في كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث المكذوبة الموضوعة.
...إلى قوله (ع): وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ـ ولعله يكون ورعاً صدوقاً ـ يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تعظيم بعض من قد سلف من الولاة؛ ولم يخلق الله شيئاً منها، ولا كانت، ولا وقعت، وهو يحسب أنها حق...إلخ.
قال السيد الإمام، إسحاق بن يوسف ابن الإمام المتوكل على الله (ع) في تفريج الكروب: هذا الأثر المنقول عن أبي جعفر، قد نقله أهل السير والتواريخ، وقد رواه ابن أبي الحديد في سياق الأحاديث الموضوعة.
وأقول: هذا الفصل من كلام الباقر قد اشتمل مع اختصاره على ملخص سيرة أهل البيت، وهو ـ بلا شك ـ كلامه، وهو أصح من أن يصحح؛ إذ هو وصف لما في مصادر الأيام مرقوم، وعلى ألسنة العالمين وفي قلوبهم منطوق ومفهوم؛ فلا يرتاب من له أدنى نظر في السير، أن كل فصل منه من أصح ما نقل في الأثر.
ويحسن أن ننقل هنا ما نقله المدائني، وهو كالشرح لكلام أبي جعفر.
روى أبو الحسن، علي بن محمد سيف المدائني، في كتاب الأحداث، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته.
...إلى قوله: وكتب معاوية إلى جميع عماله في جميع الآفاق: ألا تجيزوا لأحد من شيعة علي، وأهل بيته شهادة.
وكتب إليهم: أن انظروا مَنْ قِبَلَكم من شيعة عثمان، ومحبيه وأهل ولايته، الذين يروون مناقبه وفضائله، فأدنوا مجالسهم، وقربوهم، وأكرموهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه، واسم عشيرته.
ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه.
....إلى قوله: فلبثوا بذلك حيناً، ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في /372

كل مصر، وفي كل وجه وناحية؛ فإذا جاءكم كتابي هذا، فادعوا الناس إلى الرواية في فضل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في فضل أبي تراب، إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي، وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس؛ فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة، مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك.
...إلى قوله: فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن.
...إلى قوله: ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه.
وشفع ذلك نسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكلوا به، واهدموا داره.
فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما بالكوفة.
...إلى قوله: فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء، والقضاة، والولاة؛ وكان أعظم الناس بلية في ذلك القرآء المراؤون، والمتصنعون، الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث؛ ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا بذلك الأموال، والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار إلى أيدي الديانين، الذين لا يستحلون الكذب؛ فنقلوها ورووها...إلى آخر كلامه. /373

[ترجمة أبي الحسن المدائني]
قلت: أبو الحسن المدائني، ترجم له السيد الإمام (ع) في الطبقات، وعده الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة (ع)، في رجال العدل والتوحيد.
وقال في تفريج الكروب، بعد سياق هذا: وقد رأيت أن أنقل هنا ترجمة المدائني؛ ليعلم أنه من الموثوق بهم.
وأما كتاب الأحداث، فنسبته إليه تواترية، كسائر المؤلفات المشهورة بالنسبة إلى أربابها.
ونقل ترجمته من ميزان الذهبي؛ وقد رجحت أن أنقل المقصود من ذلك الكتاب.
قال في الميزان: علي بن محمد المدائني الأخباري، صاحب التصانيف، ذكره ابن عدي في الكامل، فقال: علي بن محمد بن عبدالله بن أبي سيف المدائني، مولى عبدالرحمن بن سمرة؛ ليس بالقوي في الحديث، وهو صاحب الأخبار.
...إلى قوله: وروى عنه الزبير بن بكار، وأحمد بن زهير، والحارث بن أبي أسامة.
قال أحمد بن أبي خيثمة: كان أبي، وابن معين، ومصعب الزبيري، يجلسون على باب مصعب، فمر رجل على حمار فَارِهٍ، وبِزَّة حسنة، فسلم، وخص بمسائله يحيى.
إلى قوله: فلما ولَّى، قال يحيى: ثقة ثقة ثقة.
فسألت أبي: من هذا؟
فقال: هذا المدائني.
مات المدائني سنة أربع ـ أو خمس ـ وعشرين ومائتين، عن ثلاث وتسعين سنة، انتهى.
قال في تفريج الكروب: قال ابن عرفة، المعروف بنفطويه: وهو من أكابر أهل الحديث وأعلامهم، في تاريخه ما يؤيد هذا.
قال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية؛ تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم، انتهى. /374

