فقال عبد الله بن عباس: أقسمت عليك ألا تقول إلا خيرا.
فقال الحطيئة: أفعل.
فقال عبد الله بن عباس: يا أبا مليكة، من أشعر الناس
فقال الحطيئة: أمن الماضين أم من الباقين؟!
فقال عبد الله بن عباس: من الماضين.
فقال الحطيئة: الذي يقول:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يَفِرهُ ومن لا يتَّق الشتم يُشتم
وما بدونه الذي يقول:
ولستَ بمستبقٍ أخاً لا تلمُّه ... على شَعَثٍ أيُّ الرجال المهذب
ولكن الضراعة أفسدته كما أفسدت جَرولاً، والله يابن عم رسول الله لولا الطمعُ والجشعُ لكنتُ أشعرَ الماضين، فأما الباقون فلا تشكَّ أني أشعرهم وأصردُهم سهماً إذا رمَيت (1).
وبينما عبد الله بن عباس في المسجد الحرام، وعنده نافع بن الأزرق وناس من الخوارج يسألونه، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين مُوَرَّدين حتى دخل وجلس، فقال له ابن عباس: أنشِدنا يا ابن أبي ربيعة.
فقال عمر:
أَمِنْ آل نُعمٍ أنت غادٍ فمُبكرُ ... غداةَ غَدٍ أم رائح فمهجِّرُ
__________
(1) الأغاني 2/192.
حتى أتى على آخر القصيدة، فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال: الله يابن عباس! إنّا نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنا، ويأتيك غلامٌ مُترفٌ من مُترفي قريش فينشدك:
رأيت رجلاً أمّا إذا الشمسُ عارضت ... فيخزَى وأَما بالعَشِيِّ فَيَخسرُ
فقال عبد الله بن عباس: ليس هكذا قال.
فقال نافع بن الأزرق: فكيف؟!
فقال عبد الله بن عباس:
رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ... فَيَضحَى وأما بالعشِيِّ فيخصر
فقال نافع بن الأزرق: ما أراك إلا وقد حفظت البيت؟
فقال عبد الله بن عباس: أجل، وإن شئت أن أُنشِدكَ القصيدة أنشدتك إياها.
فقال نافع بن الأزرق: فإني أشاء.
فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها، وما سمعها قط إلا تلك المرة صفحاً (1).
__________
(1) الأغاني 1/72. وصفحاً: مروراً.
الكتاب
هو مجموعة من الأسئلة التي طرحها نافع بن الأزرق الخارجي، على حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
يوجد منه نسخة خطية في برلين تحت رقم (683) بعنوان: كتاب غريب القرآن، وفي المكتبة الظاهرية بدمشق. وفي دار الكتب بالقاهرة تحت عنوان: غريب القرآن، تحت رقم (166). وفي المجمع العلمي العراقي تحت رقم (69).
ويوجد منه قطعة في الكامل للمبرد /566، وفي كتاب الوقف والابتداء لابن الأنباري، وفي معجم الطبراني الكبير. وفي الإتقان للسيوطي 2/65 - 107، (190) سؤالا، حذف منها بضعة عشر سؤالا، قال: هذا آخر مسائل نافع بن الأزرق، وقد حذفتُ منها يسيراً نحو بضعة عشر سؤالاً، أسئلة مشهورة، وأخرج الأئمة أفراداً منها بأسانيد مختلفة إلى ابن عباس.
وأكملتها من المخطوط الموجود في المجمع العلمي العراقي، نقلا عن بحث قدَّمه الدكتور محمد علي آذرشب - باحث إيراني - لمجلة رسالة التقريب الصادرة من المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، العدد (25) الدورة السابعة رجب ـ رمضان 1420هـ / 2000م.
ولا شك أن هذا الكتاب يعد من أقدم ما كتب، ويعتبر من أهم مناهج التفسير للقرآن الكريم، ذلك لأن مؤلفه ترجمان القرآن أولا، ولأسلوبه الفريد في الإستدلال على معاني آيات القرآن الكريم ثانياً.
لذلك آثرت نشره، علَّه يؤدي دوره المأمول في شد الأمة إلى لغتها وكتاب ربها، والله أسأل أن يذخر لي ذلك عنده إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.
عبد الكريم أحمد جدبان
اليمن ـ صعدة
جماد أول/ 1422هـ
الموافق 8/2001م
l
قال الزركشي: ( ومسائل نافع له عن مواضع من القرآن، واستشهاد ابن عباس في كل جواب ببيت ) (1).
وقال السيوطي: ( وأوعب ما رأيناه عنه مسائل نافع بن الأزرق (2)، وقد أخرج بعضها ابن الأنباري في كتاب (الوقف والإبتداء) والطبراني في (معجمه الكبير) (3) وقد رأيت أن أسوقها هنا بتمامها لتستفاد:
أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي الصالحيّ، بقرآءتي عليه عن أبي إسحاق التنوخي، عن القاسم بن عساكر، أنبأنا أبو نصر محمد بن عبد الله الشيرازي، أنبأنا أبو المظفر محمد بن أسعد العراقي، أنبأنا أبو علي محمد بن سعيد بن نبهان الكاتب، أنبأنا أبو علي بن شاذان، حدثنا أبو الحسين عبد الصمد بن علي بن محمد بن مكرم المعروف بابن الطستي، حدثنا أبو سهل السري بن سهل الجنديسابوري، حدثنا يحيى بن أبي عبيدة بحر بن فروخ المكي، أنبأنا سعد بن أبي
__________
(1) البرهان في علوم القرآن، 1/ 293، 294.
