69- وسألت عن قول الله عز وجل: { وهل يجازي إلا الكفور } . فقلت: أرى الجزاء ليس هو إلا للكفور وحده؟
قال أحمد بن يحيى صلوات الله لعيه: هذا من الإضمار الذي ذكرت لك في القرآن، والمعنى فهي وهل يجازي بالعقوبة إلا الكفور، ومثله من الإضمار ما ذكرت في قوله: { ولو لا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم } . يذكر بعده شيئا، والإضمار مشهور في لغة العرب قد قدمنا ذكره في هذه المسائل بما فيه الكفاية إن شاء الله، ومن ذلك قول الأعشى البكري:
أقول لما جأني قوله ... سبحانه من علقمة الفآخر
يريد: سبحان الله، فأضمره ولم يذكره.
70- وسألت عن قوله عز وجل: { وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا } . فقلت: إن قال قائلك كيف يجوز التسبيح للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتسبيح لا يكون إلا لله جل ثناؤه؟
قال أحمد بن يحيى صلوات الله عليه: هذا مستعمل في لغة العرب من قصة تدخل بين قصتين، قال: { لتؤمنوا بالله ورسوله } . ثم ندب إلى نصرة النبي صلى الله عليه فقال: { وتعزروه } . أي: تنصروه، { وتوقروه } والتوقير لا يخفى على أحد، ثم رجع إلى نفسه تبارك وتعالى فقال: { وتسبحوه بكرة وأصيلا } . لأنه قال: { لتؤمنوا بالله } . ثم عطف الكلام حتى عاد إلى تسبيحه هو عز وجل.
71- وسألت عن قوله سبحانه: { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } . فقلت: ما معنى التجلي من الله عز وجل؟
قال أحمد بن يحيى عليه السلام: قد قيل فيه بأقاويل لا أشك أنك قد عرفتها، وأحسنها عندي ما أنا ذاكره لك وهو أولى بلغة العرب، وله نظائر من القرآن، فافهمه ذهنك إن شاء الله.
قال: { فلما تجلى ربه للجبل } . يعني: فلما تجلى ربه بالجبل، أي تجلى لخلقه الذين كانوا مع موسى صلوات الله عليه بالجبل، يعني أن تجليه بالجبل هو دلالة لهم
عليه، فلما أوقع من الآية التي نظروا إليها فقامت اللام الزائدة مقام الباء، لأن حروف الصفات يعقب بعضها بعضا، والله تبارك وتعالى لا يتجلى للجبل، والله عز وجل لم يغب عن الجبل منذ خلق الجبل، والتجلي يلزم من كان عليه حجاب وستر، ثم تجلى عنه ذلك الحجاب، والله عز وجل متقدس متعال عن ذلك، لأنه شاهد كل نجوى، وحاضر كل ملي لا يخلو منه مكان ولا يخفى عليه، والتجلي فقد تعرفه العرب في لغاتها وأشعارها، وأنه يجوز عندها على يغر تجلي الرؤية من ذلك قول الشاعر يصف بعض الملوك، لأنه تجلى لقوم خالفوا أمره فوجه إليهم عسكرا ولم يبرح هو، قال الشاعر:
تجلى لهم بالمشرفية والقنا ... وإن كان من طعت الأسنة نائيا
فترى كيف خرج التجلي عند العرب وكيف جوازه في لغاتهم ومخاطباتهم، وقد قال عز وجل: { يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون } . فكيف يستوفون الخيرات لو سبقوا الخيرات لم يكن ذلك لهم ب فخر ولا لهم فيه مديح، وإنما المعنى فيه يسارعون في الخيرات وهم بها سابقون، فقامت اللام مقام الباء. قال اشاعر:
لقد نلت أموا لم تكن لتناله ... ولكن لفضل الله ما نلت ذلك
يريد بفضل الله، فأقام اللام مقام الباء، فها حجة في حروف الصفات التي يعقب بعضها بعضا، وقد جرى في ما سألت عنه نظائر لهذا في جواباتنا هذه، وفيه لك الكفاية بحول الله وقوته، وبهذا الجواب في هذه الآية يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون أجاب أبي الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.
