وروينا بالإسناد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أريت في منامي رجلاً من أهل بيتي دعا إلى الله وعمل صالحاً، غيَّر المنكر وأنكر الجور فقُتِل فعلى قاتله لعنة الله)) وفي الخبر الآخر: ((فعلى صالبه لعنة الله)) .
[طرف من أخباره عَلَيْه السَّلام]
[خبر أبي غسان الأزدي]
وروينا عن أبي غسان الأزدي قال: قدم علينا زيد بن علي إلى الشام أيام هشام بن عبد الملك فما رأيت رجلاً كان أعلم بكتاب الله منه، ولقد حبسه هشام خمسة أشهر يقص علينا ونحن معه في الحبس بتفسير الحمد وسورة البقرة يهذّ ذلك هذّاً.
وذكر الكتاب قال فيه: (واعلموا رحمكم الله أن القرآن والعمل به يهدي للتي هي أقوم، لأن الله شرفه وكرمه، ورفعه وعظمه، وسماه روحاً ورحمة وشفاء وهدىً ونوراً، وقطع منه بمعجز التأليف أطماع الكائدين، وإبانة تعجيب النظم عن حيل المكلفين، وجعله متلواً لا يُمَل ، ومسموعاً لا تمجه الآذان، وغضاً لا يخلق عن كثرة الرد، وعجيباً لا تنقضي عجائبه، ومفيداً لا تنفد فوائده، والقرآن على أربعة أوجه: حلال وحرام لا يسع الناس جهله ، وتفسير يعلمه العلماء ، وعربية يعرفها العرب، وتأويل لا يعلمه إلا الله وهو ما يكون مما لم يكن، واعلموا رحمكم الله أن للقرآن ظهراً وبطناً وحداً ومطلعاً، فظهره تنزيله، وبطنه تأويله، وحده فرائضه وأحكامه، ومطلعه ثوابه وعقابه).

[سؤال الإمام عن كتاب أبيه]
وروينا بالإسناد الموثوق به: أن زيد بن علي سأل أخاه محمد بن علي الباقر عليهم السلام كتاباً كان لأبيه قال: فقال له محمد بن علي: نعم؛ ثم نسي فلم يبعث به إليه فمكث سنة، ثم ذكر فلقي زيداً فقال: إي أخي ألم تسأل كتاب أبيك؟ قال: بلى، قال: فوالله ما منعني أن أبعث به إلا النسيان.
قال: فقال له زيد: قد استغنيت عنه، قال: تستغني عن كتاب أبيك؟ قال: نعم استغنيت عنه بكتاب الله؛ قال: فأسألك عما فيه؟ قال: نعم.
قال: فبعث محمد إلى الكتاب، ثم أقبل يسأله عن حرف حرف، وأقبل زيد يجيبه حتى فرغ من آخر الكتاب؛ فقال له محمد: والله ما خرمت منه حرفاً واحداً.
وروينا بالإسناد إلى بشر بن عبدالله قال: صحبت علي بن الحسين، وأبا جعفر، وزيد بن علي، وعبدالله بن الحسن، وجعفر بن محمد فما رأيت أحداً كان أحضر جواباً من زيد بن علي عليهم السلام.
وروينا عن سعيد بن خيثم قال: كان زيد بن علي إذا كلمه الرجل أو ناظره لم يعجله عن كلامه حتى يأتي على آخره، ثم يرجع إليه فيجيبه عن كلمة كلمة حتى يستوفي عليه الحجة.

