الكتاب : مسائل نافع بن الأزرق
المؤلف : عبد الله بن عباس بن عبد المطّلب بن هاشم.
تحقيق : عبدالكريم جدبان.
www.al-majalis.com

l

تصدير
اللغة هي وجه الفكر الظاهر للملأ، وهي خاصية من أبرز خصائص الأمة، ومرآة حضارتها، وعامل مهم من عوامل وحدتها. وكل أمة تعتز بشخصيتها وتفخر بذاتيها، تهتم بلغتها وتحافظ عليها محافظتها على أبنائها. فهي وإن كانت لا تخرج في ظاهرها عن حروف وكلمات فإن لها، في شكلها المنطوق أو المكتوب، تأثيراً لا يعادله تأثير في نفوس أبنائها، فكم من مقال أو خطاب ... غيَّر وجه التاريخ.
وللغة العربية بشكل خاص في أفئدة معظم الناطقين بها منزلة أسمى مما لغيرها عند أبنائها. فهي لغة القرآن، الوحي الإلهي الذي كرم الله عز وجل به العربية، والذي يفقد إعجازه بترجمته، مما جعل لها مكانة رفيعة أيضا عند أجناس متفرقة مسلمة غير عربية.
وقد سايرت اللغة العربية تقدم العرب العلمي والحضاري في الماضي، وكانت لفترة من الزمن لغة العلوم في جميع أنحاء العالم، وكان علماؤها أهلا لحمل رسالتها، فوضعوا لها قواعد مكينة تحميها من عبث العابثين، وتكفل تقدمها وتطورها، هذه اللغة تتعرض اليوم إلى حملة مسعورة إن لم نقل مؤامرة غرضها القضاء عليها. فمن دعوة إلى العامية، إلى دعوة للكتابة بالحروف اللاتينية، إلى المطالبة بإلغاء الإعراب ... آراء مختلفة ظاهرها تطوير اللغة، وباطنها القضاء عليها، إذ هي لغة القرءان، والسبيل الأوحد لفهم خطاب الله عز

وجل وجل، وهي بعد ذلك أهم عنصر من عناصر تكوين الأمة العربية.
إن انتشار اللغة وازدهارها مرتبط بوضع الأمة العلمي والحضاري، فعندما كان العرب في أوج حضارتهم فرضت لغتهم نفسها على عدد كبير من شعوب الأرض، حتى على أولئك الذي احتلوا بلادهم عسكريا، وكانت عاملا من عوامل تقدم العرب والمسلمين.
أما اليوم حين خيّم الركود على الربوع العربية فقد وجد أعداء العرب منفذاً، فحاولوا ربط تأخر العرب في الحقل العلمي بلغتهم، في مخطط ذكي للقضاء على ذاتية الأمة وسر وجود (( الإسلام ))، بعد ما أخفقت طريقة الاحتلال العسكري في تأدية أغراضها.
نحن لا ننكر أهمية تطوير اللغة وفائدة وجود أسماء للمخترعات الحديثة والمصطلحات العلمية فيها، ولا ننكر أثر ذلك في تقدم اللغة، لكن عملية توفير هذه المصطلحات يجب أن تتم وفق أسس سليمة وفرَّتها اللغة نفسها، بحيث يؤدي ذلك إلى إثراء اللغة وليس إلى هدمها. إن ما يواجه العربية اليوم يمكن أن يواجه كل اللغات، وربما كانت العربية أقدر من غيرها، بما لها من ميزات على مواجهة هذها الوضع وتخطِّيه. فالركود والجمود في عقول أبناء اللغة وليس في اللغة نفسها. وعلى هؤلاء أن يحركوا اللغة ولا يفسحوا المجال أمام أعدائها ليطعنوا بها ويستغلوا حالة طارئة في تاريخها.
واللغة العربية هي لغة القرآن، ولو لا القرآن لكانت اللغة العربية في عداد اللغات المندثرة. وفهم القرآن متوقف على فهم اللغة العربية، وإدراك أسرارها، والشعر كما وصفه ابن عباس (( ديوان العرب )) .

لذلك ينبغي إيلاء اللغة العربية والشعر العربي اهتماما بالغا من قِبَل المسلمين جميعا، على اختلاف أجناسهم وتعدد لغاتهم، وسيجد المهتمون بلغتهم في كتب الأقدمين منهلا صافيا، ومعينا لا ينضب.
المؤلف
هو: عبد الله، بن عباس، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والجد الأكبر لبني العباس.
أمه
أمه: أم الفضل، لبابة، بنت الحارث الهلالية.
مولده
ولد وبنو هاشم محصورون في شعب أبي طالب، قبل الهجرة بثلاث سنوات، وقيل: بخمس.
وفاته
وكفّ بصره في آخر عمره، توفي سنة (68هـ) وهو في السبعين من عمره.
صفته
كان أبيض، طويلا، مشربا صفرة، جسيما وسيما صبيح الوجه، له وفرة، يخضب بالحناء (1).
__________
(1) الإصابة 2/322.

