ماضيه ومضارعه؛ وما ورد على خلاف ذلك، فشاذ، كما ذكروا في الصرف.
وهو في الاصطلاح: ما رواه اثنان لا غير، على ما تقدم، وعند بعضهم: أو ثلاثة.
والمناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي حاصلة، سواء كان بمعنى القوة؛ إذ قد تقوت رواية الواحد بالثاني، أو بمعنى القلة؛ إذ هي قليلة باعتبار ما فوقها.
[الكلام على الحديث المشهور]
والقسم الثالث: المشهور.
اسم مفعول، من الشهرة (بالضم)، وهي: الظهور، وفعله شهر، من باب منع.
وهو في الاصطلاح مما اختلف فيه كلامهم، فقيل: ما رواه فوق اثنين كما تقدم له، وقيل: ما رواه فوق الثلاثة، وقيل: هو الذي شاع عند أهل الحديث خاصة، وقيل: عندهم، وعند غيرهم، بأن رواه كثيرون.
ويرادفه المستفيض، اسم فاعل من مزيد الثلاثي، وزيادة السين والتاء فيه للمبالغة، يقال: فاض الماء يفيض فيضاً، إذا زاد حتى خرج من جوانب الإناء؛ أفاده في شمس العلوم؛ وفي القاموس: كثر حتى سال.
قال: والخبر شاع.
قلت: وقد يبلغ حد التواتر، وبعضهم يخص المستفيض بما رواه أكثر من ثلاثة.
هذا، والغرابة، والعزة، والشهرة، والاستفاضة لا تنافي الصحة، ولا الضعف، إذ ليست إلا باعتبار العدد، من غير نظر إلى العدالة والضبط.
قال السيد صارم الدين (ع): وزيادات رواة الصحيح والحسن مقبولة، ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق منه.
قلت: أما المنافاة، فالمراد منها الحقيقية، التي لا يمكن الجمع معها بتأويل، ولا تعميم وتخصيص، ولا إطلاق وتقييد، ولا نسخ، ونحوها من /332

وجوه الجمع الرافعة للمنافاة الظاهرة.
وعلى الجملة، إن الزيادة لها حكم الخبر المستقل، فيرد منها ما يرد منه، ويقبل ما قبل.
وأما العلة: فإن كانت العلة قادحة، فالرواية غير مقبولة.
وإن كانت غير قادحة، ككثير من العلل، التي يعلل بها أهل الحديث بموجب مصطلح لا برهان عليه، فلا تضر؛ وسيأتي البحث ـ إن شاء الله تعالى ـ فيه.
وقد قيد العلة في رسم الصحيح بكونها قادحة المؤلفُ كما سبق؛ ونقله محمد بن إبراهيم الوزير عن ابن الصلاح، وزين الدين العراقي في التنقيح؛ وقد اعترضه محمد بن إسماعيل الأمير في التوضيح، بأن التقييد للعلة بقادحة، ليس في كلام ابن الصلاح.
هذا معنى كلامه، وهو غير وارد؛ فإن ابن الصلاح صرح في تفصيل رسمه بالتقييد، حيث قال: وما فيه علة قادحة.
فلا انتقاد على الوزير؛ لكن لم يتأمل الأمير في رسم ابن الصلاح، كما نقله عنه.
نعم، والتقييد بذلك هو الواضح السبيل، على منهج الدليل؛ وبه يدخل في الصحيح ما أخرجه بعض أهل الحديث، وهو ما فيه علة غير قادحة، فليس بمانع على رأيهم؛ والعجب من الأمير، حيث قال في التوضيح ما لفظه: تقييده للعلة بالقادحة أخرج منه بعض أفراد الصحيح، وهو ما فيه علة غير قادحة، فإنه غير صحيح عند المحدثين كما عرفت.
فقوله: صحيح باتفاق المحدثين مسلم؛ لكنه غير جامع؛ لخروج بعض أفراد الصحيح عندهم، كما عرفت...إلخ كلامه.
قلت: في كلامه هذا خلل واضح، فأين الاتفاق من المحدثين مع التقييد؟ وهم يشترطون السلامة على الإطلاق، فهو غير صحيح عندهم أصلاً؛ لاشتراطهم عدم العلة مطلقاً، سواء كانت قادحة أم لا؛ فعلى أي وجه يصح التسليم، عند ذي نظر سليم.
فصواب الكلام غير مسلم؛ لأن هذا القيد أدخل في /333

