وبما سردناه آنفاً من الأقوال التي نُعت بها المؤلف نلحظ مكانته العلمية في عصره، وشخصيته الفذة ذات الفضائل العالية، والمساعي الخيرية، التي كان لها التأثير الواضح على معظم أحداث القرن الثامن الهجري ومنتصف القرن التاسع. ومع نشر مؤلفاته محققة منقحة، ومرسلاته، ومكاتباته، وجميع ما خلفه من التراث الأدبي (ديوانه) ستظهر معالم هذا القول وغيره، من مثل بعد صيته، وانتشر ذكره، فقد كان بالغ الذكر والصيت كما يصفه مترجموه، يقول السيد أحمد بن عبدالله الوزير في كتاب الفضائل ما لفظه:
(وكان سيدي الهادي كبير الكلمة، منتشر الذكر عند جميع أكابر العلماء، في جميع البلاد القريبة والبعيدة، حتى في ديار مصر مع غلظ طباع أهلها وشدة كراهتهم، وقد ذكره علامة المتأخرين وخاتمة الحفاظ ابن حجر العسقلاني المصري في تاريخه وأثنى عليه) [نقلاً عن المستطاب].
قلت: وما ترجمة ابن حجر للمؤلّف إلا لأثير صيته الذي بلغ مداه مسامع الحافظ ابن حجر وهو يؤلف كتابه (أنباء الغمر بأبناء العمر) فنجده لم يطل في ألفاظه؛ لقصور الخبرية عن المعاينة، ولو عاين المؤلف لسوّد الكاغد وأملأ الأوراق، بل اكتفى بقوله:

(الهادي بن إبراهيم بن علي المرتضى الحسني الصنعاني الزيدي، عبر بالأدب ففاق فيه، ومدح المنصور صاحب صنعاء، مات يوم عرفة. وله أخ يقال له محمد بن إبراهيم مقبل على الاشتغال بالحديث، شديد الميل إلى التنبيه بخلاف أهل بيته) [نقلاً عن المستطاب/خ/ لوحة (44)] وقال: انتهى بحروفه.
ومن نواشر صيته ما كان من ذهاب أدبه وشعره على الألسن، ومن ذلك ما يُحْكى أن بعض أهل المعرفة سمع بجبل عرفة مَنْ لا يعرفه ولا يعرف جهته ينشد قصيدة المؤلف (المنسك) التي أولها:
بعث الهوى شوقي إلى أم القرى

ومرسلاته ومكاتباته واسعة النطاق لم تدرس لتحدد، ولكن نكتفي بما أوجزه القاضي أبو الرجال عن ذلك بقوله:
(وكان بينه وبين علماء اليمن الأسفل مراجعات، ومراسلات، ومشاعرات، كابن الخياط، وإسماعيل المقري، والنظاري وهو أقدمهم سناً، ومن شعره إلى سيدي الهادي:
والمرتضى بن المرتضى بن مفضل .... والرأس في المجد الصميم الراسي

واستجاز منه ابن الخياط وغيره، وكذا بينه وبين أهل تهامة مثل الناشري والنفيس العلوي، وله منهم الإجازة الحسنة في علوم الآثار، والنفيس العلوي حنفي المذهب عكي النسب، ينسب إلى رجل يقال له علي هو غيره، وكذا بينه وبين علماء المخاليف والجوار مثل الفقيه حسن بن سود العالم المشهور المكاشف، أحد الواصلين في علم الطريقة، ومثل الأمراء الأشراف وجميع السادة والقضاة في المخلاف السليماني، وأهل مكة، والحجاز، وينبع كمثل القضاة بني ظهير قضاة الحرم الشريف، حكي أنه -رحمه الله- قال للقاضي المذكور (محمد بن عبدالله بن ظهيرة) وهو يسمع عليه الحديث بمكة، وقد قال له: يستقبل القبلة ولا يستقبله كما هو عادة المشائخ في استقبال الشيخ القبلة، فقال الشيخ: النظر إلى أبناء الخليل أفضل من النظر إلى بناء الخليل) [مطلع البدور –مخطوط].
وفي هذه القطعة التي أوردها صاحب مطلع البدور أشبه باستقصاء كامل لمجمل مراسلاته ومكاتباته مع علماء المذاهب الأخرى، التي يبدو الفقيه المقري في طروس تلك المراسلات أضلع شأواً وأنصع بياناً عن كل من كاتبه وراسله المؤلف؛ ومن المشاعرات التي جرت بينهما هذه الأبيات التي أرسلها إلى المؤلف، والتي اشتمل كل بيت منها –كما يقول القاضي أبو الرجال- على التورية، ومستهلها:

