وقصدهما ـ صلوات الله عليهما ـ إلقاء الحكمة؛ فهو من باب قوله:
نحن أدرى ـ وقد سألنا ـ بنجدٍ .... أقصير طريقه أم طويلُ؟
وكثير من السؤال اشتياق .... وكثير من رده تعليلُ
وقوله:
في كل يوم أستفيد تجارباً .... كم عالم بالشيء وهو يسائلُ
(رجع): صف لي الإخلاص.
قال العالم: الإخلاص مثل نور الشمس، أدنى غيم أو غبار يكدر من ضوئها قدر ذلك الغبار؛ إن كان رياءً محضاً أظلمت، وإن كان مشوباً بغرض دنيوي، أو تعجيل منفعة، كان ذلك على قدر ذلك؛ فافهم، فمن كان لله أخوف فهو به أعرف.
ومن هاهنا أفرغ القلم؛ فهذا ما انتهى إلي من جواهر حكمته في هذا الفصل؛ أسأل الله بذاته العظمى، وأسمائه الحسنى، أن ينفعنا بما علمنا وعرفنا، ولاجعله حجة علينا.
في بعض كتب الحكمة: إذا كان يوم القيامة، قامت كلمة الحكمة بين يدي الله ـ تعالى ـ وتقول: يارب، أنصفني من هذا، وقف عليّ، ولم يعمل بي.
اللهم احملنا على عفوك، ولاتحملنا على عدلك.
قلت: وأنا أقول حامداً لله ـ تعالى ـ على جلاله، ومصلياً ومسلماً على محمد وآله، متوسلاً إليه ـ تعالى ـ بما توسل، سائلاً له ـ جل وعلا ـ ما سأل.
أرباه أرجوكَ فيما رجا .... إلهي فحقق رجا سائليك
[من مكارم أخلاقه]
قال في الفصل السادس، في مكارم أخلاقه، وتحمله لمشاق إخوانه: ومنها: أنه جدد العزم والنية، وارتحل إلى مكة والحجاز، في تحمل مشقة السفر العظيم، في سبب دَيْن علق في ذمة بعض خواص إخوانه، فشمر لله - تعالى - /190
وصِلَة لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، ولأخيه السيد الهادي بن علي بن حمزة، وهو زهاء مائة وخمسين قفلة؛ فوصل إلى مكة المشرفة، وجمعها من حيث أراده الله، وسار بها بنفسه إلى الصفراء، وينبع؛ وسلم دين أخيه، واستبرأ من ورثة عدة، وكتب إلى أخيه: بأني قد قبلت لك، وقضيت عنك، وسلمت ما عليك إلى أرباب الدين، وحصلت لك البراءة التامة، وعليها حكم الحاكم، وشهادة الشهود.
جعل الله هذه الصلة من أثقل ما يجد في ميزانه، وأعاد من بركاته على كافة إخوانه.
قال: ومن مكارم أخلاقه المبرورة، وسجاياه المشكورة، أنه كتب إلى بعض موِدّيه من مكة المشرفة.
قلت: المكتوب إليه المؤلف السيد الإمام الرباني، يحيى بن المهدي (ع)، وانظر إلى تواضع أولياء الله لآل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مع أن إبراهيم شيخه، ومربيه ـ رضوان الله عليهم ـ.
قال: نسخته: حسبي ربي وكفى، ونعم الوكيل؛ وصلّ يارب على محمد وآله وسلم يا إلهي؛ أفقر الفقراء إلى الملك الأعلى، محبة بلسانه وجنانه، المؤمل أن يُقَبِّل تراب أخمص نعليه، وما ذاك على ربي بعزيز ـ إبراهيم بن أحمد ـ أما بعد: فإني أحمد الله، الذي لا إله إلا هو، حمداً كثيراً مباركاً فيه؛ وصلني كتابك فشفاني، وسكن اشتغالي بك، فليس في قلبي أقدم منك كما يعلم ربي؛ وكذا من رحمة الله تزوره آناء الليل وأطراف النهار، أخونا وحبيبنا، سعيد بن منصور الحجي؛ فلقد أوحش علي اليمن بعده، ومَضَّني فراقه، وسرني هذه الوفاة التي حصلت له على الإقبال إلى الآخرة، كان من الأفاضل المقربين، ومن خيرة الأولياء والصالحين، جمع الله ـ تعالى ـ بيننا وبينه حيث لا افتراق بعده.
