(8)مجلس [في صوم يوم الشك والخلاف في ميراث الجد والقتال بين المؤمنين]
قال: وكان بيني وبين أبي يعقوب المقرئ بـ (عدن) كلامٌ، في مجلس ابن رياح، فقال لي أبو يعقوب: متى صمت يا أبا الحسين؟
قلت: صمتُ أمس يا أبا يعقوب.
قال: فصام/7/ الناس اليوم، وصمت أمس، لإيّ علّة؟
قلت: للخبر المروي عن عليٍ عليه السلام.
قال: وما هو؟
قلت: قوله: ((لأن أصوم يوماً من شعبان أحبّ إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان)).
قال: يا أبا الحسين، فأنت تقول بالشك؟
قلت: أما في اللّه وملائكته وكتبه ورسله فمعاذ اللّه، وأما في نهار أمس فقد شككت. فما تقول في نهار أمس كان من شعبان أو من رمضان؟
قال: لاأدري. قلت: فقد استوينا في الشك في نهار أمس، ولكنك أمنت على نفسك فأقدمتَ، وخفتُ على نفسي فاستحطتُ.
ثم قال: يا أبا الحسين، بلغنا عنك أنك تقول: ليس بين العلماء اختلاف.
قلت: نعم، هذا قولي واعتقادي.
قال: أفليس عندك خبر أبي بكر وعليٍ واختلافهما في الجَدِّ؟
قال: قلت: يا أبا يعقوب، إنّا في طلب هذا الأمر، فعرفني كيف كان اختلافهما؟
قال: نعم، اختلفا في ميراث الجد، فقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: الجد يقاسم الإخوة إذا كانوا مجتمعين، ويقاسم الإخوة إذا كانوا منفردين، ولا يقاسم الأخوات إذا كنّ وحدهُّن، ولا يبرح يقاسم الإخوة ما كانت المقاسمة خيراً له، فإذا خشي على سُدُسِه الضرر قبضه، وخلّى أهل الفريضة وفريضتهم. وقال أبو بكر: الجد بمنزلة الأب/8/يحجب ما حجب الأب، ويرث ما ورث.

قال: قلت: يا أبا يعقوب، قد وطئت الكتب، ولقيت العلماء، ودخلت البلدان، فهل رأيت أحداً، أو قرأت في كتاب أن أحداً من الأمة يخرج من حكم علي هذا في الجد؟
قال: لا.
قلت: فهل قرأت في الكتب، أو سمعت أحداً من الأمة يدخل في حكم أبي بكر؟
قال: لا.
قلت: يا أبا يعقوب، فإذا كنت أنت وأصحابك وجميع أهل مقالتك تقولون بإمامة أبي بكر، وأنتم وجميع أهل الإسلام خارجون من حكمه فكيف منزلته عندكم؟ ولربما أعملت الفكر في أمركم، فإن أصدّق كلامكم على الرجل وقد غاب عني شخصه فأنا متحير في كلامكم، وإن أقل: إنكم اتخذتمم إلى الرجل ما لم يقل فبالحرا.
ثم قال: يا أبا الحسين، بلغنا أنك تقول: ليس بين المؤمنين قتال.
قلت: نعم، هذا قول واعتقادي.
قال: أفليس عائشة قاتلت علياً؟
فقلت له: عائشة لم تؤمر بالقتال، إنما أمرها اللّه عز وجل بأن تقرّ في بيتها، فعصت ربها ونبيها.
قال: فتحير، ثم قلت للجماعة الذين كانوا حضورًا معنا: إنما القتال بين المؤمنين والكافرين.
ثم قلت: هل منكم أحد يشك في إيمان أمير المؤمنين علي عليه السلام؟
قالوا: معاذ الله!
قلت: فأحد منكم يشك في كفر/9/ذي الثّدية.
قالوا: لا.
قلت: فجميع من حارب أمير المؤمنين علياً عليه السلام، فهو كافر بالله.
قال: فانقطع أبو يعقوب وأمسك.
ثم ألتف إبراهيم بن رياح إليّ. فقال لي: يا أبا الحسين، أنت مقلد.
قلت له: إني أبرأ إلى اللّه من فريقين.
قال: ومن هما؟
قلت: من الذين قال اللّه سبحانه فيهم: {وكذبوا واتبعوا أهوآئهم} [القمر: 3]، ومن الذين قالوا: { إنَّا وجدنا آبائنا على أمةٍ وإنَّا على ءاثارهم مقتدون}.