[خبر أبي السدير]
وروينا عن أبي السدير، قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام فأصبنا منه خلوة، فقلنا : اليوم نسأله عن حوائجنا ما نريد ، فبينا نحن كذلك إذ دخل زيد بن علي، وقد لَثِقَت عليه ثيابه، فقال له أبو جعفر: بنفسي أنت ادخل فأفض عليك من الماء ثم أخرج إلينا قال: فخرج إلينا متفضلاً، [قال الشريف] أي متبدّلاً، فأقبل أبو جعفر يسأله وأقبل زيد يخبره بما يُحتجُّ عليه، والذي يحتج به، قال: فنظروا إلى وجه أبي جعفر يتهلل.
ثم قال: التفت إلينا أبو جعفر فقال: (يا أبا السدير هذا والله سيد بني هاشم إن دعاكم فأجيبوه وإن استنصركم فانصروه).
[خبر أبي حمزة الثمالي]
وروى أبو حمزة الثمالي قال: جمعت للباقر أحاديث كثيرة ثم خرجت إلى مكة فأتيته بمنى، وقلت له: جمعت لك أحاديث كثيرة أحببت أن أعرضها عليك، فقال أخرجها فأخرجتها فنظر فيها ثم قال: أرى معك أحاديث كثيرة لا يقوم بها إلا (صاحب الفسطاط) فأشار بيده فقلت: ومن هو؟ قال: زيد بن علي، فقمت إليه وسلمت عليه ثم قلت معي أحاديث أحب أن أعرضها عليك ، قال : فجعل يجيبني حتى أتيت على آخرها، ثم جعل يحدثني من قبله.
ثم دعاني محمد بن علي فقال: ما رأيت زيد بن علي؟ فقال: ما رأيت في فتيان العرب مثله؛ فقال: يا أبا حمزة ليس فينا من يشبه هذا الذي ترى.

[خطبته(ع) عند ظهوره]
وبالإسناد الموثوق به إلى أبي الجارود أن زيد بن علي عليهما السلام خطب أصحابه حين ظهر فقال: الحمد لله الذي منّ علينا بالبصيرة، وجعل لنا قلوباً عاقلة، وأسماعاً واعية، وقد أفلح من جعل الخير شعاره، والحق دثاره، وصلى على خير خلقه الذي جاء بالصدق من عند ربه وصدق به، الصادق محمد صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين من عترته وأسرته، والمنتجبين من أهل بيته، وأهل ولايته.
حتى قال في خطبته: أنا اليوم أتكلم وتسمعون ولا تبصرون، وغداً بين أظهركم هامة فتندمون، ولكن الله ينصرني إذا ردني إليه، وهو الحاكم بيننا وبين قومنا بالحق، فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرقة، العادلة غير الجائرة، فأجاب دعوتنا وأناب إلى سبيلنا، وجاهد بنفسه نفسه ومن يليه من أهل الباطل ودعائم النفاق فله ما لنا وعليه ما علينا، ومن ردّ علينا دعوتنا وأبى أحاديثنا وأختار الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية فالله من أولئك براء وهو يحكم بيننا وبينهم..إلى آخر خطبته المشاكلة لخطب جده أمير المؤمنين عليه السلام.
وروى محمد بن سالم، قال: قال جعفر بن محمد: يا محمد هل شهدت عمي زيداً؟ قلت: نعم، قال: فهل رأيت مثله؟ قلت: لا، قال: والله ما أظنك ترى مثله حتى تقوم الساعة، كان والله [أقرأنا لكتاب الله ، وأفقهنا في دين الله، كان والله] سيدنا ما ترك فينا للدين والدنيا مثله.

قال الحاكم: لم يكن محمد بن علي وجعفر بن محمد مُقِرَّين بفضله خاصة بل كان جميع العترة يقدمونه على أنفسهم ويقولون بفضله، وكذلك أفاضل عصره.
قال الحاكم: كان أعلم أهل زمانه بالأصول والفروع، وعلم القرآن.
وقال عاصم بن عبيدالله: لقد أصيب عندكم رجل ما كان في زمانه مثله، وما أرى أن يكون بعده مثله.
[خبر أبي خالد الواسطي وأبي حمزة الثمالي]
وبالإسناد إلى أبي خالد الواسطي وأبي حمزة الثمالي قالا: حَبَّرنا رسالة رداً على الناس فدخلنا على محمد بن علي فقلنا له: جعلنا لك الفداء إنا حبرنا رسالة رداً على الناس فانظر إليها، قال : فاقرأوها فقرأناها فقال : لقد أجدتم واجتهدتم فهل أقرأتموها زيداً؟ قلنا: لا، قال فأقروها زيداً وانظروا ما يرد عليكم.
قال: فدخلنا على زيد فقلنا: جعلنا لك الفداء رسالة حبرناها رداً على الناس جئناك بها؛ قال: اقرأوها فقرأناها عليه حتى إذا فرغنا، قال: يا أبا حمزة وأنت يا أبا خالد لقد اجتهدتم لكن تكسر عليكم ؛ أما الحرف الأول فالرد فيه كذا ، فما زال يرددها حتى فرغ من آخرها حرفاً حرفاً؛ فوالله ما ندري من أي شيء نتعجب من حفظه لها أو من كسرها؛ ثم أعطانا جملة من الكلام نعرف به الرد على الناس.

