(31)مجلس
قال: وكنت في يوم من الأيام بـ(حَمْدَة) في (البون) وكنت في المسجد، فدخل عليَّ رجلان: إباضي وإمامي، وقد كانا تناظرا، فقال لي الإمامي: يا أبا الحسين، إنما أنا وأنت نشرعان في مَشْرَعٍ واحد، وهذا الإباضي فهو عدوٌ لي ولك.
قال: قلت: ما أنت وهو عندي إلا في منزلة واحدة في تكذيب الرسول صلى اللّه عليه.
قال: كيف؟
قلت له:أنت مجمع معي على ما قال اللّه عز وجل في كتابه: {ولكن رسول اللّه وخاتم النبيين} [الأحزاب: 40]، قال: إذا أقررت معك بهذا أبطلت الوحي إلى الأئمة وإلى المهدي.
قال: ثم قلت للأباضي: فأنت مجمع معي على قول رسول اللّه صلى اللّه عليه، في يوم الغدير في علي عليه السلام.
قال: إذا أجمعت في هذا فضلت علياً على أبي بكر.
قال: قلت: فهذا تكذيبكما كما كتاب اللّه ورسوله صلى اللّه عليه، لم نجئ بعد نحن وأنتما إلى علي، وكيف يكون التكذيب؟
(32)مجلس
قال: وكنت في منزل حمزة بن محمد العلوي، بصنعاء أيام دخل (ابن وردان) صنعاء يوم الأثنين ومعي يومئذ محمد بن أبي كثير، فدخل عليّ عبد الرحمن/32/بن إبراهيم البشاري، وكان ممن علمته، وكان من جند ابن وردان. فلما سلم عليّ وقعد. قلت له: يا عبد الرحمن، تكلم مع هذا الشيخ في خطاب هو ظالم.
قال: قال ابن أبي كثير: نعم.
قال عبد الرحمن: فالله عز وجل يريد هلاك الظالمين.
قال محمد: نعم.
قال عبد الرحمن: فكأنَّا يا شيخ نحن وابن وردان سعينا في إرادة اللّه عز وجل.
قال: فهابه محمد ولم يرد أن يجيبه حين رآه من أهل السلاح.
قال: قلت له:يا أبا محمد، تكلم مع الرجل ولا تخف، فإنه من أصحاب الكلام.
قال: فقاله له محمد: يا عبد الرحمن، ما تقول في سعيكم هذا وافق إرادة الله؟ قال: فتحير عبد الرحمن.
فقلت له: أجب الرجل. قال: بما أجيب يا أبا الحسين، ما وافق سعينا وسعي ابن وردان إرادة اللّه قط.
(33)مجلس
قال: وجرت بيني وبين رجل من كبار أهل صنعاء المناظرة. فقال لي: يا أبا الحسين، قال علي بن أبي طالب: خير خلق اللّه بعد رسول اللّه، أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. قال: فقال له بعض من حضر كلامه: فأنت يا أبا الحسين، قال: (إنَّا أهل البيت لا يقاس بنا أحد). قلت له: فتقول: إن علياً أفضل منهم. قال: نعم. قلت: وتقول بإمامته، وإمامة ابنيه الحسن والحسين، وإمامة الهادي، وإمامة ابنه محمد بن الهادي. قال: قال/33/:نعم. فقلت: ليس بيني وبينك اختلاف، إذا كنت تقول بإمامة هؤلاء الأشراف. قال: نعم، إلا أني أقول أيضاً بإمامة هؤلاء الثلاثة: أبي بكر، وعمر، وعثمان.قال: قلت له: وتقول إن علياً بايعهم. قال: نعم. قلت: فقولك هذا يخرج علياً من الإسلام. قال: كيف؟
قلت: لإنك تقول: إنه بايعهم، ثم نكث بيعتهم وخذلهم، فالناكث والخاذل في النار، لإنك تعلم أن المهاجرين قالوا لعثمان: اعتزل وإلا قتلناك، فكره الاعتزال فحاصروه في داره أربعين يوماً، فلما أبى أن يعتزل قتلوه وطرحوه على مزبلة، فجعل الصبيان يجرونه ويقولون:
أبا عمرٍ، أبا عمرٍ. رماك اللّه بالجمرِ
فما ينفعك المال .إذا دليت في القبر
