[عالم وقادر وحي وسميع وبصير]
أُطلقت هذه الأسماء على الخالق جل وعلا وعلى المخلوق الضعيف، فالمماثلة كذلك إنما هي من حيث التسمية لا الحقيقة والمعنى، كيف يتشابه المعنى في الخالق والمخلوق، والله جل جلاله يقول: ((وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [النحل: 60]، ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)).
نعم، إذا اطلقت لفظة عالم وقصد بها الإنسان كان معناها غير المعنى إذا أُطلقت وقصد بها الخالق تعالى، وذلك أن العلم بالنسبة للإنسان: عَرَضٌ وَصِفَةٌ غَيْرُ الإنسان، والإنسان شيء آخر غير تلك الصفة العلم، وبالضرورة فإنَّ الصفةَ غيرُ الموصوف، والدليل على ذلك: أنَّ الإنسانَ عندما يَخرج من بطن أمه يكون صفراً من المعلومات الضرورية والاكتسابية، قال تعالى: ((وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا)) [النحل: 78]، ثُمَّ بعد ذلك يتصف بالعلم.
[علم الإنسان]
وحاصل ذلك أن العلم عند الإنسان: عَرَضٌ، وأنَّه غيرُ الإنسان، إذاً فالإنسان عالِمٌ بعلمٍ حاصل له بعد أن لم يكن، ثم إنَّ علم الإنسان ضرورياً كان أم استدلالياً يحصل له عن طريقٍ هي كالآلة لتحصيله كالخبرة والتجربة والنظر والاستدلال..إلخ.
نعم، وعلم الإنسان لا يتسع لأكثر من شيء واحد يجال فيه النظر ويسرح فيه التفكير.

[علم الله سبحانه]
وعلم الله سبحانه: يجب أن يكون بخلاف ذلك قضاءاً بنفي المماثلة المعلوم من قوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))، ((وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)).
فعلم الله سبحانه ليس بعرض، وليس شيئاً آخر غير الله سبحانه، وهذا هو معنى قول أئمتنا عليهم السلام: إنَّ علم الله سبحانه هو ذاته، وليس لله سبحانه آلة أو كالآلة من خلالها يحصل له العلم، فلا نظر، ولا استدلال، ولا خبرة أو تجربة إلخ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وعلم الله سبحانه شاملٌ لكلِّ شيء، فلا تخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض، ((وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)) [الأنعام: 59].
نعم، النظر والتفكير من جملة الأعراض المختصة بالأجسام، فلا يجوزان على الله تعالى، وأيضاً النظر والتفكير يحتاج إليهما الجاهل بالأمر ليتوصل عن طريقهما لمعرفته وللعلم به، والله سبحانه وتعالى عالِمُ الغيب والشهادة، فلا مشابهة بين الخالق والمخلوق.
[القدرة]
القدرة في الإنسان: عَرَضٌ هي غيره، فهو قادر بهذه القدرة التي هي عرض، وكما قلنا وشرحنا في مسألة العلم نقول هنا، فقدرة الله هي ذاته، فهو سبحانه قادر لا بقدرة لقوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء)).
[الحياة]
الحياة في الإنسان وسائر الحيوان: عرض، وصفة هي غير الإنسان، إذا ذهبت هذه الصفة والعرض من الحيوان صار كالجماد، فهو حي بهذه الحياة التي هي عرض غيره، والقول هنا كالقول في العلم سواءاً سواءاً.