تعلم أن أحوالي جميلة، غاية ما يكون من أمور الدنيا /191
والآخرة، ما أعتقد يحصل لي خير إلا من دعائك ودعاء أختي مريم، كان خاطرها معي، فرحم الله مريم، وأصلح أمورنا الجميع، بمحمد وآله.
قلت: هي أخت عابد اليمن، الفاضلة العابدة، مريم بنت أحمد الكينعي ـ رضوان الله عليهم ـ.
قال: وتعلم أن لي في مكة المشرفة أربعة مواضع، كلها أشاهد فيها البيت العتيق؛ ومن ألطاف الله الجميلة معرفتي بهذا السيد العالم، محمد بن علي التجيبي الحسيني ـ حسن الله تعالى به حال دنياي وآخرتي ـ وكنت في جنب علمه في علم المعاملة، كمثل أهل شعوب في جنب عالم حاز علم الشريعة، وعلم الحقيقة؛ شاب حدث، تأتيه الفتوح من البلاد، وما عليه إلا مرقعة للحر والبرد، وله تصانيف في علم الشريعة، وعلم الطريقة، وله فضائل جمة؛ وقد كتب إليك وواخيته لك، وصدر لك بسجادة ومسبحة، وهو رجل زادني به الله هدىً ونوراً، وبهجةً وحبوراً؛ والفقيه علي بن أبي القاسم الشقيف ناظم لأموري، معيناً لي؛ فجزاهم الله عني خيراً؛ والشريفة المفضلة والدتك.
قلت: هي الشريفة الطاهرة، جوهرة النبوة الفاخرة، ابنة الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة، أم السيد الولي يحيى بن المهدي (ع).
قال: والسيد الولي صنوك.
قلت: هو السيد الإمام أحمد بن المهدي، أخو عماد الإسلام المؤلف.
قال: والسيد الحبيب ولدك عبدالله.
قلت: هو السيد الإمام، حافظ علوم العترة الكرام، أبو العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي (ع).
قال: وكافة الأحباب والأصحاب؛ الله يتحفهم بأشرف السلام، وأزكى التحية والإكرام.
[مودة الكينعي لأهل البيت(ع)]
قال السيد الإمام، عماد الإسلام (ع): واستخرت الله تعالى، /192
وذكرت لمعة شافية، وسحابة بالبركات هامية، في مودته لآل محمد جملة، وفي الإمامين الأكرمين، الذين أحيا الله بهما دينه، وأعلى رسمه، وطمس بحميد سعيهما رسوم الجاحدين، ومآثر الفاسقين، وسنن المجرمين، وعتاة الظالمين: المولى الإمام المهدي، لدين الله العلي، علي بن محمد بن علي بن الهادي لدين الله ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وولده الإمام الناصر لدين الله، أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، رحمة الله الشاملة على البلاد والعباد، ونقمته على الملاحدة الباطنية وذوي العناد، صلاح الأمة، وكاشف الغمة، محمد بن علي بن محمد؛ توّجهما الله تعالى بتاج الكرامة، وأحلهما دار الأمن والسلامة، مع النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وجزاهما عن الإسلام خيراً، وعن المسلمين ثواباً جزيلاً، وأعاد من بركتهما على العارف والسامع والمبلغ، وصلى الله عليهما وعلى آبائهما، بأفضل الصلاة والسلام، وأزكى التحية والإكرام، وفي حلية إخوانه المذكورين، وفضلاء دهره من العلماء والصالحين؛ لنفوز بحبهم، ونتبرك بذكرهم ـ إن شاء الله تعالى ـ.
ثم ساق في فضل أهل البيت (ع)، وقد تقدم ما فيه الكفاية إن شاء الله تعالى.
قال: وكان إبراهيم الكينعي يحب أهل البيت محبة ظاهرة، لايتقدمهم في قول ولا عمل، ويقول: يهنيكم يا آل محمد الشرف العلي في الدنيا والآخرة.
وأروي عنه خبراً يسنده إلى رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((لاتزول قدمُ عبد على الصراط حتى يسأله الله عن أربع: شبابه فيم أبلاه؟ وعمره فيم أفناه؟ وماله من أين اكتسبه وفيم وضعه؟ وعن حبنا أهل البيت؟)) /193
- قلت: وقد تقدّم -.
