انتهى المراد؛ وهذا البيت من الأبيات الفخرية، وقد تقدم.
هذا، ولهم في تقسيمها وكيفية استحقاقها كلام طويل، مبسوط في محلّه من الأصول، والخطب عند التحقيق في خلافهم يسير؛ فإن هذه الصفات الزائدات، التي يثبتونها، ليست عندهم بأشياء، ولا ذوات، ولامعلومات على الانفراد؛ وإنما الخلاف الخطير الكبير، بين أهل العدل وغيرهم كالأشعرية، المثبتين للمعاني القديمة الحقيقية.
والحق الذي عليه قدماء آل الرسول ـ صلوات الله عليهم ـ ومن وافقهم من علماء الأصول، وقضت به حجج المعقول والمنقول، أن صفات الله ـ جل جلاله ـ ذاته، والمعنى أنه ليس لله ـ سبحانه وتعالى ـ باعتبار هذه الصفات سواه، لامعنى ولا أمر ولا حال، ولاشيء غير ذي الجلال، بل الذات المقدس يوصف ـ عز وجل ـ من حيث انكشاف جميع المعلومات له وتعلق علمه بها عالماً، ومن حيث اقتداره على جميع المقدورات، وعدم امتناع شيء منها عليه قادراً؛ إلى آخرها.
[الكلام على الذات الواجب الوجود ـ وأن صفاته هي الذات]
فلما ترتب على الذات الواجب الوجود ـ جل وعلا ـ ما يترتب على الذوات والصفات في الشاهد؛ لكون ذوات غيره ـ سبحانه وتعالى ـ غير كافية في ثبوت الصفات؛ بل تحتاج إلى معنى يقوم بها، قالوا: صفاته ذاته ـ عز وجل ـ.
وليس المراد أن هناك ذاتاً وصفة حقيقة، كما يتوهمه مَنْ لم يرسخ علمه في هذه الطريقة؛ بل الذات المقدس وصفاته ـ عز وجل ـ عبارة عن شيء واحد بالحقيقة؛ والتغاير إنما هو باعتبار المفهوم؛ فعالم باعتبار تعلق الذات بالمعلومات من حيث كونها معلومات، وقادر كذلك من حيث كونها مقدورات، وهكذا سائرها، فالتعدد حقيقة في متعلق الصفات لافي الصفات، فليست إلا عبارة عن الذات، ومرجع الكلام عند التحقيق إلى إثبات مدلولات الصفات وثمراتها وآثارها بالذات/160

المقدس العلي ـ عز وجل ـ لابمعنى ولا أمر ولا مزيّة.
وليس هذا القول كقول أبي الحسين، فإنه يقول: الصفات أمور اعتبارية، وهي التعلق.
وقدماء الآل (ع) يقولون: هي الذات من حيث التعلق، لاالتعلق نفسه، وبينهما فرق واضح.
وعلى هذا فالمضاف هو المضاف إليه في قدرة الله وعلمه وجميع صفاته، كما في وجهه ونفسه وذاته، ونحو ذلك؛ فلا معنى لاعتراض بعض الأئمة المتأخرين على إمام الأئمة الهادي إلى الحق المبين (ع)، وقد ردّ عليه السيد الإمام، المحقق المفتي، صاحب البدر الساري ـ رضي الله عنه ـ وغيره؛ ولو حقق النظر، لما سطر ما سطر، ولكن لكل جواد كبوة، ولكل صارم نبوة.
[كلام أمير المؤمنين في صفات الله تعالى]
هذا، وإنما وقع فضل العناية بتحقيق الكلام، في هذا المقام؛ لاشتباهه على كثير من الأفهام، ولعظم محلّ هذا الأصل في معرفة الملك العلام، وكثرة النزاع في شأنه بين فرق الأنام.
وقد تحصلت المذاهب في صفات ذي الجلال، إلى عشرة أقوال، كما لخصها علماء الكلام:
القول الأول: أن صفاته ـ جل جلاله ـ ذاته على ما حققناه، وهو الواجب بجلال التوحيد، وجناب التمجيد، للرب المجيد، والذي قامت عليه البراهين.
وقد أبان ذلك إمام الموحدين، وسيد المتكلمين، وباب مدينة علم الرسول الأمين، صلوات الله عليهما وعلى آلهما الأكرمين.
قال ـ صلوات الله عليه ـ: أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه؛ لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة؛ فمن وصف الله فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله.
إلى قوله: ومن قال: فيم؟ فقد ضمّنه؛ ومن قال: علام؟ فقد أخلى عنه؛ كائن لا عن /161