نشأته
نشأ في بيت النبوة، ومعدن الرسالة، يرقب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حركاته وسكناته، ويترسم خطواته، فأحبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنباهته وأدبه، ولاحت له فيه مخايل النجابة، فكان يدعو له.
له في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة (1660) حديثا، أما في كتب الشيعة فلم يحص بعد.
[ابن عباس في أحاديث النبي ]
عن ابن عباس نفسه، (( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضمه إليه، وقال: اللهم علِّمه الحكمة )) (1).
وعن ابن عمر أنه كان يقرب ابن عباس، ويقول: (( إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاك فمسح رأسك، وتفل في فيك، وقال: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل )) (2).
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (3473)، والترمذي برقم (3760)، وابن ماجة برقم (162).
(2) أخرجه البخاري برقم (75)، وبرقم (143)، وبرقم (3756)، وبرقم (7270)، ومسلم برقم (2477)، والنسائي في فضائل الصحابة برقم (74)، وبرقم (75)، وبرقم (76)، والترمذي برقم (3823)، وبرقم (3824)،وابن ماجة برقم(166). وأحمد في المسند 1/214، 327، 359، وفي الفضائل برقم (1857)، وبرقم (1858)، وبرقم (1859)، وبرقم (1883)، وبرقم (1923)، والبغوي في تفسيره 1/28، وابن حبان برقم (7053)، وبرقم (7054)، وبرقم (7055) من طرق عن ابن عباس.
ورواه البغوي في معجمه، وابن خيثم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. الإصابة 2/322.

وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، (( أنه سكب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وضوءا عند خالته ميمونة، فلما فرغ قال: من وضع هذا؟ فقالت: ابن عباس. فقال: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل )) (1).
وعن ابن عباس: (( دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمسح على ناصيتي، وقال: اللهم علمه الحكمة، وتأويل الكتاب )) (2).
وعن عكرمة قال: (( أرسل العباس عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فانطلق ثم جاء، فقال: رأيت عنده رجلا لا أدري (ليت) من هو! فجاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (140)، ومسلم برقم (4526)، وأحمد برقم (2274). ورواه أبو الطاهر الذهلي في فوائده. الإصابة 2/322.
(2) طبقات ابن سعد. الإصابة 2/323.
وأخرجه البخاري برقم (73)، والترمذي برقم (3759)، وابن ماجة برقم (162)، وأحمد برقم (3206)، بلفظ: (( اللهم فقه )).

وسلم، فأخبره بالذي قال عبد الله، فدعاه فأجلسه في حجره، ومسح رأسه، ودعا له بالعلم )) (1).
وعن الشعبي، قال: (( دخل العباس على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له ابنه عبد الله: لقد رأيت عنده رجلا! فقال: ذاك جبريل )) (2).
وعن ابن عمر: (( دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن عباس، فقال: اللهم بارك فيه، وانشر منه )) (3).
وعن الأعمش ، عن مسلم، قال عبد الله: - يعني ابن مسعود - (( نعم ترجمان القرآن ابن عباس )) (4).
وعن ابن عباس: (( أنه رأى جبرائيل عليه السلام مرتين )) (5).
وعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ كُرَيْبًا أخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: (( أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَرَّنِي فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم
__________
(1) طبقات سعد. الإصابة 2/323.
(2) رواه ابن سعد في طبقاته، الإصابة 2/ 323.
(3) رواه الزبير بن بكار، الإصابة 2/ 323.
(4) رواه الطبري في تفسيره 1/65، وأحمد في الفضائل برقم (1558)، وبرقم (1860)، وبرقم (1863)، وسنده صحيح.
ورواه من طريق سلمة بن كهيل، عن ابن مسعود: أحمد في الفضائل برقم(1556)، وبرقم (1864).
(5) أخرجه الترمذي برقم (3758).

