كفى مَن ذَهَبَ إلى هذا التأويل كفرا!! إنما عنى الله تبارك وتعالى حتى يطهرن من الدم، فإذا تطهرَّن منه بالماء {???????????????? ???? ??????? ??????????? ??????? ? يعني طاهرات غير حُيَّض. فقال عمر: إن قريشا لتغبط بك يا بن عباس ، بل جميع العرب، بل جميع أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال خريم بن فاتك الأسدي:

ما كان يعلم هذا العلم من أحد ... بعد النبي سوى الحبر ابن عباس
من ذا يفرج عنكم كل معظلة ... إن صار رسما مقيما بين أرماس
مستنبط العلم غضا من معادنه ... هذا اليقين وما بالحق من باس

وصدق لعمري عمر بن الخطاب إن الأمة لتغبط بأن يكون فيها ومنها، من يجادل أهل الإلحاد في تنزيل الله والكفر بآيات الله سبحانه عنها (1).
وأخرج البخاري من طريق ابن مُليكة عن ابن عباس، قال: (( قال عمر ابن الخطاب يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فيمن يَرَون هذه الآية نزلت: ¼??????????? ... ??????????? ... ???? ... ???????????????????????-?????????? ??????‡†??????? ... ?????(2) ؟ قالوا: الله أعلم.
فغضب عمر. فقال: قُلوا: نعلم أو لا نعلم.
فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء.
__________
(1) مجموع الإمام القاسم الرسي، كتاب الناسخ والمنسوخ. بتحقيقنا.
(2) سورة البقرة، الآية 266.

فقال: يا ابن أخي! قل، ولا تحقر نَفسَك.
قال ابن عباس: ضُربَت مثلاً لعمل.
فقال عمر: أي عمل؟
قال ابن عباس: لرجل يعمل بطاعة الله، ثم بعث له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله )) (1).
وأخرج أبو نعيم عن محمد بن كعب القُرَظي، عن ابن عباس: أن ابن عباس جلس في رهط من المهاجرين من الصحابة، فذكروا ليلة القدر. فتكلم كلٌّ بما عنده، فقال عمر مَالَكَ يا ابن عباس صامت لا تتكلم ؟! تكلم ولا تمنعك الحداثة.
قال ابن عباس: فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله وترٌ يحبّ الوتر: فجعل أيام الدنيا تدور على سبع. وخلق الإنسان من سبع. وخلق أرازاقنا من سبع. وخلق فوقنا سماوات سبعاً. وخلق تحتنا أرضين سبعاً. وأعطى من المثاني سبعاً. ونهى في كتابه عن نكاح الأقربين سبعاً. وقسم الميراث في كتابه على سبع. ونَقَعُ في السجود من أجسادنا على سبع. وطاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالكعبة سبعاً. وبَينَ الصفا والمروة سبعاً. ورمى الجمار بسبع. فأراها - أي ليلة القدر - في السبع الأواخر من شهر رمضان. فتعجب عمر، فقال: ما وافقني فيها أحدٌ إلا هذا الغلام الذي لو تَستَوِ شئون رأسه. ثم قال: يا هؤلاء! من يؤديني في هذا كابن عباس )) (2).
__________
(1) صحيح البخاري برقم ( 4147)،جامع البيان 3/47، الإتقان 4/236.
(2) الإتقان 4/236.

قال عبد الله بن عمر: كنت عند أبي يوما، وعنده نفر من الناس، فجرى ذكر الشعر، فقال: من أشعر الناس؟
فطلع عبد الله بن عباس، فسلَّم وجلَس، فقال عمر: قد جاءكم الخبير. من أشعر الناس يا عبد الله؟
فقال عبد الله بن عباس: زهير بن أبي سُلمى.
فقال عمر: فأنشدني مما تستجيده له.
فقال عبد الله بن عباس: يا أمير المؤمنين، إنه مدح قوماً من غطفان، يقال لهم: بنو سنان، قال:

لو كان يَقعدُ فوق الشمس من كرمٍ ... قومٌ بأوَّلهم أو مجدِهم قعدوا
قومٌ سنانٌ أبوهم حين تنسُبُهم ... طابوا وطاب من الأولاد ما وَلَدوا
إنسٌ إذا أَمِنوا جنٌّ إذا فزِعوا ... مُرَزَّؤُون بهاليل إذا جَهدُوا
مُحَسَّدون على ما كان من نِعَمٍ ... لا يَنْزعُ الله مِنهُم ما به حُسِدوا

فقال عمر: والله لقد أحسن، وما أرى هذا المدحَ يصلحُ إلا لهذا البيت من هاشم، لقرابتهم من رسول الله.
فقال عبد الله بن عباس: وفّقك الله يا أمير المؤمنين، فلم تزل موفَّقاً.
فقال عمر: أتدري يابن عباس ما منع الناسَ منكم؟
فقال عبد الله بن عباس: لا، يا أمير المؤمنين!
فقال عمر: لكني أدري.
فقال عبد الله بن عباس: ما هو يا أمير المؤمنين؟

