فقال له صاحبه ابن نبات: يا أبا إسحاق، ليس هذا جواب الرجل.
قال: فضجر، وقال: قد نحن في العصبية، وجاء يقوم، فقال أبو القاسم: أمسكوه وهو يضحك منه. ثم قلت له: اسمع يا إبراهيم، روي عن زيد بن علي عليه السلام، أنه قال: ((من أذن قبل طلوع الفجر فقد أحل ما حرم اللّه وحرم ما أحل الله)).
(24)مجلس [في خلق القرآن]
قال: وقال لي رجل من أهل صنعاء مرة ونحن في جماعه: ما تقول يا أبا الحسين، اللّه عز وجل خلق (الرحمن)؟ فقلت: اللّه تبارك وتعالى عندي وعندك وعند جميع المسلمين واحد لا ثاني معه.
قال: نعم.
قلت: والرحمن (ال ر ح م ن) فالله عز وجل خلق هذه الأحرف السته. قال: فتحير وبرم وانصرف.
(25)مجلس [في أطفال اليهود والنصارى]
قال: وقال لي رجل من بعض المخالفين: بلغني عنك يا أبا الحسين، لو أنك تركت وأولاد اليهود والنصارى لغسلتهم وكفنتهم وقبرتهم في مقابر المسلمين.
قال: قلت: نعم، هذا قولي واعتقادي.
قال: فإذا كان هذا قولك فورث بعضاً من بعض.
قال: قلت: ليس كذلك، ولكن قد بين اللّه سبحانه لنا ما نأتي وما نذر، فقال لنبيه صلى اللّه عليه: {وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم}، ثم قال سبحانه في موضع آخر: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} [التوبة: 84]، فهذا الطفل عندك كفر بالله وبرسوله ومات وهو فاسق، قل ما شئت. قال: فتحير وسكت.
(26)مجلس [حول حديث معاذ]
قال: وكنت قد مررت في بعض هذه الأيام بمنزل محمد بن أبي روح الصنعاني، فصادفته على باب داره، فقام إليّ فسلم عليّ فإذا في يده دفتر، فقلت له: يا أبا عبدالله، ما في دفترك؟
قال: يا أبا الحسين، فيه شئ من مذاهب أهل الكوفة.
قلت: يا محمد، تركت من أمرك اللّه بإتباعه: محمداً وأهل بيته عليهم السلام، وأنت تطلب مذاهب أهل الكوفة وغيرهم.
قال: يا أبا الحسين، مذهبهم من أقرب المذاهب إلى الحق.
قال: قلت: يا أبا عبدالله، تركت مذهب الحق عياناً، وأنت تطلب أقرب المذاهب إليه.
فقال: يا أبا الحسين، إنما على الإنسان أن يجتهد رأيه، يا أبا الحسين أليس عندك خبر معاذ بن جبل عندما وجهه/26/رسول اللّه صلى اللّه عليه إلى اليمن. فقال له: ((يا معاذ، بما تحكم؟)) قال: بكتاب الله. قال: ((فإن لم)) قال: فبسنتك يا رسول الله. قال: ((فإن لم)) قال: أجتهد برأيي. قال: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: ((الحمدلله الذي وفق رسول رسوله صلى اللّه عليه)).
قال: قلت: يا محمد، إن صحت الروايه فكأن رسول اللّه صلى اللّه عليه، قال: الحمدلله الذي وفق رسول رسوله فحمد الله حين فضل معاذاً عليه.
قال: وكيف ذلك؟
قلت: لإن اللّه عز وجل قال في كتابه لرسوله صلى اللّه عليه: {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتبع أهوائهم}، وقال عز وجل: {ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44]، {وأولئك هم الظلمون} [المائدة: 45]، {وأولئك هم الفاسقون} [المائدة: 47].