قلت: وقد أظهر الله ـ سبحانه ـ الحق، وأركس الباطل، وأرغم أهله؛ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وقد خسروا الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.
[بحث في معنى المعل]
قال صارم الدين (ع): وقد يرد الحديث؛ لتهمة الراوي، وهو المتروك، أو لفحش غلطه أو غفلته، وهو المنكر، على رأي.
قلت: تقدم الكلام فيه.
قال: أو لوَهْمه مع ثقته؛ فإن اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق، فهو المعل، وهو جنس يدخل تحته الشاذ، والمنكر، والمضطرب.
قلت: أما المعل، فهو اسم مفعول من الإعلال، فعله الماضي أعل.
وأما قول كثير من أهل الحديث: (معلل) كمكرم، فهو من التعليل، وماضيه علل، مضعف، ككرّم؛ ومعناه: ألهاه بالشيء وشغله، من تعليل الصبي بالطعام، فلا مناسبة فيه.
وقول بعضهم: (معلول) خلاف القياس؛ لأنه اسم مفعول الثلاثي المتعدي، الذي هو عل؛ ولم يرد إلا الرباعي أو الثلاثي اللازم.
قال في القاموس: والعلة (بالكسر) المرض، عَلَّ يعل، واعتل، وأعله الله، فهو معل، وعليل؛ ولا تقل: معلول، والمتكلمون يقولونها، ولست منه على ثلج، انتهى.
وقال في المحكم: لأن المعروف إنما هو أعله الله، فهو معل، اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم: مجنون ومسلول: إنهما جاءا على جننته وسللته؛ ولم يستعملا في الكلام، واستغني عنهما بأفعلت، قال: وإذا /375

قالوا: جن، وسل، فإنما يقولون: جعل فيه الجنون والسل، انتهى.
قلت: هكذا كلامهم في عدم استعمال العرب لمعلول.
والصحيح أنه عربي مستعمل، فقد ورد في كلام سيد العَرب العَرباء، وإمام الفصحاء والبلغاء، أمير المؤمنين، وأخى خاتم النبيين ـ صلوات الله عليهم ـ قال: وكل قائم بغيره معلول.
وهؤلاء لم يحيطوا بالعربية، والمثبت أولى من النافي، ومن علم حجة على من لم يعلم.
وأما عله الثلاثي المتعدي، فالظاهر عدم وروده، والأمر كما ذكره أئمة العربية، أن القاعدة الأغلبية أن اسم المفعول والمغير الصيغة، إنما يكونان في المتعدي، فيكون جن ـ المغير الصيغة ـ ومجنون ومعلول، المستعملات في أفصح الكلام، مع عدم استعمال جنه، وعله، الثلاثي المتعدي المبني للفاعل، وإنما الوارد أجنه الله ـ تعالى ـ وأعله، مما خالف القاعدة، ولا يقدح ذلك في الفصاحة، كما هو مقرر؛ ولذلك نظائر، ولا بأس بالتأويل؛ لموافقة الأغلب، مع إمكانه، وإلا فلا يضر بعد صحته في الموثوق بعربيته؛ فاستعمال المتكلمين، والفقهاء والمحدثين، وأبي إسحاق الزجاج: لمعلول، صحيح مقبول؛ وردُّ ابنِ الصلاح، وزين الدين، ومن تبعهما كمحمد بن إبراهيم الوزير، ومحمد بن إسماعيل الأمير عليهم في ذلك، مردود.
وقول ابن الصلاح: إنه مرذول، غير مقبول؛ بل كلامه هو المرذول، كيف وقد صح من كلام مَنْ كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق؟
إذا عرفت ذلك، فالعلة عندهم على ما ذكره ابن الصلاح، وتبعه زين الدين، وأورد معناه في رسالة الشريف، وتنقيح الأنظار عبارة عن أسباب خفية، غامضة قادحة فيه ـ أي في الحديث ـ مع أن ظاهره السلامة.
قال ابن الصلاح: واعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم /376