(2) نافع بن الأزرق بن قيس الحنفي الحروري، رأس الأزارقة الخوارج وإليه نسبتهم. كان أمير قومه وفقيههم. توفي سنة 65 هجرية، ( وانظر لسان الميزان للذهبي، 6/ 144 ).
(3) انظر أيضاً: البرهان للزركشي 1/ 294.
سعيد، أنبأنا عيسى بن دأب، عن حميد الأعرج، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد، عن أبيه، قال: بينا عبد الله بن عباس جالس بفناء الكعبة قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن، فقال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر (1): قم بنا إلى هذا الذي يجترئُ على تفسير القرآن بما لا علم له به. فقاما إليه، فقالا: إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسرها لنا، وتأتينا بمصادقه من كلام العرب؛ فإن الله تعالى إنما أنزل القرآن { بلسان عربي مبين } (2).
فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما!
1- فقال نافع: أخبرني عن قول الله تعالى: { عن اليمين وعن الشمال عزين } (3) ؟
قال: العزون: الحلق الرقاق.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت عبيد الله بن الأبرص وهو يقول:
فجاؤوا يهرعون إليه حتى
يَكونوا حول منبره عزين (4)ا
__________
(1) نجدة بن عامر الحروري الحنفي، رأس الفرقة النجدية من الخوارج، وكان من أصحاب الثورات في الإسلام، توفي سنة 69 هجرية.
(2) سورة الشعراء، الآية 195.
(3) سورة المعارج، الآية 37.
(4) لم أجده في ديوانه.
2- قال: أخبرني عن قوله: { وابتغوا إليه الوسيلة } (1).
قال: الوسيلة: الحاجة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت عنترة وهو يقول:
إن الرجال لهم إليك وسيلة
إن يأخذوكِ تكحَّلي وتخضَّبي (2)
3- قال: أخبرني عن قوله: { شرعة ومنهاجاً } (3)؟
قال: الشرعة: الدين، والمنهاج: الطريق.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول:
لقد نطق المأمون بالصدق والهدى
وبيّن للإسلام ديناً ومنهاجا (4)
4- قال: أخبرني عن قوله: { إذا أثمر وينعه } (5)؟
قال: نضجه وبلاغه.
__________
(1) سورة المائدة، الآية 35.
(2) ديوانه: قافية الباء، والقصيدة مكونة من سبعة أبيات.
(3) سورة المائدة، الآية 5.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة الأنعام، الآية 99.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
إذا ما مَشَتْ وسْطَ النِّساء تَأَوَّدَتْ
كما اهتزَّ غُصْنٌ نَاعِمُ النَّبْتِ يَانِعُ (1)
)
5- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وريشاً } (2)؟
قال: الريش: المال.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر يقول:
فرِشني بخير طالَمَا قد بريتني
وخَيْرُ الْمَوالي من يَرِيشُ ولَا يَبْرِي (3)
6- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَان في كَبَدٍ } (4)؟
قال: في اعتدالٍ واستقامة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول لبيد بن ربيعة وهو يقول:
يا عَيْن هلا بكيتِ أرْبَد إذْ
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة الأعراف، الآية 26.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة البلد، الآية 4.
... قُمْنَا وقام الخصوم في كَبَدِ (1)
7- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { يَكَادُ سَنَا بَرْقه } (2) ؟
قال: السناء: الضوء.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث يقول:
يَدْعُو إلى الحق لا يبغي به بدلا
يجلُو بضوء سَناهُ داجيَ الظّلم (3)
8- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وحفدةً } (4)؟
قال: ولد الولد، وهم الأعوان.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر يقول:
حفد الولائدِ حَوْلَهُنَّ وأَسْلَمَتْ
بأكفهن أَزِمَّةُ الأجمال (5)
9- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَحناناً مِنْ لَدُنَّا } (6)؟
__________
(1) ديوانه: 160. والكبد القيام على الأمر الشديد.
(2) سورة النور، الآية 43.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة النحل، الآية 72.
(5) لم أقف عليه.
(6) سورة مريم، الآية 13.
قال: رحمة منْ عندنا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت طَرَفة بن العبد يقول:
أَبَا منْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا
حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِ أَهونُ مِنْ بَعْضِ (1)
10- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا } (2)؟
قال: أفلم يعلم، بلغة بني مالك.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت مالك بن عوف يقول:
لَقدْ يَئِسَ الأَقْوَامُ أَنِّي أَنا ابنُهُ
وإن كنتُ عن أرْض العَشِيرةِ نَائِيا (3)
11- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مَثْبوراً } (4)؟
قال: ملعوناً محبوساً من الخير.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول عبد الله ابن الزبعري يقول:
__________
(1) ديوانه: 120.
(2) سورة الرعد، الآية 31.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الإِسراء، الآية 102.