وكان رحمه الله يستبرئ ممن عرف من أهل البيت، ويقول: لسنا نقوم لكم بحق يا آل محمد، فأحلوا علينا، مع أنه كان الحفي بآل محمد؛ ما علمت أنه دخل عليه شريف إلا يقف بين يديه وقفة العبد الذليل المطرق ـ جزاه الله عن آل محمد خيراً ـ وكان ينهى إخوانه عن الصلاة البتراء.
...إلى قوله: وكذا يصلي، ويهدي ثوابها إلى الأئمة السابقين، من علي (ع) إلى يومنا هذا في الأغلب، في كل يوم وليلة من الصلوات، وختم القرآن الكريم، ويقول ـ رحمه الله ـ: أفعل ذلك لعل الله ـ تعالى ـ يقبله مني ببركاتهم وأسرارهم.
قال: وأما فضل الإمام المهدي لدين الله، علي بن محمد بن علي بن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ومودته فيه، ففضله ظاهر كظهور الشمس، وفضائله ـ أعاد الله من بركاته ـ تروى من غير لبس، جمع (ع) علوم الاجتهاد في سنين يسيرة، وحاز خصال الإمامة من بلوغ درجة الاجتهاد في العلوم كلها، ومكارم الأخلاق، التي لم يسبقه إليها أحد، التي فاقت وراقت؛ والكرم الذي عمّ واشتهر، وحسن التدبير، والسكينة والوقار.
[من صلة الإخوان في الإمام يحيى بن حمزة (ع) وأولاده]
فلما توفي الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أكسفت شمس العلوم والبركات، على كافة المسلمين.
ثم ساق في فضل الإمام يحيى (ع).
قال: وكان زاهداً في الدنيا، كان تحته بساط خلق، فقيل له: لو اتخذت بساطاً جديداً؟
فقال: لو شئت أن يكون بساطي من ذهب وحرير لفعلت؛ ولكن لنا برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أسوة، جهز ابنته سيدة نساء العالمين، ابنة سيد المرسلين، زوجة سيد الوصيين، بوسادة من أَدَم، حشوها ليف، /194
وإهاب كبش.
قال: وكان له ـ أي الإمام يحيى (ع) ـ سبعة أولاد علماء، حلماء، كرماء، عبّاد، زهاد، مجاهدون.
عبدالله الكبير، حاز شروط الإمامة كلها، وله وقعات، وملاحم في حرب الباطنية بصنعاء، وغيرها.
ومحمد عالم، فاضل، فائق الكرم، جامع لخصال الشرف، تحمّل مشقة هجرتهم حوث، وكان العلماء والدرسة في بيته إلى قدر الخمسين أو الستين، ومن الضيف إلى قدر ذلك وأكثر.
وإدريس كان عالماً، فصيحاً، شجاعاً، له ملاحم.
وحسين كان فاضلاً، حاز خصال الكمال برمتها، وله جهاد عظيم، وكان له كرامات، وبركات تروى.
وأحمد كان عالماً، فاضلاً، زاهداً، عابداً، متواضعاً، متحنناً على المسلمين.
والهادي كان عالماً، فاضلاً، خرج من ماله كله، ولبس الخشن من الصوف، وانتعل المخصوف، وللهادي عشرة أولاد علماء، حلماء، فضلاء، كرماء.
[في نبذة من الفضلاء حفُّوا بالإمام المهدي علي بن محمد (ع)]
والمهدي كان عالماً، فاضلاً، زاهداً، عابداً؛ سمعت حي الإمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر (ع)، قال: أولاد الإمام يحيى بن حمزة سادات السادات، بهم إلى الله تستنزل البركات.
قال: فلما توفي الإمام المؤيد بالله أظلمت الأقطار، وارتاعت الأمصار، واجتمع علماء صعدة، وعلماء ظفار، وعلماء حوث، وعلماء مدحج، إلى قدر ثلاث مائة، أو يزيدون، وقعدوا يطلبون الإمام المهدي (ع) بالقيام شهرين كاملين، وشهدوا له أن القيام هو الواجب عليه، وكان يشار في ذلك الموقف إلى من قد جمع خصال الكمال، السيد /195
الإمام، محمد بن أبي القاسم، والسيد الإمام الهادي بن يحيى بن الحسين، والسيد الإمام داود بن يحيى بن الحسين، والسيد الإمام محمد بن علي بن وهاس، فعرفوا كماله، فأوجبوا عليه، وقام بالأمر لله قاصداً، ولأعدائه محارباً، وانتشر فضله، وعمّ نائله؛ وله كرامات مشهورة، وأوراد مسطورة، منها: أنه كان يقرئ في مسجد موسى بقطيع صنعاء، وحلقة قراءته نيف وعشرون، فجاء القاضي الشامي ويده عضباء قد يبست، فقال: يا مولانا، هذه يميني كما ترى.
