إن التاريخ ليصرخ قائلاً : إن خروج بعض الأئمة الذين تدعي الإمامية إمامتهم بالنص واستئذان بعضهم وخروج بعضهم مع الأئمة الخارجين وادعاء بعض أولادهم الإمامة وخروج أبنائهم وذريتهم وبني عمهم مع الأئمة ليدل على أن فكرة الاثني عشر لم يكن لها ذكرٌ ولا وجودٌ في عهدهم وعصرهم ، والقول بأن هؤلاء المتقدمين حسّاداً لهو غبنٌ وظلمٌ وإثمٌ وفسقٌ عظيم . إن جهاد وتضحيات أولئك الجاهدين لتدل على مدى إيمانهم العميق عمق البحار هذا الإيمان الذي جعلهم يُقدّمون أجسادهم وأبنائهم وأموالهم قرباناً يتقربون به إلى الله ، ولتدل على أن هؤلاء عاشوا هموم الإسلام وأبنائه ولم يكن الموت عذراً عندهم بل ساروا وسلكوا خط الإمام الشهيد الحسين بن علي وخط الإمام زيد عليهم السلام ، ذلك الخط الذي هو ركنٌ من أركان الإسلام والذي يمثل الخروج على الظلم والظالمين والمتكبرين والآكلين لأموال الشعوب ، فالإمام الحسن خرج وجاهد إلى آخر لحظةٍ استطاع الجهاد فيها ، فلولا خذلان الخاذلين ونكث الناكثين لجاهد حتى ينتصر أو يموت صلوات الله عليه .

إن هؤلاء المجاهدين أمثال الإمام زيد وبنيه ، وعبد الله بن الحسن وبنيه ، ومحمد وعبد الله ابني جعفر الصادق ، ومحمد وإبراهيم ابني إسماعيل ، والقاسم ومحمد ابني إبراهيم وغيرهم عليهم السلام ، إن هؤلاء لم يعيشوا مع ذواتهم وآمالهم الدنيوية ، بل عاشوا مع آمال المستضعفين والمحرومين ، إنهم ارتفعوا فوق الدم واللحم ، إن جهاد هؤلاء لهو الجهاد الصادق والتضحية المطلقة من أجل هدفٍ سامٍ من أجل الإسلام ، نعم الإسلام . فهل هؤلاء حاسدون ؟ هؤلاء الذي كان يغتبط الحاكم الأموي أو العباسي بموت أحدهم ، ويخافهم الخوف الشديد ، ويحذر حركتهم فإذا مات أحدهم أمن واطمأن (1) ؟ ولولا خوف الإطناب لذكرتهم واحداً واحداً ، لكني أدعوك إلى كتب التاريخ وإلى سجون العباسيين والأمويين .
__________
(1) 46) أنظر قصة المتوكل حينما نعي إليه عبد الله بن موسى وأحمد بن عيسى عليهما السلام في مقاتل الطالبين ص501 .

الرابع :
أن التاريخ لم يذكر أن الأمويين والعباسيين قبل توليهم كانوا يقولون للأئمة الخارجين من الزيدية إنكم طلاب دنيا ورئاسة إذ الإمامة ليست فيكم وإنما هي لأولاد الحسين عليه السلام ، لأن أكثر الثورات كانت زيديةً منبعثةً من إطار الفكر القائل بالخروج على الظالم وأن الإمامة في ذرية الإمام الحسن والإمام الحسين عليه السلام ، ووجدنا أبا جعفر المنصور يبايع الإمام النفس الزكية الأعظم مرتين إحداهما في المدينة (1) ، والقول بأن العباسيين لم يعلموا بأن الإمامة في أولاد الحسين مع أنها موجودةٌ في ذلك العصر باطلٌ ؛ بدليل أن الإمامية تدعي أن الأحاديث على الأئمة الأثني عشر متواترة ، بل رأينا مبايعة موسى بن جعفر وجعفر بن محمد عليهم السلام للإمام زيد ومحمد بن عبد الله النفس الزكية .
وأخيراً ؛ هل الأحاديث التي روتها الإمامية في النص على الأئمة بأسمائهم متواترةٌ أم لا ؟
إن قلتم : إنها غير متواترة . فلا يصح الاحتجاج بها حينئذٍ لاعترافكم بعدم تواترها في أصول الدين ، وإن قلتم : إنها متواترة . فهل انفراد الإمامية بتواتر الحديث يدل على أن الله اختصهم به دون غيرهم فيكونوا مكلفين دون غيرهم ، ولماذا لم يتواتر عند الموافق والمخالف ليكن على مخالفيكم حجة ؟ وإذا لم يختصكم الله به فلماذا لم تروه الأمة وإن اختلفوا في تأويله ، هل هي إمامةٌ دنيوية أم أخروية ؟ وهل هي تفيد العصمة أم لا ؟ وهل في تكليف الأمة به - مع أن التواتر المزعوم حاصلٌ للإمامية على حد زعمهم لا غير - تكليفٌ لما لا يطاق ؟
__________
(1) 47) مقاتل الطالبين ص255 ، قبل أن تقوم الدولة العباسية .

