أبي طالب، فهو باغ؛ على هذا عهدت مشائخنا، وهو قول ابن إدريس ـ يعني الشافعي ـ.
انتهى بلفظه من تخريج الزركشي.
قلت: فقد رأيتَ كلام الحافظ محمد بن إبراهيم في هذا المقام، في الاعتراف بضعف أصولهم، واختلال أساس مذاهبهم؛ ولا سيما هذا الأصل الكبير، الذي عليه مدار القبول، في أخبار سنة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وهو ينافي ما ملأ به مؤلفاته في غير مقام، من الذب عنهم، والنصرة لهم، والمنابذة لمن أنكر عليهم من نجوم العترة، وسادات الأسرة.
وانظر إلى كلامه، لما كان في مقام التجميل عليهم، والرد عنهم، حيث قال ما لفظه: ومن مهمات هذا الباب: القول بعدالة الصحابة كلهم في الظاهر، إلا من قام الدليل على أنه فاسق تصريح؛ ولا بد من هذا الاستثناء على جميع المذاهب.
وأهل الحديث، وإن أطلقوا القول بعدالة الصحابة كلهم، فإنهم يستثنون من هذه صفته؛ وإنما لم يذكروه لندوره.
ثم ساق في الاستشهاد على ما ادعاه لهم، وكل ذلك تكلف من عنده؛ لئلا تلحقهم شناعة هذا المذهب الفاسد.
وما ذكره خلاف صرائح أقوالهم وأعمالهم، فإنهم لا يستثنون أحداً.
[نماذج من تمحلاته انتصاراً لهم ـ والرد عليه]
ولم يزل في عناء من هذا، تارة يقول: إنهم لديهم متأولون.
والجواب عليه: أن هذا خلاف الكتاب، والسنة المتواترة؛ وقد أقر هو بفساد ذلك، وصرح بالرد عليهم فيما هنالك.
ومرة بأنهم يستثنونهم ويصرحون بفسقهم، ويلفق له أقاويل صدرت على جهة الندرة من أفراد منهم، في بعض من هؤلاء الفسقة المتمردين.
وليس ذلك إلا من مناقضاتهم، وإخراج الله الحق على ألسنتهم؛ وكتب الجمهور الأغلب منهم: أهل الصحاح ـ الملتزمون لصحة ما رووه ـ وغيرهم، مشحونة برواياتهم، والتصريح بقبولهم وعدالتهم.
وأخرى يعتذر بأنهم إنما رووا عنهم /402
أحاديث يسيرة.
إلى غير ذلك من الأعذار، والتمحلات الباطلة.
واسمع إلى ما قاله في التنقيح، في شأن مروان الباغي بالنص النبوي الصريح، وهو من رجال البخاري في كتابه الصحيح، وقد تكلم على رواية، ما لفظه: فهي مردودة بمروان بن الحكم، فهو مجروح عند أهل البيت، وعند غيرهم؛ بل لا يعلم في ذلك خلاف؛ وإنما روى عنه المحدثون أحاديث يسيرة، لما رواها معه غيره من الثقات، كما بينت ذلك في العواصم، انتهى.
فيقال له: أما قولك: بل لا يعلم في ذلك خلاف، فيقال: بل خالف في ذلك أصحابك، الذين شمرت في تنزيههم بما لا يرتضونه، واعتمادهم له في صحاحهم، التي التزموا ألا يرووا فيها إلا الصحيح بروايات العدول، أكبر شاهد على ذلك.
وهذا التصريح من ابن حجر بتنزيه هذا الفاسق.
قال في الهدي الساري: مروان بن الحكم.
..إلى قوله: يقال: له رؤية؛ فإن ثبتت، فلا يعرج على من تكلم فيه.
..إلى قوله: فأما قتل طلحة، فكان متأولاً فيه، كما قرره الإسماعيلي وغيره.
..إلى قوله: وقد اعتمد مالك على حديثه ورأيه، والباقون، سوى مسلم، انتهى.
وأما قولك: أحاديث يسيرة؛ فليست بيسيرة، ولو سلم، فلا يجوز الاعتماد على أمثاله في يسيرة ولا كثيرة؛ فكل ذلك محرم وخيانة للسنة الشريفة.