فأمسكها الإمام (ع)، ونفث فيها، وتلا عليها، فامتدت أصابعه وكوعه، حتى بدت لحمة بيضاء في راحته، قد عَلَت على الأصابع؛ فكبر من حضر، واستعظم ما إليه نظر.
قلت: وقد أشرت إلى هذه الكرامة في التحف الفاطمية ، ولكن هنا زيادة تحقيق من المعاصر؛ وهذه الآيات، التي يمن الله ـ تعالى ـ بها لأوليائه، من أعلام الدين، ومؤيدات اليقين، والحمد لله رب العالمين.
قال: ومنها: ما روى لي إبراهيم الكينعي ـ رحمه الله تعالى ـ قال: مسح على مُقْعَد، أعرفه يسير على عود في يده؛ فشفي من حينه وساعته.
وفضائله مسطورة في سيرته؛ وكان أوراده المباركة، منها: إحياء الليل، وصيام أكثر الدهر، وحسن الخلق، وتحننه على المسلمين؛ وكان إذا عرف أن نفقته طحنت على مطحن الصدقة لم يأكل منه شيئاً.
قلت: واعتبر ذلك في عباد عصره، وعصر ولده الناصر، وأبدال دهرهما، وكذا أعصار الأئمة الهادين، وأعلام الأمة السابقين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ، فأئمة أهل كل عصر، وقادة أهل كل دهر، قدوة المهتدين بهديهم، وأسوة المقتدين بأثرهم، إلى ما رغبوا فيه، ومالوا إليه؛ وفي أمثال /196
العامة: (دين الرعية على دين الملك).
قال: قال لي ـ أي الإمام الولي المهدي (ع) ـ: تقف معنا في ذمار، هذا الشهر الكريم رمضان، ولاتفطر إلا معي.
فقلت: سمعاً وطاعةً لأمير المؤمنين.
فكنت أصلي معه المغرب، فيحيي ما بين العشائين بالصلاة والبكاء، والخضوع والخشوع، ما يزعج السامع؛ فإذا كان بعد تمام العشاء، وتمام أوراده المباركة، استقبل إخوانه بوجه لم أر مثله، كأنه القمر ليلة البدر؛ نوره قد علا، ولحيته تملأ صدره، كأنها قطنة مخلوجة؛ فيحضر الطعام، فيمد يده للدعاء، وهو يرتعش كالسنبلة، فتارةً يدعو، وتارة يصيبه ثمول فيسكت ساعة، وتارة تقع دموعه على الأرض؛ فإذا قرب الطعام أدارني في إخوانه العلماء الفضلاء، وأقعدني على طرف سجادته، ومدّ يده إلى سكرجة فيها عشاؤه، أكثر الأحيان آتي على أخيره، ويقول: يا ولدي هذا من نفقتي، هي أطيب لك؛ ربما في طعام إخواننا شيء من الصدقة.
بنفسي من شفيق ورفيق، ما أشبه أخلاقه بأخلاق رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في قوله ـ تبارك وتعالى ـ: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم].
قال: ومن فضله (ع) أن تولى أمور نهيه وأمره، وحله وعقده، وحضور مقاماته، العلماءُ الأفاضل، والسادات الأماثل، والعباد المجتهدون، والزهاد المشمرون، والقضاة المبرزون.
وعدد أسماءهم، وأنا أذكرهم بلفظه، مع سلوك الطريقة السابقة في التصرف اليسير بالاختصار، والتقديم والتأخير، وهم: الهادي بن يحيى بن الحسين وزيره، ووصيه؛ والسيد الإمام داود بن يحيى بن الحسين وزيره، ووصيه. /197
قلت: هما ابنا السيد الإمام يحيى بن الحسين اليحيوي، صاحب الياقوتة؛ وقد سبقوا (ع).