أيملك طَرْفي دمع عينيه قانيا .... وقد حلّت الأشواق منه العواليا
فهلا كففتم عن رحا كفّ أدمعي .... أما قد علمتم أن فيها الدواليا!
كأني وقد أهدت لي الريح أدمعي .... أنادم من تلك الجواري سواقيا
رضيتُ ببذل المال والروح والهوى .... فما لكم والروح روحي وماليا
فيا منزلاً أقواه من أهله النوى .... إلى أن غدى من صبغ خدّيَ حاليا
أبى الله لي السلوان عنه وعنهم .... أمثلي يسلوكم إذاً لا أباليا
وعندي لكم ما تعلمون من الوفا .... ووجدي جديد لا يفارق باليا
يشاهدكم طرفي كأني حاضر .... وإن كنت معكم في المودة باديا
أبيع رخيصاً إن شرى البرق مدمعي .... ليسكن جأشي بعدما كان غاليا
لئن كان إسماعيل بالشوق قد رضي .... فإن ابن إبراهيم قد كان راضيا
إمام هدى تروى أسانيد فضله .... ينسقها نسق الكعوب عواليا
مجالسه تشفي الصدور فمن يزغ .... يرى الداء في هجرانها والدواهيا
هو الرأس والهادي لآل محمد .... فلا زال للسرب الرسولي هاديا
له فطن تُعْدي الجليس فكم جَلَت .... لذي حيرة ذهناً وروّته صاديا
وكم من سقيم فهمه قد شحذته .... فأصبح ماض في الضريبة باريا
لقد زارني مشياً على بعد داره .... فكيف تراني ! ليت لو كان جاريا
ولما أتى بالكتب منه رسوله .... تناولت منها باليمين كتابيا
وضيعت رشدي إذ تضوّع ريحه .... وما خلت أن المسك يهدي الغواليا
كتاب كريم منه أصبحتُ سامعاً .... مقالاً به يكبو الحسود ورابيا
أبا المرتضى خُذْها قوافٍ جَلَوْتُها .... لكم بل على الأعداء حتفاً قواضيا

ويبدو لي أنهما التقيا كما تلوح أبيات القصيدة، ومن مراسلات المؤلف إليه تلك القصيدة البائية التي أجاب بها على قصيدة المقري المسماة (الذريعة إلى نصر الشريعة) والتي هاجم فيها الصوفية أصحاب ابن العربي وأشياعه المنتشرين آنذاك في سهول تهامة وفي زبيد، والتي مطلعها:
برغم سنة خير العُجْمِ والعرب .... أضحت مساجدنا للهو والطرب
..القصيدة.
فلاقت تجاوباً أدبياً من السيد الهادي بن إبراهيم، الذي هو بدوره قد أفرغ مصنفاً كاملاً للرد على ابن العربي وهو كتابه: التفصيل في التفضيل؛ فقال ناظماً:
وافى إلينا نظام غير مؤتشب .... أغنى وأقنى لذي التقوى من النشب
قد أوضح السنة الغراء صاحبه .... وقام بالقسط لم يعجز ولم يهب
وأظهر الدين حتى لا خفاء به .... ديناً وميّز بين الصدق والكذب
ومنها:
ما أحسن الحجة البيضاء تَبَخْتَرُ في .... أرض القراطيس في أثوابها القشب
قد صيرت بدعة في الدين ظاهرة .... مقصومة الظهر بالهندية القضب
ومنها: قوله مظهراً سبب الجواب على القصيدة، ومبيناً لما له في بعض أبياتها من الاعتراض، والتنبيه على مخالفة صواب المقالة:
هذا ولما أتتنا منك معجمة .... بالفضل معجمة للتائه الذرب
قمنا بها ورأيناها محبرة .... أبهى وأحسن من عقد من الذهب
أَبَنْتَ فيها الهدى لكن حكيتَ لنا .... مقالة كاد منها الغيظ يذهب بي