الصحيح ما ليس بصحيح عندهم، وهو ما فيه علة غير قادحة، فيكون عندهم غير مانع؛ ولعله قصد أن هذا الرسم غير جامع لمسمى الصحيح على الرأيين: رأي أهل الفقه، ورأي أهل الحديث، لخروج الصحيح عنه على رأي المحدثين؛ بسبب التقييد للعلة بالقدح، وهم يعتبرون السلامة على الإطلاق، ولكن عبارته لا تؤدي هذا المعنى، ولا وجه لتسليم الاتفاق؛ وإنما المتفق على أنه صحيح ما صدق عليه رسم المحدثين، وهو ما ذكره ابن الصلاح بقوله: أما الحديث الصحيح، فهو: الحديث المسند، الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً، ولا معللاً.
قلت: فيقال: في هذا مسلّم أنه صحيح بالاتفاق، ولكنه غير جامع عند أهل الفقه؛ لخروج ما فيه علة مطلقاً، مع أن ما فيه علة غير قادحة ليس بخارج عندهم، بل هو صحيح؛ وأيضاً لخروج مرسل العدل، الذي لا يرسل إلا عن عدل، فيكون هذا الرسم غير صحيح عند أهل الفقه من الجهتين؛ فتدبر، والله ولي التوفيق.
هذا، والذي يظهر عند التحقيق، أن التقييد للعلة ليس للإخراج، بل هو للإيضاح، وأن كل علّة قادحة عند أهل الاصطلاح؛ وعلى هذا فالاختلاف راجع إلى ما يعلل به، لا إلى وصف العلة، فمن علل بشيء فهو عنده قادح، وهذا هو الوجه الصحيح الواضح؛ وما تقدم وارد على الأمير؛ لتصريحه بالتأثير، وبنائه للخلاف والوفاق، على التقييد والإطلاق.
نعم، قال صارم الدين (ع): والمختار وفاقاً للجمهور إمكان التصحيح في الأزمنة المتأخرة، لمن قويت معرفته؛ خلافاً لابن الصلاح.
قلت: وهذا من جنس مجازفات ابن الصلاح، التي ليس عليها أثارة من علم، ولا رائحة دليل، ولا يتابعه عليها من له مسكة؛ كقوله في أحاديث /334

البخاري ومسلم: إنها متلقاة بالقبول من الأمة، سوى أحرف يسيرة؛ كما سبق.
قال في التنقيح: ولا يجب الاقتصار إلا على رأي ابن الصلاح، وهو مردود.
قال صارم الدين (ع): فإن خولف الراوي في روايته مع القوة، فالراجح هو المحفوظ، والمرجوح هو الشاذ؛ ومع الضعف الراجح هو المعروف، ومقابله هو المنكر.
[الكلام على الشاذ]
قلت: الشاذ لغة: اسم فاعل، والفعل شذ يشذ (بضم الشين وكسرها) شذاً كضرب، وشذوذاً بزنة فعول (مضموم الفاء)، وهو الكثير في مصدر الثلاثي اللازم مفتوح العين؛ والشاذ هو النادر عن الجمهور على ما في القاموس؛ وفي الصحاح: المنفرد عن الجمهور.
واصطلاحاً: اختلف فيه، فنقلوا عن الشافعي ـ رضي الله عنه ـ كما في علوم ابن الصلاح، وتنقيح ابن الوزير، أنه قال: ليس الشاذ أن يروي الثقة ما لايرويه غيره؛ إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس.
قلت: وهذا هو معنى ما فسره به السيد صارم الدين ـ رضي الله عنه ـ إذ المراد بالقوة في كلامه: الثقة، وبالناس في المنقول عن الشافعي: الجنس لا العموم؛ وقد صح إطلاقه على الواحد مع ظهور المراد، كما في قوله ـ عز وجل ـ: {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } [البقرة:199]، وفي قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ }...الآية، [آل عمران:173].
وعلى هذا يكون المراد مخالفة من هو أرجح منه؛ وإلا فلا وجه لنسبة الشذوذ إليه، فينطبق التفسيران، ويتفق القولان؛ وقد نقل معنى ما /335

