العلم والجهاد، وألفوا في المحاسن بين الأشتات والأضداد، إذا تأمّل علومهم المتأمّل وفكّر في فنونهم المفكّر، لم يعترضه الشك في أنها علوم من قَصَر نفسه على التصنيف دهره، وأنه كلام من لا حظ له في غير التأليف عمره، ولا يكاد يوقن بأنها علوم من ينغمس في الحرب إذا حمي الوطيس، وكلام من شخصه للرماح يوم الكفاح مغناطيس، يلبس أحدهم لامة حربه وهو يلقي مسائل التدريس، ويركب جواده لقتال أعدائه وهو يفتي أعجب من فتاوي محمد بن إدريس. [المنسرح]
قوم بلوغُ الغلامِ عندهمُ .... طعنُ نحور الكماة لا الحلمُ
إن ركبوا الخيل غير مسرّجة .... فإن أفخاذهم لها حُزُمُ
فإن هدأوا وأمدّ الليل رواقه، ولبس جيده أطواقه؛ رتّلوا القرآن في الصلوات، وأسبلوا على الخدود واكف العبرات، وواصلوا بين الركوع والسجود، ووصلوا صلاة الصبح بالعِشاء والناس هجود ، شنشنة توارثوها كابراً عن كابر ، وحلية أورثوها عن أَسرّة في الفضل ومنابر.

وتراهم إذا رقّصت المعضلات أرباب الدراية، ورنّحت المشكلات أطواد الهداية، يصدرون أجوبتها غضّة طرية، تارة مما نقّحته الفكرة النبوية، ومرة مما خزنته الحافظة النبوية؛ فجواباتهم في النظريات مطبقة لمفاصل الصواب، وفي النقليات مؤيدة بالسنة والكتاب.
وموضع التعجب من سعة علومهم مع سعة أعاديهم، وبقاء مذهبهم على كثرة معاديهم، وما زالت الأموية والعباسية والنواصب من الحشوية والنوابت من البكرية جادين في محو منارهم، ومجتهدين في طمس آثارهم.
ثم إن من عُرْف محنتهم ومجهول منّتهم، أن يقوم الداعي منهم إلى كتاب الله تعالى كالهادي والمنصور، وأمثالهما من أئمة تلك العصور، قد جمع شرائط الإمامة المعتبرة شرعاً، وكملت فيه أوصافها أصلاً وفرعاً، فَتَصُمُّ الأمة عن استماع دعوته، فيكون السبب لأكثرهم في عداوته، ما دعا قائمهم أهل زمانهم إلا حدجوه بأعيانهم، ورفضوه بإمكانهم، وجعلوا أصابعهم في آذانهم، وليتهم إذ لم يجيبوا دعوته لم يمزقوا فروته، وإذ لم يقبلوا حجته لم يُعْمِلوا بمكائدهم مهجته، وقد أحسن قائلهم حين أحزنته مقالتهم: [الخفيف]
جعلونا أدنى عدوٍ إليهم .... فهم في أعراضنا آكلونا
أنكروا حقنا وجاروا علينا .... وعلى غير إِحْنَةٍ أبغضونا
وجزونا بالأسر والحبس والقتـ .... ـل خلافاً لما يقول أبونا
وأضاعوا الحقوق فينا ولم نعـ .... ـلم بأنا إليهم مذنبونا
غير أن النبي منّا وأنّا .... لم نزل في صلاحهم راغبينا
إن دعونا إلى الهدى لم يجيبو .... نا وكانوا عن الهدى ناكبينا
أو أمرنا بالعرف لم يسمعوا منا .... وردوا نصيحة الناصحينا
فعسى الله أن يديل أناساً .... من أناس فيصبحوا ظاهرينا

وإذ قد تمّ حمد الله على أياديه العظمى، فإنا نعود إلى وصل جناحه بالشهادة حذراً من اليد الجذمى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، أوجب فضله حمده، فله الحمد بالغدوّ والآصال بالقلم واللسان والأوصال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم الإرسال، صلى الله عليه وآله خير آل، ما ملع رال ولمع آل. وبعد:
فلما رأيتُ مذهب العترة النبوية قد قَلّ ناصره، وونت في هذا الزمان عناصره، ورغب عنه من كان فيه راغباً، وشَغِب فيه من كان لأضداده مشاغباً، رأيتُ أن أذكر ما إذا نظر فيه الناظر من المتمسكين به ازداد رغبة في التزامه، وإذا وقف عليه الواقف من المائلين عنه رجع إلى التنسك باعتقاده، والانخراط في سلكه ونظامه، هذا مع التأييد بالتوفيق، والرجوع إلى الإنصاف والتحقيق ، واطّراح المكابرة، وترك ما نُهى عنه من المراء في المناظرة؛ فأما من غَلَّبَ حب المراء وغَلَبَ على قلبه، فقد ملّك الشيطان قياده، وخرج عن طاعة ربه ، فنعوذ بالله من حبّ المراء والامتراء بارتضاع أخلافه ، ومناصبة الحق والاعتداء لمحبة خلافه.