حدث، موجود لا عن عدم...إلخ الخطبة الشريفة.
وقال ـ كرم الله وجهه ـ: مباين لجميع ما جرى من الصفات، وممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الأدوات، وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرم الحالات.
وقال ـ سلام الله عليه ـ: فليست له صفة تُنال، ولا حد يُضْرَبُ له فيه الأمثال.
وقال ـ صلوات الله عليه ـ: كان إلاهاً حياً بلا حياة، وملكاً قبل أن ينشيء شيئاً، ومالكاً بعد إنشائه، وليس يكون له كيف ولا أين، ولا له حدّ يعرف، ولا شيء يشبهه؛ ولكن سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر.
وقال ـ صلوات الله عليه ـ: ما وحده من كيَّفه، ولا حقيقتَه أصاب من مثَّله، ولا إياه عنى من شبَّهه، ولاصمده من أشار إليه وتوهمه؛ كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول.
إلى قوله ـ صلوات الله عليه ـ: وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره؛ الذي لايحول ولا يزول، ولايجوز عليه الأفول.
إلى قوله ـ رضوان الله عليه ـ: ولا يوصف بشيء من الأجزاء؛ يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولايتحفظ، ويريد ولايضمر؛ يحب ويرضى من غير رقّة، ويبغض ويغضب من غير مشقّة، يقول لما أراد كونه: كن؛ فيكون، لابصوت يقرع، ولا بنداء يسمع؛ وإنما كلامه ـ سبحانه ـ فعل منه أنشأه ومثله، ولم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً.
وقال ـ صلوات الله عليه ـ: الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله، ولا مقدار احتذى عليه من خالق قبله؛ بل أرانا من ملكوت قدرته، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته، واعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمهم بمساك قوته، ما دلنا باضطرار قيام الحجة له علينا على معرفته.
ومن خطبة له أخرى: ولم تحط به الصفات، فيكون /162

بإدراكها إياه متناهياً؛ هو الله الذي ليس كمثله شيء، عن صفة المخلوقين متعالياً، وجل عن أن تناله الأبصار فيكون بالعيان موصوفاً، وارتفع عن أن تحوي كنه عظمته فهاهات رُويَّات المفكرين، وليس له مثل فيكون بالخلق مشبهاً، وما زال عند أهل المعرفة عن الأشباه والأنداد منزهاً.
إلى قوله ـ سلام الله عليه ـ: وكيف لما لايقدر قدره مقدار في رويَّات الأوهام؟؛ لأنه أجل من أن تحده ألباب البشر بتفكير، وهو أعلى من أن يكون له كفؤ فيشبه بنظير، فسبحانه وتعالى عن جهل المخلوقين، فسبحانه وتعالى عن إفك الجاهلين؛ فأين يتاه بأحدكم؟ وأين يدرِك ما لا يُدْرَك؟ والله المستعان.
وقال ـ رضوان الله عليه ـ: مَنْ وَصَفَه فقد شَبَّهَهُ، ومن لم يصفه فقد نفاه؛ وصفته أنه سميع، ولا صفة لسمعه.
وقال ـ رضوان الله عليه ـ: باينهم بصفته رباً، كما باينوه بحدوثهم خلقاً.
إلى غير ذلك من كلام سيد الوصيين؛ فهو مفجر علوم الدين، والمبين للأمة ما اختلفوا فيه بعد أخيه سيد النبيين؛ وفي كلامه هذا أعظم بيان، وأقوم برهان.
[من خطب أمير المؤمنين (ع)]
ولنورد هذا الفصل الأعظم، الذي هو شرح لمعنى قوله ـ عز وجل ـ: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ } [الأنعام:59].
من خطبته الكبرى، التي أقام فيها دلائل توحيد الله ـ تعالى ـ وآيات جلاله، وبينات برهانه، النيرات العظمى.
قال ـ صلوات الله عليه ـ: عالم السر من ضمائر المضمرين، ونجوى المتخافتين، وخواطر رجم الظنون، وعقد عزيمات اليقين، ومسارق إيماض الجفون، وما ضمته أكنان القلوب، وغيابات الغيوب، وما أصغت لاستراقه مصائخ الأسماع، ومصائف الذر، ومشاتي الهوام، ورجع الحنين من المولهات، وهمس الأقدام، ومنفتح الثمرة من ولائج غلف الأكمام، /163