فهو سبحانه حي لا بحياة، ومعنى هذا أن الله تعالى يوصف بأنه حي ويسمى بذلك، ولكن ليس له تعالى صفة يقال لها الحياة كما في الإنسان الضعيف، فإنه فيه أي ـ في الإنسان ـ صفة زائدة على ذاته، إذا ذهبت منه هذه الصفة (الحياة) صار جماداً.
إذاً فالإنسان شيء والحياة شيء آخر، الإنسان: موصوف، والحياة: صفة، والله سبحانه وتعالى ليس كذلك، فليس له حياة هي شيء آخر غيره، كما في الحيوان، وهذا معنى قول أئمتنا عليهم السلام: إن صفاته تعالى ذاته كما قدمنا.
[سميع وبصير في حق المخلوق]
سميع بالنسبة للإنسان: هو الْمُدْرِكُ للمسوعات بمعنى محله الصماخ.
وبصير: هو المدرك للمبصرات بمعنى محله الحدق.
[سميع وبصير في حق الخالق]
وإذا أريد بهما الخالق جل وعلى فهما بمعنى عالم المسموعات وعالم المبصرات، فلا يجوز أن تثبت لله تعالى عرضاً يحل في الحدق، ولا عرضاً يحل في الصماخ تعالى الله عن الأعراض والآلآت، وعن مشابهة المخلوق الضعيف.
وما قلنا هنا في تفسير هذه الصفات هو اللائق بجلال الله وعظمته وقدسه عن مشابهة المخلوقين، فلا يجوز أن نشبه الله تعالى بالمخلوقين في شيء من الصفات لقوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))، ((وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)).

[معنى الرحمة في حق المخلوق]
الرحمة بمعناها اللغوي: عرض يجده الحيوان في قلبه كما يجده الوالد لولده ونحوه، وهي بهذا المعنى من خصائص المخلوقات.
فإذا أطلقت على الخالق جل وعلا كان المعنى غير الذي أطلقت عليه في المخلوقات قضاءاً بنفي المماثلة المعلوم من قوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))، ((وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)).
[معنى الرحمة في الخالق]
فيكون معناها إذا أطلقت على الله تعالى أنه ذو الإنعام بجلائل النعم ودقائقها، فهي من صفات الفعل التي أطلقت باعتبار أفعال الله تعالى، فالرحمن الرحيم ذو الرحمة صفات لله تعالى باعتبار أنه أنعم على خلقه بأصول النعم وفروعها، وقد سمى الله تعالى بعض تلك النعم رحمة قال تعالى: ((قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)) [يونس: 58]، وقال تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ)) [الفرقان: 48].
فرحمة الله تعالى هي أفعاله التي أنعم بها على خلقه كما وصف جل وعلا بخالق ورازق لفعله الخلق والرزق.
قال أمير المؤمنين عليه السلام فيما رواه عنه السيد حميدان: "يقول ولا يلفظ، ويريد ولا يضمر، ويبغض ويغضب من غير مشقة".
[الكلام في حقِّ المخلوق والخالق]
الكلام إذا نسب إلى المخلوقين من البشر، مباين للكلام الصادر عن ذي العزة والجلال، إذ لا مشابهة بين الخالق والمخلوق، بدليل: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء))، ((وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)).
فكلام الله سبحانه بغير آله فلا حلق، ولا لسان، ولا حنك، ولا خيشوم، ولا شفة تعالى سبحانه عن ذلك، إذ لا يحتاج إلى هذا إلاَّ المخلوق الضعيف.

إذا عرفت ذلك فقد يكون كلامه كما كلم موسى من الشجرة بخلقه فيها، كخلقه للرعد والمطر والرياح، وقد يكون كلامه بأن يلقيه في قلب مَلَكٍ، فيلقيه إلى مَلَكٍ تحته إلى آخر ما جاءت به الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أما التلفظ عن آلة كما في المخلوقين، فذلك مستحيل في الخالق تعالى وتشبيه له جل وعلا بخلقه.
[الوجه]
نعم، قد جاء في القرآن ألفاظ توهم التشبيه، ونحن ذاكروها مع ذكر تفسيرها عند علماء أهل البيت عليهم السلام فمن ذلك:
الوجه في قوله تعالى: ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)) [الرحمن: 27].
فنقول: قد ثبت بالدلائل العقلية، والبراهين القرآنية أن الله تعالى ليس بجسم، وهذه الآية وما شاكلها من الآيات التي يوهم ظاهرها التجسيم، فإذا حملناها على ظواهرها كما يقوله المشبهة: اصطدمنا بالآيات النافية للتشبيه والمماثلة كقوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء))، ((وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ))، وصدمتنا أيضاً حجة العقل التي تقول: لو كان الخالق تعالى جسماً لكان مُحْدَثاً كسائر الأجسام.
ولا يجوز أن تتصادم آيات القرآن وتتخالف وتتناقض بلا خلاف بين المسلمين لقوله تعالى: ((وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت: 42] ونحوها.
فمن هنا عرفنا أن هذه الآيات الكريمة التي ظاهرها يوهم التناقض غير متناقضة وأن معانيها غير متخالفة.