وأما قولك: لما رواها معه غيره؛ فهو على فرض صحته غير مخلص، بعد تنصيص صاحب الكتاب، على أنه لم يدخل فيه إلا الصحيح، والتصريح بتعديل جميع رواته، حتى صاروا يعتمدون على رجاله، وإذا رووا عنهم يقولون: برجال الصحيح.
فلو سلم له عدم الاعتماد على ذلك، فقد وقع في التغرير والتلبيس على المسلمين؛ ويلزم ألا يوثق بتعديل أحد من رجاله، الذين يروي /403
حديثهم من غير طرقهم، وهو خلاف إجماعهم؛ بل لو لم يذكر الرواية عن غيرهم، فلا وثوق؛ لاحتمال أن عنده طريقاً لحديثهم، غير ما ذكره؛ ولا قائل بهذا منهم.
وهذا كله إنما هو مجاراة له على تكلفه وتعسفه للأعذار الفاسدة، التي هي عندهم غير مقبولة ولا مرضية؛ فإنهم مصرحون بالاعتماد على هذا المارد، وعلى أضرابه، وعلى التولي لهم، والترضي عنهم، بلا حِشمة، ولا تقية؛ وإن ندر من بعضهم فلتة في غير مقام الرواية، على سبيل المناقضة، مع إصرارهم على خلاف ذلك كما سبق، فليس بنافع، ولا موجب لتنزيه الجميع.
ولقد أحسن ابن حجر وغيره، في عدم التفاته إلى هذه التمعذرات الضئيلة، والتعللات العليلة، وتصريحه بما عندهم في شأنه؛ فرب عذر أقبح من الذنب، وقد كان أحق من صاحبنا بالانتصار لهم والذب؛ ولكن يأبى الله إلا أن يخرج على ألسنتهم ما كانوا كاتمين.
على أن هذه الفلتات التي صدرت من البعض في شأن مروان، إنما أوردوها في التشنيع عليه بقتل صاحبه طلحة بن عبيدالله، الخارج بغياً ونكثاً على أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وقتاله للمشؤوم الباغي، المُلْحد في الحرم، التارك للصلاة على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إرغاماً لآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ أربعين جمعة، عبدالله بن الزبير ـ حسبه الله ـ وقتله للباغي، المتولي لرأس القاسطين، النعمان بن بشير الأنصاري.
قال الذهبي في الميزان في ترجمة طلحة: إنه الذي قتله، رماه بسهم على جهة الغدر؛ وهو من جملة أصحابه.
وقال: قتل طلحة ونجا، فليته ما نجا.
وقال ابن حزم: وهو أول من شق عصا المسلمين، بلا شبهة ولا تأويل، وقتل النعمان بن بشير؛ وذكر أنه خرج على ابن الزبير، بعد أن بايعه على الطاعة...إلى آخر كلامهم.
ولم يعرجوا على ما صدر منه على سيد الوصيين، وصنو الرسول /404
الأمين، الذي وردت فيه النصوص من رب العالمين، على لسان سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ ولكن كفانا شهادة أصدق الصادقين؛ فإن ترضوا عنهم، فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين.
ومن اعتذاراته لهم قوله في العواصم ما لفظه: فإن قلت: فما الوجه في روايته عنهم؟ فالجواب:
...إلى قوله: إن الرواية لا تدل على التعديل، كما ذكره الإمام يحيى، وابن الصلاح.
ثم ذكر قول النووي في شرح مسلم: إنه قد روى مسلم في الصحيح عن جماعة من الضعفاء وغيرهم.
قلت: سبحان الله! وهذا بمكان من التخبطات الواضحة، والمغالطات الفاضحة.
فيقال: صحيح أن الرواية لا تدل على التعديل؛ ولكن ذلك في حق من لم يصرح بأنه لا يروي إلا عن عدل، ولم يلتزم أنه لا يدخل في كتابه إلا المختار من الصحيح.
فأما من صرح بذلك، فمعلوم أن روايته تصحيح، وأي تصحيح.
ولقد رام لهم بهذا الاعتذار، فعاد عليهم وعليه بالفساد والإهدار؛ فنقض ما أصّلوا، وحلّ ما أبرموا، وصير ما ملأوا به الأوراق، ووسعوا فيه النطاق، من الدعاوي الطويلة العريضة، بتصحيح ما اشتملت عليه كتب الصحاح، وتجاسروا عليه من دعوى الإجماع، على غير مبالاة بما وقعوا فيه من الافتضاح، عند أرباب الإطلاع، قولاً مهجوراً، وهباء منثوراً.