قال: فرجعنا إلى محمد بن علي فأخبرناه ما كان من زيد، قال: يا أبا خالد وأنت يا أبا حمزة إن أبي دعا زيداً فاستقراه القرآن وسأله عن المعضلات ، فأجاب ثم دعا له وقبل بين عينيه. ثم قال: يا أبا خالد وأنت يا أبا حمزة، إن زيداً أعطي من العلم علينا بسطة.
[خبر خالد بن صفوان]
وعن خالد بن صفوان: أتينا زيد بن علي وهو يومئذ بالرصافة رصافة هشام بن عبد الملك، فدخلنا عليه في نفر من أهل الشام وعلمائهم، وجاءوا معهم برجل قد انقاد له أهل الشام في البلاغة والبُصر بالحجج، وكلمنا زيد بن علي في الجماعة، وقلنا: إن الله مع الجماعة وإن أهل الجماعة حجة الله على خلقه، وإن أهل القلة هم أهل البدعة والضلالة.
قال: فحمد اللهَ زيدُ بن علي وأثنى عليه وصلى على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تكلّم بكلامٍ ما سمعتُ قرشيّاً ولا عربياً أبلغ في موعظة ولا أظهر حجة ولا أفصح لهجة منه.
قال: ثم أخرج إلينا كتاباً قاله في الجماعة والقلة، ذكره من كتاب الله فلم يذكر كثيراً إلا ذمّه ولم يذكر قليلاً إلا مدحه، والقليل في الطاعة هم أهل الجماعة، والكثير في المعصية هم أهل البدع.
قال خالد بن صفوان: فَبُلِسَ الشامي فما أحلى ولا أَمَرّ، وسكت الشاميون فما يجيبون؛ ثم قاموا من عنده فخرجوا فقالوا لصاحبهم: فعل الله بك وفعل، غررتنا وزعمت أنك لا تدع له حجة إلا كسرتها فخرست فلم تنطق؛ فقال لهم: ويلكم كيف أكلم رجلاً إنما أتى بكتاب الله، أفأستطيع أن أرد كلام الله.

فكان خالد بن صفوان يقول بعد ذلك: (ما رأيت في الدنيا رجلاً قرشياً ولا عربياً يزيد في العقل والحجج على زيد بن علي عليهما السلام).
[خبر أبي هاشم]
وروينا عن عبدالله بن محمد بن الحنفية قال: لو نزل عيسى بن مريم لأخبركم أن زيد بن علي خير من وطئ على عفر التراب، ولقد علم زيد بن علي القرآن من حيث لم يعلمه أبو جعفر.
قال: قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأن أبا جعفر أخذه من أفواه الرجال، وإن زيد بن علي أُعْطي فهمه.
ومناقبه عليه السلام أكثر من أن نأتي عليها في هذا الكتاب، وقد ذكر الإمام المنصور بالله عليه السلام طرفاً من أخباره في (كتاب الشافي)، وذكر منها جملة الفقيه العلامة الشهيد حسام الدين حميد بن أحمد المحلي رحمه الله تعالى في (كتاب الحدائق الوردية)، وإنما أردنا أن نبين فضله في العلم، وتبريزه فيه على أهل البيت في وقته عليه وعليهم السلام، وأنه كان الحجة والقدوة والغرة الشادخة فضلاً وعلماً وزهداً.
ووجه انتساب الزيدية إليه، قولهم بإمامته، واعتقادهم فضله وزعامته، وفرقاً بينهم وبين الإمامية فإن الإمامية لا تقول بإمامة زيد بن علي عليهما السلام، وتقول بإمامة أخيه محمد بن علي عليهما السلام في جماعة من آبائه وأبنائه على ما هو معروف من مذهبهم في النص والحصر، ومذهب الزيدية خلافه.

