الكتاب : مع الإمامية في الإمامة والعصمة المؤلف : عبد الله بن الحسين بن محمد الكبسي الملقب بالديلمي |
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمدٍ وعلى آله الطاهرين ..
وبعد ...
سيدي القارئ الكريم ؛ إنني في هذا الكتاب لم أعش همومي وأحزاني وظروفي وعواطفي بحيث تؤثر عليّ ولم أجعل منها أدلة لمذهبي ولبيئتي التي عشت فيها ، بل عشت مع الدليل أذهب معه إلى أي مكان يذهب إليه لا أُبالي أن يكون مكاني .. المهم أني أتبع الدليل بفكرٍ صائب وعقلٍ متحررٍ من أي قيود غير الموضوعية ، أبحث عن الحقيقة ونور الحقّ ..نعم عن الحقيقة ونور الحق لا غير .
لا بدّ أن نعيش مع الدليل ومدلولاته ليكون هو المرتكز والمؤثر الوحيد لعقائدنا معاشر المسلمين ، إنني في هذا المؤلّف لم يؤثّر عليّ ما سبق ، ولم يؤثر عليّ أبٌ رحيم , ولا أخٌ معين ، ولا صديقٌ حميم ، ولا عدوٌُ فاجر ، بل أثّر عليّ قول الله تعالى : (( وَ لا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )) وقوله سبحانه : (( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئَاً )) أثّرت عليّ أوامر الله الذي حرّم التقليد في معرفته ومعرفة ما جاء به ، الذي حرّم التعصّب للعقائد الباطلة والأفكار القاتلة ، القائل : (( وَالَّذيْنَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )) .
القارئ العزيز ؛
إن هذا الكتاب لم يكن نتيجةً لحقدٍ دفينٍ نبشته وأعلنته ، أو كراهيةً أظهرتها ، أو لإثارة النعرات المذهبية بيني وبين الجعفرية.
لا والذي لا إله إلا هو ..
لا والذي يعلم السرّ وأخفى ..
لا والذي يعلم ما تحت الثرى ..
بل هو لبنةٌ في طريق الوحدة الإسلامية التي تنادي بها جميع الفرق الإسلامية ولن تكون إلا بطرح التعصّب للبيئة والمذهبية والأنساب ... ، فبالحوار الهادئ والمجادلة بالتي هي أحسن يمكن أن نصل بكلّ تأكيدٍ إلى الحقّ ، نعم أخي القارئ ؛ إلى الحقّ المبين .
ولأنني رأيت أناساً يصفون إخوانهم الزيدية وأئمتهم بهتاناً وزوراً بأبشع الصفات مستدلّين على ذلك بصحّة أدلّة الإمامية ، فالأئمة الزيدية في نظر هؤلاء أصحاب دنيا يبحثون عن السلطة والجاه والغنائم لا غير . إن أئمة الزيدية أمثال الإمام محمد بن عبد الله النفس الزكية وإخوانه وأبيه والإمام الهادي وغيرهم في نظر هؤلاء مغتصبون للإمامة وحاسدون للأئمة التسعة .
أخي القارئ ؛
إن هؤلاء حينما يستدلون بأدلة الإمامية يعجبون بالخميني ويعيشون ثورته حلماً وتبهرهم كثرة الجعفرية ومراكزهم وفي الحقيقة هناك التفاتٌ من الجعفرية لمراجعها في المقابل يعيشون ضعف الحركة الزيدية ورجالها ولا يعيشون مع فكر الزيدية ومع الأدلة ومد لولاتها .
إنهم حينما يعيشون مع الآخر يهربون من واقعهم وآلامهم وهمومهم وعجزهم وعجز رجال الزيدية .
إنني أيها العزيز أحبّ الخميني لحركته وجهاده وتجديده لا لفكره العقائدي إنني معجبٌ ببعض المفكّرين الشيعة لا لأنّهم شيعةً ويحبون علياً بل لأنهم صنعوا من أنفسهم مجاهدين ، ولأنهم قدموا رؤى للحركة الإسلامية .
أيها القارئ العزيز ؛ إن ما قام به الخميني ومحمد باقر الصدر وعلي شريعتي ومطهري وغيرهم رحمهم الله هو امتدادٌ لنهج الإمام زيد العملي وما ردود الخميني في بعض كتبه على هؤلاء الذين يقولون بتحريم الثورة لأن المنكرات كلما ازدادت كلما قرب ظهور الإمام المهدي عليه السلام إلا انتهاجاً للإمام زيد حينما ردّ على أشياعهم الذين رفضوا الجهاد معه عليه السلام ، وإلا فقل لي بربك أيها القارئ اللبيب ؛ كم هي الثورات التي تكلم عنها التأريخ للإمامية ؟ وكم هي الثورات التي تكلم عنها التأريخ للزيدية ؟
أخي القارئ ؛
لتكن من أي فرقةٍ شئت ...
ولتعلم أني بعملي هذا لم أقصد جرحاً أو تنقيصاً بل أقصد به وجه الله الكريم لا غير ، فمن وجد به خللاً وسدّه وأعلمني فجزاه الله خيراً ، ولن أتكبّر على الحق أبداً أبداً بإذن الله ، وكلامي هذا هو من صميم قلبي.