ومما ذكره مترجموه عنه في هذا الموضوع، ما كان من احتفاء الشريف حسن بن عجلان أمير مكة به وإكرامه له، سنة حجه هو وصهره أحمد بن عبدالله الدواري عام (807هـ).
قال في الأنوار البالغة شرح الدامغة: (ولما حجّ أكرمه أمير مكة، وهو الأمير حسن بن عجلان، وكل من بمكة من الأشراف والقضاة والفقهاء، وبالغوا في إكرامه، وأراد أن يدخل الكعبة، فكلم الشريف حسن بن عجلان، فبلغ ذلك ابن أبي شيبة أحد سدنة البيت، فتمثل بقوله:
ونُبّئْتُ ليلى أرسلت بشفاعة .... إليّ فهلاّ نفس ليلى شفيعها
أأكرم من ليلى عليّ فتبتغي .... به الجاه أم كنت امرءاً لا أطيعها
ولما سمع الهادي بن إبراهيم خطيب مكة يوم الجمعة يثني على سلطان مصر فرج بن برقوق الشركسي، توجّع من ذلك، وضاقت نفسه، وقال في ذلك أبياتاً أولها:
لو كنتُ لاقيتُ من ضيق العمى فرجا .... ما قمتَ تذكر برقوقاً ولا فرجا
ولما رأى بدعة المقامات أنشأ قصيدة رائعة منها:
أخبرونا عن شأن هذه المقاما .... ت وما جاءكم بها من شريعهْ
ما دليل الكتاب فيها وما جاء .... ت به سنة النبي الرفيعهْ
أم أقام الإجماع فيها دليلاً .... فأرونا هذا وهذا جميعهْ
وبهذه النبذ المقتضبة يظهر ما عنيناه من عَنْوَنة هذا الموضوع، وما كان عليه المؤلف من بالغ الصيت وعلوّ المنزلة، وانتشار الذكر، والسجية المجبولة على الصراحة، والإستنكار لما يشاهده من الخروقات والتجوزات المذهبية الخاضعة في مجملها لسياسة الدول.

مؤلَّفاته
للمؤلف -رحمه الله- العديد من المؤلفات لم تستكمل الإحاطة بأسمائها، يمكن أن نذكر موجز ما وقفنا عليه:
1-الأجوبة المذهبة عن المسائل المهذبة. أوردها على القاضي عبدالله بن الحسن الدواري الفقيه محمد بن الحسن السودي؛ فتولى المؤلف جوابها (خ). منه نسخة ضمن مجاميع (237) بمكتبة الجامع الكبير الغربية، وبحوزتي نسخة مصورة عن المكتبة المتوكلية.
2-التحفة الصفية في شرح الأبيات الصوفية. ذكره الوجيه في أعلام المؤلفين الزيدية وفيه (في ترجمة أخيه محمد): قال الحبشي وينسب إلى أخيه الهادي وهو شرح أبيات لأخيه الهادي.
قلت: والغالب أنه لأخيه، وأن المؤلف راجعه في شرحه لأبياته بـ(شريعة الفرات في شرح ما التبس من الأبيات) كما سيأتي.
3-التفصيل في التفضيل. ردّ به على أبي بكر بن العربي صاحب كتاب العواصم والقواصم (خ). منه نسخة مصورة بمكتبة السيد محمد بن عبدالعظيم الهادي. بخط القاضي المؤرخ أحمد بن صالح أبو الرجال صاحب (مطلع البدور)، وبحوزتي نسخة مصوّرة منها.
4-تلقيح الألباب في شرح أبيات اللباب (خ). ذكره في كتابه (التفصيل في التفضيل). منه نسخة بمكتبة السيد محمد بن عبدالعظيم الهادي. قال في المستطاب: وله مصنّفات عديدة منها نظم الخلاصة وشرحها شرح سماه (التلقيح) وهذا النظم بقافية الراء.
قلت: والمقصود بأبيات اللباب: لباب المصاصة في نظم مسائل الخلاصة، ومطلعها:
أبا حسن يا بن الجحاجحة الغرّ .... من القمر النوار والكوكب الدرّي

5-الجواب الناطق بالحق المبين. قال في المستطاب: في الجواب على ما اعترضه السيد علي بن أبي القاسم على صنوه محمد بن إبراهيم (خ). منه نسخة برقم (40) المكتبة الغربية.
6-دامغة الدوامغ. قصيدة نونية رد بها على الشاعر الأسلمي صاحب الرد على مسلم بن العليف. قال في أعلام المؤلفين: وهو باسم (القصيدة البديعة). قلت: وقد أورد صاحب المستطاب معظم أبيات القصائد الثلاث، وبحوزتي كامل تلك القصائد، وعدد أبيات قصيدة المؤلف (168) بيت.
7-درذة الغواص في نظم خلاصة الرصاص (خ). منها نسخ كثيرة في المكتبات الخاصة والعامة. انظر كتاب الوجيه. وهي في البعض باسم (كتاب المصاصة في نظم مسائل الخلاصة).
8-نهاية التنويه (نظم ذيل خلاصة الرصاص) في ثمان صفحات (خ). منه نسخة ضمن مجموع بمكتبة السيد محمد بن يحيى المطهر بتعز. أخرى (مجاميع (49، 78، 137) غربية.
9-الدرّة الصمصامة جوهرة السادة الأعلام (خ). ذكره الوجيه في أعلام المؤلفين الزيدية وقال: منه نسخة ضمن (78 مجاميع) غربية (ق29- 131).
10-نهاية التنويه في إزهاق التمويه، منظومة وشرحها. طبع ضمن منشورات مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية (الطبعة الأولى 1421هـ/ 2000م) صعدة، تحقيق السيدان: أحمد بن درهم المؤيد وإبراهيم بن مجدالدين المؤيدي.
11-تراجم آل الوزير. ذكره الوجيه في أعلام المؤلفين وقال: بقلم المؤلف في (107) ورقات رقم (2217) مكتبة الأوقاف، ثانية برقم (41) (تأريخ) المكتبة الغربية.