وعليٌّ يومئذ حاضر المدينة لم يقتله ولم ينصره، فوقوفه عن نصره يدل على أنه لم يبايعه؛ لأنه عليه السلام قد كان يقرأ هذه الآية من كتاب اللّه عز وجل حيث يقول: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر} [الأنفال: 72]، ويقول: {فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما} [القصص: 19]، ألا ترى أن موسى عليه السلام، نصر ذلك الرجل الإسرائيلي على القبطي إذ كان عدوهما وعدو اللّه واحداً، كما قال تعالى لإم موسى: {يأخذه عدوٌ لي وعدوٌ له} [طه: 39]، فلو/34/ أن عدو علي بن أبي طالب عليه السلام وعدو عثمان أو عدو قاتله واحد لَنَصَرهُ أو إيَّاهم، فلما اعتزل عن الفريقين صحَّ أن القاتل والمقتول غير مصيبين بل هم ظالمون لإنفسهم، إذْ أدبروا عمّ أوجب اللّه طاعته عليهم؛ لإنه من خرج من طاعة أولي الأمر فقد خرج من طاعة خالقه.
قال: وقد قال علي عليه السلام، لما بلغه قتل عثمان: ما سآني. قلت: فقولك هذا مما يدحض حجتك ويدل أنه لم يبايعه. قال: ثم قلت: وهذا عمر بن الخطاب قتله أبو لؤلؤة، فلم يطلبه عليٌ بدمه كما طلب عبيدالله بن عمر بدم الهرمزان الفارسي حتى هرب منه إلى معاوية، فلم يزل علي يطلبه حتى قتله بصفين في عسكر معاوية.
ثم أنت تعلم أن الأمة مجمعة على قول النبي صلى اللّه عليه: (إن اللّه يغضب لغضب فاطمة) وأنها ماتت وهي غضبى على أبي بكر وعلى من عاونه على قطع ميراثها من أبيها وانتزاع فدك من يدها، ليس أحد يشك في ذلك من أمة محمد صلى اللّه عليه، والحديث المشهور عن العلماء أن عثمان حج ذات سنة بالناس، فلما صار إلى منى أذن المؤذن للظهر فلم يظهر عثمان، فقال الناس لعلي: يا أبا الحسن، صل بنا. فقال لهم علي عليه السلام: (إن أحببتم صليت بكم صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه)، فأبوا عليه فتركهم، فهذا/35/ يدل على أنه لم يبايعهم ولم يعتقد بصلاتهم، ثم أنتم تزعمون أن الشيعة يسبون أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه، والذي يسبهم أنتم؛ لأنكم تقولون في تفسير هذا الآية، حيث يقول تعالى: {لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [الفتح: 18]، إنه تعالى لم يرض إلا عن عشره منهم، وأن العشرة هم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وأبو عبيدة، وعبد الرحمن، فإذا قلتم: إن اللّه سبحانه لم يرض إلا عن هؤلاء العشرة، فقد زعمتم أنه سخط على الباقين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، فليس الشيعة تقول أبداً بمثل هذه المقالة؛ لأن الآية تدل على خلاف ما قلتم، إذ يقول اللّه سبحانه: {لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} إلى قوله {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً} [الفتح: 25]، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه خرج بالمهاجرين والأنصار وبمن معه من سائر العرب يريد مكة، فلما صار إلى الحديبية لقيه أبو سفيان بن حرب،
وسهيل بن عمرو بمشركي قريش ومن تابعهم من العرب، فقالوا: يا محمد، لا ندعك تدخل بلدنا. فلما سمع أصحابه صلى اللّه عليه، قولهم جددوا له البيعة تحت الشجرة، فلما رأت قريش ما معه من القوة سألوه الهدنة والرجوع/36/ من ذلك الموضع إلى المدينة على أنه يعود من السنة القابلة، ويدخل مكة بغير قتال، ويقيم ثلاثة أيام، وعلى أنه من فرّ إليه مسلماً ردَّه عليهم، ومن فرَّ إليهم من المسلمين مرتداً ردَّوه عليه، وأمره جبريل بأمر اللّه عز وجل أن يقبل منهم ذلك لقول اللّه سبحانه: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطأوهم} [الفتح: 