واختلاف الإمامية كان فيه رميٌ بالتكفير ؛ قال العلامة المامقاني رداً على تجريح النجاشي لكثيرٍ مما وصفهم بالغلو : وقد بينّا مراراً أن رمي القدماء شخصاً بالغلو والارتفاع لا يعتني به لأن جملة ممن تعتقده اليوم ونراه ضروري مذهبنا كانوا هؤلاء يعدونه غلواً وارتفاعاً وكفراً وارتداداً ...إلخ (1) .
وكثيراً ما تروي الإمامية عن الفطحية والواقفية وتصفهم بالثقة والعلم والفقه والوجاهة ؛ قال النجاشي في ترجمة عبد الله بن جبلّه بن حنان بن الحر الكناني : ثقة واقفي وكان فقيهاً ثقةً مشهوراً له كتب (2) , وكان بعض مشايخهم واقفية وفطحية ، قال النجاشي في ترجمة عبد الله بن أبي زيد الأنباري : شيخ من أصحابنا ثقةٌ في الحديث وعالمٌ به ، كان قديماً من الواقفية (3) , وقال النجاشي عن جعفر بن محمد بن سماعة : ثقة في حديثه واقفي (4) ، وقال عن أحمد بن هلال: أبو جعفر صالح الرواية (5) ,وقال الشيخ في الفهرس عنه : كان غالباً متهماً في دينه ، وقد روى أكثر أصول أصحابنا (6) .
__________
(1) 101) تنقيح المقال ج2ص180 نقلاً عن حاشية رجال النجاشي ج1ص180 للعلامة المحقق محمد جواد .
(2) 102) رجال النجاشي 2/13 .
(3) 103) رجال النجاشي 2/41 .
(4) 104) رجال النجاشي 1/298 .
(5) 105) رجال النجاشي 1/218 .
(6) 106) نقلاً عن حاشية رجال النجاشي 1/218 الحاشية رقم 4 .
وكان كثيرٌ من الرواة والعلماء منهم متقلدي وظائف في الدولة العباسية ؛ قال النجاشي في ترجمة عبد الله بن النجاشي بن عثيم بن سمعان أبو بجير الأسدي : ولي الأهواز من قبل المنصور (1) , وقال في ترجمة بن روضة : حاجب المنصور ، كان متكلماً جيد الكلام وله كتابٌ في الإمامة ، وقرأت في بعض الكتب أن المنصور لما كان بالحيرة تسمّع على عيسى بن روضة وكان مولاه وهو يتكلم في الإمامة فأعجب به واستجاد كلامه (2) ، وقال عن الفضل بن سليمان الكاتب البغدادي : كان يكتب للمنصور والمهدي على ديوان الخراج روي عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليه السلام (3) , وقال عن محمد بن إسماعيل بزيع : كان في عداد الوزراء وكان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم ، كثير العمل له كتب (4) , وقال عن محمد بن قيس أبو نصر الأسدي : كان خصّيصاً بعمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك ، وذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام من رجاله برقم294 قائلاً ثقةً ثقة (5) ، وقال النجاشي عن بعض رواة الإمامية أمثال هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب : يكنى أبا القاسم ثقة وجه وكان له مذهبٌ في الجبر والتشبيه لقي أبا محمد وأبا الحسن عليهما السلام (6) .
__________
(1) 107) رجال النجاشي 2/7 .
(2) 108) رجال النجاشي 2/145 ، وقال في الحاشية وفي تنقيح المقال ج2ص360 صاحب المنصور .
(3) 109) رجال النجاشي 2/162 .
(4) 110) رجال النجاشي 2/214 .
(5) 111) رجال النجاشي 2/197 والحاشية رقم (4) .
(6) 112) رجال النجاشي 2/406 .
واعلم أنه لا يصح للإمامية أن تجعل من كلام الأئمة مطلق ومفيد وعام وخاص ومجمل ومبين وغير ذلك من أبواب أصول الفقه من باب الترجيحات والحقيقة والمجاز لأن كلام الأئمة واردٌ مورد البيان لكل غامضٍ والمفتاح لما انفلق ، ولأنه يلزم منه وجود معصومين آخرين غير التسعة يبينوا لنا كلام الأئمة من مطلقٍ ومفيد..إلخ وهكذا هلمّ جر .