(27)مجلس [مع إمامي في موضع الإمامة]
قال: وقعدت أنا وأبو بكر بن مفصل الأبناوي، وكان معه أحمد بن دينار، رجل من تلامذته، وكان معي عبد الرحمن بن إبراهيم البشاري، وكنت أنا وأبو بكر في حديث، وعبد الرحمن وابن دينار في حديث، فسمعت أحمد بن دينار يقول: يا عبد الرحمن، حجتنا يا معشر الإمامية أقوى من حجتكم يا معشر الزيدية. فقال عبد الرحمن: وكيف؟ قال: لأنَّا نقول إن النبوة كانت في خليل اللّه إبراهيم ثم أفضت عنه إلى ابنه إسماعيل، وأفضت من إسماعيل إلى إسحاق أخيه، ثم درجت في ولد/27/ إسحاق عليهم السلام، وكذلك أفضت الإمامة من النبي عليه السلام، إلى الوصي رضي اللّه عنه، وكذلك أفضت من عليٍ إلى الحسن، وأفضت من الحسن إلى الحسين، ثم درجت في ولد الحسين عليهم السلام، فابتهر عبد الرحمن ولم يدر كيف يجيبه.
قال: فقلت: يا عبد الرحمن، سل أحمد بن دينار: أمحمد صلى اللّه عليه من ولد إسماعيل، أم ولد إسحاق؟
قال: فوثب أبو بكر، فقال: جاء من بعد الناطقين يا أبا الحسين، موسى وعيسى عليهما السلام.
قلت: فليكن من بعد عشرة نطقاً، أليس قد رجعت النبوة من ولد إسحاق إلى ولد إسماعيل يوماً ما؟
قال: نعم.
قلت: وكذلك ترجع الإمامة من ولد الحسين إلى ولد الحسن.
(28)مجلس [جواب عمّن فضّل الحسين على الحسن]
قال: وقعدت يوماً في حانوت لرجل يقال له: (ابن عيلان) في دار البز بصنعاء في جماعة، ونحن نتحدث إذْ دخل علينا رجل كان من خدم أهل جبل مسور، يقال له: (ابن السيرافي) فسلم علينا، وقعد، ثم قال: نعم، إنما الإمامة في أولاد الحسين دون أولاد الحسن، لأن الحسن باع دين اللّه من معاوية فليس لأولاده في الإمامة نصيب، والحسين جاهد في سبيل اللّه حتى قتل.
قال: فتركته حتى فرغ من كلامه، ثم قلت له: أبو من؟ قال: أبو الحسن. فأنت أبو من؟ قلت: أبو الحسين.
ثم قلت له: يا أبا الحسن، إعلم أني متحير في أمرٍ ها هنا، وأنا أريد /28/مشورتك فيه.
قال: وما هو يا أبا الحسين؟
قلت: إعلم أني خرجت من بلدي من طبرستان، فما وصلت إلى بلد من البلدان إلا وأنا ألقى به العلماء والمتكلمين، وكل منهم مجمع على أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله، شهد لابنه الحسن بالجنة، ثم أسمعك تشهد له بالنار، فأشر عليّ بأي القولين آخذ بقول رسول اللّه صلى اللّه عليه، في ابنه، أوبقولك؟
قال: بل بقول رسول اللّه وما يساوي قولي معه يا أبا الحسين، وتغير وجهه.
قلت: فأنت تدري ما أنت تقول، وكلامك هذا إلى ما يؤول؟ إنك أردت أن تمدح الحسين بذم الحسن، فذممتهما جميعاً، ولم تَدَبَّر قول اللّه عز وجل: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا}[القصص: 54] وقوله عز وجل {وفضل اللّه المجاهدين على القاعدين} [النساء: 95]، فالحسن صابر، والحسين مجاهد عليهما السلام، وأنت يا هذا فليس معك بيانٌ ولا برهانٌ أن الحسن وجد أعواناً وقعد وقام بهم الحسين؛ لأنك تعلم أن الأمة بأسرها يشهدون أن الحسن لما لزم منزله وأقبل على طاعة خالقه من جهة عدم الأعوان، قعد معه أخوه الحسين بقعوده، وقعودهما كقعود أبيهما مع الثلاثة الذين سلفوا من جهة عدم الأعوان.
قال، فقال: يا أبا الحسين، إني من أهل المحبة لأهل بيت النبي صلى اللّه عليه وعليهم.
