الأمارات الظنية، واختلاف الأنظار في المآخذ الاجتهادية، وهو خلاف النصوص القرآنية، ومعلوم السنة النبوية، وإجماع من يعتد به من الأمة المحمدية.
ثالثاً: أن هذه الأصول مما تتوفر الدواعي إلى نقلها، كما قرر في الأصول.
قال (ع): خلافاً لبعض المحدثين، والبكرية؛ وإن خالفهما، رُدّ، إلا أن يمكن تأويله؛ واتفقوا على وجوب العمل به في الفتوى والشهادة؛ فإن رواه فوق اثنين، فهو المشهور، والمستفيض، والاثنان فهو العزيز، أو الواحد فهو الغريب؛ فإن لم يوافقه غيره، فهو الفرد المطلق، كخبر مس الذكر، وإلا فهو الفرد النسبي؛ فإن وافقه غيره فهو المتابع، وإن وجد متن يشبهه فهو الشاهد؛ وتتبع الطرق لذلك هو الاعتبار.
قلت: ولهم في تفصيل هذه الأقسام ونحوها، وتحصيلها، كلام طويل، وحصول النفع بالاشتغال به والتكثير منه قليل، بعد معرفة ما سبق من المردود والمقبول، وما يفيد منها قوة أو ضعفاً، أو يحتاج إليه عند الترجيح، لا يخفى على ذي بصيرة كما هو محقق في الأصول؛ وهي في موضوعاتهم قريبة الانتوال، كثيرة الأمثال؛ وقد أصاب المؤلف ـ رضي الله عنه ـ في عدم توسيع الدائرة في ذلك، فلنعد إلى سياق ما هنالك.
[ذكر الصحيح والحسن]
قال (ع): ثم الصحيح من الآحادي عند من لايقبل المرسل: ما نقله مكلف، عدل، تام الضبط، متصل السند، غير معلّ بعلّة قادحة.
والصحيح عند قابله: ما نقله مكلف، عدل، غير مغفَّل، ولا قابل /322

لمجهول أو نحوه، بصيغة الجزم.
قلت: قوله: (مكلف) مستدرك لإغناء عدل عنه؛ ونحو المجهول: كثير الخطأ، والمجروح؛ ولابد في الأول بعد متصل السند من زيادة (بمثله) أو نحو ذلك، وصيغة الجزم نحو: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؛ والمراد ما يدل على عدم التردد في الرواية.
قال: والظاهر في صيغتي التمريض والبلاغ ونحوهما الإرسال.
قلت: صيغة التمريض: نحو روي، وذُكِرَ مغير الصيغة، والبلاغ: نحو بلغنا ونحوهما: كنقل، وغير ذلك، مما يفيد عدم الاتصال.
قال: ويتفاوت الصحيح بتفاوت صفاته؛ ومن ثم قدم جمهور أصحابنا أحاديث الأمالي، والجامعين.
قلت: هما المنتخب، والأحكام، لإمام الأئمة (ع).
قال: فإن خف الضبط، وكان له من جنسه تابع أو شاهد، فهو الحسن، وأدلة قبول الآحاد تشمله، وإن انفرد عند أئمتنا والجمهور خلافاً للبخاري، وإن توبع.
قلت: هذا قول البخاري، وأما عمله في كتابه، فقد تقدم ما فيه كفاية.
هذا، والبخاري هو: أبو عبدالله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة؛ كان المغيرة مجوسياً على دين قومه، أسلم على يد اليمان الجعفي ببخارى، فنسب إليه للولاء.
وأما ولده إبراهيم فلم يوقف على شيء من أخباره، هكذا أفاده ابن حجر؛ وقد تقدم ذكر وفاته، ووفاة مسلم، في سند أمالي الإمام أحمد بن عيسى، عند ذكر محمد بن منصور المرادي، في معرض كلام اقتضاه ذلك البحث.
نعم، فصاحب البيت أدرى بالذي فيه؛ فهل يغتر بصنيعهم إلا من ليس له لب أو أعمى البصيرة، أو أغلف القلب؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ وسيعلم/323

الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
قوله: (وإن توبع) قد تقدمت الإشارة في كلامه إلى معنى المتابعة، والمشاهدة، والاعتبار؛ ولا بأس بزيادة إيضاح معانيها؛ لكونها طريقاً إلى الترجيح، ومسلكاً إلى التقوية والتضعيف، ولكثرة تداولها في عبارات أهل التأليف.
فالمتابعة: أن يشارك الراوي غيره في رواية الخبر عن شيخه، وهذه متابعة تامة.
فإن لم يوجد إلا من يشاركه عن شيخ شيخه، أو من فوقه إلى الصحابي، فمتابعة ناقصة؛ وقد تسمى شاهداً.
فإن لم يوجد من يرويه عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلا عن غير ذلك الصحابي الذي رواه عنه، فهي الشاهد؛ فإن كانت بلفظه، فشاهد باللفظ، أو بمعناه، فشاهد بالمعنى.
فإن لم يوجد متابع ولا شاهد، فالخبر من الأفراد، والنظر في وجود التابع أو الشاهد هو الاعتبار.
ونرجع إلى تمام كلام صارم الإسلام.
قال (ع): وبكثرة طرقه ـ قلت: يعني الحسن الذي تقدم قال:ـ يصح عند المجتهد.
قلت: اعلم أنهم اختلفوا في حقيقة الحسن، وفي ما حصلوه من كلام الترمذي على اضطرابه، وكلام غيره على اختلافه، فقال ابن الصلاح: وقد أمعنت النظر في ذلك البحث، جامعاً بين أطراف كلامهم، ملاحظاً مواقع استعمالهم، فتنقح لي واتضح، أن الحديث الحسن قسمان:
أحدهما: الحديث الذي لايخلو رجال إسناده من مستور.
قلت: فسروا المستور بتفاسير، قيل: من روى عنه أكثر من واحد، ولم /324

يوثق، وقيل: الذي لم تتحقق عدالته ولا جرحه، وقيل: من نقل فيه جرح وتعديل، ولم يترجح أحدهما.
قال ابن الصلاح في تمام الحد: لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ فيما يرويه.
قلت: قال في الديباج المذْهب للحنفي، وهو شرح رسالة الشريف الجرجاني: ولعله لو اكتفى بمستور لكفى؛ لأنه لو كان مغفلاً ـ أي منسوباً إلى الغفلة ـ لم يكن مستوراً، بل مجروحاً بوجه.
قال ابن الصلاح: ولا هو متهم بالكذب في الحديث، ولا بسبب آخر مفسق، ويكون متن الحديث قد عرف، بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر.
قلت: أفاد في الديباج أن المثْل: يستعمل في الموافق في اللفظ والمعنى، والنحو: في الموافق في المعنى، فقط.
قال ابن الصلاح: حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من شاهد، وهو ورود حديث آخر بنحوه؛ فيخرج بذلك عن أن يكون شاذاً أو منكراً، وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل.
قلت: قال في الديباج: أورد عليه الضعيف، والمنقطع، والمرسل مثلاً؛ تدبر.
قلت: وقد أجيب بأنه يلتزم دخول ذلك في الحسن، على مقتضى كلام الترمذي، بالشرط الذي ذكره من روايته من وجه آخر...إلخ.
وقد ساق في التنقيح كلام ابن الصلاح هذا، وفيه مخالفة يسيرة، وأنا أعتمد نقله من أصل كتابه.
قال في التوضيح: قال الحافظ ابن حجر: إن المعرف عند الترمذي هو حديث المستور.
قال الأمير: ولا يعده أهل الحديث من قبيل الحسن، وليس هو في التحقيق عند الترمذي مقصوراً على رواية المستور، بل يشترك فيه الضعيف؛ /325

بسبب سوء الحفظ، والموصوف بالخطأ والغلط، وحديث المختلط بعد اختلاطه، والمدلس إذا عنعن، وما في إسناده انقطاع خفيف؛ فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة، وهي: أن لايكون فيهم من يتهم بالكذب، ولا يكون الإسناد شاذاً، وأن يروى ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعداً.
قلت: ليس عنده إلا شرطان فقط؛ إذ روايته من وجه آخر...إلخ، تخرجه عن كونه شاذاً، أو منكراً، كما تقدم.
قال ابن الصلاح: القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح؛ لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكراً؛ ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذاً أو منكراً سلامة الحديث من أن يكون معللاً.
وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي.
قال: وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن، وذكر الخطابي النوع الآخر، مقتصراً كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل، معرضاً عما رأى أنه لايشكل، أو أنه غفل عن البعض وذهل. انتهى كلامه.
قلت: والأول يسمى عندهم الحسن لغيره، والثاني الحسن لذاته؛ وهذا القسم الثاني هو الذي عرفه ابن حجر.
قال الأمير: ومثله صنع المصنف في مختصره.
قلت: بل تعريفه هو تعريف السيد صارم الدين (ع)، وهو مخالف للجميع؛ لأنه اشترط مع خفة الضبط أن يكون له من جنسه تابع أو شاهد؛ فقد وافقهم في عدم الفرق بينه وبين الصحيح إلا بخفة الضبط، وخالفهم في الشرط هذا؛ فإنهم لم يشرطوا التابع أو الشاهد إلا في القسم الأول، /326