نعم، إذا استقرينا كلام علماء المسلمين حول هذه الآيات وجدنا كلامهم متحداً حول قوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء))، فلم يفسرها أحد فيما نعلم بخلاف ظاهرها، فقد أجمع المسلمون على أن المقصود بها ظاهرها، وأن لا تأويل فيها.
ثم وجدناهم اختلفوا في تفسير آيات التشبيه كقوله تعالى: ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ))، فمنهم من أبقاه على ظاهره، وهم الظاهرية، ومنهم من حملها على معانٍ أُخر غير المعنى المتبادر عند الإطلاق، وهم الزيدية والمعتزلة وغيرهم.
[المحكم والمتشابه وكيفة رد المتشابه إلى المحكم]
والله سبحانه وتعالى قد أخبرنا جملة أن في القرآن:
مُحْكَمَاً، وأن هذا المحكم: هو أم الكتاب، وأن فيه متشابهاً.
ثم أشار سبحانه وتعالى عند ذكر المتشابه إلى أنه سيقع الاختلاف في تأويله، وهذه الآية في المحكم والمتشابه، والإشارة إلى ما قلناه قال تعالى في أوائل سورة آل عمران: ((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ)) [آل عمران: 7].

إذاً فالواجب أن نرد معاني تلك الآيات التي وقع فيها النزاع إلى معاني تلك الآيات التي أجمعوا على معانيها، ولم يختلفوا في تفسيرها، لأنها محكمات يرد إليها المتشابه، والدليل على أنها محكمات: أن الأمة لم تختلف في تفسيرها، ولم تتنازع في تأويلها، فيرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه، وهذه هي الطريقة التي جرى عليها أئمتنا عليهم السلام ومن وافقهم، وهي طريقة عقلية سليمة يطمئن إليها العقل، وترتظيها الفطرة، مع العلم أنهم لم يخرجوا في تفسيرهم لهذه الآيات المتشابهة عن حدود اللغة العربية، ولم يتجاوزا به استعمالات العرب، بل قد تكون تلك التفاسير أدخل في البلاغة وأعرق في الفصاحة، وذلك أنهم يحملون تلك الألفاظ على معانيها المجازية، والمجاز أبلغ من الحقيقة على ما ذكره علماء البيان، ويشهد له الذوق السليم.
فالوجه في استعمال العرب: يطلق على نفس الشيء كما ذكره في القاموس، فأئمتنا عليهم السلام وموافقوهم فسروا الوجه في قوله تعالى: ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ))، بأن المعنى: ويبقى ربك، فلفظ الوجه يطلق ويراد به معنى المضاف إليه كما ذكره في القاموس، ومما يشهد لذلك من كلام العرب قولهم: هذا هو وجه الرأي، ووجه الصواب، والمعنى: هذا هو الرأي والصواب.