72- وسألت هل يجري على الله عز وجل شيء مما يجري على المخلوقين في بعض المعاني من قليل أو كثير؟
قال أحمد بن يحيى عليهما السلام: هذا قول لا يجوز ولا يصح في صفة الله تبارك وتعالى، لأنه يقول في كتابه: { ليس كمثله شيء } . وفي هذه الآية كفاية، لأن من صفة الخلق أن الله عز وجل جعل منه ساكنا ومتحركا، وحيا ومميتا، وجمادا وحيوانا، وناطقا وصامتا، وداخلا وخارجان ومنقطعا وليس بذهب منه شيء إلا فقد ونقص معناه، وليس يجوز على الله جل ثناؤه معنى شيء، وذلك إن جميع ما عددت لك مخلوق، والله عز وجل خلاف ذلك.
ومن الحجة أن الموصوف بتلك الصفة لا يكون فردا أبدا، لأنك تعلم أن الساكن وسكونه، والمتحرك وحركته، والحي وحياته، والميت وموته، والخارج وخروجه، والداخل ودخوله، وعلى مثل ذلك سيجري ما ذكرنا لك، والله تبارك وتعالى بريء من شبه ذلك عز وكرم وتقدس ذو السلطان العظيم.
وأعلم أن الله جل ثناؤه خلق الحواس الخمس، وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس للحار والبارد، واللين والخشن، وما أشبه ذلك مما تدركه الحواس الخمس، ولا يجوز أن يطلق إلى الله عز وجل منه، لأن السمع إنما سمع صوتا فحدث له منه علم بالأصوات، وكذل البصر إنما رأى شخصا فحصل له علم الأشخاص، وكذلك الأنف إنما شم ريحا فحدق له علم الأرواح، وكذلك الفم إنما ذاق فحدث له علم بما ذاق من حلو أو مر، وكذلك اليد إنما لمست فحدث له علم بالمحسوسات، والله عز وجل الخالق لذلك كله، والمصور له، والمستغني عنه، والله تبارك وتعالى خلق الإنسان لا يعلم شيئا حتى إذا استفاد المعارف والعلوم وكل ما وصفنا، وذلك قوله في كتابه: { والله آخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا } . فإذا كان الله عز وجل لا يشبه شيئا من جميع خلقه فهم من أن يشبه أفعال خلقه أبعد وأجل، فتعال الله أن يشبه المخلوقين أو في شيء من جميع المعاني كلها علوا كبيرا.
وأعلم أن حجة الله عز وجل قائمة بالتوحيد عن الله سبحانه قبل مجيء الأنبياء وبعد مجيئهم، لأن أنبياء الله صلوات الله عليهم إنما بلغوا التوحيد عن الله على ما يجوز من الكلام بين الناس، وقد ذكر الله تبارك يدا وسمعا، وبصرا وعلما، وعينا
ووجها، ونفسا وجنبا، وقبضه وبسطة، ومجيئا واستواء على عرش، واتيانا في ظلل من الغمام وغير ذلك مما يجوز في اللغة العربية التي غلط من أهل التشبيه المقصرين في توحيد الله عز وجل، فأنظر أنت ذلك إلى مجاز الكلام وكيف مخرجه في اللغة، فاحمل عليه دون التشبيه الذي لا يليق بالآدميين، تصب رشدك إن شاء الله، ولو لا الاجتزاء بما قد ذكره الهادي إلى الحق صلوات الله عليه في هذا المعنى في كتاب المسترشد لشرحناه وبيناه، ولكن لم يترك الهادي صلوات الله عليه لأحد كلام، مع ما بين في كتاب المسترشد ولله الحمد والمنة.