25]، فكان هؤلاء المؤمنون محصورين لم يمكنهم أن يخرجوا من مكة، فكان مع النبي صلى اللّه عليه الهدي فنحره في ذلك المكان ورجع إلى المدينة، فأتبعه أبو جندل بن سهيل فردَّه صلى اللّه عليه على أبيه، ثم نقض المشركون العهد الذي كان بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه، فأمره اللّه سبحانه بقتلهم وقتالهم، فقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]، وقال: {لا إكراه في الدين} [البقرة: 256]، أمره أن لا يكره أحداً على دين قريش كما أكره أبا جندل بن سهيل، فإنه قد تبيَّن الرشد من الغي، ثم رجع عليه السلام، ففتح مكة، ورايته في يد سعد بن عبادة الأنصاري، وهو يقول: اليوم يوم الهمهمة اليوم يوم الدمدمة، اليوم يذل اللّه قريش فلا يعزها أبداً. فقال النبي صلى اللّه عليه: ((اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز اللّه قريشاً فلا يذلها أبداً))، فلما أخذهم عليه السلام/37/ السيف بعد أن كانوا أخرجوه من قريته، كما قال اللّه تعالى:
{وكأيّن من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك} [محمد: 13]، فقال النبي صلى اللّه عليه: ((اللهم، إن قريشاً أخرجتني من أحب البلاد إليّ فسكني أحب البلاد)). فأسكنه اللّه عز وجل المدينة، فبأهل المدينة أخذ قريشاً وأقام الدين، كما قال تعالى: {والذين ءاووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً} [الأنفال: 74]، أبطلتم أنتم جميع المهاجرين والأنصار الذين مدحهم اللّه في كتابه على لسان نبيه، فزعمتم أن هؤلاء العشرة الذين رضي اللّه عنهم ورسوله، وإنما هذه حيلة من قريش أجازوها عليكم فجازت، ودليل ذلك أنهم لم يدخلوا في هؤلاء العشرة رجلاً من الأنصار بل جميعهم من قبائل قريش، ثم زادوا فموّهوا عليكم بقولهم: إن النبي صلى اللّه عليه، قال: ((الأئمة من قريش، والناس تبع قريش مسلمهم لمسلمهم، وكافرهم لكافرهم)). وإنما قال عليه السلام: ((عليكم بأهل بيتي، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ردى)). مع كلامٍ كثير يحض أمته على طاعة أهل بيته، فأدبرتم أنتم عن أهل بيته وعبتم على الشيعة حيث اتبعوا الرسول في جميع أمره، عملاً بقوله تعالى: {ما أتاكم الرسول فخذوه/38/ وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر: 7]، فقلتم أنتم تكذيب الرسول؛ لأنه واحداً أهون عليكم من تكفير من أدبر عن وصي النبي صلى اللّه عليه، ثم رووا لكم أحاديث ألقوها من عند أنفسهم، ثم نسبوها إلى الرسول في هؤلاء العشرة، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه، قال: ((ما نفعني إلا مال أبي بكر، وأن اللّه أعز الأسلام بعمر، وأن طلحة والزبير حواريا رسول اللّه صلى اللّه عليه، وأن معاوية كاتب الوحي))،