ذكر عن الشافعي الشريف في الرسالة.
وهذا القول هو الأول، وهو الصحيح في تفسيره.
القول الثاني:
المنقول عن الحاكم، أن الشاذ هو: الذي ينفرد به ثقة، وليس له أصل يتابع ذلك الثقة، وأنه يغاير المعلل من حيث أن المعلل وقف على علته، الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك؛ هذا نقله عنه ابن الصلاح، ومحمد بن إبراهيم الوزير، بنقص يسير.
ونقل الأمير عن بعضهم، أن الحاكم قال: وينقدح في نفس الناقد أنه غلط، ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك، ويشير إلى هذا قوله: ويغاير المعلل، انتهى.
القول الثالث:
المنقول عن أبي يعلى الخليلي القزويني، أنه قال: الذي عليه حفاظ الحديث، أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ، ثقة كان أو غير ثقة؛ فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه، ولا يحتج به؛ نقله عنه الوزير، وابن الصلاح.
إذا عرفت هذا، فقد قيده المؤلف، والشافعي، بقيدين: الثقة، والمخالفة، ووافقهما الحاكم في القيد الأول، وهو: الثقة، وقيده بقيد آخر: لا يوقف عليه.
قال ابن حجر: وهو على هذا أدق من المعلل بكثير؛ فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة...إلخ.
قلت: بل لا يتمكن من الحكم عليه أحد، وكيف يتمكن، والحكم متوقف على الوقوف على علته، وهو لم يوقف فيه على علة، ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك؟
وأما الانقداح في النفس، فإن كان لوجه، فقد وقف فيه على /336

علة، وإن لم يقدر على التعبير، فليس بشرط إلا للبيان، وإلزام الخصم؛ وإن لم، فهو من قبيل الوسواس، الذي لا اعتبار به في الشرع، وهو شبيه بما قيل في الاستحسان على أحد الأقوال؛ ولكنه هنالك قد وقف عليه، ولم يبق إلا التعبير، فالأمر يسير.
وأما هذا، فلم يوقف على بيان، فلم يبق إلا أن يستعاذ فيه بالله ـ تعالى ـ من الشيطان، ويطرحه ويمضي على منهج البرهان.
وأما القول الثالث: فلم يقيده بشيء، فهو أعم مطلقاً، وهو مشكل على القواعد غاية الإشكال، على جميع الأقوال.
أما على ما عند آل محمد (ع)، فمعلوم أنهم يقبلون خبر العدل الضابط، ولا يشترطون هذه الشرائط.
وأما عند أهل الحديث، فقد حكموا بالصحة على ما تفرد به الثقة الضابط، وكتبهم جميعاً كالبخاري ومسلم بذلك مشحونة؛ والصحة تنافي الشذوذ؛ إذ قد شرطوا في الصحيح عدم الشذوذ، كما سبق.
قال ابن الصلاح: أما ما حكم به الشافعي بالشذوذ، فلا إشكال أنه شاذ غير مقبول، وأما ما حكيناه عن غيره، فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث: ((إنما الأعمال بالنيات)).
ثم ساق في مثال ذلك...إلى قوله: فكل هذه مخرجة في الصحيحين، مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد، تفرد به ثقة، وفي غرائب الصحيحين أشباه لذلك غير قليلة.
ثم حكى كلام مسلم في تفرد الزهري، وقد سبق كلامه.
قال: فهذا الذي ذكرناه، وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق، الذي أتى به الخليلي، والحاكم.
قلت: أما الخليلي، فنعم.
وأما الحاكم، فلم يطلق، لكنه قيده بقيد لا يوقف عليه، فليس إلا بينه وبين /337