وأنت إذا أردت أن تفسر الآية على ما يريد أهل الظاهر حصل فساد في المعنى، إذ يكون المعنى: أن كل شيء هالك سوى وجه الله، أما ما عدى الوجه فإنه هالك، فلا بد لهؤلاء الظاهرية من الرجوع إلى تفسيرنا، من أن كل شيء هالك سوى الله تعالى هو المقصود من الآية.
فإذا كان هذا هو المقصود، فلا يصح التعلق بهذه الآية على إثبات الوجه الحقيقي لله تعالى.
[الأيدي واليدان]
الآيات التي تتعلق بها المشبهة قوله تعالى: ((وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ)) [الذاريات:47]، ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)) [ص: 73]، ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء)) [المائدة:64]، ((وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)) [الزمر:67]، ونحو هذه الآيات، وأحاديث يستدلون بها نحو ما يذكر في تفسير هذه الآية الأخيرة في سورة الزمر، فقد تعلق أهل الظاهر وكثير من المخالفين للزيدية بما ذكرنا وبنحوه، فأثبتوا لله تعالى يدين وأصابع وقبضة.

ونقول لهم: إن كان الأمر كما ذكرتم من أن الواجب حمل القرآن على الظاهر على الإطلاق، فكيف تفسرون قوله تعالى في وصف القرآن: ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ))، فأين اليدان؟، وفي صفة القرية الْمُهْلَكَةِ في قوله تعالى: ((فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ)) [البقرة: 66]، وقوله تعالى في ذكر العذاب: ((بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)) [سبأ: 46]، وقوله تعالى: ((وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [النمل: 63]، فأين يدا القرآن، ويدا القرية، ويدا العذاب، ويدا المطر (الرحمة) يا أهل الظاهر؟! أو جدونا يدين اثنتين، ثم ميزوا الشمال من اليمين، وبينوا لنا كذلك الأصابع: الخنصر والبنصر والوسطى والمسبحة والإبهام؟!، فاليدان لا بد أن تكون كذلك ولا مخرج لكم من ذلك.
فإن لم تفعلوا ذلك فقد عطلتم كلام الله تعالى من الصفة التي ثبتت له بنص القرآن، وإنكار شيء من ألفاظ القرآن القطعية كفر، والتفسير عندكم بخلاف الظاهر ضلال وبدعة وتحريف.
هذا ولا سبيل لكم أيها الظاهرية إلى الخروج من هذه المضايق، وكل ما أوردتموه من السؤال والجواب على أئمتنا وموافقيهم سيرد عليكم مثله.
نعم، إنما أوردنا هذه الآيات والإلزامات للظاهرية، لنبطل مذهبهم من أن الواجب حمل الألفاظ الشرعية على ظاهرها مطلقاً، وفي ما ذكرنا إبطال لمذهبهم على الجملة.

قوله تعالى: ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشاءُ))، فقد تعلق أهل الظاهر بهذه الآية واثبتوا لله يدين اثنتين، وأئمتنا عليهم السلام وموافقوهم قالوا في تفسير ذلك: إن اليهود عليهم اللعائن وصفوا الله جل جلاله بالبخل وعبروا عن ذلك على طريق الكناية التي هي أبلغ من التصريح بقولهم يد الله مغلولة، ورد الله سبحانه عليهم بطريق الكناية أيضاً بأبلغ من كنايتهم حيث ثنى اليدين.
هذا وغل اليد وبسطها كنايتان عن الإمساك والإنفاق في الاستعمال العربي، وقد جاءت في القرآن قال تعالى: ((وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)) [الإسراء: 29]، معنى هذه الآية هو معنى قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)) [الفرقان: 67].
[بحث في الكناية والمجاز]
والكناية كثيرة عند العرب، وفي استعمالها والقرآن نزل على لغتها، ومن كنايات العرب: هو عفيف الإزار، تكني بذلك عن الفرج.
ما وضعت موسه عنده قناعاً، تكني بذلك عن العفيف.
لعق أصبعه، كناية عن الموت.
وكذا أصفرت أنامله بمعنى مات.
زلت نعله كناية عن الخطأ والغلط، وتارة عن اختلال الحال بالفقر.
ويقولون للمقتول: ركب الأشقر، الأشقر الدم.
وللمقيد حمل على الأدهم.

3 / 11
ع
En
A+
A-