73- وسألت عن قول الله عز وجل: { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } ؟
قال أحمد بن يحيى صلوات الله عليه: إن من زعم أن الله تبارك وتعالى دعا العباد إلى أمر قد حلا بنيهم وبينه ونهاهم عما قضاه، وقدر عليهم أن يعملوا به وأراد بذلك المجبر السائل جهله، وأن يزين لنفسه خطأه ويكابر الحق الذي جاء من عند الله عز وجل صراحا بدعواه في قول الله جل ثناؤه: { وإنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } . كأنه يرى عند نفسه إن الله تقدس وتعالى قال لنبيه محمد صلوات الله عليه: أن دعاك للعباد وما أرسلناك من البرهان والنور والهدى والبينات والآيات الواضحات لا ينفع الناس شيئا ولكن أنا أقسر عليه من شئت منهم، وليس ذلك كما تأولوه ولا كذلك فعل الله عز وجل، وإنما كان ذلك أن رجلا كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكان ومنزلة، فحرص عليه أن يسلم فأخبر الله سبحانه نبيه صلوات الله عليه وعلى آله أن حرصك لا يغني أذن أيرى العبد أن يسلم، فإن أحدا لا يستطيع أن يغلب أحدا على إرادته وهواه إلا الله القوي القادر الذي يملك تصريف القلوب في الهوى، وبيده النواصي والأقدام، وقال: { ولو شاء ربك لآمن من الأرض كلهم جميعا } . أي قسر أو جبرا، وكذلك قوله: { ولو شاء الله لجعلهم على الهدى } . وليس من صفته جل ثناؤه أن يجبر أحدا من خلقه على طاعة ولا معصية حتى يختار كل منهم ما أراد م
ذلك لنفسه، وبذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
74- وسألت عن قوله عز وجل: { فمنهم شقي وسعيد } . وقلت: ما معنى ذلك؟
قال أحمد بن يحيى صلوات الله عليه: قوله: { فمنهم شقي وسعيد } . يقول: منهم ناج بعلمه سعيد في الجنة، ومنهم شقي بعلمه هالك في النار. وقال عز وجل: { ذلك بما قدمت أيديكم وإن الله ليس بظلام للعبيد } . فكيف تكون يداه قدمتا له، وإنما هو أمر قسر عليه زعمت المجبرة، وبطل قوله عندهم { وما ربك بظلام للعبيد } . نعوذ بالله لنا ولك من الجهل في دينه، والمعاندة لكتابه أنه منان كريم.
75- وسألت عن قوله تعالى: { ولا ينفعكم نصحي أن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } .
76- كأنهم يرون أن القول على الله عز وجل يريد أن يمنعكم من الإيمان، ومما أمرني أن أدعوكم إليه من الحق وليس وجه الآية كما ظنت المجبرة، إنما عنى نوح صلوات الله عليه إن كان الله يريد عذابكم فلن ينفعكم نصحي، والعذب فهو الغي.
ألا ترى أن اله سبحانه يقول: { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } . يقول: فسوف يلقون عذابا، وقول إبليس اللعين { فيما أغويتني } . يقول: فيما جعلتني وحكمت عليَّ أني من المعذبين، فالغي عقوبة كما ذكرنا، والغي على وجهين: عقوبة عاجلة، وعقوبة آجلة.
العاجلة ما أصاب إبليس من اللعنة وآخراجه مما كان فيه من الكرامة.
والآجل قول الله عز وجل: { فسوق يلقون غيا } . يقول: فسوف يلقون عذابا.
وجواب آخر يقول: إن كان الله يريد أن يغويكم ولم يقل قد أراد أغواءكم، وإنما قال إن كان على مجاز الكلام، ولم يقل أنه قد فعل، وبها أجاب القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه.
77- وسألت فقلت: ما الدليل على أن الله تبارك وتعالى عدل لا يجور؟
الدليل على أن الله تبارك وتعالى عدل لا يجوز: إقرارك أنه غني، لأنا وجدنا الجائز لا يحمله على الجور إلا استجلاب منفعة يجرها إلى نفسه، أو دفع مضرة نجاها على نفسه، فلما كان الله جل ثناؤه لا يستجر إلى نفسه منفعة ولا يدفع عنها مضرة، ثبت بالحقيقة أنه غني، وأن لاغني عدلا لا يجور، وهذه المسألة جواب الهادي إلى الحق صلوات الله عليه. وقولي فيها على قوله.