نفسه؛ فالانتقاد على ابن الصلاح في خلط الرد عليهما، ونسبته الإطلاق إليهما، من هذه الجهة.
وأما قول الأمير: فهذا رد على الخليلي.
وأما الحاكم: فإنه ليس في كلامه أنه يقبل أو لايقبل، بل ذكر معناه، ولم يذكر حكمه، فما أدري ما وجه إيراد ابن الصلاح لذلك عليه، وتلقي الزين، ثم المصنف، لما أورده عليه، بالقبول؛ فليتأمل؛ فعجيب!.
ونقول: قد تأملنا، فوجدنا كلامك غير مصيب، فكلام الحاكم في بيان الشاذ، وقد حكم على ما ذكره بالشذوذ، والشاذ عنده وعندهم غير مقبول؛ وإنما الخلاف في تعريفه، ومتى ثبت فالحكم فيه عند الجميع معلوم غير مجهول؛ ولم أنتقد فيما لا ثمرة فيه، نحو: قوله في أول الباب في تعريف الشاذ: هو: لغة: الانفراد؛ فعرف اسم الفاعل بالمصدر، وحمله عليه، وهو لا يصح عند ذوي النظر؛ ومع هذا فالأفهام سهام، تخطئ وتصيب.
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها؟ .... كفى المرء نبلاً أن تعد معائبه
ولم أورد ـ والحمد لله تعالى ـ شيئاً إلا ما فيه نفع في المقصود، وفائدة للمطلع لمقصد ـ بفضل الله تعالى ـ صالح، وغرض صحيح؛ ولم أبالغ رعاية لمنصب هذين العالمين، الذين جعلا أقصى مرامهما الانتقاد، حتى طرقا السبيل لمن جرى ذلك المجرى إلى هذه الغاية؛ والمعامل الله سبحانه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
[بيان أن التفرد غير قادح]
ونرجع إلى تمام كلام ابن الصلاح.
قال: بل الأمر في ذلك على تفصيل نبينه، فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء، نظر فيه؛ فإن كان مخالفاً لما رواه من هو أحفظ منه لذلك وأضبط، كان ما تفرد /338

به شاذاً مردوداً.
وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو، ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المنفرد؛ فإن كان عدلاً ضابطاً موثوقاً بإتقانه وضبطه، قُبل ما انفرد به، ولم يقدح الانفراد فيه.
وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به، فإن انفراده به خارماً له، مزحزحاً عن حيز الصحيح.
قلت: هكذا في كتابه بنصب خبر إن وهو شاذ، وقد استشهد له بورود شيء قليل، متأول في كتب النحو، وفي التنقيح نقلاً عنه: كان انفراده به...إلخ.
وعن مرتبة الصحيح، قال ابن الصلاح: وهو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوته، بحسب الحال فيه.
فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده، استحسنّا حديثه ذلك، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف.
وإن كان بعيداً من ذلك، رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر.
فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان:
أحدهما: الحديث الفرد المخالف.
والثاني: الفرد، الذي ليس في راويه من الثقة والضبط، ما يقع جابراً لما يوجبه التفرد والشذوذ، من النكارة والضعف؛ والله أعلم.
قلت: وقد أطال في تفصيله، ولم يزد في الشاذ على معنى كلام الشافعي السابق، وهو المخالف.
وأما غير المخالف:
فالأول منه: صحيح غريب.
والثاني: حسن لذاته غريب.
والثالث: ضعيف.
فإن وجد ما يقويه، فهو حسن لغيره، وقد أتى بمعنى هذا الأمير في التوضيح؛ وهو صحيح. /339