وسميتم أبا بكر: الصديق، وعمر: الفاروق، وعثمان: ذا النورين، فجعلتم الأسماء التي سمى اللّه بها رسوله صلى اللّه عليه ووصيه عليه السلام، لغيرهم وحولتموها إلى قوم آخرين. وقد بيَّن اللّه سبحانه في رسوله ووصي رسوله والمصدقين إلى آخر أيام الدنيا: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} [الزمر: 33]؛ لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه صدق جبريل وما جاء به من عند خالقه، وكذلك الوصي، إنما هؤلاء الثلاثه هم أمناء اللّه على وحيه: جبريل، ومحمد، وعلي. أقاموا ثلاثاً وعشرين سنة حتى بلغوا رسالة ربهم إلى خلقه، فكان جبريل عليه السلام، يلقّن محمداً صلى اللّه عليه آيات القرآن، ويملي محمدٌ علياً ما يلقنه جبريل، فيكتب علي بخطه حتى يلقنه القرآن كله بخطه بإملاء الرسول، فعليٌ عليه السلام صَدَّق محمداً قبل/39/ التكذيب، والباقون الذين صدّقوه صدقوا صلى اللّه عليه بعد التكذيب، كما قال الله: {فمن أظلم ممن كذب على اللّه وكذّب بالصدق إذ جاءه} [الزمر: 32]، لأنهم عبدوا الأصنام ثم ادعوا أنهم يعبدونها تقربا إلى اللّه، وكذبوا بالصدق عند ما جائهم ثم صدقوه بعدما أدبروا عن اللّه وعن رسوله صلى اللّه عليه، فقبلهم اللّه وتاب عليهم، غير أنه لا يستوي كما قال بعض الحكماء:
هل كافر بصنم كمؤمن بصنم. أو ثابت في الوغى كالهارب المنهوم.وتصديق ذلك قول اللّه عز وجل حين يحكي عن خليله إبراهيم الأواه الحليم عليه السلام، إذ يقول سبحانه: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيراً من الناس... الآية} [إبراهيم: 35]، فمن عبد صنماً أو شيطاناً فقد خرج من ملة إبراهيم، وزالت عنه النبوة والإمامة، كما قال اللّه سبحانه لإبيهم إبراهيم حين يقول: {لاينال عهدي الظالمين} [البقرة: 124]، فمن هذه الجهة استوجب محمد صلى اللّه عليه النبوة، وعلي الوصية، والحسن والحسين الإمامة، والأئمة الطاهرين من آل محمد خاتم النبيين صلى اللّه عليه وعليهم أجمعين، ما لم يستوجب غيرهم من الذين خرجوا من ملة أبيهم إبراهيم عليه السلام/40/.
وأما قولكم إن أبا بكر أنفق على النبي صلى اللّه عليه ماله، وأن اللّه عز وجل قال فيه: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الدين أنفقوا...الآية} [الحديد: 1]، فالأمة مجمعةأن أبا بكر، وعمر، وعثمان، لم يقتلوا أحداً قط بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه، وفي إجماع الأمة تكذيب لقولكم أيضاً في عمر أنه جرّد السيف يوم أسلم، لأن إسلامه كان بمكة والنبي عليه السلام لم يؤمر بمكة بتجريد السيوف، فكيف عمر! فقولكم هذا طعن على عمر؛ لأنكم زعمتم أنه جاء بأمر لم يؤمر به، ثم قلتم: إن النبي صلى اللّه عليه، قال: ((اللهم انصر الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل بن هشام)). فسبقت الدعوة ـ زعمتم ـ لعمر، فلو كان الأمر كما قلتم لم يحتج إلى مطعم بن عدي بعد موت عمه أبي طالب ليجيره من أبي جهل وغيره، فبطل قولكم في عمر كما بطل في أبي بكر؛ لأن النبي صلى اللّه عليه ، كان في حجر عمه أبي طالب حتى زوَّجه خديجة، فكان في مالها ما تحمل الرسول صلى اللّه عليه، ثم مات أبو طالب وخديجة بعد النبوة بسبع سنين، فصار النبي صلى اللّه عليه إلى مطعم بن عدي، فأقام في جواره أربع سنين، ثم خرج إلى يثرب ومعه أبو بكر فأغاثهما ربهما بلبن شاة أم معبد، فلو كان مع أبي بكر شئ لم يحتاجا إلى لبن الشاة، ثم جرد عليه السلام/41/ السيف فأغنى كل من قال به، كما قال اللّه سبحانه: {وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} [التوبة: 70]، فقول اللّه عز وجل: {لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل...الآية} [الحديد: 10]،في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب