قلت: وهذه طريق لنا إليها، مع ماسبق.
قال: ويروي كتب الأئمة، وشيعتهم أيضاً، وغيرها، عن السيد العلامة محمد بن سليمان الحمزي، عن الإمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر، عن أبيه، عن جده، عن الأمير الحسين وغيره.
قلت: قد سبق ذكر السيد الإمام محمد بن سليمان الحمزي، وهو والد الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان (ع)، وسيأتي له مزيد تحقيق في ذكره ـ إن شاء الله تعالى ـ.
قال في كتاب الإيضاح للسيد العلامة الحسين بن علي بن صلاح العياني: إن الإمام المهدي أخذ عن الإمام صلاح الدين محمد بن علي، ووالده الإمام علي بن محمد، ومَنْ في عصره من السادة آل الوزير، وآل يحيى بن يحيى.
إلى قول السيد الإمام: وتلامذة الإمام كثير، أجلهم الإمام المطهر بن محمد بن سليمان، والفقيه يحيى بن أحمد مرغم، وعلي النجري، والفقيه زيد الذماري ـ وهو الواسطة بينه وبين ابن مفتاح صاحب الشرح المعروف بتعليق ابن مفتاح ـ ويحيى بن أحمد مظفر، وغيرهم.
[بيان لما جرى بعد موت الإمام صلاح الدين فيمن يقوم بالإمامة]
قال: ولما مات الإمام صلاح الدين محمد بن علي ـ والإمام المهدي (ع) في صنعاء ـ ووصل القاضي عبدالله الدواري، ومن معه من العلماء من صعدة، ونصبوا ولد الإمام صلاح الدين.
قلت: أي علي بن صلاح.
قال: فانزعج لذلك جماعة من الفضلاء، وأشاروا إلى الثلاثة، وهم: السيد الناصر بن أحمد بن المطهر بن يحيى، والسيد علي بن أبي الفضائل، والإمام المهدي أحمد بن يحيى؛ فاستحضر بقية العلماء هؤلاء الثلاثة في مسجد جمال الدين، واختاروا الإمام المهدي أحمد بن يحيى، وبايعه هؤلاء وغيرهم./150
قلت: قال في السيرة: وكان بعد موته ـ يعني الإمام الناصر صلاح الدين محمد بن الإمام المهدي علي بن محمد (ع) ـ انضرب الناس في القائم بالأمر؛ وكان الناصر قد أشار إلى حي السيد الفاضل، علي بن أبي الفضائل، وأنه وليّ الأمر بعده؛ لمحله في الفضل.
إلى قوله: فطلبه الوزير، فطلبوا منه القيام بالأمر، فأجابهم: إن هذا الأمر يحتاج صاحبه إلى البصيرة الواقعة، والمقصود به وجه الله تعالى، وفينا من هو أوقع مني بصيرة ـ يشير إلى الإمام المهدي (ع) ـ.
فلما فهموا من السيد ترجيح جانب المهدي توقفوا، وكانوا غير طامعين في أن أحداً يجيبهم إلى قيام أي أولاد الإمام؛ لظهور قصورهم عن هذا الأمر، فوصلهم كتب من حي القاضي عبدالله بن حسن الدواري وغيره.
قال: وأوهم القاضي في كتابه، أنهم يريدون إقامة ولد الإمام، فمالت قلوب الوزراء إلى ذلك؛ فلما وصلوا، كان الكلام في ذلك منوطاً بالقاضي، فجعل يروض ذوي البصائر في صنعاء؛ للمساعدة إلى تقويم ولد الإمام، فأحضرهم، وأخذ رأيهم، فأظهروا الامتناع، فلما أيس منهم توقف؛ فلما علم بذلك السادة النبلاء، والفقهاء الفضلاء ـ أي علموا بما أراد القاضي، والوزراء ـ من إقامة ابن الإمام، انزعجوا أشد الانزعاج، وفزعوا إلى مَنْ يصلح من فضلاء أهل البيت.
ثم حكى معنى ما تقدم.
قال: فاجتمع العلماء، واستحضروا هؤلاء الثلاثة، وذكروا للناس ما قد اجتمع له أولئك الجماعة، من نصب علي بن صلاح.
[نموذج من ورع العترة عن تحمل أعباء الخلافة]
قال: وكان مولانا ـ يعني الإمام المهدي ـ أصغرهم سناً، كما بقل الشعر في وجهه ـ قلت: المروي أنه كان في ثمانية عشر عاماً ـ فأجاب السيد الأفضل الأورع، علي بن أبي الفضائل ـ وكان أكبرهم سناً ـ: أما أنا فمبتلى بالشك في الطهارة والصلاة، كما ترون.
إلى قوله: ومن كان على هذه/151
الصفة لايصلح لهذا الأمر؛ لاحتياجه إلى النظر في أمر الأمة، وافتقاد الأمور، وهذا عذر واضح.
وقال السيد الناصر: هذا أمر، المقصود به رضوان الله، والقيام بالأحكام، كما يقتضيه الكتاب والسنة، أصولاً وفروعاً؛ وذلك لايتأتى إلا ممن قد اشتغل بعلوم الاجتهاد.
إلى قوله: وعندي أني قاصر عن هذه المرتبة.
ثم انتظروا ما يجيب به مولانا؛ فأجاب: بأني صغير السن، كما ترون، وهذا أمر لايصلح إلا ممن قد جرب الأمور، وساس الجمهور، وخاض في تدبير الدنيا وعلاجها، ورَدّ حيناً ورُدَّ عليه، فرَجَع إلى غيره ورُجِع إليه؛ وأنا لم يمض عليّ من السن ما يتسع لذلك.
إلى أن قال: فلست أصلح لذلك في هذه الحال.
فلم يقبلوا منه، وأجابوا عليه: بأنك ما تحتاج إليه من هذه الأمور، فنحن عندك.
إلى قولهم: ونحن لانفارقك ـ إن شاء الله تعالى ـ في شدة ولا رخاء.
قلت: انظر إلى كلام الهداة السابقين، القاصدين لرضاء الله ومطابقة أمره، وتقديم حقه، وطلب الدار الآخرة، والإعراض عن الأغراض والهوى، والتجافي عن زخرف الحياة الدنيا ومتاع الغرور، وتأثير الملك الخطير الباقي، على الملك الحقير الفاني، في هذا المقام، الذي صرعت عنده العقول، واستلبت فيه النفوس؛ فهذا منهاج أئمة الدين، وخلفاء سيد المرسلين، لايقوم القائم منهم إلا لتحتم الفرض، وتضيق الأمر، وتعين الحجة، عند ألاَّ يجد له مندوحة، ولاعنه معذرة؛ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين.
نعم، وحكى صاحب السيرة: أن السيد الإمام علي بن أبي الفضائل قال /152
للإمام (ع): إن أردت مني خدمة فرسك، أو سياسة جملك، لم تأنف نفسي عن القيام بذلك، طاعة لله، ولمن أوجب طاعته.
إلى آخر محاوراتهم، أعاد الله من بركاتهم.
قال: فلما أجمع رأيهم على إقامته، وحصلت منه الإجابة، بايعه السيدان المذكوران، ثم العلماء.
إلى قوله: فلما علم الوزراء باتفاق الفضلاء، أزمعوا إلى تعجيل البيعة لولد الإمام.
قلت: وهذا يدل على تقدم بيعة الإمام، وكلام السيد الإمام يدل على خلافه؛ وقد جمع صاحب مآثر الأبرار، أنهما لما وقعتا في يوم وليلة، تسومح في حكاية الترتيب.
قلت: وهذا لايفيد صحة الروايتين، ولكن لاثمرة للسبق إلا مع الكمال، هذا وقد حكى ذلك في البسامة حيث قال:
وكان بعد صلاح من حوادثها .... بحر اختلاف عظيم هائل خطرِ
قام الإمام علي بعد والده .... وأحمد بعد والهادي على الأثرِ
قال بعض شراحه: ومراده أنه إمام من جهة اللغة أو من جهة الجهاد.
قلت: والمراد بالهادي الإمام الهادي لدين الله علي بن المؤيد (ع).
قال:
وذاد عن مذهب الهادي أبو حسن .... وسعي أحمد فيه سعي معتبرِ
هذا إمام جهاد لا امتراء به .... وذا إمام اجتهاد ثاقب النظرِ
وكلهم سادة غرّ غطارفة .... بيض بَهَالِيْلُ فرَّاجون للعكر
والله يصفح عمن قد أتى زللاً .... فمن ترى في البرايا غير مفتقرِ
وكل عبد إلى مولاه مفتقر .... عند الفريقين أهل العدل والقدرِ
[مصنفات الإمام المهدي أحمد بن يحيى]
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: ومصنفاته واسعة، منها في أصول الدين /153
ثمانية.
قلت: قد أفاد مؤلف سيرته بتعدادها على الترتيب هذا، وهو: الأول: نكت الفرائد، الثاني: شرحها، الثالث: كتاب القلائد ـ وبيّض للرابع، ولعله أراد الغايات، ولكنه في الحقيقة جامع لجميع شروح كتبه ـ الخامس: كتاب الملل والنحل، السادس: كتاب المنية والأمل، السابع: كتاب رياضة الأفهام، في لطيف الكلام، الثامن: كتاب دامغ الأوهام، في شرح رياضة الأفهام، وهو جزآن.
وفي أصول الفقه ثلاثة:
الأول: كتاب فائقة الفصول، في ضبط معاني جوهرة الأصول، الثاني: كتاب معيار العقول، في علم الأصول، الثالث: كتاب منهاج الأصول، شرح معيار العقول.
وفي علم العربية خمسة:
الأول: كتاب الكوكب الزاهر، شرح مقدمة ابن طاهر، الثاني: كتاب الشافية شرح معاني الكافية، الثالث: المكلل شرح المفصل، الرابع: تاج علوم الأدب، الخامس: كتاب إكليل التاج وجوهرة الوهاج.
وفي الفقه خمسة:
الأول: كتاب الأزهار في فقه الأئمة الأطهار، وصنّفه في الحبس، ولم يوضع بكاغد مدة سنين، وإنما حفظه السيد علي بن الهادي، ومولانا (ع) يملي عليه ما صححه لمذهب الهادي؛ الثاني: كتاب الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار، الثالث: كتاب الأحكام المتضمن لفقه أئمة الإسلام.
قلت: وقد صار المشهور بالبحر الزخار، وفي الأصل هذا الاسم له، /154
ولمقدماته المذكورة.
الرابع: كتاب الانتقاد للآيات المعتبرة في الاجتهاد.
وفي السنة: كتاب الأنوار الناصة على مسائل الأزهار ، والقمر النوار في الرد على المرخصين في الملاهي والمزمار.
وفي علم الطريقة: كتاب تكملة الأحكام، وكتاب حياة القلوب في عبادة علام الغيوب.
وفي الفرائض: كتاب الفائض، وكتاب القاموس.
وفي المنطق: القسطاس.
وفي التاريخ: الجواهر والدرر في سيرة سيد البشر، وشرحها يواقيت السير، وكتاب تزيين المجالس في قصص الصالحين، وكتاب مكنون العرائس.
وفي طبقات السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ ما نصه: كان فضله وعلمه الواسع، وانتفاع المسلمين به النفع البالغ، ليس لأحد من المسلمين مثله في العناية الإلهية، في بركة علمه ومصنفاته، التي هي كالطراز المُذْهب، وعليها اعتماد المذهب، على طريقة أهل الحقيقة والمجاز، التي هي بالمرتبة الثانية من حدّ الإعجاز، وكتاب الأزهار شاهد؛ فإنه على صغر حجمه سبعة وعشرون ألف مسألة منطوقها ومفهومها، انتهى المراد.
[افتتاح كتاب غايات الأفكار]
قال الإمام (ع) في مبتدأ شروحه، وهو غايات الأفكار:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم إن أجلّ الثناء يقصر عن وصف جلالك، وأعظم الخضوع يقل عن إجلالك، وأوفر الشكر لايفي بعشير معشار إحسانك، كيف لا؟ وقد أكرمتنا /155
بفضيلة عرفانك، وأوضحتَ لنا من الحق فلقه، وكشفتَ عنا من بهيم الباطل غسقه، وأثرت لنا من مثار السعادة معدناً، ورفعت لنا من يفاع السيادة موطناً، وشيّدت لنا في أعالي العلياء غرفاً، وأغدقت علينا من تكرمتك جلالاً وشرفاً، حيث جعلت نهار الدلالة آية، وليل الجهالة عماية، وميزتها لنا بعقول نيرة؛ فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة.
إلى قوله: هذا ولما منّ الله ـ جل جلاله ـ بكمال ما أردنا من تأليف كتاب لطيف، يتضمن الإحاطة بعلوم الاسلام جميعها، أصولها وفروعها، واستقصاء مسائل الخلاف، بين فرق الأمة، وأكابر الأئمة.
إلى قوله: استخرنا الله سبحانه، وحاولنا إظهار محاسنه، وتنقيح معادنه، بشرح يعتمد من أراد التحقيق عليه، ويرد ما شذ من الغرائب إليه، نستقصي فيه حجج الخصوم، ونوضح ما به روح الحق يقوم.
وقال فيه عند ذكر طبقات أهل العلم: فمعدنه ومركزه أهل البيت (ع)، إذ أخذوا علمهم عن أب وجد، حتى انتهى إلى علي (ع)، وهو باب مدينة العلم، فهم الذين أتوا المدينة من بابها دون غيرهم، ممن عُرِف بالعلم، الذي طريقه غير باب مدينته.
ولله المنصور بالله حيث يقول!:
ما بين قولي عن أبي عن جده .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
وفتى يقول حكى لنا أشياخنا .... ما ذلك الإسناد من إسنادي
ومن ثَمّ حكمنا بأنهم أصل علوم الدين النبوي؛ لأنهم الذين أتوه من بابه.
إلى قوله: ولم يكثر أتباعهم كما كثر أتباع الفقهاء الأربعة، لما اجتهد الخلفاء الأموية والعباسية في إطفاء نورهم، وإماتة كلمتهم، وهم الذين ظهرت /156
بسطتهم في الأرض، فأخافوا كل من تشهّر بمذهب سوى المذاهب الأربعة؛ أمر بذلك المأمون بن هارون، وجعل لكل مذهب من الأربعة مقاماً معروفاً عند البيت العتيق، ولم يجعل لأهل البيت مقاماً؛ ليموت ذكرهم، وينطمس نورهم؛ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وقال في وصف علم آل محمد (ع): فبارك الله عليه كما بارك على إبراهيم، حتى كاد يملأ الخافقين سناها، وينطح الفرقدين نماها؛ ولعمري، إن علمهم هو المأخوذ عن عيون صافية، نبعت من صدور زاكية، مجراها باب مدينة علوم الإسلام، ومنبعها من أخذ عن جبريل (ع)؛ ومن ثمة وصفهم جدهم بأنهم سفينة النجاة من العذاب، وجعلهم في كونهم الحجة قسيم الكتاب؛ فنسأل الله أن يهدينا بهديهم، وأن يستعملنا في حميد سعيهم، الذي ينالون به من رضاه حبوراً، وينخرطون في سلك من يقال له: إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكوراً؛ وصلاته على سيد البشر، المشفع في المحشر، محمد المخصوص باللواء والكوثر، وعلى آله....إلخ.
[إجماع العترة على أن إمامة علي قطعية وواجبة المعرفة على الأعيان]
نعم، وقد ذكر الإمام (ع) في سياق أوصاف عمر بن عبد العزيز، أنه أول من ردّ فدك والعوالي إلى آل فاطمة، وهذا يقتضي خلاف القول بتصويب حكم أبي بكر؛ إذْ لا يصح أن يكون من الممادح نقض الحكم الصواب.
قلت: وقد سبق الكلام في رجوع الإمام يحيى عن التصويب، وما يفيده كلام الإمام المهدي (ع) في ذلك عن قريب.
هذا، واعلم أنها قد جرت عادة الكثير من الناظرين، بعدم التدبر لمقالات /157
العلماء من موافقين ومخالفين، فتسبب عن ذلك الإفراط والتفريط، والخبط والتخليط، فترى البعض يشنّع فيما ليس الخلاف فيه إلا في التعبير، والبعض يصوّب في الأمر الخطير، ويتمحل للخصم بما لايرتضيه؛ بل لو اطلع عليه لأظهر غاية النكير، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم؛ والمحجة الوسطى، والطريقة المثلى، الوقوف على الحقائق، والكشف عن مرام المخالف والموافق، والتثبت في جميع المداحض والمزالق، حتى يورد ويصدر عن نظر متين، وعلم مبين؛ وملاك الأمر كله خلوص المقاصد، وسلوك جادة الحق في المصادر والموارد؛ فإن الأمر شديد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد؛ والمسؤول منه ـ عز وجل ـ التثبيت والتسديد، إنه هو الرؤوف الرحيم، العليم الحكيم، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
[بحث عظيم في صفات رب العالمين، والإجماع على تنزيهه عن المعاني]
نعم، واعلم أن من أعظم ما دار فيه الخلاف، وتباينت فيه الأقوال، بين أهل التوحيد وبين غيرهم من فرق الضلال، مسائلَ صفات رب العالمين، ذي العظمة والجلال، وقد اتفق أهل التوحيد والعدل قاطبة من العترة (ع) والمعتزلة ومن وافقهم، على الشهادة له بما شهد به لنفسه، وشهد به ملائكة قدسه، وأولوا العلم من جنه وإنسه؛ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم؛ وعلى وصفه ـ جل وعلا ـ بما وصف /158
به نفسه تعالى، من أنه القدير العليم الحي؛ اللطيف الخبير، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير؛ وأنه المختص بصفات الكمال، المضافة إلى الذات المقدس والأفعال، العدل الحكيم.
وعلى تنزيه الله ـ سبحانه وتعالى ـ عن المعاني الحقيقية، المقتضية للتعدد والمشاركة للقديم ـ جلّ وعلا ـ في الأزلية، التي هي في الشاهدِ الممكنِ القدرةُ، والعلم، والحياة، والوجود، وغيرها من المعاني الزائدات على الذات، وليست هذه المذكورة بالصفات، ولا الأحوال ولا المزايا ولا التعلقات، على اختلاف المصطلحات، التي تقول بها المعتزلة، كما يتوهمه من لا اطلاع له؛ وإنما هي عندهم مثلاً: القادرية، والعالمية؛ أي: كونه قادراً وعالماً ونحوهما؛ وجمهور أئمة العترة لايقولون بشيء من ذلك، كما هو معلوم، ومن صرائح نصوصهم مرسوم.
قال إمام المحققين الأعلام، الحسين بن القاسم بن محمد (ع)، في بحث النسخ من شرح الغاية: قلنا: لانسلم ثبوت العالمية، فإن ثبوتها فرع ثبوت الأحوال، والحال هو الواسطة بين الموجود والمعدوم، وهو عند الجماهير من أئمة أهل البيت (ع) وغيرهم باطل؛ لما علم بالضرورة من أن الموجود ماله تحقق، والمعدوم ماليس كذلك، ولا واسطة بين النفي والإثبات؛ ولذا قال بعض أئمة أهل البيت (ع) في وصف اعتقادات آبائه الصحيحة، من قصيدة طويلة:
لم يثبتوا صفة للذات زائدة .... ولا قضوا باقتضا حال لأحوال
/159