قال: فممّن أنت؟
قلت: من الذين قال اللّه عز وجل فيهم: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} [النساء: 65].
قال: يا أبا الحسين، وفيمن هذه الآية؟
قلت: هي في النبي صلى اللّه عليه، وفيمن يقوم مقام النبي صلى اللّه عليه، من أهل بيت النبي في أمة النبي.
قال: لا يا أبا الحسين، إنما هذه الآية خآصةٌ في النبي، والنبي فقد غاب.
قلت: فأحسن اللّه جزاك يا أبا إسحاق.
قال: فيم تشكرني؟
قلت: عندما رفعت عنّا العبادة.
قال: كيف ؟
قلتُ: لإنك قلتَ: إنها خاصة في النبي وليست لإحد بعده، فإذا غاب عنا المعلم ولم يبق من يقوم مقامه فقد ارتفعت العبادة.
قال: أنا استغفر اللّه يا أبا الحسين، بل الآية كما قلت خاصة في النبي وعامة/10/فيمن يقوم مقام النبي، من أهل بيت النبي، في أمة النبي عليه وعليهم السلام.
ثم قال إبراهيم لجميع من حضر: دعوا الكلام لأبي الحسين.

(9)مجلس [في أن العلماء لا يختلفون]
وقال لي البحيرمي ـ إنسان كان بـ(عدن) وكان يتعلم مني ـ :يا أبا الحسين، قال لي هؤلاء المخالفون لنا: أليس صاحبك أبو الحسين يقول: ليس العلماء يختلفون، وقد اختلف موسى والخضر.
قلت له: فما قلت لهم؟
قال: جئت أسألك ما أقول لهم.
قلت له: قل لهم: كيف أنتم تزعمون أنهما اختلفا، والله عز وجل يقول في كتابه أن موسى قال للخضر: {إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً} [الكهف: 76]، فإنا نراه يعتذر، وليس المعتذر بمخالف.

(10)مجلس [في معنى قوله تعالى:إن كان اللّه يريد أن يغويكم هو ربكم]
قال:وقال لي البحيرمي مرةً: أليس أنت تقول: إن اللّه تعالى لا يغوي أحداً من خلقه؟
قلت: بلى، هذا قولي واعتقادي.
قال: فقال قوم من مخالفينا: ألا ترى أن نوحاً صلى اللّه عليه، قال لقومه: {إن كان اللّه يريد أن يغويكم هو ربكم} [هود: 34].
قلت له: فما قلت لهم؟
قال: تعرفني يا أبا الحسين ما أقول لهم.
قلت:للهادي عليه السلام كلامٌ في هذا المعنى، وللقاسم أيضاً فيه كلامٌ، فالمعنى في كلامهما واحدٌ، واللفظ مختلف، قال القاسم عليه السلام: صدق اللّه الذي لا إله إلا هو وبلغت رسله، قال نوح عليه السلام،/11/لقومه: {إن كان اللّه يريد أن يغويكم} [هود: 34] قوله: إن هو حرف استفهام، فليس ينفعكم نصحي إن كان قد حال بينكم وبين الطاعه. وقال الهادي عليه السلام: إن كان اللّه يريد أن يغويكم، معنى يغويكم: يعذبكم بما اجترمتم فليس ينفعكم نصحي، إذا حل بكم العذاب بما استوجبتم، قال اللّه عز وجل: {فسوف يلقون غياً} [مريم: 59] يعني عذاباً.

(11)مجلس
قال: وجرى بيني وبين رجلٍ من الطالبيين كلامٌ، فقال لي: يا أبا الحسين، أنا رجلٌ معي ضيق صدر ومعي بنات، وتحت يدي خويدمات، وأنا أرى أن ماتا حاجزت ولست أقدر على الضيق، فلا أدري ما تشر عليّ؟
قلت له: إسمع يا شريف، لا يضق صدرك، ولا يغم قلبك، فما سلمنا أن يحدث بالمحدث بأس فحالنا جميل، وأنا وأنت ـ نعلم والحمدلله ـ أنه لا يحدث به بأس، وقد قال اللّه عز وجل في كتابه المنزل على لسان نبيه المرسل: {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: 2،3]فتوكل على اللّه واعمل بطاعته تنج من جهد الدنيا وعذاب الآخرة.
قال: وبينما نحن في مجلسنا ذلك إذ نظر إليَّ رجل من جند السلطان،وذلك الجندي شيخ كبير أحمر الرأس واللحيه وهو يمرغ فرساً له وينصص له ويلاعبه.
فقال لي الشريف: يا أبا الحسين،/12/ألا تنظر إلى قلة عقل هذا على هذه السن وحمقه.
فقلت له: قد بقي من هو أقل من هذا عقلاً وأحمق منه، لإن هذا عارف بنفسه وأنه مخط، ولعله يحدث نفسه بتوبة مما هو عليه، لكن أشد منه جهلاً من قد جمع الكتب التي فيها إدحاض ما جاء به النبي عليه السلام، وليس هو يحدّث نفسه بالتوبة من ذلك إلى يوم القيامة، هذاك أجهل من هذا.
قال، فقال: صدقت يا أبا الحسين، والقول على ما قلت.