78- وسألت عن قوله: { أرساها } في مواضع من القرآن . فقلت: ما معنى ذلك؟
قال أحمد بن يحيى صلوات الله عليه: أرساها على وجهين في القرآن كل واحد منها غير صاحبه، فالوه الأول أرساها يعني: أثبتها، فقال في سورة النازعات: { والجبال أرساها } . يقول أثبتها في الأرض لئن لا تزول بمن عليها، وكقوله: { وقدور راسيات } . يعني ثابتات في الأرض.
والوجه الثاني من أرساها يعني به: حينا، والحين هو الوقت، فذلك قوله عز وجل: { أيان مرسها } . يقول مجيئها وقياما وحينما.
79- وسألت عن قوله عز وجل: { رب أرجعون } . فقلت: كيف جاز أن يجعل الله هاهنا جماعة؟
قال أحمد بن يحيى عليهما السلام: إنما يجوز هذا القول في التعظيم للمخاطب.
80- وسألت عن قوله عز وجل: { فلا أقسم بمواقع النجوم } . فقلت: ما معنى هذه النجوم؟
قال أحمد بن يحيى عليهما السلام: قد جاء في التفسير أن القرآن نزل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم آيات بعد آيات، فذلك في لغة العرب يجوز، تقول
العرب اجعلوا لنا الدية على آل فلان نجوما، أن يدفعونها إليهم شيئا بعد شيء، فيسمون ذلك نجوما. قال زهير بن أبي سلمى:
ينجمها قوما لقوم غرامة ... ولما يريقوا بينهم ملء محجم
وإنما أقسم بها كما أقسم بالطور، وإنما أراد بهذا القسم أن هذا القرآن لقرآن كريم، فهذا موضع القاسم وهو عندي الجواب في هذه المسألة.
والجواب الأول قول بعض أهل العلم.
81- وسألت عن تفسير الجهاد كيف معانيه في القرآن؟
قال أحمد بن يحيى صلوات الله عليه: تفسير القرآن على ثلاثة وجوه:
فالوجه الأول من الجهاد يعني به: القول، فذلك قوله عز وجل: { فاهدهم به جهادا كبيرا } . وهذا بمكة قبل أن يؤمر بالسيف، وقال في سورة النبي صلى الله عليه: { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم } . يعني بالقول الغليظ.
والوجه الثاني من الجهاد يعني به: القتال بالسلاح، فذلك قوله: { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين } . يعني: الذين يقاتلون في سبيل الله على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى، وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما، وقال في براءة: { جاهد الكفار والمنافقين } . يعني بالسيف ومثلها في { يا أيها النبي لم تحرم } .
والوجه الثالث من الجهاد يعني به: العمل، فذلك قوله في سورة العنكبوت: { ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه من يعمل الخير فإنما يعمل لنفسه } . وقال فيها أيضا: { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } . يقول عملوا لنا، وقال في سورة الحج: { وجاهدوا في الله حق جهاده } . يقول أعملوا لله حق عمله.
82- وسألت عن قوله عز وجل: { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } . وقلت: ما المكاء وما مخرجه في اللغة؟
قال أحمد بن يحيى عليهما السلام: المكاء في لغة العرب هو الصغير موجود ذلك في كلامها وأشعارها، من ذلك قول عنترة العبسي:
وحليل غانية تركت مجدلا ... تمكوا ترابيد كشدق الأعلم
يقول: يصفر ويخور عند خروج نفسه حين قتله، وإن ترابيه زعم الشاعر مفتحة كشدق الأعلم، والأعلم فهو مشقوق الشفه.
83- وسألت عن قول الله عز وجل: { فإن طبن لكم منه نفسا } . فقلت: كيف جاز أن يقول نفسا واحدة وهن جماعة أنفس؟
قال أحمد بن يحيى صلوات الله عليه: ذلك جائز في لغة العرب، قال الربيع بن زياد العبسي في نحو ذلك لقومه:
فإن طبتم نفسا بمتقل مالك ... فنفسي لعمري لا تطيب لذالكا
فصيرهم نفسا واحدة وهم جماعة رجال كثير.