ومنقمع الوحوش من غيران الجبال وأوديتها، ومختبأ البعوض بين سوق الأشجار وألحيتها، ومغرز الأوراق من الأفنان، ومحطّ الأمشاج من مسارب الأصلاب، وناشئة الغيوم ومتلاحمها، ودرر قطر السحاب في متراكمها، وما تسفي الأعاصير بذيولها، وتعفر الأمطار بسيولها، وعرم نبات الأرض في كثبان الرمال، ومستقر ذوات الأجنحة في شناخيب الجبال، وتغريد ذوات المنطق في دياجير الأوكار، وما أوعبته الأصداف، وحضنت عليه أمواج البحار، وما غشيته سدفة ليل، أو ذر عليه شارق نهار، وما اعتقبت عليه أطباق الدياجير، وسبحات النور، وأثر كل خطوة، وحسّ كل حركة، ورجع كل كلمة، وتحريك كل شفة، ومستقر كل نسمة، ومثقال كل ذرة، وهماهم كل نفس هامة، وما عليها من ثمر شجرة، أو ساقط ورقة، أو قرار نطفة، أو نقاعة دم ومضغة، أو ناشئة خلق وسلالة؛ لم يلحقه في ذلك كُلْفَةٌ، ولا اعترضته في حفظ ما ابتدعه من خلقه عارضة، ولا اعتورته في تنفيذ الأمور وتدابير المخلوقين ملالة ولا فترة؛ بل نفذ فيهم علمه، وأحصاهم عده، ووسعهم عدله، وغمرهم فضله؛ مع تقصيرهم عن كنه ما هو أهله...إلخ.
وقبل هذا الكلام، في وصف ملكوت ذي الجلال والإكرام، الذي يجب أن يكون إليه قصد الناظرين، وتوجيه فكر المفكرين، ومنتهى اعتبار المعتبرين، وقد سقنا الفصلين لما فيهما من الموافقة للمقام، عند أولي الأفهام من الأنام.
قال ـ رضوان الله عليه ـ في وصف ملائكة الله المقربين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ: ثم خلق سبحانه لإسكان سماواته، وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته، خلقاً بديعاً من ملائكته، ملأبهم فروج فجاجها، وحشى بهم فتوق أجوائها؛ وبين فجوات تلك الفروج زَجَل المسبحين منهم في حضائر /164

القدس، وسترات الحجب، وسرادقات المجد؛ ووراء ذلك الرجيج، الزلزلة والاضطراب، الذي تستك منه الأسماع، سبحات نورٍ تردع الأبصار عن بلوغها، فتقف خاسئة على حدودها؛ أنشأهم على صور مختلفات، وأقدار متفاوتات، أولي أجنحة تسبح جلال عزته، لاينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعته، ولا يدَّعون أنهم يخلقون شيئاً مما انفرد به؛ بل عباد مكرمون، لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون؛ جعلهم الله فيما هنالك، أهل الأمانة على وحيه، وحمّلهم إلى المرسلين ودائع أمره ونهيه، وعصمهم من ريب الشبهات، فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته، وأمدهم بفوائد المعونة، وأشعر قلوبهم تواضح إخبات السكينة، وفتح لهم أبواباً ذللاً إلى تماجيده، ونصب لهم مناراً واضحاً على أعلام توحيده؛ لم تثقلهم موصرات الآثام، ولم تحلهم عقب الليالي والأيام، ولم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم، ولم تعترك الظنون على معاقد يقينهم.
إلى قوله، في وصفهم ـ صلوات الله عليهم ـ: ومنهم: مَنْ هو في خلق الغمام الدُّلَّح، وفي عظم الجبال الشمخ، وفي قترة الظلام الأبهم؛ ومنهم: من قد خرقت أقدامهم تخوم الأرض السفلى، فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء، وتحتها ريح هفافة تحبسها، حيث انتهت من الحدود المتناهية.
إلى قوله ـ رضوان الله عليه ـ: فهم أسراء إيمان، لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول، ولا ونى ولافتور، وليس في أطباق السماء موضع إهاب، إلا وعليه ملك ساجد، أو ساعٍ حافد، يزدادون على طول الطاعة بربهم علماً، وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظماً.
إلى آخر ذلك الكلام الفائق، الذي لايحسن في وصفه إلا ماقاله الأعلام: هو فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق.
وقد سقتُ هذا القدر منه لمحله في هذا الباب، ولاتخفى مواضع الحجة فيه على الناظر من أولي الألباب. /165