فقال عمر: كرهَتْ قريشٌ أن تجتمع لكم النُّبُّوة والخلافة فتُجخِفُوا (1) الناس جحفاً، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت، ووُفِّقَت فأصابت.
فقال عبد الله بن عباس: أيُميطُ أمير المؤمنين غَضَبه فيسمع؟
فقال عمر: قل ما تشاء.
فقال عبد الله بن عباس: أما قولُ أمير المؤمنين: إن قريشاً كرهت فإن الله تعالى قال لقوم: { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم } (2)، وأما قولك: إنا كنا نجحف، فلو جحفنا بالخلافة جحفنا بالقرابة، ولكنا قرم أخلاقنا مشتقة من خُلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي قال الله فيه: { وإنك لعلى خلق عظيم } (3). وقال له: { واخفض جناحك لمن اتَّبعك من المؤمنين } (4).
وأما قولك: فإن قريشاً اختارت، فإن الله تعالى يقول: { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة } (5).
وقد علمت يا أمير المؤمنين أن الله اختار من خلقه لذلك مَن اختار، فلو نَظَرت قريش من حيث نظر الله لها لوُفِّقت وأصابت.
فقال عمر: على رِسلك يابن عباس. أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشّاً في أمر قريش لا يزولُ، وحقداً عليها لا يَحولُ.
__________
(1) جخف: تكبّر.
(2) سورة محمد، الآية 9.
(3) سورة القلم، الآية 4.
(4) سورة الشعراء، الآية 215.
(5) سورة القصص، الآية 68.

فقال عبد الله بن عباس: مهلاً يا أمير المؤمنين، لا تنسبُ قلوب بني هاشم إلى الغش، فإن قلوبهم من قلب رسول الله الذي طهره الله وزكّاه، وهم أهل البيت الذين قال الله لهم: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } (1).
وأما الحقد، فكيف لا يحقد من غُصِب شيئُهُ، ويراه في يد غيره؟!
فقال عمر: أما أنت يابن عباس؟ فقد بلغني عنك كلامٌ أكره أن أخبرك به، فتزول منزلتُك عندي!
فقال عبد الله بن عباس: وما هو يا أمير المؤمنين؟ أخبرني به فإن يك باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه، وإن يك حقا فإن منزلتي عندك لا تزول به.
فقال عمر: بلغني أنك لا تزال تقول: أُخِذَ هذا الأمر حسدا وظلما.
فقال عبد الله بن عباس: أما قولك يا أمير المؤمنين: حسداً، فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة، فنحن بنو آدم المحسود، وأما قولك: ظلما، فأمير المؤمنين يعلمُ صاحبَ الحقّ من هو؟!
يا أمير المؤمنين ألم تحتج العرب على العجم بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنحن أحقُّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سائر قريش.
فقال عمر: قم الآن فارجع إلى منزلك.
__________
(1) سورة الأحزاب، الآية 33.

فقام ابن عباس، فلما ولى هَتَف به عمر: أيها المنصرف، إني على ما كان منك لراعٍ حقك.
فالتفت إليه ابن عباس وقال: إن لي عليك يا أمير المؤمنين وعلى كل المسلمين حقا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن حفظه فحق نفسه حفظ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع، ثم مضى.
فقال عمر لجلسائه: واهاً لابن عباس! ما رأيتهُ لاحَى أحدا قط إلا خَصَمَه (1).
[ابن عباس مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب]
تتلمذ ابن عباس على يد صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم، ثم على يد أعلم الناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - أعني - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
عن ابن عباس: (( ما أخذتُ من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب )) (2).
وقال أيضا: (( وقد وعيت كل ما قال علي عليه السلام، ثم فكرت، فإذا علمي بالقرآن في علم علي عليه السلام كالقرارة في المتفجّر )) (3).
وقال أيضا: (( عليّ عَلِمَ علماً علّمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي علّمه الله، فعِلْمُ النبي من علم الله، وعلمُ علي من علم
__________
(1) شرح نهج البلاغة 12/ 52 - 55، تاريخ الطبري 4/ 222 - 224.
(2) التفسير والمفسرون 1/90.
(3) سفينة البحار 2/414.

النبيّ، وعلمي من علم علي عليه السلام، وما عِلمي وعلم صحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في علم عليّ عليه السلام إلا كقطرة في سبعة أَبحُر (1).
وأنبأنا إسحاق بن يحيى بن طلحة، قال: قال عمي عيسى بن طلحة: قلت لابن عباس: يا أبا عباس صف لنا سلفنا حتى كأني عاينتهم. قال: تسألني عن أبي بكر، كان والله في علمي تقيّاً نديّاً، الخير كله فيه من رجل يصادي منه عرب - يعني - حدة.
تسألني عن عمر كان والله في علمي تقياً قوياً، قد وضعت له الحبائل بكل مرصد كان لها حذراً، من رجل في سوقه عنف.
تسألني عن عثمان، كان والله في علمي صواماً قواماً من رجل يحب قومه.
تسألني عن علي، كان والله في علمي عليماً حكيماً، إن سمعته يقول شيئا قطّ إلا أحسنه، من رجل ما نكل على موضعه، ولم أره أشرف على شيء قط حتى أقول: هو أخذه إلا صرف عنه. قلت: يا أبا عباس أكنتم تعدونه محدودا (2)؟ قال: أنتم تقولون ذلك (3).
__________
(1) سفينة البحار 2/414.
(2) المحدود: الممنوع.
(3) ترجمة الإمام علي عليه السلام ( تاريخ ابن عساكر ) 3/72 - 73 (1104).