قال الوزير في التنقيح: أما من تفرد عن العالم الحريص على نشر ما عنده من الحديث وتدوينه، ولذلك العالم كتب معروفة، وقد قيد حديثه فيها؛ وتلاميذه حفاظ، حراص على ضبط حديثه وكتبه، حفظاً، وكتابة؛ فكلام المحدثين معقول ـ قلت: أي كلام الرادين بالتفرد.
قال:ـ لأن شذوذه ريبة، قد توجب زوال الظن، على حسب القرائن؛ وهو موضع اجتهاد.
وأما من شذ ـ قلت: أي الشذوذ اللغوي.
قال:ـ بحديث عمن ليس كذلك، فلا يلزم رده؛ وإن كان دون الحديث المشهور في القوة، وإلا لزم قول أبي علي الجبائي: إنه لا يقبل إلا اثنان؛ وكان يلزم أيضاً في الصحابي إذا انفرد عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وقول ابن الصلاح: إن التفصيل الذي أورده هو الأولى.
قلت: فيه تسامح، فلم يصرح بها اللفظ، لكنه يفهم من قوله، كما ذكر في التوضيح.
قال الوزير: فيه سؤال، وهو: أن يقال: تريد أن مذهبك هو الأولى، فذلك صحيح، وهو مذهب حسن؛ أو تريد أن ذلك مذهب أئمة الحديث، فيحتاج إلى نقل.
إلى قوله: والظاهر أن ابن الصلاح لا يخالف في صدور ذلك ـ قلت: أي قول الخليلي، قال:ـ عن كثير؛ ولهذا قال في نوع المنكر ما لفظه: وإطلاق الحكم على التفرد بالرد والنكارة والشذوذ، موجود في كلام كثير من أهل الحديث؛ والصواب أن فيه التفصيل الذي بيناه.
قلت: المختار ما ذكره صارم الدين (ع)؛ لأنه وإن كان العالم وكتبه وتلاميذه على ما ذكره، فليس بممتنع أن ينفرد عنه، ولا موجب لرد خبر الثقة /340

الحافظ، الذي ورد الشرع بقبول خبره؛ لمجرد الأوهام والشكوك.
وكان يلزمه في خبر الصحابي؛ لأن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حاله فوق جميع أحوال الخلق في النشر والإبلاغ، وحال الصحابة الملازمين له المتبعين لهديه أبلغ حال؛ وإن لم يكن لهم كتب في السنة، فحفظهم أعظم من كتب أولئك الرجال، فليس لما ذكره مساغ.
قال: فثبت بهذا أن قدح المحدثين في الحديث بالشذوذ والنكارة مشكل.
قلت: أي قدحهم بسبب التفرد كما تقدم، ويفيده السياق.
قال: وأكثره ضعيف، إلا ما تبين فيه سبب النكارة والشذوذ، وقد يقع منهم في موضعين:
أحدهما: القدح في الحديث نفسه.
وثانيهما: القدح في راوي الشواذ والمناكير.
[انتقاد على المحدثين]
فإذا ثبت بنقل الثقة عن الحافظ أنهم يعيبون تفرد الثقة بالحديث، وإن لم يخالف غيره، فقد زادوا على الجبائي؛ فإنه اشترط أن يكون الحديث مروياً عن اثنين، ولم يقدح في الثقة الواحد إذا روى، بل وقف في قبول حديثه، حتى يرويه معه آخر، وهذا غلو منكر؛ وقد جرحوا كثيراً من أهل العلم بذلك، وما على الحفاظ إن حفظوا، وينسى غيرهم.
قلت: الحمد لله على موافقة الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير على الحق والإنصاف، وإفصاحه بما عليه أغلبهم من الحيف والاعتساف؛ وذلك أنه لم يكن حال جدال وخصام، وإلا فهو لا يزال يذب عنهم ويرد بكل ممكن في مقامات المنازعة والإلزام؛ وهكذا الحق يحمل على التصريح به بالرغم، وإن /341

89 / 143
ع
En
A+
A-