[كلام أئمة العترة في الصفات]
هذا، وقد سلك منهاجه المبين، نجوم الأئمة الهادين، من عترته الطاهرين (ع).
قال سبطه سيد العابدين، علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين (ع)، في توحيده: فأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين غيره.
وقال (ع): أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفته توحيده، ونظام توحيده نفي جميع صفات التشبيه عنه؛ بشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً.
إلى قوله (ع): وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل، الممتنع من الحدث...إلخ كلامه.
وقال نجم آل الرسول، وصفوة أسباط الوصي والبتول، القاسم بن إبراهيم ـ عليهم الصلاة والتسليم ـ في كتاب التوحيد: وهو الواحد لا من عدد، ولافيه عدد، وليس شيء يقال: إنه واحد في الحقيقة، غير الله تعالى.
وقال في مجموعه: فأوّليته ـ سبحانه ـ آخريّته، وباطنيته ظاهريته؛ لايختلف في ذلك ما وُصف به، كما لايختلف ـ سبحانه ـ في نفسه، وكذلك أسماؤه كلها الحسنى، وأمثاله كلها العلى.
إلى قوله: كما قال ـ سبحانه ـ: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} [مريم]، ولن يوجد له سمي؛ إذْ لا تجد له كفياً.
وقال في جواب الطبريين: فهذه صفته ـ تبارك وتعالى ـ ليست فيه ـ جل ثناؤه ـ بمختلفة، ولاذات أشتات؛ ولو كانت فيه مختلفة لكان اثنين أو أكثر في العدد، وإنما صفته ـ سبحانه ـ هو.
فهذا صريح كلامه، يرد على من ادعى عليه أنه يقول/166

بمذهب البهاشمة، في الصفة الأخص.
وقد فسر القول الذي أخذوا له منه ذلك تفسيراً صريحاً لايحتمل خلافه، فقال في كتاب الدليل الكبير: وهذا الباب من خلافه ـ سبحانه ـ لأجزاء الأشياء كلها.
إلى قوله: وهي الصفة التي لايشاركه ـ سبحانه ـ فيها مشارك، ولايملكها عليه ـ سبحانه ـ مالك.
إلى قوله: وهذه الصفة هي قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى:11]، وليس شيء سوى الله يوصف بأنه شيء لا كالأشياء.
وله صرائح غير هذا يطلع عليها من حقق النظر في كتبه (ع).
وقال صفوته، الإمام العالم، محمد بن القاسم (ع)، في كتاب الوصية: الحمد لله، الحي القيوم، ذي العظمة والجلال، الذي لم يزل، ولاشيء غيره.
وقال في حقيقة الإيمان به: إنه الذي هو خلاف الأشياء كلها.
وقال: حقيقة اليقين به، والمعرفة له، أنه لايدرك بحلية، ولاتحديد، ولاتمثيل، ولاصفة؛ وكيف يوصف ما لاتدركه العقول، ولا الفكر، ولا الحواس؟!
إلى قوله: وقد روي عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((تفكروا في المخلوق، ولاتفكروا في الخالق)) فاجعل فكرك في صنعته، تستدل به على عجيب فعله وعظيم قدرته، في كل مُحْدَث؛ ولاتفكر فيه، فإنك تتيه، وتهلك نفسك؛ فاستعمل العقل وتابع السمع، واستدل باليسير على الكثير تسلم.
وقال سبطه، إمام الأئمة، وهادي الأمة، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ عليهم الرضوان والتسليم ـ في كتاب الديانة: ليس قدرته وعلمه سواه؛ لم يزل عالماً قادراً، ليس لقدرته غاية، ولا لعلمه نهاية، وليس علمه وقدرته سواه، /167