الحديث وأدقها وأشرفها؛ وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة، والفهم الثاقب.
قال ابن حجر على كلام ابن الصلاح: هذا تحرير الحاكم في علوم الحديث؛ فإنه قال: وإنما يعلل الحديث من أوجه، ليس للجرح فيها مدخل؛ فإن حديث المجروح ساقط واهٍ، وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات؛ إن تحدثوا بحديث له علة، فتخفى عليهم علته.
والحجة فيه عندنا العلم والفهم والمعرفة؛ فعلى هذا لا يسمى الحديث المنقطع معلولاً، ولا الحديث الذي في روايته مجهول أو مضعف معلول؛ وإنما يسمى معلولاً إذا آل أمره إلى شيء من ذلك؛ وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود، انتهى.
قلت: وقد يطلق على ما فيه علل ظاهرة، وعلى ما في روايته جرح واضح، وعلى ما ليس بقادح؛ وسيأتي ـ إن شاء الله ـ.
قال ابن الصلاح: ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي، وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضم إلى ذلك، تُنبه العارف بهذا الشأن، على إرسال في الموصول.
قلت: بناء على عدم القبول.
قال: أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك، بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به، أو يتردد فيتوقف فيه؛ وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه.
وكثيراً ما يعللون الموصول بالمرسل، مثل: أن يجيء الحديث بإسناد موصول، ويجيء ـ أيضاً ـ بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول.
قلت: الصحيح أن مثل هذا لا يقدح في الصحة، وأن الحكم للوصل؛ إذ هو زيادة ثقة، وهي مقبولة، وهكذا الحكم للرفع لذلك، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ.
قال: ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه.
قال الخطيب: السبيل إلى معرفة علة الحديث، أن تجمع بين طرقه، وتنظر في /377

اختلاف رواته؛ ويعتبر بمكانهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط.
وروي عن علي بن المديني، قال: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطأه؛ ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث، وهو الأكثر، وقد تقع في متنه.
ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعاً، كما في التعليل بالإرسال والوقف؛ وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة، من غير قدح في صحة المتن.
[ترجمة الطنافسي وعمرو بن دينار المكي]
فمن أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في المتن: ما رواه الثقة، يعلى بن عبيد.
قلت: هو الطنافسي، ترجم له السيد الإمام في الطبقات، وأفاد أنه توفي سنة تسع ومائتين، وخرج له الإمام أبو طالب، والإمام المرشد بالله، ومحمد بن منصور، واحتج به الجماعة؛ وذكر أن يحيى بن معين قال فيه: ثقة إلا في الثوري، وعنه مطلقاً.
وقال أحمد: صحيح الحديث، صالح.
وقال أبو حاتم: صدوق.
قال ابن الصلاح: عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار.
قلت: هو المكي، من ثقات محدثي الشيعة، ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وقد تقدم.
قال: عن ابن عمر، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((البيعان بالخيار...)) الحديث.
فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل؛ وهو معلل غير صحيح، والمتن على كل حال صحيح.
والعلة في قوله: عن عمرو بن دينار؛ إنما هو عن عبدالله بن دينار؛ عن ابن عمر، هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان، عنه؛ فوهم يعلى بن عبيد، وعدل عن عبدالله بن دينار إلى عمرو بن دينار، وكلاهما ثقة.
قلت: لامجال للحكم بالوهم على يعلى، فمن /378

الممكن أن يكون سفيان رواه له عن عبدالله، وللآخرين عن عمرو، ويكون في الواقع رواية الرجلين له، فلا وجه للإعلال بهذا؛ وقد أشار إلى ما ذكرته صاحب الديباج.
[الكلام على الجهر بالبسملة]
قال ابن الصلاح:
ومثال العلة في المتن ما انفرد مسلم بإخراجه في حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ من اللفظ المصرح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم.
فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأو الأكثرين إنما قالوا فيه: وكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، من غير تعرض لذكر البسملة؛ وهو الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيح.
ورأوا أن من رواه باللفظ المذكور، رواه بالمعنى الذي وقع له منهم من قوله: كانوا يستفتحون بالحمد، أنهم كانوا لا يبسملون، فرواه على ما فهم، وأخطأ؛ لأن معناه، أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة؛ وليس فيها تعرض لذكر التسمية.
وانضم إلى ذلك أمور، منها: أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية، فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئاً عن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - والله أعلم.
انتهى كلامه.
قلت: وما أحق هذا الإعلال، وأوفقه لحقيقة الحال؛ فقد علم إثباتها في القرآن الكريم، وفي الصلاة على التعميم، وعن وصي الرسول الأمين، وأولاده الأئمة الطاهرين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ وعلم إجماع أهل بيت محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ على الجهر بها في الصلاة الجهرية؛ وقد حفلت بالروايات الصحيحة في ذلك كتب أعلام الأئمة، بل وكتب غيرهم من علماء الأمة. /379

