وفي الحديث المشهور عن علي -عَلَيْه السَّلام-: (كنت آخذ البيعة لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، وأن نقيم ألسنتنا بالعدل ولا تأخذنا في الله لومة لائم، فلما ظهر الإسلام وكثر أهله، قال: ((يا علي أَلْحِقْ فيها على أن تمنعوا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- وعترته مما منعتم به أنفسكم وذراريكم)) قال -عَلَيْه السَّلام-: فوضعتها والله على رقاب القوم، وفى بها من وفى وهلك بها من هلك).
قال -رحمه الله-: وهو سماع لنا.
قال -رحمه الله-: وعنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- أنه قال: ((أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي)) .
وقوله حين وصف آخر الزمان فقيل له: أي الأعمال أفضل؟ فقال: ((وتميل مع أهل بيتي حيث مالوا)) .
قال -رحمه الله-: وهو سماع.
هذه الأخبار استدركها رحمه الله في حواشي كتابه فقيدها بالسماع، حراسة لها عن الإهمال والضياع ، إلى أخبار كثيرة ذكرها في متن الكتاب ، وأظهر فيها من فضل العترة العجب العجاب.
وروى الفقيه العلامة الشهيد حسام الدين حميد بن أحمد المحلي –رحمة الله عليه ورضوانه- في (كتاب الحدائق الوردية) جملة من الأخبار النبوية في فضل العترة الرضية الطاهرة المرضية، فذكر منها عيونها.

فمن ذلك: ما رواه من أمالي السيد أبو طالب بإسناده يرفعه عن أبي ذر قال وهو آخذ بباب الكعبة: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- يقول: ((مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك)) .
قال: وبالإسناد إلى السيد أبو طالب يرفعه إلى ابن عباس قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم-: ((أيها الناس أوصيكم بعترتي أهل بيتي خيراً فإنهم لحمتي وفصيلتي فاحفظوا منهم ما تحفظون مني)) وذكر حديث الكساء وآية التطهير فاختصرناه اكتفاء بما تقدم.
وروى -رحمه الله- بالإسناد يرفعه إلى جعفر بن محمد عن آبائه -عليهم السلام- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم-: ((الإسلام لباسه الحياء، وزينته الوفاء، ومروءته العمل الصالح، وعماده الورع، ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت)) .
[خبرخطبة الغدير]
وذكر حديث: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا)) الحديث المشهور برواية غير هذه من (كتاب المناقب) للفقيه المعروف بابن المغازلي الشافعي في حديث طويل حتى قال في آخره: ((ألا وإني فرطكم وإنكم تبعي توشكون أن تردوا علي الحوض فأسألكم حين تلقونني عن ثقليّ كيف خلفتموني فيهما)) .
قال: فاعتل علينا ما ندري ما الثقلان؛ حتى قام رجل من المهاجرين فقال: بأبي وأمي يا رسول الله ما الثقلان؟

قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم-: ((الأكبر منهما كتاب الله سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فتمسكوا ولا تولوا ولا تضلوا، والأصغر منهما عترتي من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي، فلا تقهروهم ولا تقتلوهم ولا تقصروا عنهم فإني قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني : ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليهما لي ولي، وعدوهما لي عدوّ؛ ألا فإنها لم تهلك أمة قبلكم حتى تتدين بأهوائها ، وتظاهر على نبوتها ، وتقتل مَنْ قام بالقسط)).
ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها وقال: ((من كنت مولاه فهذا مولاه، من كنت وليه فهذا وليه؛ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) قالها ثلاثاً.
وروى ابن المغازلي بإسناده عن أبي ذر: ((مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى، ومَنْ قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال)) .
وروى بإسناده عن السدي في قوله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} [الشورى:23] ، قال: المودة لآل محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم-.
وفي قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى(5)} [الضحى] ، قال: رضى محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- أن يدخل أهل بيته الجنة.
وعن أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- في قول الله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] ، قال: ولايتنا أهل البيت.