فإذا كانت رواياتهم في الصحاح لا تقتضي التعديل، فأي مزية بقيت لها؟ وأي معنى لما سبق له ولهم من التكثير والتطويل، والقال والقيل؟
وهكذا يتخبط في مساقط الأنظار، وميادين العثار، كل من يروم تقويم الباطل، وتعديل المائل.
وإلا فمثل هذا السيد الحافظ لا يخفى عليه ركاكة هذه التمحلات، وسخافة تلك التلونات؛ ولكن حبك للشيء يعمي ويصم.
ومع هذا فحاله أجمل، /405
وسبيله أعدل؛ إذ لم يحمله على سلوك هذا العوج، إلا علمه بعدم استقامة ما هم عليه من اضطراب المنهج؛ ولكن العجب من طائفة من المقلدين، يدعون المشي على منارهم، والاقتفاء لآثارهم، بقلوب غلف، وآذان صم، قد غطى الباطل على بصائرهم، وغشى التقليد على أبصارهم.
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً .... ولكن لا حياة لمن تنادي
إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون؛ والحمد لله رب العالمين.
[بقية الأقوال في مجهول العدالة]
هذا، والذي قدمته في تعريف المجهول وأقسامه، هو قول أهل الأصول؛ وللقوم مصطلح آخر، يخالف ذلك في بعض أحكامه، فأورده هنا على سياق ما ذكره السيد الحافظ محمد بن إبراهيم؛ فقد استوفى ذلك، واعترف ببطلان ما ابتدعوه في بعض تلك المسالك.
قال في التنقيح: قال المحدثون: في قبول رواية المجهول خلاف؛ وهو على ثلاثة أقسام: مجهول العين، ومجهول الحال ظاهراً وباطناً، ومجهول الحال باطناً.
الأول: مجهول العين، وهو: من لم يرو عنه إلا راوٍ واحد؛ وفيه أقوال، الصحيح ـ الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم ـ أنه لا يقبل.
والثاني: أنه يقبل مطلقاً.
والثالث: إن كان المنفرد بالرواية عنه لا يروي إلا عن عدل، قُبِل، وإلا، لم يقبل. /406
والرابع: إن كان مشهوراً في غيرالعلم بالزهد أو النجدة، قُبِل، وإلا فلا؛ وهو قول ابن عبد البر.
والخامس: إنْ زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه، قُبِل، وإلا فلا؛ وهو اختيار أبي الحسن بن القطان، في بيان الوهم والإيهام، كتاب له.
قال: والسادس: إن كان صحابياً، قُبِل؛ وهو مذهب الفقهاء، وبعض المحدثين، وشيوخ الاعتزال.
رواه عن المعتزلة ابن الحاجب في المنتهى، واختاره الشيخ أبو الحسين في المعتمد، والحاكم في شرح العيون.
وسوف يأتي بيان هذه المسألة على التفصيل عند ذكر الصحابة.
قال: وقد عرفت أن حكاية المحدثين لهذا الخلاف تدل على أن مذهب جمهورهم أن من روى عنه عدل، وعدّله آخر غير الراوي، فهو عندهم مجهول، بل هو عندهم مجهول العين؛ لأنهم في علوم الحديث حكوا قبول من هذه صفته، اختياراً لأبي الحسن القطان فقط، وهذا قول ضعيف.
ثم ساق في وجه تضعيفه؛ لكن كلامه في التنقيح مختل التركيب، وإن كان المقصود منه واضحاً.
وقد اعترضه الشارح، ونقل كلام المؤلف الوزير في المختصر، وهو ما لفظه: فإن سمي المجهول، وانفرد واحد عنه، فمجهول العين؛ والحق عند الأصوليين أنه إذا وثقه ثقة، الراوي أو غيره، قُبِل، خلافاً للمحدثين؛ والقول الصحيح قول الأصوليين، انتهى.
(رجعنا إلى تمام كلامه في التنقيح).