واعلم أخي القارئ أن الإمامية ادعت لأئمتهم على حد زعمهم ما لم تدعه الأئمة لأنفسها ؛ فقد ادعوا أن القرآن لا يعلم تفسيره إلا الأئمة ، ولهذا فلا يصح أي تفسير ما لم يكن صاحبه معصوم ، لماذا لا يفسر القرآن إلا المعصومون فقط والقرآن نزل بلغةٍ عربيةٍ وهو مشتملٌ على اللغة والبلاغة والصرف ومعرفتها لا تحتاج إلى عصمة والمشركون العرب فهموا القرآن فهماً جيداً حتى قال أحدهم في وصف القرآن بأن عليه لحلاوة ..إلخ من دون عصمةٍ ، أما أسباب النزول فيكفي في معرفة صحتها العدالة والضبط ، فأهل البيت عليه السلام ليسوا شرطاً أساسياً لفهم القرآن وإلا فهل تكليف الله لنا بتدبر القرآن مرتفعٌ لغياب المعصوم سواء كان سبب غيابه نحن أم لا (1) .
__________
(1) 113) إذا كان قول الإمامية صحيحٌ بأن تفسير القرآن لا يكون إلا للأئمة المعصومين فأخبرونا بمعنى قول الله تعالى : (( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )) ، أفترون الله قال هذا للأئمة وعاب عليهم إذ تركوا التدبر في كتابه فقال لهم : (( أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )) ؟ وكيف لا يفسر القرآن إلا الأئمة والنبي أوجب علينا عرض الحديث على الكتاب أهـ ، ذكر هذا القاسم الرسي عليه السلام .
والتفاسير الموجودة هي لغير المعصومين أمثال الطباطبائي والطبرسي وشبر وغيرهم وإن اعتمدوا في البعض على أحاديث الأئمة فالأحاديث يمكن أن تكون تقيةً وفي سندها من هو مجروحٌ عند هذا وعدلٌ عند ذاك ، ومدلوله عند هذا غير عند ذاك وصحيحه عند هذا ضعيفٌ عند الآخر ، ومع كون البعض من الإمامية تجعل من كلام الأئمة أدلة على عقائده بحيث يكون هذا الحديث للإمام دالاً على معتقداتهم وإن كان بعيداً كل البعد ، هذا مع كونهم مختلفين في تفسير القرآن وإلا فهل تفسير القرآن عندهم توقيفي ؟ ومن الذي فسره ؟ هل هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم أحد الأئمة ؟ ولماذا لم يفسره النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ وإذا فسره النبي أو أحد الأئمة فهل هو موجودٌ أم أنه موجودٌ عند المهدي وسيظهر حين يظهر المهدي ؟ وهل مدلوله ظني أم قطعي ؟ إن كان الأول ؛ فهل يجب وجود معصومين حتى يفسروا لنا تفسير الأئمة للكتاب ؟ وإن كان الثاني فهلموا بالدليل ، وكيف أجزتم الاجتهاد مع القول بالعصمة ؟ وهل الدليل على جواز الاجتهاد والاختلاف بينكم موجودٌ قبل غياب المهدي أم أنه مشرّعٌ لما بعد موت الحسن العسكري ( لعصر الغيبة ) ؟
ويا أيها الإمامية ؛ ما هي الفائدة من أصول الفقه وأصول الحديث وغيرها مع القول بالعصمة أم الفائدة لعصر الغيبة ؟ وما الذي جعل الدليل ظنياً وقطعياً وخفياً وجلياً مع وجود المعصوم ؟ أم أنه لعصر الغيبة ؟ وما الفائدة من الأدلة العقلية والنقلية مع وجود المعصوم أم أنها لعصر الغيبة ؟ وما الفائدة من حديث العرض مع وجود المعصوم أم أنه لعصر الغيبة ؟ وهل يصح أن يكون إمام المسلمين طفلاً لم يتعدَّ الثالثة إن سلمنا بوجوده جدلاً كما تقول الإمامية في المهدي محمد بن الحسن العسكري الشخصية الوهمية أو طفلاً لم يتعدَّ الثامنة عند الأكثر في محمد بن علي الجواد ؟ أم أنه إمامٌ على معنى أنه سيصير إماماً كما يدعيه بعض الإمامية ؟ والاحتجاج بنبوة عيسى عليه السلام وهو صغيرٌ باطلٌ لأن نبوته وهو صغيرٌ ليست قاعدةً مطردةً في جميع الأنبياء مع التسليم جدلاً بأن الإمامة كالنبوة ؛ قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : (( مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ )) أي حقيقة الإيمان لا الإيمان فهو ثابتٌ لديك إذا قلنا بأن المقصود بالإيمان الإيمان اللغوي ، وإن قلنا بأن المقصود بالإيمان الإسلام أي لم تكن تعمله ولا فعلته كالصلاة والزكاة وغيرها ، أم أن حجتكم بإمامة الأطفال هي أن الأرض لا تخلو من حجةٍ أي معصومٍ على ما يرام لكم تفسيره فما تقولون في فترات الأنبياء عليهم السلام ، ومن كان الوصي قبل نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1)؟
__________
(1) 114) وهذا ردٌ على من زعم أن سنة الله في أرضه أن يكون لكل نبيٍ وصي وأن كل وصيٍ لا بد له من وصيٍ وهلم جراً ؛ قال الإمام القاسم الرسي عليه السلام ردّاً عليهم : فيقال لهم حدثونا عن الوصي الذي أوصى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالوصية أمن أهل اللسان العربي كان أم من أهل اللسان الأعجمي ؟ فإن قالوا إنه عربيٌ فقد زعموا أن الوصي كان حينئذٍ أمياً لأن الله نعت نبيه بأنه أمي لأن النبي قبل نبوته لم يكن يعلم أمر الشريعة ، وإن قالوا أعجميٌ قيل لهم : إن الله يقول : (( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ )) إهـ ، كتاب الرد على الروافض مخطوط .
وهل انتهت وصيته حال نبوة النبي محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم أم قبله أم بعده ؟ وهل التاريخ تكلم عن من ادّعوا الوصاية ؟ وكيف يكون حجة الله وهو غائبٌ هذا الطفل ومختلفٌ في وجوده واسمه وغيبته فضلاً عن إمامته بينكم ؟ وكلام الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة هو عن أهل العلم والعلماء لا عن الأئمة والعصمة رغم أنه منهم إلا أن كلامه في العلماء الأئمة وغير الأئمة المعصومين وغير المعصومين فالحكم عام لأهل العلم وإلا لوصفهم بالأئمة ، ووصف العالم بأنه حجةٌ لأنه حاملٌ للأدلة وغيابه واختفاؤه عدم التمكن من إظهار العلم ، وأما من أراد من الناس البحث عنه فسيجده وإلا لارتفع التكليف أو لكان تكليفاً بما لا يطاق ، فهل كلفنا الله بالإسلام وأحكامه والأدلة عليها عند الحجة الغائب لأكثر من ألفٍ ومائتين سنة ؟
أعتقد أن الإمامية تميل إلى المدينة الفاضلة التي ليست إلا في عقول الفلاسفة والتي هي هروبٌ من الواقع الذي لا بد أن نعيشه بضوابطه التي نصّ عليها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
إن قولها بوجود نصوصٍ تنص على أسماء الأئمة من قبل الله وأن هؤلاء الأئمة معصومون وأن الاجتهاد محرمٌ في ظلهم وأن لا اختلافات مع وجودهم وغير ذلك مجرد سراب لا غير لأن الواقع هو أن الإمامية تعيش تقليد واتباع الخميني والسستاني والخوئي وعلي خامنئي وغيرهم من المراجع لأن المعصوم غائبٌ عجل الله خروجه وفرجه !!!
والواقع ؛ أن الإمامية تعيش حالة الفوضى الفكرية في النظرية السياسية من حيث هل الحياة السياسية التي تعيشها إيران هي منبعثةٌ من الفكر الجعفري أم أنها استنباطاتٌ هامشيةٌ من عمومياتٍ اتجهت اتجاهاً لم يكن مراد الأئمة ..
والواقع ؛ أن الإمامية لا تعيش باب الإمامة ولا العصمة ولا العلم الإلهي ولا العلم الغيبي وإنما تعيش النصوص الموهومة لا غير ..
اللهم زدني علماً ووفقني إلى كل خيرٍ واصرف عني كل شر واجعل عملي خالصاً لوجهك الكريم
آمين اللهم آمين
عبد الله بن حسين الديلمي
صنعاء / اليمن …
1محرم 1420 هـ……