قال: والسيد الإمام، الحسين بن يحيى بن حمزة، كان أميراً له بصعدة؛ والسيد الإمام، قدوة أهل الإسلام، محمد بن أبي القاسم وزيره، كان معه في حرب ظفار فتوجع، وأذن له الإمام بالنقلة إلى حوث، فقال: أحب [أن] ألقى الله وأنا في طريق الجهاد، فتوفي ودفن بظفار، وقبره مشهور مزور؛ ثم ولده من بعده، السيد عماد الدين، يحيى بن محمد بن أبي القاسم؛ ثم السيد الإمام، شمس الملة والدين، أحمد بن الناصر، كان وزيره، والمتولي عن أمره في بلاد سنحان، وبكيل، والمغارب، والمشارق.
قال: ثم الفقيه شمس الدين، أحمد بن ساعد، كان أيضاً وزيره، وحاكمه بمدينة ذمار، وفيه من العلم والفضل، والورع والزهد، ما شهرته تغني عن ذكره؛ ثم الفقيه الإمام، أحمد بن عيسى الشجري، كان حاكماً متولياً؛ ثم القاضي العلامة، شمس الدين، أحمد بن محمد الشامي، كان وزيره، وتوليته بلاد مدحج؛ ثم الفقيه المجاهد، إسماعيل بن محمد، كان والياً للمغرب؛ ثم القاضي، آية الزمان، وبركة الأوان، الحسن بن سليمان، كان متولياً وجامعاً للأموال، وحاشداً للرجال، للجهاد في سبيل الله بين يدي الإمام المهدي (ع)؛ وقد قدمت في زهده وورعه فصلاً شافياً.
قلت: قال في الفصل الرابع: ويزور ـ أي إبراهيم ـ في كل عام شيخه في الدين، وقدوته في التقوى واليقين، إمام أهل السنة والكتاب، ولبابة أولي الألباب، زاهد اليمن والشام، والسيد الحصور القوام، المبرأ من مقارفة الآثام، ولي العترة الكرام، الباذل نفسه لهم من كافة الأنام، تاج أهل الإيمان؛ القاضي/198
حسن بن سليمان، توجه الله بتاج كرامته، وأزلفه بجواره، وأعاد من بركاته.
...إلى قوله: نشأ على الزهد والورع، والخوف والفزع، ما لايمكن شرحه؛ وحاز العلم والعمل، ما كان يوجد في وقته مثله من أحد، في علم الفقه، والأخبار النبوية، والتفاسير ـ سيما في فقه الناصر (ع) ـ كان لباسه شملتين من خشن الصوف الأغبر، وكوفية صوف، وكان يحيي الليل قياماً، والنهار ذكراً وفكراً، ودرساً للعلوم؛ وعمر مائة سنة ونيفاً وثلاثين سنة؛ وكان له كرامات تروى، وفضائل تحكى.
...إلى قوله: وروى لي سيدي إبراهيم بن أحمد، قال: زاره الخضر (ع) أربع مرات، يكالمه ويحادثه، ويعلّمه أدعية مجابة.
ومنها: روى لي السيد الفاضل العالم، أحمد بن عبدالله بن محمد بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة، عن ابن عمه، آية زمانه، وبركة أوانه، علي بن عبدالله بن محمد بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة، عن إبراهيم الكينعي ـ رحمه الله تعالى ـ قال: مات أخ من إخوان حسن بن سليمان، وكان صالحاً عابداً، فجاءه وهو مسجى ميت، فقال: السلام عليك يا فلان، ففتح عينيه ساعة، ثم أطبقهما.
قال: ولما فتح الله على الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد، بذمار وبلاد مدحج، قال لي يوماً: لابد لي من إعانة هذا الإمام، وولده صلاح (ع)، لا سلبهم الله ما خوّلهم، وحفظ عليهم ما أعطاهم؛ لكن ياولدي، ما جئت وأنا أحسنه إلا أني أكون أخزن لهم التبن؛ لأن السَّوَس يخونون فيه ويبيعونه.
قلت: صانك الله عن ذلك.
ثم ساق في فضائله وبركاته ما يطول ـ رضي الله عنهم ـ.
ولنعد إلى تمام الكلام.
قال: والفقيه الإمام، الحسن بن محمد النحوي، كان وزيره، وحاكمه في /199