الفصل الثاني : الحديث المروي في كتب أهل السنة
لا بد أن نعلمَ أن الحديث ولو وُجِد في أكثر من كتابٍ عن راوٍ واحد لا يكتسب ثوب الصحة أو التواتر لمجرد أنه موجودٌ في أكثر من كتابٍ ، ونعلمَ أن الحديث الذي يرويه جماعةٌ عن واحدٍ ما زال آحادياً إن توفرت فيه شروط الحديث الآحادي حتى ولو كان عدد هذه الجماعة مليون راوياً ، ونعلمَ أن الحديث الآحادي المتوفر فيه الشروط لا يفيد إلا ظناً ، فإذا كان الراوي عدلاً وما رواه يستلزم عموم التكليف فإن الحديث يرد لا لأن الراوي غير ثقة بل لأن الحديث مما يوجب عموم التكليف ، وما كان التكليف فيه عمومياً لا بد أن يكون متواتراً ، فإذا عرفت هذا فاعلم أن الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل والطبراني في المعجم الكبير وأبو داود وأبو عوانة في المسند وابن كثير الدمشقي وغيرهم هو مرويٌ عن جابر بن سمرة وله أكثر من طريقٍ كلها ترجع إلى ابن سمرة ، فهو إذن حديثٌ واحدٌ وإخراج أكثر من واحدٍ له لا يصيره متواتراً ، وكثرة الرواة عن جابر بن سمرة لا يجعله متواتراً لأن التواتر هو رواية جماعةٍ عن جماعةٍ بحيث يحيل العقل عن تواطئهم على الكذب عادةً ، أو ما أفاد العلم بنفسه هذا مع أن جابر بن سمرة مجروح العدالة .
وكذلك رواية عبد الله بن مسعود آحادية مع أنها على فرض صحتها تدل على أن الأئمة الاثني عشر سوف يملكون والواقع خلافه ؛ فقد سئل رجلٌ عبد الله بن مسعود كم يملك هذه الأمة من خليفة ...إلخ .

وأما رواية عبد الله بن عمر فهي لا تدل على قول الإمامية بل أنها تدل على كون جميع أحاديث هذا الباب المزعومة موضوعة وغير صحيحةٍ ، وتدل على أن للحكومة العباسية يدٌ في وضعها ، ولفظ حديث ابن عمر هو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : يكون من بعدي اثنا عشر خليفةً ؛ أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد والسفاح ومنصور وجابر والأمين وسلام والمهدي وأمير العصب لا يرمي مثله ولا يدري مثله وكلهم من بني كعب بن لؤي فيهم رجلٌ من قحطان منهم من لا يكون ملكه إلا يومين ومنهم من يقال له لتبايعنا أو لنقتلنك فإن لم يبايعهم قتلوه إهـ . كنز العمال ج6ص67 وتاريخ الخلفاء للسيوطي 140 ، وقال الذهبي : إن ابن عساكر أخرج حديث ابن عمر هذا من عدة طرق إهـ .
وروايةٌ أخرى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : يكون من بعدي اثنا عشر خليفة ؛ أبو بكر لا يلبث إلا قليلاً وصاحب رحا داره العرب يعيش حميداً ويقتل شهيداً وأنت يا عثمان سيسألك الناس أن تخلع قميصاً كساك الله عز وجل إياه ..إلخ . أخرجه البيهقي إهـ ؛ نقله من الغدير ص342 الجزء الخامس وابن حيان في المجروحين 2/42 والذهبي في الميزان ج4ص126 .
فهذان الحديثان يدلان على أن العباسيين لهم اليد الطولى في وضع الحديث وإلا فمن هو على حد زعم الرواية جابر وسلام وأمير العصب ؟ وبه يعلم أن فكرة الأئمة الاثني عشر لا أساس لها من الصحة .
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا ملك اثنا عشر من بني كعب كان النَّقْفُ والنِّقاف إلى يوم القيامة . أخرجه البيهقي في التاريخ 6/263 والهيثمي في المجمع 5/193 والذهبي في الميزان 1/383.