وهذا اصطلاح وبابه واسع؛ ولا يسلم للأمير ما أورده عليه من أنه بصدد اصطلاحهم.
نعم، قال الأمير في التوضيح: ورسم الحسن بأنه ما اتصل سنده برواية من خف ضبطه...إلى آخره؛ فقيد الضبط قد أخذ في الرسمين، أي: رسم الصحيح، ورسم الحسن؛ وإنما اختلفت صفة خفته وخلافها، فقد تغايرا تغاير الخاص والعام؛ فكل صحيح حسن وزيادة، كما أن كل إنسان حيوان وزيادة...إلخ كلامه.
قلت: هذا خبط عظيم، وسهو عجيب، لايخفى على لبيب، بل تباينا تباين الفرس والإنسان؛ لانفراد كل واحد بفصل مناف للآخر؛ لأن شرط الصحيح تمام الضبط، كما صرحوا وصرح به، وشرط الحسن خفته؛ فكيف يجتمعان، ويوصف شيء واحد من جهة واحدة بالتمام والنقصان؟ هذا خلف من القول؛ وفيه من جنس هذا كثير قد علقت على بعضه في التوضيح، والله ولي التوفيق.
قال ابن الصلاح: ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن، ويجعله مندرجاً في أنواع الصحيح؛ لاندراجه في أنواع ما يحتج به.
قال: وهو الظاهر من تصرفات الحاكم.
قلت: ولا يخفى ما في هذه الرسوم من الانتقادات، والإحالات على المجهولات؛ ولا حاجة بنا إلى الإطناب، فهي لاتخفى على أولي الألباب.
قال السيد صارم الدين (ع): وما لم يجتمع فيه صفات أيهما.
قلت: أي الصحيح، والحسن.
قال: فهو الضعيف.
قلت: هكذا اتفقت عليه رسومهم؛ وقد أنهى أقسامه بعضهم إلى اثنين وأربعين، /327

وبعضهم إلى تسعة وأربعين قسماً، فصلها في التنقيح، وغيره.
[بحث في قول الترمذي: حسن صحيح]
قال صارم الدين (ع): فإن وصف الحديث بالصحة والحسن معاً، فقيل: باعتبار إسنادين.
قلت: وقد أورد عليه أن الترمذي يقول: هذا حديث حسن صحيح، لانعرفه إلا من هذا الوجه.
وأجيب: بأنه أراد لا نعرفه بذلك اللفظ، وقد ورد معناه بإسناد آخر؛ أو لانعرفه حسناً إلا من هذا الوجه، ومن غيره صحيحاً غريباً أو نحوه؛ أو يريد لا يعرف عن ذلك الصحابي، وله إسناد آخر عن صحابي آخر.
هذا حاصل ما ذكروه.
قال: وقيل باعتبار اللغة والعرف.
قلت: فيكون حسناً لغةً، وهو ما تميل النفس إليه، ويستحسن صحيحاً اصطلاحاً، ولا تنافي إلا أنه بعيد عن مقاصدهم؛ كذا أفادوه.
قال: وقيل: غير ذلك، منها: أنه صحيح في إسناده ومتنه، حسن في الاحتجاج به، ويكون هذا الحسن هو الحسن اللغوي؛ وهذا لمحمد بن إبراهيم الوزير.
قال في التنقيح: وهذا الجواب عندي أرجحها؛ لأنه لايرد عليه شيء من الإشكالات.
قلت: قد أورد عليه الأمير في التوضيح إيرادات ركيكة، منها: أن الحسن اللغوي ما تميل إليه النفس، ولا يأباه القلب، وهو صفة اللفظ، وليس من مدلولها الاحتجاج به.
قلت: وهذا غير صحيح، فإن الحسن اللغوي أعمّ من ذلك؛ فهو يطلق /328

على ما حسن من كل شيء، كما نص عليه أهل اللغة، فتستوي فيه الألفاظ والمعاني وغيرها قطعاً، فلا وجه لتخصيصه لغة ولا شرعاً؛ ومنع إطلاقه على الاحتجاج، غفلة أو لجاج؛ وبقية إيراداته على هذا المنهاج.
وأتى في الديباج بوجه آخر حاصله: أنه للاختلاف بين أهل الحديث في ناقله، فهو عند بعض ظاهر العدالة، تام الضبط؛ فهو على رأيه صحيح.
وعند بعض خفيف الضبط والعدالة، فهو عنده حسن؛ فأشار بذلك إلى المذهبين.
قلت: وهذا وجه حسن صحيح، ولا مانع، وكلها محتمل؛ والعمدة على ما عند صاحب الإطلاق في الواقع؛ وعلى كل حال، فلا مجال لصاحب الإطلاق من الإخلال، فما كان ينبغي له أن يستعمله مع ظهور التدافع من غير تبيين للمقصود؛ لما فيه من الإلغاز والإجمال.
نعم، قال السيد صارم الدين (ع): وإن وصف بالغرابة، والحسن، فباعتبار حال الإسناد؛ مثل: أن يسند الحديث غير واحد بإسناد حسن إلى آخر الحفاظ، لكن ذلك الحافظ، ومن فوقه تفرد به؛ فهو عنه إلى أسفل حسن غير غريب، ومنه إلى فوق حسن غريب.
قلت: قد تقدم له تعريف الغريب، والعزيز، والمشهور، والمتواتر، وهذه الأربعة أقسام الأخبار.
وأما المستفيض، فهو عنده وعند بعض أهل الحديث مرادف للمشهور، على ما سبق؛ وعند بعضهم فيه كلام آخر وسيأتي.
فالغريب والعزيز من الآحاد، والمشهور أعمّ، والثلاثة الأقسام تدخلها الثلاثة الأنواع: الصحة، والحسن، والضعف كما سيتضح ـ إن شاء الله ـ ولا بأس بزيادة الإيضاح؛ لبيان الاصطلاح. /329

[الكلام على الحديث الغريب]
فأقول والله ولي التوفيق:
القسم الأول: الغريب.
وهو: لغة: صفة مشبهة، مشتقة من الغرابة والغربة، ومعناهما: البعد والانفراد، فهو البعيد والمنفرد.
واصطلاحاً: ما انفرد بروايته كله أو بعضه واحد.
قال ابن الصلاح: وكذا الحديث الذي تفرد فيه بعضهم بأمر لا يذكر فيه غيره، إما في متنه، وإما في إسناده.
وقال الشريف الجرجاني: والغريب إما صحيح كالأفراد المخرجة في الصحيح.
وغير صحيح، وهو الأغلب.
والغريب أيضاً، إما غريب متناً وإسناداً، وهو: ما انفرد برواية متنه؛ أو إسناداً لامتناً، كحديث يعرف متنه عن جماعة من الصحابة، إذا انفرد واحد بروايته عن صحابي آخر، ومنه قول الترمذي: (غريب) من هذا الوجه؛ ولا يوجد ما هو غريب متناً لا إسناداً، إلا إذا اشتهر الحديث الفرد، فرواه عمن تفرد به جماعة كثيرة، فإنه يصير غريباً مشهوراً.
قلت: يكون غريباً باعتبار طرفه الأول، وهو رواية المتفرد به؛ ومشهوراً باعتبار طرفه الآخر، وهو رواية الجماعة عنه؛ وقد مثلوا لهذا بحديث: ((إنما الأعمال بالنيات))، رواه كل واحد من الستة: البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، بسنده إلى يحيى بن سعيد الأنصاري ـ وليس القطان، الذي تكلم في الصادق (ع) ـ عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر بن الخطاب.
قلت: وقد صحّ معناه برواية أئمتنا (ع)، وقد تقدم، والكتاب العزيز يشهد له: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [البينة:5]، ولا يمكن /330

الإخلاص إلا بنية.
نعم، ويطلق على كتب هؤلاء (الصحاح)، قالوا: تغليباً، وإلا فلم يلتزم الصحة إلا البخاري، ومسلم؛ وبعضهم يجعل مكان ابن ماجه موطأ مالك، ويقال لهم: الستة والجماعة؛ وهذا عارض.
نعم، قال ابن الصلاح بعد إيراده، وسياقه لهذا الخبر وغيره ما لفظه: وكل هذه مخرجة في الصحيحين، مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد.
إلى قوله: وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة، وقد قال مسلم بن الحجاج: للزهري نحو تسعين حرفاً، يرويه عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لا يشاركه فيها أحد.
قلت: وهكذا كلامهم جميعاً، وفيه رد على من قدح في رواية بعض أعلام الشيعة بالتفرد، مع وضوح العذر له، بما هو معلوم للأمة؛ وهذا صحيحهم، بل أصح كتبهم عند جمهورهم، كتاب البخاري غريب متفرد به، انتهت رواياتهم جميعاً له إلى الفربري، واعتذر بعذر يقرب من المستحيل عادة، وهذا معلوم، ولكن التعصب لا حيلة فيه.
هذا، ويطلق الغريب على ما في متون الأحاديث، من الألفاظ، التي معانيها خفية على من لا ممارسة لهم في اللغة، والبحث عنها في علم العربية؛ وقد صنف في غريب الحديث مصنفات مبسوطات.
[الكلام على الحديث العزيز]
القسم الثاني: العزيز.
وفعله عَزّ يعز (بالكسر) عزاً وعزة وعزازة: صار عزيزاً، وبمعنى: قوي، وبمعنى: قل. ويعز (بالفتح) إذا اشتد، وقياسه: أن تكون عين الماضي مكسورة كشرب؛ إذ ليس عينه أو لامه حلقياً كسأل ومنع، حتى يجوز فتح العين في /331

88 / 143
ع
En
A+
A-