قال: لا معنى لتسميته مجهولاً؛ لأنهم لم يشترطوا العلم بعينه، وبعدالته، ويوجبوا أن يبلغ المخبرون بها عدد التواتر؛ ولو اشترطوا ذلك، لم تساعدهم الأدلة عليه؛ فإن أخبار الآحاد ظنية، واشتراط /407
مقدمات علمية في أمور ظنية غير مفيد؛ بل الذي تقتضيه الأدلة أنه لو وثقه واحد، ولم يرو عنه أحد، أو روى عنه واحد ووثقه هو بنفسه، لخرج عن حدّ الجهالة؛ فقد نصّ أهل الحديث أن التعديل يثبت بخبر الواحد.
هذا مع ما يعرض في التعديل من المصانعة والمحاباة، فكيف بالإخبار بالوجود؟!.
...إلى قوله: فإذا قبل واحد في توثيق الراوي وإسلامه، فهو بالقبول في وجوده أولى وأحرى.
وقد أشار ابن الصلاح إلى ما ذكرته، في أن ارتفاع الجهالة في التوثيق بالواحد تقتضي أن ترتفع جهالة العين بالواحد؛ ولم يردوا عليه ذلك بحجة، وإنما ردوا عليه بكون ذلك عرف المحدثين، وقد نص جماعة من كبار المحدثين على هذا العرف.
قلت: أي عرفهم المردود المضعف، في مجهول العين.
قال: منهم: الخطيب، ومحمد بن يحيى الذهلي؛ وحكاه الحاكم عن البخاري ومسلم.
قلت: وقد صح بإقرار أهل الحديث كون البخاري ومسلم خرَّجا عمن لم يرو عنه إلا واحد.
قال ابن الصلاح ـ بعد ذكره لجماعة منهم ـ ما لفظه: في أشياء كثيرة في كتابيهما على هذا النحو؛ وذلك دال على مصيرهما إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولاً، مردوداً برواية واحد عنه.
قلت: بل هو قادح على مصطلح أهل الحديث في صحيحيهما بكل حال؛ لتصحيحهم القول الأول، وهو عدم القبول، كما سبق.
ومع ثبوت رواية الحاكم عنهما يكون أيضاً قدحاً عليهما؛ إذْ خالفا مذهبهما، وصححا ما ليس بصحيح عندهما؛ فلا محيص لهم عن هذا الإيراد، كما لا مخرج لهم عن غيره من الفساد، والله /408
ولي السداد.
قال السيد محمد بن إبراهيم: وذكر الذهبي ما يقتضي ذلك، فقال: زينب بنت كعب بن عجرة، مجهولة، لم يرو عنها غير واحد؛ فعلى هذا لا يكون قولهم في الراوي: (إنه مجهول) جرحاً صحيحاً عند مخالفيهم.
...إلى قوله: وقال الخطيب: المجهول عند أصحاب الحديث كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد.
وقال الخطيب: أقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عنه اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم؛ إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه.
قال محمد بن إبراهيم: فزاد الخطيب في التعريف لعرفهم أمرين، لا دليل عليهما:
أحدهما: اشتهار المجهول بطلب العلم، ومعرفة العلماء لذلك منه.
قلت: كذا (اشتهار المجهول) في نسختين، وسكت عليه الشارح، وهو سهو؛ والصواب عدمه، وهو واضح.
قال: والثاني: أن يكون الراويان عنه من المشهورين بالعلم، في أقل ما ترتفع به الجهالة؛ فهذا يزيدك بصيرة في عدم قبول حكمهم بجهالة الراوي.
قال الأمير: لأنهم تعنتوا في حقيقته، وأتوا بشرائط غير صحيحة؛ لعدم الدليل عليها.
قلت: وهم على هذا في أكثر قواعدهم القاعدة، ومصطلحاتهم الفاسدة، مائلون عن الدليل، عادلون عن السبيل، راكبون للعوج، ناكبون عن واضح المنهج؛ وما العجب إلا من متابعة مثل هذين العالمين لهم: الوزير والأمير، في كثير مما لا علم فيه ولا هدى ولا كتاب منير.
وعين الرضى عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا /409
وقد أنصفا في هذا الكلام؛ فلو سلكا هذا المسلك في الإنصاف والاعتراف بالحق في كل مقام.
ونعود إلى التمام، والله ولي الهداية والإنعام.