قلت: فإذا كان هذا كلام المحب فكيف/29/يكون كلام المبغض؟
قال: فانكسر وسكت، ثم قلت له: يا عبد الله، اتق اللّه واستغفر لذنبك، واحذر العودة لمثل هذا الكلام، فإن اللّه عند لسان كل قائل.
(29)مجلس
قال: وكنت قعدت بدار البزّ بصنعاء على حانوت أبي المقدم، ومعي محمد بن أبي كثير، فنحن نتحدث إذ نظر محمد بن أبي كثير إلى رجل كان أيضاً من أهل صنعاء، يقال له: (ابن العرز) وقد قام يريد الرواح إلى منزله، فأقبل يلعنه ويتكلم في ابن العرز هذا.
قال أبو الحسين: فقلت له: يا محمد، لا تغرق في نزعك كل هذا، فإنك والرجل قريب من قريب.
فقال محمد لأبي المقدم: انصفني من أبي الحسين، يشبهني بهذا المجبر المشبه.
قال: قلت: يا أبا عبدالله،كما أنت، ما تقول في قول اللّه عز وجل: {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدِّي ألا أن يهدى}، فما قولك واعتقادك ومذهبك أن اليد اليسرى تكون فوق اليد اليمنى؟
قال: فالتفت إليه أبو المقدم، فقال له: قل ما شئت، فتحير وسكت.
(30)مجلس
قال: وكنت عند أبي ميمون بن الصلت، أسْمُر فأنا وهو نتحدث إذ تذاكرنا محمد بن أبي كثير. فقلت له: لست أعلم في هذه المدينة أحداً أحرص على إدحاض ما جاء به النبي صلى اللّه عليه من محمد بن أبي كثير.
فقال لي أبو ميمون: لا تفعل. قلت له: قد فعلت، ولكن قل لي: لا تعّد. قال: فبتنا تلك الليله، فلما أصبح غدا عليّ محمد بن أبي كثير يصحبني وكان لي صديقاً. قال: فلما دخل إلينا صَبَّحنا وقعد/30/ وقعد أبو ميمون، فلما قعد. قلت: يا محمد، قد ذكرناك البارحة. فقلت لأبي ميمون: لست أعلم في هذه المدينة أحداً أحرص منك على إدحاض ما جاء به الرسول عليه السلام. فأَقبَلَ عليَّ وتبسم، وقال: استغفر الله. فقال له أبو ميمون: مما تستغفر اللّه، قد ظننتُ أنها كانت غيبة، ولم أكن لأذكرها لك على كل حال، فاسأل الرجل من أين قال لك ذلك؟
قال: فمن أين ذلك يا أبا الحسين؟
قلت: يا أبا عبدالله، ما تقول فيمن كذَّبَ بآية من كتاب اللّه، أليس يكون كمن كذَّب بالقرآن كله؟
قال: نعم.
قلت: ما تقول في قول اللّه تبارك وتعالى: {وإن كانت واحدةً فلها النصف} [النساء: 11].
قال: يا أبا الحسين، قال أبو بكر: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه، يقول: ((نحن معاشر الأنبياء لا نُوَرِّث، ما خلفنا فهو صدقة على كآفة المسلمين)).
قلت: فَتُحَكِّم كلام أبي بكر على كتاب الله، ثم قلت: يا أبا عبدالله، فمن كذَّب بحديث من أحاديث رسول اللّه صلى اللّه عليه، المجمع عليها عن النبي فهو كمن كذَّب بجميع ما جاء به الرسول؟
قال: نعم.
قلت: فما قولك في يوم الغدير، وما كان فيه من كلام النبي صلى اللّه عليه، لجمع من حضره؟ قال: ((من كنت مولاه فعليٌ مولاه، اللهم والِِمن والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره، ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب)) /31/.
قال: يا أبا الحسين، إنما قالوا: كان يوم الغدير من جهة زيد بن حارثة.
قال: قلت: يا ميمون، خذ إليك.
قال لي أبو ميمون: أما البارحة فقد كنت في شك، وأما الآن فقد استبان لي الأمر في الرجل.