وعن ثابت البناني في قول الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى(82)} [طه] ، قال: إلى ولاية أهل بيته.
قال الفقيه العلامة حميد بن أحمد رضي الله عنه: وقد ذكرنا جملة من الأخبار النبوية في فضائل العترة المصطفوية اختصرناها ولم نذكر منها إلا اليسير، معتذراً عن استيفاء ما ورد فيهم عن سيد المرسلين -صلى الله عليه وعليهم أجمعين-، ولنقتصر على هذا القدر من رواية الآثار في مناقب العترة الأطهار عليهم السلام.
قال: فإن الكثير منها ينطوي على مجلدات عدة، وإنما ذكرنا قطرة من مطرة، ومجة من لجة، وقد أفرد الأئمة والعلماء لهذا المعنى كتباً وتصانيف.

[ما رواه الحافظ الكنجي من الأحاديث في فضل أهل البيت(ع)]
وذكر الفقيه الحافظ محدث الشام صدر الحفاظ ركن الشريعة محمد بن يوسف الكنجي -رحمه الله تعالى- في كتابه (كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب) فضل أهل البيت، وأفرد له باباً مستقلاً بنفسه ؛ فقال في ترجمة الباب المائة في تطهيرهم من الأنجاس لقول الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33) } [الأحزاب] ، روى بإسناده يرفعه إلى عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- قال: نزلت هذه الآية في بيت أم سلمة؛ فدعا النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره ثم قال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) قالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله، قال: ((أنت على مكانك وأنت إلى خير)) .
قال: هكذا أخرجه الترمذي في جامعه، والطبراني في معجمه الأكبر، وأخرجه الإمام أحمد في مناقب علي.

ورواه بإسناد آخر أوصله إلى عائشة بمثل الرواية عنها التي أسلفناها سواء سواء اللفظ اللفظ، ثم أعاد الإسناد بطريق أخرى يرفعه إلى عائشة ثم ساق الحديث بلفظه، وإنما أعاده تأكيداً، ثم أعاد الإسناد بطريق أخرى يرفعه أيضاً إلى عائشة وساق الحديث بلفظ واحد وهو: خرج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله معهم، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33)} [الأحزاب].
قال الفقيه الحافظ محمد الكنجي -رحمه الله-: هذا حديث متفق على صحته، وهذا سياق مسلم في صحيحه ، ثم رواه من طريق أخرى بإسناده يرفعه إلى أبي سعيد الخدري في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33)} [الأحزاب].
قال: نزلت في خمسة: في رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- وعلي وفاطمة والحسن والحسين -عليهم السلام-.
قال [رحمه الله]: أخرجه الطبراني في المعجم الصغير في هذه الترجمة.

وروى بإسناده يرفعه إلى أبي الحمراء قال: صحبتُ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- تسعة أشهر فكان إذا أصبح أتى باب علي وفاطمة وهو يقول: ((يرحمكما الله {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33)})) .
وروى بإسناده يرفعه إلى أبي سعيد الخدري عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- قال: حين نزلت: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] ، كان يجيء نبي الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- إلى باب علي وفاطمة صلاة الغداة ثمانية أشهر ويقول: ((الصلاة يرحمكما الله {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33)})).
وروى بإسناده يرفعه إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسماً، فذلك قوله تعالى: أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وأنا من أصحاب اليمين وأنا من خير أصحاب اليمين.
ثم جعل القسمين بيوتاً فجعلني في خيرهما بيتاً، فذلك قوله: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ(8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ(9)وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ(10)} [الواقعة] ، فأنا من خير السابقين.