وأخيراً ؛ أسأل الله أن ينفع بي وأن ينفعني وأن يزيل الحُجُب من قلوبنا لنرى الحقيقة بعقولٍ سالكةٍ إلى الله ....
والله الموفّق ……
6 / جماد آخر / 1420 هـ
الباب الأول: الإمامة
الفصل الأول: النص على أسماء الأئمة
إعلم أنه لا يصح الاستدلال بالحديث الآحادي في أصول الدين لأن المطلوب فيها العلم الذي يقابل الظن وهو متعذرُ في الآحادي لأنه لا يفيد إلا الظن ، ولهذا نص علماء أصول الفقه على أن الحديث إذا استلزم الشهرة - أي عموم التكليف - ولم يشتهر فلا يصح الاستدلال به في الفروع فضلاً عن الأصول لعدم حجيته ، نعم ؛ إختلفوا في العمل به في الفروع وكان مدلول الحديث يستلزم العمل به من جميع المكلفين ، فأجازه بعضٌ ورده آخرون .
فإذا عرفت هذا فاعلم أن الإمامية تدّعي أن الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اثني عشر إماماً ، وأن النص على الإمام لا بد أن يكون نصاً جلياً من ذكر اسم الإمام وأبيه وإمامته ، ونحن نتفق معهم في إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام المنصوص عليه من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم الغدير وحديث الغدير حديثٌ متواترٌ ومدلوله قطعي ، وفي الإمام الحسن بن علي والإمام الحسين عليهما السلام لحديث الثقلين والسفينة المتواترين ونحوهما ، ونختلف معهم بعد الإمام الحسين ،لأننا لا ندعي نصوصاً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غير الثلاثة للإفراد لا نصاً جلياً ولا خفياً ، وادعت الإمامية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص نصاً جلياً في حديثٍ متواترٍ على حد زعمهم ذكر فيه أسماء الأئمة الاثني عشر أولهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم محمد بن الحسن العسكري ، ورووا في ذلك أحاديث زعموا أنها متواترةٌ تفيد العلم ، ونحن أنكرنا أن تكون إمامتهم منصوصاً عليها وأن النص عليهم متواترٌ وذلك لأن التواتر غير حاصلٍ لهم والإمامية يمكن أن تتواطأ على الكذب وذلك لتقوية بدعتهم بواسطة الحكومة العبّاسية .
والتواتر هو نقل جماعةٍ عن جماعة بحيث يحيل العقل عن تواطؤهم على الكذب ، والعقل لا يحيل التواطؤ هنا ولو كان لاشتهر بين الأمة .
وأنكرنا صحة وتواتر الحديث لأمور :
الأول :
إختلافهم بعد موت كل إمام ، فهو يدل دلالةً قويةً على عدم صحة النص على إمامة الأئمة الذي تدّعي الإمامية تواتره ، إذ لا يمكن أن يختلفوا على إمامٍ مع وجود نصوصٍ متواترة تنصّ على أسماء الأئمة سواء كان هذا التواتر حاصلاً لهم أو مع غيرهم . واختلافهم هذا ليس كاختلاف السنة والشيعة في إمامة الإمام علي عليه السلام لاتفاقهم على تواتر نصّ حديث الغدير ، أو غيره كحديث السفينة والثقلين وإن اختلفوا في مدلوله .
فقد اختلفت الإمامية في الإمام الذي بعد علي بن موسى الرضا عليه السلام ، فالذين قالوا بإمامة علي بن موسى الرضا افترقوا ثلاث فرق ؛ منهم من وقف على علي بن موسى لظهور موته بطوس ، ومنهم من رجع عن إمامته وقالوا بإمامة أحمد بن موسى ، ومنهم من قالوا بإمامة محمد بن علي وكان صغير السن وأكثر القائلين بأن عمره ثمان سنوات ، ومنهم من تحاشى عن هذه المقالة و قال إنه إمامٌ على معنى أنه سيصير إماماً لا أنه إمامٌ في تلك الحال (1) .
واختلفوا في الثاني عشر ؛ فمنهم من يسميه ومنهم من لا يسمّيه ورووا في ذلك أخباراً ، ومنهم من يصحّح العلم بولادته ومنهم من ينفي العلم بذلك ويقول في إمارته : لا تكون ولادته معلومة(2) .
__________
(1) أنظر فرق الشيعة للنوبختي من 77 إلى 111.
(2) أنظر فرق الشيعة للنوبختي من 77 إلى 111.
واختلفوا بعد موت الحسن العسكري ؛ فمنهم من قال أن الحسن العسكري لم يمت لأنه لو مات وليس له ولدٌ ظاهر لخلا الزمان عن الإمام المعصوم ، وذلك غير جائز ، ومنهم من قال أنه مات لكنه سيجيء وهو المعنيّ بكونه قائماً بعد الموت ، ومنهم من قال أنه لا يجيء لكنه أوصى بالأمة إلى أخيه جعفر ، ومنهم من قال أنه أوصى إلى أخيه محمد ، ومنهم من قال أن أبا محمد مات من غير ولدٍ ظاهر ولكنه عن حمل بعض جواريه ، وغير ذلك من الاختلافات بعد موت الحسن العسكري (1) .