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاتِهِ خَنَسْتُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِي مَا شَأْنِي أَجْعَلُكَ حِذَائِي فَتَخْنِسُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَيَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حِذَاءَكَ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ قَالَ فَأَعْجَبْتُهُ فَدَعَا اللَّهَ لِي أَنْ يَزِيدَنِي عِلْمًا وَفَهْمًا)) (1).
.
[ابن عباس مع الخليفة عمر بن الخطاب]
يروى أن عمر بن الخطاب كان يقدم ابن عباس صبياً على كبار الصحابة تقديراً لذكائه الحادّ ومعارفه الواسعة (2).
كان عمر إذا أعضلت عليه قضية دعا ابن عباس وقال له: أنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ بقوله ولا يدعو لذلك أحداً سواه (3) .
قال الإمام القاسم بن إبراهيم: وعن الكلبي عن عمر بن الخطاب، أنه قال لابن عباس يوما من الأيام: يا أبا العباس ضربتني البارحة أمواج القرآن في آيتين قرأتهما، لم أعرف ما تأويلهما؟
فقال ابن عباس: ما هما يا أمير المؤمنين؟
قال: قوله ? ????? ????????? ???? ??????? ???????????? ????????? ???? ???? ?????????
__________
(1) أخرجه أحمد برقم (2902).
(2) انظر: إحياء علوم الدين 1/140.
(3) الأعلام5/95.

??????? ? (1).
فقلت: سبحان الله أيظن نبي من أنبياء الله أن الله لا يقدر عليه، أو أنه يفوته إن أراده، ما ظن هذا مؤمن؟!
وقوله: ? ???????? ?????? ????????????????? ?????????? ???????????? ??????????? ????? ?????????? ?????????? ??????????? ? (2). فقلت: سبحان الله كيف هذا أيسَ الرسل من نصر الله، أو تظن أن قد كذب وعد الله؟!! إن لهاتين الآيتين خبرا من التأويل ما فهمته؟!!
فقال ابن عباس: أما ظن يونس فإنه ظن لن تبلغ به خطيئته أن يُقَدِّر الله بها عليه العذاب، ولم يشك أن الله إن أراده قدر عليه، فهذا قوله: {?????????? ???? ???? ????????? ??????? ?. وأما قوله: ? ???????? ?????? ????????????????? ?????????? }. فهو استيئاسهم من إيمان قومهم، وظنهم: فهو ظنهم لمن أعطاهم الرضى في العلانية، أنه قد كذَّبهم في السر، وذلك لطول البلاء عليهم، ولم تستيئس من نصر الله، ولم يظنوا أن الله قد أخلفهم ما وعدهم.
فقال عمر فرجت عني فرَّج الله عنك (3).
__________
(1) سورة الأنبياء، الآية 82.
(2) سورة يوسف، الآية 104.
(3) أخرج الزبير بن بكار في الموفقيات من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهم، أن معاوية قال له يوما: إني قد ضربتني أمواج القرآن البارحة في آيتين لم أعرف تأويلهما ففزعت إليك.
قال: وما هما؟
قال: قول الله: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه}. وأنه يفوته إن أراده، وقول الله: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا}. كيف هذا يظنون أنه قد كذبهم ما وعدهم؟
فقال ابن عباس: أما يونس، فظن أن لن تبلع خطيئته أن يقدر الله عليه فيها العقاب، ولم يشك أن الله إن أراده قدر عليه.
وأما الآية الأخرى، فإن الرسل استيأسوا من إيمان قومهم، وظنوا أن من عصاهم لرضى في العلانية قد كذبهم في السر، وذلك لطول البلاء عليهم، ولم تستيئس الرسل من نصر الله، ولم يظنوا أنهم ـ لعلها أنه ـ ما وعدهم.
فقال معاوية: فرجت عني يا ابن عباس فرج الله عنك. الدر المنثور 5/666 667.
وأنا استبعد أن يكون السائل هنا معاوية، وإنما أراد أشياعه أن يصوروه بأنه باحث متدبر في كتاب الله. ويشبعوه بما لم يأكل. وحري أن يكون السائل عمر بن الخطاب الذي كان يجالسه ابن عباس كثيراً فيسأله ويستفتيه. كما في رواية الإمام القاسم.

قال ابن عباس: فإن رجلا لقيني آنفا فقرأ علي قول الله: ? ???????????????????? ???? ???????????? ????? ???? ?????? ?????????????????? ???????????? ? ???????????? ????? ?????????????????? ??????? ????????????? ????????? ???????????? ??????????????? ???? ??????? ??????????? ??????? ? (1). هو يقول حتى يطهرن بالماء، {????????? ???????????? ??????????????? ???? ??????? ??????????? ??????? ?، قبلا ودبرا، فقلت:
__________
(1) سورة البقرة، الآية 222.

1 / 21
ع
En
A+
A-