ثم جعل البيوت قبائل فجعلني من خيرها قبيلة، فذلك قوله تعالى: {شُعُوبًا وَقَبَائِلَ} [الحجرات:13] ، فأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله عز وجل ولا فخر.
ثم جعل القبائل بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً، فذلك قول الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33)} [الأحزاب])). رواه الطبراني في ترجمة الحسن.
وروى الفقيه الحافظ بإسناده يرفعه إلى أبي ذر الغفاري، قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم- يقول: ((أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك، ومثل حطة في بني إسرائيل)) .
قال: أخرجه إمام الحديث في معجم شيوخه كما أخرجناه سواء.
وروى بإسناده يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله يقول: ((إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غُفر له)) .
قلت: وهذه الأحاديث قد ذكرناها فيما تقدم، وإنما أعدناها استظهاراً وتقويةً لتطابق الروايات من كتب أصحابنا وعلمائنا وكتب الفقهاء المرجوع إلى صحة نقلهم وتثبتهم في رواياتهم وأسانيدهم، وقد رأيت تطابق الأخبار وتوافق الآثار وذلك دليل الصحة والظهور والحمد لله.
وإذ قد نجز غرضنا من هذا الفصل فإنا نعود إلى الفصل الثالث؛ فنقول:

الفصل الثالث [في بيان ترجيح التقليد لأهل البيت(ع) فيما يسوغ فيه التقليد]
وأما الفصل الثالث: وهو في تقليد أهل البيت فيما يسوغ فيه التقليد من مسائل الفروع الأولى، فقد أسلفنا من الأحاديث النبوية ما واحداً منها يكون موجباً للترجيح، وباعثاً على التزامهم مذهبهم الصحيح، كيف جملة من الأحاديث، وتركنا ما هو أكثر وأوفر لأن القليل مع الإنصاف كاف، والكثير مع عدم الإنصاف غير صاف.
[سبب عدم انتشار علوم العترة(ع) وقلَّة أشياعهم]
ونقول: اعلم أيها المسترشد المقلد في الفروع غير المجتهد أن علماء الإسلام وإن كثرت تصانيفهم ورواة علومهم، وسارت سفراء أسفارهم في الآفاق، وركبت أمواج البحر وحُدِّثَ بها في البر زُمَرُ الرفاق ، لا تجد في طائفة من الطوائف، وإمام من الأئمة حديثاً واحداً من نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد في فضل أهل البيت وأتباعهم، وكما جاء من نجاة شيعتهم وأتباعهم، وإنما أُتي الناس في عدم اتباع العترة النبوية من ولاة السوء، وسلاطين الجور وأئمة الضلال.
فإن العترة النبوية لم تزل مظلومة مدحورة، وخائفة مترقبة بين قتيل وطريد، وأسير وفقيد، وكان الواحد من علماء العترة النبوية إذا اشتهر بعلم وفضل يُصاح بالبراءة منه وممن آواه، كما فُعِلَ بالقاسم بن إبراهيم -عليهما السلام- وأشباهه من الأئمة الأعلام.

ولم تزل الأرض رطبة بدمائهم منذ قتل أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، بُدي به، وثني بالحسن عليه السلام لأنه في حكم المقتول وإن مات مسموماً، وثُلِّثَ بالحسين وقطع رأسه، وعري عن جسده لباسه، ونكثت ثناياه بالقضيب، وخصب سيف الظلم من دمه فهو خضيب.
وصلب زيد بن علي كما يصلب الملحد، وسميت خلافته وقيامه لله تعالى فساداً في الأرض، فعومل كما يعامل الذين قال الله فيهم : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ } [المائدة:33] .
عُومِلت العترة الطاهرة بهذه الآية الباهرة في مرتكب الجرائم والآثام، والمتعدي للحدود في الإسلام {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8)} [البروج] ، ما كانت جريرة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سلاطين الجور وأئمة الضلال إلا أن قاموا دعاة للحق وهداة للخلق حين ظهر الفساد في الأرض، وجهلت أحكام السنة والفرض، واتُخِذَ مال الله دولاً، وعباد الله خولاً، فكيف يُرى عِلْمُ المسجونين في الحبوس، والمُفَرّقُ بين أجسادهم والرؤوس.

11 / 39
ع
En
A+
A-