قال محمد بن إبراهيم: لأن العلم ـ على الصحيح ـ ليس من شروط الراوي؛ ولو كان شرطاً فيه لم يقبل كثير من الصحابة والأعراب، فلم تكن الصحبة بمجردها تفيد العلم.
وقد ثبت أن ذلك لا يشترط في الشهادة، وهي آكد من الرواية؛ فإذا لم تشترط في الراوي، فأولى ألا تشترط فيمن روى عنه.
[ذكر مجهول الحال في الظاهر والباطن]
القسم الثاني: مجهول الحال في الظاهر والباطن، مع كونه معروف العين؛ وفيه أقوال:
الأول: أنه لا يقبل؛ حكاه ابن الصلاح، وزين الدين عن الجماهير.
والثاني: يقبل مطلقاً، وإن لم يقبل مجهول العين.
والثالث: إن كان الراويان عنه لا يرويان إلا عن عدل، قُبِل، وإلا فلا.
قال الأمير في التوضيح: هكذا سرد هذه الأقوال ابن الصلاح، ونقلها عنه زين الدين؛ ولم يذكرا دليلاً عنهم، كما فعله المصنف.
قال الوزير في التنقيح: القسم الثالث: مجهول العدالة الباطنة، وهو عدل في الظاهر؛ فهذا يحتج به بعض من رد القسمين الأولين.
..إلى قوله: قال ابن الصلاح: يشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة عن غير واحد من الرواة، الذين تقادم العهد بهم، وتعذرت الخبرة الباطنة بهم.
قلت: وهذا يدل على أن مقصدهم بمعرفة العدالة الباطنة هي الخبرة، وأقوال المزكين؛ لأن الباطنة يتعذر عليها الاطلاع إلا بنص أو إجماع، ويستوي حينئذ قديم العهد وحديثه.
وفي كلام ابن الصلاح هذا، الاعتراف بقبولهم مجهول العدالة، الذي لم تثبت له خبرة ولا تزكية؛ فسبحان الله! ما /410
أعجب شأن هؤلاء القوم! لا ينفكون عن التخبط والتخليط، ولا يبرحون بين إفراط وتفريط؛ تارة يتشددون فيقولون بما لا دليل عليه، وأخرى يخرجون عما اقتضاه الدليل؛ فنعوذ بالله من الخذلان، والله المستعان.
وقد نصّ بعضهم على أن المراد من العدالة الباطنة ما ذكرناه.
قال الزين: كلام الرافعي في الصوم، أن العدالة الباطنة هي: التي يرجع فيها إلى أقوال المزكين، نقله عنه في التنقيح.
قال فيه: وأطلق الشافعي كلامه في اختلاف الحديث أنه لا يقبل المجهول، وحكاه البيهقي عنه في المُدْخِل.
ونقل الروياني عن نص الشافعي في الأم: أنه لو حضر العقد رجلان مسلمان، ولا يعرف حالهما في الفسق والعدالة، انعقد النكاح بهما في الظاهر؛ لأن ظاهر المسلمين العدالة؛ ذكره في البحر.
نقل ذلك زين الدين.
[ذكر المستور]
ولما ذكر ابن الصلاح هذا القسم الأخير، قال: وهو المستور.
..إلى قوله: قال الزين: وهذ الذي نقل كلامه آخراً هو البغوي، وتبعه عليه الرافعي؛ وحكى الرافعي في الصوم وجهين في قبول رواية المستور من غير ترجيح.
وقال النووي في شرح المهذب: إن الأصح قبول روايته.
قال الوزير في التنقيح: ظاهر المذهب ـ أي مذهب الزيدية ـ قبول هذا، المسمى عندهم بالمستور.
قلت: بل الصريح المحقق للمذهب رده، كما سبق نقله الصحيح من مؤلفاتهم، وتحقيق الدليل عليه.
قال: بل قد نص على قبوله، وسماه بهذه التسمية الشيخ أحمد في الجوهرة؛ ولم أعلم أن أحداً من الشارحين اعترضه.
قلت: هذا على فرض الصحة ليس بحجة؛ وإنما هو مذهب صاحب الجوهرة، ومن قرره، ولا يفيد إضافة ذلك إلى مذهب أئمة العترة، ولا إلى غير القائل به /411