قال بعض العلماء: وأما كونه أقوى ـ أي الجهر بها في الجهرية ـ فلقوة أدلته وصحتها؛ فإنه روى جهر النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - بالبسملة في الصلاة الجهرية بضع وعشرون صحابياً، كما ذكره الزين العراقي، عن الحافظ أبي أسامة؛ ذكره ابن حجر المكي.
وقال السيد صارم الدين (ع): رواية الجهر عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ رواها فوق عشرين صحابياً، ورواية الإخفاء لم يروها إلا ابن مغفل ـ وهي ضعيفة ـ وأنس ـ وهي معلة ـ رواه عنه السيد الإمام، صلاح الإسلام، في شرح الهداية.
وقال البيهقي: وأما أن علي بن أبي طالب كان يجهر بالتسمية، فقد ثبت بالتواتر؛ ومن اقتدى في دينه بمتابعة علي بن أبي طالب كان على الحق، والدليل عليه قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((اللهم أدر الحق مع علي أينما دار)).
وقال البيهقي: وأيضاً، فإن فيها تهمة أخرى، وهو أن علياً (ع) كان يبالغ في الجهر بالتسمية؛ فلما وصلت الدولة إلى بني أمية، بالغوا في المنع من الجهر؛ سعياً في إبطال سنة علي بن أبي طالب.
ثم قال: ولا شك أنه مهما وقع التعارض بين قول أنس وابن مغفل، وبين قول علي بن أبي طالب، الذي بقي عليه طول عمره، فإن الأخذ بقول علي أولى؛ فهذا جواب قاطع في المسألة.
ثم ساق في الاحتجاج إلى أن قال: ومن اتخذ علياً إماماً لدينه، فقد تمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه.
انتهى من الروض النضير.
ومثل ما نقله عن البيهقي من أول البحث، قاله الرازي بلفظه كله، في مفاتيح الغيب، وقفتُ عليه فيه.
وقال الرازي أيضاً بعد حكاية الجهر عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: إن هذه الحجة قوية في نفسي، راسخة في عقلي، لا تزول /380

بسبب كلمات المخالفين، انتهى.
قلت: فهذا كلام المنصفين من المخالفين، والترجيح المعلوم الذي ذكره هو على فرض صحة الرواية عن أنس في النفي، وفيها ما سبق من الإعلال؛ وهي مع ذلك معارضة بروايات عنه، وفي مجموع ما روي عنه فيها اضطراب كثير.
وأما عبدالله بن المغفل: فقد رووا عنه عدم سماعه لها، والإثبات أولى من النفي، ومن علم حجة على من لا يعلم؛ لا سيما إذا كان الحجة من يدور الحق معه، باب مدينة العلم، المبين للأمة ما اختلفوا فيه بعد أخيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
ومما يزيدك بياناً، ويفيدك برهاناً، على أن المخالفين في قراءتها والجهر بها في الجهرية رفضوا الروايات الصحيحة، وعدلوا عن أقوال علمائهم وأئمتهم، الذين يزعمون الاقتداء بهم، وأنهم ائتموا في ذلك بمعاوية، إمام الفئة الباغية، الداعية إلى النار، ما صح في ذلك عن حفاظهم، ومحققي مذهبهم.
قال السيد الإمام، علم الأعلام، صلاح الإسلام، صلاح بن أحمد بن المهدي بن محمد بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن (ع) في شرح قول السيد الإمام، صارم الإسلام، إبراهيم بن محمد الوزير (ع) في الهداية: (وحذفها بدعة) ـ ما لفظه: ولذلك أن معاوية لما صلى بالناس العتمة، فترك البسملة، فناداه منادٍ: أسرقت الصلاة أم نسيت؟ أين بسم الله الرحمن الرحيم؟
احتج به ابن دقيق العيد، وذكره الرازي في مفاتيح الغيب بلفظ: فلما قضى صلاته، ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية.
وفيه: وأعاد معاوية /381

93 / 143
ع
En
A+
A-