(12)مجلس [هذا هو المجلس الأول مع زياده]
قال: وكنت التقيت برجل من فقهاء صنعاء مقرئ، يقال له: (ميمون) فتحدثنا إلى أن قلت له: قال اللّه عز وجل: {ما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم} [آل عمران: 7] فقال لي: يا أبا الحسين، لا يقرأ هكذا، فإن القراءة ووقف القُرَّاء: {ما يعلم تأويله إلا الله} هاهنا الوقف. قال: فغفلت عنه ساعة حتى نسي حديثنا، ثم قلت له: مامعنى قول اللّه عز وجل:{واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها} [يوسف: 82] قال: اسأل أهل القرية وأهل العير. قلت: وقوله: {لتنذر أم القرى ومن حولها} [الأنعام: 92] قال: أم القرى مكة وحولها الشرق والغرب. قال: فقلت له: هذا تنزيل أم تأويل؟ قال: بل تأويل. قلت: فقد قلتَ: إن الوقف: {ما يعلم تأويله إلا الله} فتحير، وبرم فأمسكت.
ثم قلت: يا ميمون، في/13/كلامنا بقية، قوله عز وجل: {والراسخون في العلم يقولون آمنا به} إن كانوا آمنوا بما علموا فإيمانهم صحيح، وإن كانوا آمنوا بما جهلوا فليس معهم إيمان.
قال: ثم قلت له: ما تقول لإحد عنك مشيّة أوأمر.
قال: لا.
قلت: لا للذكر ولا للأنثى.
قال: نعم.
قلت له: فاعلم أني قد وجدت لك كتاباً قد كتبته بخطك لمرأة على زوجها: إذا شاءت فلانة سألت فلاناً حقها هذا، وسأله إياه لها سائلها بأمرها. فأخبرني هل كتبت لها ما لا يحل لها؟ أم خدعتها عند ما قصدت إليك بكتابها؟
قال: فتحير ولم يرد جواباً.

(13)مجلس [هذا المجلس الثاني]
قال: ولقيت رجلاً من فقهاء أهل صنعاء. فقلت له: ما تقول على كم الهدى عندكم من وجه؟
قال: هو عندنا على وجه واحد، والضلال على وجه واحد.
قلت: فبيَّن لي فيهما حالاً أعمل بحسبه.
قال: يا أبا الحسين، أنا أبيِّن لك القول ببيان واضح، إعلم أن قولنا وعندنا أن من هداه اللّه عز وجل فليس له إلى المعصية سبيل، وكذلك من أضله فليس له إلى الطاعة سبيل، وهذا القول يكفيك عن غيره.
قال: فقلت له: فأخبرني آدم عندك وعند أصحابك ممّن هداه اللّه؟
قال: نعم.
قلت: قال اللّه عز وجل من قائل: {وعصى آدم ربه فغوى} [طه: 121]يقرى بهذا في جميع الدنيا، وقلت: إن عندكم من هداه اللّه فليس له إلى المعصية سبيل/14/.
قال: فتحير وبرم ولم يجب.

(14)مجلس [إن اللّه لا يأمر بمالا يريد]
وقال لي يوماً رجل غريب بـ(عدن): يا أبا الحسين، أليس أنت تقول: إن اللّه لا يأمر بما لا يريد.
قلت له: نعم، هذا قولي واعتقادي، وقول جميع أهل الإسلام.
قال: فهذا إبراهيم عليه السلام أمره اللّه بذبح ابنه وهو لا يريد منه أن يذبحه.
قال: قلت له: ليس القول كما قلت، إنما أراد اللّه عز وجل من إبراهيم أن يجري السكين على حلق ابنه ففعل إبراهيم ما أراد اللّه عز وجل منه وأمره به، وتصديق ذلك قول اللّه عز وجل له: {يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} [الصافات: 104، 105].

(15)مجلس
قال: وقال لي يحيى القطان بـ(عثر): يا أبا الحسين، إنما مثل أبي بكر مع علي بن أبي طالب عليه السلام، مثل نبي بني إسرائيل، مع طالوت عليهما السلام.
قال: فقلت له: يا يحيى، أليس اجتمعت بنو إسرائيل إلى نبيهم وتوسلوا به إلى خالقهم أن يبعث لهم ملكاً يقاتل في سبيل الله؟ فدعا لهم فاستجاب اللّه عز وجل دعاء نبيه عليه السلام، فبعث لهم طالوت، فهمت بنو إسرائيل بمكابرته، وقالوا: {أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال}، فعرّفهم نبي اللّه أن الملك خلاف ما ذهبوا إليه بقوله: إنه فضل طالوت {وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم} [البقرة: 247]، فهل معك يا يحيى،/15/بيان أو برهان أن أمة محمد صلىالله عليه، اجتمعوا إلى علي بن أبي طالب كاجتماع بني إسرائيل إلى نبيهم، وسألوه أن يبعث لهم أبا بكر؟
قال: فتحير، وقال: ليس معي في هذا جواب.
قال له: فينبغي للمسلم يحصل كلامه ويصل قوله بقولٍ لا يفيد، وإلا فليس معه قول ولا عمل.

2 / 8
ع
En
A+
A-