أثنى أمير المؤمنين علي عليه السلام على تفسير ابن عباس وحث الناس على تعلّمه منه، وقال عنه: ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق (1).
وقيل لطاوس: لزمت هذا الغلام - يعني ابن عباس - وتركت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: إني رأيت سبعين رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تَدارءوا في أمر صاروا إلى قول ابن عباس. كما روى الأعمش عن أبي أوائل، قال: واستخلف عليّ عليه السلام عبد الله بن عباس على الموسم، فقرأ في خطبته سورة البقرة، وفي رواية: سورة النور، ففسرها تفسيراً لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا )) (2).
وعن أبي جعفر محمد بن علي [الباقر] قال: لما أراد الناس عليا على أن يضعَ حكمين قال لهم عليّ: إن معاوية لم يكن ليضع هذا الأمر أحداً هو أوثقُ برأيه ونظره من عمرو بن العاص، وإنه لا يصلح للقرشيِّ إلا مثله، فعليكم بعبدالله بن عباس فارموه به، فإن عمراً لا
__________
(1) التفسير والمفسرون 1/70.
(2) أسد الغابة 3/193 - 194. كما روي عن شقيق قال: كان ابن عباس على الموسم، فافتتح سورة هود فجعل يقرأ ثم يفسر. فقال شيخ من الحي: (( ما رأيت - كاليوم - كلاماً يخرج من رأس رجل لو سمعت به الترك لأسلمت )). الإصابة 2/333.

يعقد عُقدةً إلا حلَّها عبد الله، ولا يحُلُّ عقدةً إلا عقَدها، ولا يُبرم أمراً إلا نقضه، ولا ينقض أمراً إلا أبرمَه (1).
ولاه أمير المؤمنين على البصرة في خلافته سنة (39هـ)، وترك البصرة بعد عام واحد.
شهد مع علي الجمل وصفين والنهروان.
قال عبد الله بن عباس يرثي أمير المؤمنين عليا عليه السلام:

وهزَّ عليٌّ بالعراقين لحيةً ... مصيبتُها جلّت على كل مُسلم
وقال سيأتيها من الله نازلٌ ... ويخضِبُها أشقىَ البَرية بالدم
فعاجَلَهُ بالسيف شلَّت يمينه ... لشؤم قَطَام عند ذاك ابن مُلجم
فياضربةً من خاسر ضلَّ سعيه ... تَبَوأ منها مقعداً في جهنم
ففاز أميرُ المؤمنين بحظه ... وإن طرقت إحدى الليالي بمعظم
ألا إنما الدنيا بلاء وفتنة ... حلاوتُها شيبت بصابٍ وعلقم(2)

أخرج ابن المغازلي:عن علي بن عبد الله قال: كنت مع أبي عبد الله بن العباس، وسعيد بن جبير يقوده، فمر على ضفة زمزم فإذا بقوم من أهل الشام يسبون علياً عليه السلام فقال لسعيد: ردني إليهم، فرده فوقف عليهم. فقال: أيكم الساب لله عز وجل؟
قالوا: سبحان الله ما فينا من سب الله عز وجل.
__________
(1) وقعة صفين /499 - 500.
(2) شرح نهج البلاغة 6/125 - 126.

قال: فأيكم الساب رسول الله صلى الله عليه وآله؟
فقالوا: سبحان الله ما فينا أحد سب رسول الله؟
قال: فأيكم الساب علي بن أبي طالب؟
فقالوا: أما هذا فقد كان.
قال: فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله سمعته أذناي، ووعاه قلبي، أنه كان يقول لعلي بن أبي طالب: (( يا علي من سبك فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله عز وجل، ومن سب الله عز وجل أكبه الله على منخريه في النار )).
ثم ولى عنهم ثم قال: يا بني ماذا رأيتهم صنعوا؟
قال: فقلت له: يا أبة:

نظروا إليك بأعين محمرة
نظر التيوس إلى شفار الجازر

فقال: زدني فداك أبوك.
فقلت:

خزر العيون نواكس أبصارهم
نظر الذليل إلى العزيز القاهر

فقال: زدني فداك أبوك.
فقلت: ليس عندي مزيد.
فقال: لكن عندي فداك أبوك، ثم قال:

أحياؤهم خزي على أمواتهم

2 / 21
ع
En
A+
A-