قلت: والغالب أن يكون الكتاب للسيد الهادي بن إبراهيم الوزير المميز عن المؤلف بالهادي الصغير، ولا يخلو أن يكون للمؤلف مشاركة في ترجمة بعض آل الوزير.
12-رياض الأبصار في ذكر الأئمة الأقمار والعلماء الأبرار وشيعتهم الأخيار (منظومة) (خ). منه نسخة ضمن مجموع بمكتبة السيد عبدالرحمن شايم خطّ سنة (1173هـ)، أخرى مصورة بمكتبة جامع الإمام الهادي، وبحوزتي نسخة رديئة الخط عليها شرح مختصر، وهي تحت يدي للتحقيق.
13-السلاسل الذهبية في جواب المسائل الهبية. أوردها على مقام الإمام صلاح الدين الفقيه الحسن بن علي الهبي، فتولى المؤلف جوابها (خ)، بحوزتي نسخة منه مصورة عن المكتبة المتوكلية.
14-السيوف المرهفات على مَنْ ألحد في الصفات. ذكره كل من ترجم له (لم أقف على مكان وجوده).
15-شريعة الفرات في شرح ما التبس من الأبيات (خ). منه نسخة بخط المؤلف خطت سنة (809هـ) برقم (40) علم الكلام، غربية (ق137، 246) أخرى بمكتبة السيد المرتضى الوزير ضمن سفينة أدبية.
16-هداية الراغبين إلى مذهب العترة الطاهرين. وهو هذا الذي بين يديك، وقد ورد في النسخة المحقق عليها باسم: هداية الراغبين إلى مذهب العترة الطيبين، ورجوعاً إلى نسخة المؤلف التي وقف عليها صاحب أعلام المؤلفين الزيدية رأينا إثبات الطاهرين بدلاً عن الطيبين ، وهذا الأنسب رواية ودراية كما في لوامع الأنوار للإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى (ط2/ ج2/ ص159).

17-كريمة العناصر في الذبّ عن سيرة الإمام الناصر (خ). قال الوجيه: منه نسخة بقلم المؤلف في (185) ورقة نزعت منه أوراق عن آخره، فأتمها (نساختها) محمد بن عثمان الوزير سنة (1030هـ).
18-البروج وأسماء أمير المؤمنين. مرتّب على الحروف الهجائية (خ)، منه نسخة بقلم المؤلف في (168) صفحة خطت سنة (809هـ) (أعلام المؤلفين الزيدية).
19-النفحات المسكية في الأحوال المكّية والأعمال المنسكية (خ). قال الوجيه: فرغ منه سنة (809هـ) وهو بقلم المؤلف في (110) صفحات، ضمن مجموع مع كريمة العناصر بمكتبة السيد المرتضى الوزير هجرة بيت السيد (وادي السر).
20-نظم خلاصة الفوائد في أصول الدين للقاضي جعفر بن عبدالسلام (خ). منه نسخة ضمن مجموع بمكتبة السيد محمد بن حسن الجلال، وأخرى بمكتبة السيد محمد بن عبدالعظيم الهادي.
21-نظام جواهر الحكمة المختار من كلام إمام الأئمة (مجلد مخطوط) في آخره: نقول وقصائد متفرقة للمؤلفات، وللإمام الناصر (خ) بمكتبة السيد المرتضى الوزير (أعلام المؤلفين الزيدية).
22-ديوان شعر (خ). ضمن مجموع بمكتبة السيد المرتضى الوزير، ومحقق هذا الكتاب قائم على جمع أشعاره كاملة المبعثرة والمفرقة في حوامي الكتب والمجاميع والسفن الأدبية. وأناشد كل من بحوزته من أدب هذا السيد الأديب العالم أن لا يبخل بإرساله إلى مركزأهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية – صعدة.

3 / 39
ع
En
A+
A-