ويقولون بالإمامة فيمن قام ودعا من أولاد الحسنين عليهم السلام وهو جامع لشرائطها التي قدمنا ذكرها، فمن قال بإمامة زيد بن علي واعتقد فضله فهو زيدي وإن لم يلتزم مذهبه في الفروع ؛ فإن أكثر الزيدية على رأي غيره في المسائل الاجتهادية والمسالك النظرية ، وكان من تقدم من أئمة العترة ينسبون إلى زيد بن علي عليهما السلام على أنهم في العلم كانوا مثله في الاجتهاد، ويخالفونه في كثير من المسائل كالقاسم والهادي والناصر وأمثالهم من الأئمة الكبار السابقين الأطهار، وإنما انتسبوا إليه لأنهم قالوا بصحة إمامته.
وعن الإمام المهدي محمد بن عبدالله (النفس الزكية) عليه السلام أنه قال: (فتح والله لنا زيد بن علي باب الجنة، وقال ادخلوها بسلام) فهو أول السابقين من أئمة العترة بعد أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام.
والإمام من أهل البيت من جمع من شروط الإمامة ما جمعه زيد عليه السلام، لأن إمامة من تقدمه من الثلاثة المذكورين كانت بالنص النبوي على ما ذلك مقرر في مواضعه من كتب الكلام، فإذن زيد بن علي أول الأئمة المعتبرة فيهم شرائط الإمامة.
ولمَّا ظهر عليه السلام ودعا إلى نفسه أجابه أهل العلم والفضل ولم يتأخر عنه أحد منهم، وأرسل الفضل بن الزبير إلى أبي حنيفة فأمده بثلاثين ألف درهم، وقيل دينار، واعتذر عن الخروج لمرض كان معه، وبايعه من كبار الفقهاء ابن شبرمة والأعمش.

[رواية الزمخشري لخبر أبي حنيفة]
قال الزمخشري: كان أبو حنيفة رحمه الله يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن علي رضوان الله عليه وحمل المال إليه، وقالت له امرأة: أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد بن عبدالله بن الحسن حتى قتل، قال: ليتني مكان ابنك. هذه رواية الزمخشري رحمه الله في كشافه عن إمامه أبي حنيفة رضي الله عنه.
وحضر مع زيد بن علي عليه السلام الوقعة من أهل بيته: محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (النفس الزكية)، وعبدالله بن علي بن الحسين عليهم السلام، وابنه يحيى بن زيد إلى طائفة وافرة من العلماء والزهاد والفضلاء والعبَّاد ؛ ذكرهم بأعيانهم يطول، وإنما أردنا الإشارة إلى إجابة أهل العلم لدعوته، واعتقاد إمامته والاجتهاد في نصرته، ولسنا نتعرّض هاهنا لأخباره في حربه وما كان في تقاعد أكثر الناس عنه، وموضع ذلك كتب السير والأخبار.
وجملة الأمر أنه خرج على هشام بن عبد الملك لجهاده فقتل وصلب، وحُرّق بالنار وذُري في الفرات، ولم يعلم في الإسلام من عمل ما عُمِلَ بزيد بن علي عليه السلام.

فالزيدية يفتخرون بما صُنع بزيد بن علي ويذكرونه في خطبهم، والأصل في ذلك ما يرويه أئمتنا وعلماؤنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال في وصفه: ((رجل أيده الله بالإيمان وألبسه قميص البر والإحسان، يخرج في عصابة يدعو إلى الرحمن، أعوانه من خير أعوان، فيقتله الأحول ذو الشنآن، ثم يصلبه على جذع رمان، ثم يحرقه بالنيران، ثم يضربه بالعسبان ، حتى يكون رماداً كرماد النيران، ثم يُصَيّر إلى الله عز وجل روحه وأرواح شيعته إلى الجنان)).
فهذا كما ترى وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالزيدية يصفونه في خطبهم بهذه الصفات، ويسمونه بهذه السمات، ولقد أراد عدوه أن يطفي نور فضله، ويطمس بما فَعَل به شمس ذكره، فزاده ذلك تنويهاً وظهوراً، ومجداً وشرفاً كثيراً.
ومن أعجب ما ترى من أهل المذاهب الأربعة إنكارهم لفضل زيد عليه السلام، فلا يعدونه في الأئمة ولا في العلماء ولا في الفضلاء، وربما وجدت فيهم من يعتقد هشام بن عبد الملك المترف المسرف الضال المضل إماماً، وينسب زيد عليه السلام إلى الإساءة بخروجه إليه ، وإلى هذا يشير كلام ابن الذهبي في (كتاب النبلاء) فإنه لم يذكره بأنه الإمام الفاضل الشهيد كما يجب له هذا الوصف؛ بل قال: خرج على هشام فليته لم يخرج.

20 / 39
ع
En
A+
A-