وعن ابن عباس مرفوعاً : لا يزال هذا الدين واصباً ما بقي في قريش عشرون رجلاً . أخرجه الذهبي في الميزان 1/148 .
وأخرج ابن كثير في البداية والنهاية ج2ص250 حديثاً موقوفاً عن كعب أنه قال : إن الله وهب لإسماعيل من صلبه اثني عشر قيماً أفضلهم أبو بكر وعمر وعثمان .
وعن حذيفة بن اليمان قال : يكون بعد عثمان اثنا عشر ملكاً من بني أمية . قيل له : خلفاء . قال : لا بل ملوك .
قال ابن كثير : وروى البيهقي من حديث حاتم بن صفرة عن أبي بحر قال : كان أبو الجلد جاراً لي فسمعته يقول يحلف عليه إن هذه الأمة لن تهلك حتى يكون فيها اثنا عسر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق منهم رجلان من أهل البيت أحدهما يعيش أربعين سنة والآخر ثلاثين سنة إهـ . البداية والنهاية 6/250 .
فهذه الروايات المروية في كتب أهل السنة تبين أن أصل فكرة الاثني عشر خليفة هي من وضع الحكام وأن أهل السنة اخترعوها ليثبتوا شرعية ملوك بني أمية وبني العباس ، ومما يزيد الأمر وضوحاً أن ألفاظ حديثالاثني عشر في رواية جابربن سمرة وابن مسعود وابن عمر وحذيفة فيها لفظ يملك وملكاً وخليفة وأميراً وكم يملك بعدي ؟

وهذه الألفاظ حينما نقف متأملين لها لا نجد في اللغة العربية أو في الحقيقة الدينية أو الشرعية أن الخليفة والأمير والملك تعني الخليفة المنصوب من قبل الله وإن لم يتولَّ أي لا تدل هذه الألفاظ أن المقصود بالخلافة والملك الخلافة الإلهية إذ لا يُبعد أن يكون المقصود –إذا سلمنا صحتها – هو الإخبار بما سيكون وإن لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم راضياً بذلك مع أن الواقع يخالف هذا التأويل ، فإذا كانت الأحاديث المزعومة تشير إلى الخلافة الفعلية والواقع يخالف هذه الأحاديث علمنا عدم صحتها .
ومما يدل على أن المقصود هو الخلافة الفعلية سؤال الرجل لابن مسعود : كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ وتعليق كون الدين ظاهراً بكون الاثني غشر خلفاء وملوك وأمراء على الإسلام .
ومع هذا وذاك فهذه الأحاديث المزعومة مجملةٌ إذ لم تشر إلى أن الملوك والخلفاء من بني هاشم ، ومن أي فخذٍ من بني هاشم هم ، ولا أنهم من نسل الإمام علي عليه السلام ، ولا أنهم من نسل الحسين عليه السلام وأنهم على الترتيب وأن خلافتهم متتابعةٌ ، وأن أسمائهم هي كيت وكيت ، فكيف يصح للإمامية الاحتجاج بهذا الحديث مع وجود هذه العلل القاتلة القاصمة ؟