ومن قال: علم الله، فهو الله، وقدرة الله: هي الله، وسمع الله: هو الله، وبصر الله: هو الله، فقد قال في ذلك بالصواب.
قال الإمام المهدي: وهذا قول أبي الهذيل.
وقال الإمام الهادي إلى الحق (ع): ومن زعم أن قدرته وسمعه وبصره صفات له.
إلى قوله (ع): وتلك الصفات ـ زعم ـ لا يقال: هي الله ولا هي غيره، فقد قال منكراً من القول وزوراً.
قلت: وهذا عين مذهبهم.
وقال في كتاب الرد على أهل الزيغ: فلما صحّ عند ذوي العقول والبيان، أن الحواس المخلوقة، والألباب المجعولة، لاتقع إلا على مثلها، ولاتلحق إلا شكلها، ولاتحد إلا نظيرها، صحت له لما عجزت عن درك تحقيقه الوحدانية، وثبتت للممتنع عليها من ذلك الربوبية؛ لأنه ـ سبحانه ـ مخالف لها في كل معانيها، بائن عنها في كل أسبابها؛ ولو شاركها في سبب من الأسباب، لوقع عليه ما وقع عليها من درك الألباب؛ فلما تباينت ذاته ـ سبحانه ـ وذاتها، وكانت هي فعله وكان هو فاعلها، بانت بأحق الحقائق صفاته ـ سبحانه ـ وصفاتها، فكان درك الأوهام والعقول لها بالتبعيض والتحديد، وكان درك معرفته ـ سبحانه ـ بأفعاله، وبما أظهر من آياته، ودلّ به على نفسه من دلالته.
إلخ كلامه (ع).
وقال إمام الجيل والديلم، الناصر للحق الأقوم، في كتاب البساط: وتمام توحيده نفي الصفات عنه، والتشبيه لخلقه؛ بشهادة كل عقل سليم من الرين بما كسب، والإفك فيما يقول ويرتكب، واتباع الأهواء والرؤساء؛ أن كل صفة وموصوف مصنوع، وشهادة كل مصنوع بأن له صانعاً مؤلفاً، وشهادة كل مؤلف أن مؤلفه لايشبهه، وشهادة كل صفة وموصوف مؤلف بالاقتران /168

والحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل؛ فلم يَعْرِف الله ـ سبحانه ـ مَنْ وصف ذاته بغير ما وصف به نفسه، ولا إياه عبد من شبهه بأفعاله، ولاحقيقته أصاب من مثله بأجعاله، ولا صمده من أشار إليه؛ إذْ كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في غيره معلول؛ فبصنع الله وآياته يستدل به عليه، فيقال: إنه هو الأحد، لا أن له ثانياً في الحساب والعدد؛ وبالعقول السليمة يعرف ويعتقد، أنه باريء الأشياء، وإليه تأله العقول وتصمد؛ قال الله جل ذكره: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} [طه].
[انتقاد الإمام الناصر للحق على المعتزلة]
وقال (ع) منكراً على المعتزلة: ثم انصدعت من هذه الملة طائفة، تحلّت باسم الاعتزال.
إلى قوله: حتى خاضوا في صفات ذاته ـ سبحانه ـ وضربوا له الأمثال؛ وقد نهى الله عن ذلك، بقوله تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } [النحل:74]، وقال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)} [البقرة]، وبالغوا في خلاف ذلك، ولم يرضوا، حتى تعدوا إلى الكلام في كل ما لايعلمون ولايدركون، خلافاً لله ـ تعالى ـ ولرسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وابتداعاً وتخرصاً وميناً، ورمياً بعقولهم وحواسهم من وراء غاياتها؛ وتكلموا من دقيق الكلام بما لم يكلفوا، وبما لعل حواسهم خُلقت مقصورة عن إدراك حقيقتها، وعاجزة عن قصد السبيل فيها.
وقال في ذلك:
قد غيّر الناس حتى أحدثوا بدعاً .... في الدين بالرأي لم تبعث به الرسل
وكلام أئمة الهدى السابقين على هذا المنهج، من غير اختلاف ولا عوج.
ومن العجب نسبة القول بالصفة الأخص إلى نجم آل الرسول (ع)، كما عزاه بعضهم! أو إليه وإلى حفيده الهادي إلى الحق كما زعم البعض /169

72 / 143
ع
En
A+
A-