وبعد موت موسى بن جعفر من الناورسية والفطحية والسمطية والطفّيّة واليرمقية والأقمصية والتميمية (2) وغير ذلك كثير وانظر إن شئت كتاب فرق الشيعة للنوبختي فهو عاصر زمان الغيبة الصغرى ، وانظر إلى استدلالاته تجده لا يعتمد في إثبات إمامة الإمام إلا على أنه يكون من أكبر أولاد الإمام الذي قبله ، وأنه لا يمكن أن يموت الإمام ولا ولد له ، وأن الإمامة لا يجوز انتقالها إلى نسلٍ آخر ، إذن فللإمام ولدٌ وهو معصومٌ وغيبته لكذا وكذا وانظر إلى استدلال البحراني تجده يتطوّر في الاستدلال أكثر بواسطة بعض الأحاديث مع القواعد وهكذا تفرّخت الأدلة والأحاديث .
__________
(1) فرق الشيعة للنوبختي ، والنجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة لهيثم البحراني المتوفى سنة 699هـ : 174 ، 175 ،176 .
(2) المصدر السابق ، وأما قول القائل بأنه يكفي في الدلالة على بطلان مذاهبهم انقراض أصحابه وزوالهم فصحيحٌ لكنه ليس دليلاً على عدم وقوع الخلاف .
وهذا الاختلاف الكائن بين الإمامية ليس سببه حبّ المال والجاه فقط كما قال صاحب كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة بل ولاختلافهم في القواعد والأدلة وصحتها من جملة الأسباب أيضاً بدليل أن الإمامية نصوا على توثيق بعض الرواة من الواقفية مثل علي بن محمد بن علي بن عمر بن رباح بن قيس بن سالم أبو القاسم ؛ قال فيه النجاشي : ثقة في الحديث واقفاً في المذهب صحيح الرواية ثبت معتمداً على ما يرويه (1) ، وعبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي ؛ قال النجاشي : روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام ثم وقف على أبي الحسن عليه السلام كان ثقةً ثقةً عيناً (2) ، وعلي بن الحسن بن محمد الطائي كان فقيهاً ثقةً في الحديث وكان من وجوه الواقفة (3) ، ومنهم من رجع عن مذهبه كعبد الرحمن بن الحجاج البجلي (4) ، فلو كان سبب توقفهم حب الجاه والمال لما عدلوهم .
__________
(1) كتاب النجاشي 2/86 برقم 677 .
(2) النجاشي 2/62.
(3) النجاشي 2/ 78 .
(4) النجاشي 2/ 50 .
ومما يدل على أن اختلافهم كان لأجل الغموض الذي يكتنف مذهبهم ويدل على عدم وجود نصوصٍ على الأئمة جملةً أو بأسمائهم ما حدث لمشايخ الشيعة وفقهائها ولعبد الله بن بكير وعمار بن موسى الساباطي على حد زعمهم في قولهم بإمامة عبد الله بن جعفر ثم رجوعهم عن القول بإمامته إلى القول بإمامة الرضا عليه السلام وغير ذلك(1) ، قال النوبختي : وقد شاهد بعضهم من أبي الحسن الرضا عليه السلام أموراً فقطع عليه بالإمامة (2) ، قال مؤلف منتهى الآمال في تاريخ النبي والآل : تحيّر بعض الشيعة في الجواد وذلك لصغر سنه حتى توجه علماء الشيعة وأفاضلهم وأشرافهم وأماثلهم إلى الحج فبعد أن أنهوا مناسك حجهم دخلوا على أبي جعفر فأقروا بإمامته من كثرة ما رأوه من وفور علمه وما شهدوه من معجزاته وكراماته على حد زعمهم وزال عنهم أيُّ أثر من شك أو شبهة راودت خواطرهم (3) ، وذكر الشيخ الطوسي عن شاهويه عن عبد الله الجلابي أنه قال : كنت رويت عن أبي الحسن العسكري ( الأول ) عليه السلام في أبي جعفر ابنه روايات تدل عليه فلما مضى أبو جعفر قلقت لذلك وبقيت متحيراً فلا أدري ما يكون إلى ... إلخ (4) ، وعن أحمد بن إسحاق أنه قال : دخلت يوماً على أبي محمدٍ عليه السلام فقال لي يا أحمد ما كان الناس فيه من الشك والارتياب ؟ (يريد ولده القائم بعده ) ، قلت لما ورد الكتاب بمولد سيدنا عليه السلام لم يبق منا رجلٌ ولا امرأةٌ ولا غلامٌ بلغ الفهم إلا قال بالحق ، فقال عليه السلام أما
__________
(1) فرق الشيعة 79 ، والنجاة في يوم القيامة في تحقيق أمر الإمامة ص174.
(2) 10) فرق الشيعة للنوبختي ص82 على حد زعمهم .
(3) 11) منتهى الآمال ج2 ص423 .
(4) 12) منتهى الآمال ج2 ص508 , والغيبة رقم الحديث 167 .