84- وسألت عن قوله عز وجل: { ومهيمنا عليه } . فقلت: ما معناه؟
قال أحمد بن يحيى رضي الله عنه: المهيمن هو الشاهد، قال عبد الله بن العباس يمدح ابن عمه أمير المؤمنين صلوات الله عليه:
إلا إن خير الناس يعد محمد ... مهيمنة التاليه في العرف والنكر
وفي أمير المؤمنين عليه السلام ما يقول عز وجل لنبيه صلوات الله عليه: { أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه } . يعين بذلك: النبي صلى الله لعيه وآله والتالي علي رضي الله عنه.
85- وسألت عن قوله عز وجل: { وكان الله على كل شيء مقيتا } . فقلت: ما معنى مقيتا؟
قال أحمد بن يحيى عليهما السلام: المقيت في لغة العرب برفعة الميم القادر على الشيء، المقيت بفتح الميم فهو البغيض، قال قيس بن الأسلت الأنصاري يذكر الاقتدار على الشيء ومعناه، قال في ذلك:
وذي ضعن كففت النفس عنه ... وكنت على اساءته مقيتا
يعني قديرا.
86- وسألت عن قوله عز وجل: { وكان الله على كل شيء وكيلا } . فقلت: إن قال لنا قائل: كيف يجوز أن يكون الله عز وجل وكيلا، ويقول العبد الله وكيلي، وكيف الجواب في هذا المعنى؟
قال أحمد بن يحيى عليهما السلام: قد بلغني أن القرامطة الكفار عليهم لعنة الله يحتجون بهذه الآية على جهال الناس، ويغالطون الغباة وأهل الغفلة، ويقولون: كيف يجوز أن يكون الله وكيلا، وإنما له الوكالة، يريدون بذلك الإلحاد، وإن كون وقدر خالقان، وذلك من جهل من يلقون من الناس بالدين وبلغة العرب التي خاطب الله بها عز وجل رسوله صلى الله عليه، وخاطب رسول الله صلى الله عليه القوم أهل اللسان العربي، الذي بعث صلوات الله عليه به.
فالجواب لهم عليهم لعنة الله أن يقال لهم: إن اللغة العربية واسعة، جهلتها القرامطة وغيرهم، ولذلك موهوا على الخلق الذين لا يعقلون، ومن ذلك أن العرب تسمي اسما كثيرة بأضدادها من الكلام، من ذلك أنك تقول: مولاي فلان الذي اعتقته، وفلان مولاي الذي اعتقني، فجاز الاسم لهما جميعا وهما ضدان، وتسمي العرب المكري الذي يكري الإبل كريا، وتسمي المكتري الذي اكترى من الجمال أيضا كريا. قال الشاعر:
كرية لا يطعم الكريا ... ومثلها لا يصحب المطيا
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( البيعان بالخيار ما لم يفترقا )، يعني: البائع والمشري، فسماهما تبعان، وإنما أحدهما بيع والآخر مشتري، والوكيل يجوز
في لغة العرب المالك للشيء كله يسمى وكيل، شيه أي مالكه، والوكيل لغيره سيما وكيلا وكل ذلك جائز في اللغة معروف غير منكر والحمد لله، لا ما ذهبوه إيه من الكفر، وإن كون وقدر يخلقان من دون الله عز وجل، وتقدس عما قالوا علوا كبيرا.
87- وسألت عن قوله عز وجل: { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } . وقوله: { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } . فقلت: ما معنى هذا في العدل؟
قال أحمد بن يحيى صلوات الله عليه: أعلم أرشدك الله أن الجعل في كتاب الله عز وجل يخرج على وجهين: فمنه جعل حتم وهو قوله عز وجل: { وجعلنا السماء سقفا محفوظا } . وقوله: { وجعلنا الليل والنهار آيتين } . وما أشبه لك من جعل الحتم.
والجعل الآخر فهو قوله عز وجل: { جعلناهم أئمة يدعون إلى النار } . فذلك جعل حكم وتسمية، أي جعلناهم وسميناهم بفعلهم، وكذلك أئمة الهدى استحقوا الإمامة بالهدى والتقوى، فحكم لهم بالهدى والتقوى، وجعلهم أئمة لعباده وكهفا ونجاة.