وسميتُ هذا التأليف المبارك (هداية الراغبين إلى مذهب العترة الطاهرين) والله أسأله الإعانة والتأييد، والعصمة والتسديد؛ فما التوفيق إلا منه، ولا الاستعانة إلا به، ولا التوكل إلا عليه.
اعلم أنه قد صحّ عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- حديث افتراق هذه الأمة إلى نيف وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة واحدة ، روى هذا الحديث أئمة أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- ، ورواه علماء الحديث وفرق الإسلام، وادّعَت كل فرقة أنها هي الفرقة الناجية.
وروى حديث الافتراق الرازي في أول (مفاتيح الغيب) وقال ما لفظه: لقد جاء في الحديث المشهور قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم-: ((ستفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة كلهم في النار إلا ملّة واحدة)) قال: وهذا يدل على أن الاثنين وسبعين موصوفون بالعقائد الفاسدة.
وإذا أردنا أن نتكلم في أن أهل البيت عليهم السلام هم الفرقة الناجية ومن اتبعهم؛ تكلمنا في أربعة فصول:
الفصل الأول: فيما ورد فيهم من القرآن وآياته.
الفصل الثاني: فيما جاء فيهم من حديث رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- وبيناته.
الفصل الثالث: في أن تقليدهم في الفروع واتباعهم أولى من غيرهم، لما خصهم الله به من هذه الفضائل الشريفة، والخصائص الزليفة، والمناقب المنيفة، وكلّها دالّة على فضلهم وشرفهم، وارتفاع درجاتهم وزلفهم.
الفصل الرابع: في ذكر أعيان أئمة الزيدية، وبيان أوصافهم الحميدة وأفعالهم السديدة.

[من هم أهل البيت(ع)]
وقبل [أن] نذكر هذه الفصول نقدم الكلام في أهل البيت مَنْ هم؛ حتى يصح لنا إيراد ما نورده من فضائلهم ومناقبهم، ونذكره من سمو درجاتهم ومراتبهم.
فمن ذلك: ما رويناه عن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة -عَلَيْه السَّلام- قال من (صحيح مسلم) في الجزء الرابع منه من أجزاء ستة في آخر الكراسة الثانية من أوله، بإسناده إلى يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر [و]بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال [له] حصين: لقد رأيت يا زيد خيراً كثيراً ، رأيت رسول الله، وسمعت حديثه، وغزوت معه وصليت، لقد أوتيت يا زيد خيراً؛ حدثنا ما سمعت عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم-.
قال: يا ابن أخي والله لقد كَبُرت سني وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- فما حدثتكم فاقبلوه، وما لا فلا تكلفونيه.
ثم قال: قام رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- فينا خطيباً بماء يدعى (خماً) بين مكة والمدينة؛ فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال: ((أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه النور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به -فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال:- وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)) .
فقال الحصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟

فقال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده.
هذه رواية الإمام المنصور بالله -عليهم السلام-.
ومن (كتاب المستوفى) لأبي الخطاب ذي النسبين في تفسير آل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- قال: والذي علّمنا رسول الله فيما صح باتفاق: ((اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد)) أي ذريته، وليس له ذرية إلا من سيدة نساء أهل الجنة، أم أبيها فاطمة الزهراء البتول، وهم الذين حرموا الصدقة.
أخرج مسلم في صحيحه من طريقين بأسانيد ثم قال: حدثنا محمد بن بكار بن الريان، قال: حدثنا حسان بن إبراهيم، عن سعيد –وهو ابن مسروق- عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم، قال: دخلنا عليه فقلنا: لقد رأيت خيراً، لقد صاحبت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم-، وصليت خلفه.

وساق الحديث بنحو حديث ابن حيان غير أنه قال: ((ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل وهو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلاله)) ثم قال في حديث أبي حيان: وزاد مسلم فيه: ((فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به –فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه- ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، وأذكركم الله في أهل بيتي –ثلاثاً-)) الحديث، وفيه: فقلنا: مِنْ أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله، وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده، وهم: آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.
فثبت بهذا النص الصحيح ما فسّره الصاحب الذي شهد نزول الوحي بتفسيره الصريح، هذا كلام أبي الخطاب.

5 / 39
ع
En
A+
A-