وزعْمُ الإمامية بأنها تنفرد بتبيين ما أجمله الحديث المتقدم بروايتهم عن أئمتهم باطلٌ غير صحيحٍ ؛ إذ لو كانت روايتهم صحيحةٌ لاشتهرت بين الأمة وقد قدّمنا في الفصل الأول الرد على رواياتهم المزعزمة عن الأئمة على حسب زعمهم ولأنهم يجوز عليهم التواطؤ على الكذب بواسطة الحكومة العباسية في أول نشأة الفكر الإمامي وهذا التجويز ممكنٌ لهم في بداية تكوينهم لأن لهم فائدةٌ في الكذب وهو تقوية بدعتهم ولأن مثل هذه القضايا لا يمكن أن يختصهم الله عز وجل بها دون غيرهم لعموم التكليف ، ولأن قولهم هذا يجعل للبكرية الحق في ادّعاء التواتر في إمامة أبي بكر فإنهم قد رووا أحاديث من طريقهم يزعمون فيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على أبي بكر بالخلافة نصاً جلياً عُلِِم منه أنه الإمام بعده - وكون الروايات فيها مجروحين لا يستلزم عدم صحة التواتر لأن التواتر لا يشترط فيه العدالة ، هكذا قالوا- أي البكرية - والإمامية لا يَرضَون بهذا فلماذا إذن جعلت الإمامية لها الحق في ادّعاء التواتر ولم تجعله للبكرية ؟ هذا مع أنا قدمنا إبطال ما زعموا تواتره في الصفحات المتقدمة فلا داعي لإعادته .
وأما الروايات التي تنص على أسماء الأئمة التي قالت الإمامية بأن الرواة لها هم من أهل السنة ككتاب ينابيع المودة وفوائد السمطين وأمثالهما فإن الراوين لهذه الأحاديث هم إماميةٌ أمثال أبي جعفر الطوسي وأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه وغيرهما من رجال الإمامية .

فهذه الروايات ترجع في الأصل إلى الرواة الإمامية مع أني أظن أن المؤلفين لهذه الكتب هم جعفرية لا شوافع أو سنية إذ التقية لها دورٌ بارزٌ ، وكم من رواة الأمامية شوافع هم جعفريةٌ في الأصل ، وانظر إن شئت كتب تراجم الرجال عند إخواننا الإمامية ككتاب رجال النجاشي وغيره .
وأخيراً ؛ هل كانت الأمة في عهد الأئمة الاثني عشر مستقيمٌ أمرها وظاهرةً على عدوها ؟ أم أن كربلاء وقتل الإمام الشهيد زيد عليه السلام وأصحابه وقتل الإمام محمد بن عبد الله النفس الزكية والإمام الشهيد إبراهيم بن عبد الله عليه السلام وأصحابهما وغيرهما من الأئمة ووقعة الحرة وقتل حجر بن عدي وأصحابه واستشهاد الإمام علي والإمام الحسن عليه السلام وأصحابهما من استقامة الأمة ؟
وهل كان الإسلام ظاهرٌ على عدوّه وعلى من ناوأه ؟ أم أن معاوية ويزيد ومروان ابن الحكم وعبد الملك وهارون الرشيد وغيرهم كانوا ظاهرين على أعدائهم كما في الكُناسة وفخ وكربلاء ؟

الباب الثاني: العصمة
قال الشيخ المفيد : إن الأئمة معصومون كعصمة الأنبياء ولا تجوز عليهم صغيرةٌ إلا ما قدم جوازه على الأنبياء ، ولا ينسون شيئاً من الأحكام ، ولا يدخل في مفهوم العصمة سلب القدرة عن المعاصي ولا كون المعصوم مضطراً إلى فعل الطاعات ، فإن ذلك يستدعي بطلان الثواب والعقاب (1) .
أدلتهم والرد عليها :
1- العقلية :
قياس الإمامة بالنبوة .
أننا مكلفون بإصابة الحق في كل زمانٍ مع ما فينا من النقص ، فلا بد من معصومٍ يُكَمّل نقصنا .
الحفاظ على الشريعة من الغلط والنسيان والتبديل .
الإمام مبلغٌ للإسلام بجميع جوانبه فإذا لم يكن معصوماً لم نقطع بصحته .
__________
(1) 48) جعفر السجاني مع الشيعة الإمامية في عقائدهم 57 .

3 / 7
ع
En
A+
A-