عمهم عبدالله بن الحسن الكامل، بسند آبائهم ـ صلوات الله عليهم ـ وقد تقدم منها عند تمام سند الأحكام؛ والوامض اليسير، يدل على النوّ المطير؛ ألا ترى أنه في المسائل التي كثر الاختلاف فيها، وتعارضت الروايات عن أهل البيت (ع) في شأنها، نحو مسألة الطلاق المثلث، كيف أورد الإمام ـ صلوات الله عليه ـ أسانيده عن نجوم آل محمد صلوات الله عليهم، فقال (ع): حدثني أبي، وعمّاي، محمد، والحسن، بنو القاسم بن إبراهيم، عن أبيهم القاسم بن إبراهيم ـ رضوان الله عليهم ـ.
ثم أسند أقوال جده نجم آل الرسول، والإمام أحمد بن عيسى بن الإمام الأعظم، والإمام موسى بن عبدالله بن الحسن ـ صلوات الله عليهم ـ إليهم...إلى قوله: وحدثوني عن أبيهم القاسم بن إبراهيم، عن رجل يثق به، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (ع)، أنه كان يقول فيمن طلق ثلاثاً في كلمة واحدة: إنه يلزمه تطليقة واحدة، ويكون له على زوجته الرجعة، مالم تنقضِ العدة.
قال أبو محمد القاسم بن إبراهيم ـ رضي الله عنه ـ: وهو قول بين القولين، قول من أبطل أن يقع بذلك شيء من الطلاق، وبين قول من قال: إنه يقع بذلك الثلاث كلها؛ وهذا قولي.
وقد روي ذلك عن زيد بن علي، وعن جعفر بن محمد ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ من جهات كثيرة، أن من طلق ثلاثاً معاً في كلمة واحدة، فهي واحدة، انتهى.
قلت: والروايات في هذا مختلفة، بأسانيد صحيحة، كما في مجموع الإمام الأعظم، عن آبائه، عن علي (ع)، وفي أمالي الإمام أحمد بن عيسى (ع)، مما يفيد بصريحه وقوع الثلاث.
والذي أراه أن أحسن ما يجمع /130
شمل الأخبار، العمل على نيّة المطلق، فإن نوى ثلاثاً كانت ثلاثاً، سواء في كلمة واحدة أم في ثلاث، وإن لم يقصد إلا واحدة فهي واحدة.
والدليل على ذلك ما رواه الإمام زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع)، في الخلية، والبرية، والبتلة، والبتة، والبائن، والحرام: نوقفه فنقول: ما نويت؟
فإن قال: نويتُ واحدة؛ كانت واحدة بائناً، وهي أملك بنفسها، وإن قال: نويت ثلاثاً؛ كانت حراماً حتى تنكح زوجاً غيره...إلى آخره.
ورواه عنه غيره؛ ويدل على ذلك الأخبار ((إنما الأعمال بالنيات، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة))، وحديث ركانة.
وهو كلام أهل المذهب في العامي، أن ما أوقعه معقتداً لوقوعه ووافق أحد المجتهدين، وقع؛ ففتواه بعدم وقوع الثلاث مع هذا خلاف المذهب.
وأما خبر ((ثلاث...إلخ))، فالهزل لا ينافي النية، ويمكن أن يحمل ((وهزلهن جد)) أنه إن ادعى عند المنازعة الهزل فلا يدين؛ لأن الظاهر خلافه؛ أما مع عدم المنازعة، وفيما بينه وبين الله ـ سبحانه ـ فله نيته، جمعاً بين الأدلة؛ فتدبر هذا.
[قطوف من المنتخب]
ولقد قال إمام الأئمة، وهادي هداة الأمة، إمام اليمن، محيي الفرائض والسنن، الهادي إلى الحق، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ عليهم الصلاة والتسليم ـ في الجامع المنتخب، ما حكاه إمام الشيعة على الإطلاق، المهاجر إلى إمام اليمن من العراق، العالم الولي، محمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنه ـ لما قال: قلت: فإني قد فهمت ما أجبتني به في التوحيد، وإثبات النبوة، والإمامة، وأنا أريد أن أسألك عن أصول الحلال والحرام، في جميع الفقه؛ فإني قد وطئت علوم العامة، وعلوم عامة الخاصة، فوجدتهم مختلفين، كما ذكرتُ لك.
فقال لي: إذا كنت قد قدمت النية في طلب العلم، وفرغت قلبك للمسائل عن الحلال /131
والحرام، فافهم ما أقدمه لك من الشرط فيما تسألني عنه.
قلت: نعم ـ إن شاء الله ـ أنا أجمع همّي في ذلك.
قال: فلا تقبل مني جواب مسالة أنبئك عنها أو أجيبك فيها بتقليد، ولا اتكال على ما تعرفه، مما قد خصني به في العلم ربي، دون أن تسألني عن الحجة، وحجة الحجة، حتى ينتهي بك ذلك إلى أصول المعرفة، التي لايجوز لأحد أن يجاوزها.
قلت: وما أصول المعرفة، التي لايجوز لأحد أن يجاوزها عند بلوغها؟
فقال: هي المعاني، التي من طلب مجاوزتها خرج إلى حد المكابرة والبلادة، وإلى طلب جواز ما أوقفه الله عليه، ومنعه من التجاوز له.
إلى قول الإمام: هي الثلاثة الأصول، التي جعلها الله حجة على خلقه، لاينفك الحق منها، ولايخرج أبداً عنها، وهي: كتابه الناطق، والإجماع عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فيما جاء به عن الله ـ عز وجل ـ وحجة العقل، التي ركبها الله في صدور العالمين؛ لتدلهم على رب العالمين، وتهديهم إلى فرائض الدين، وتثبت ما اختار الله لهم من الحق واليقين.
إلى قوله: وإذا سألت عن شيء من الحلال والحرام، فاجعل ذلك لله ـ تبارك وتعالى ـ خالصاً.
إلى قوله: فإن ذلك أجزل لثوابك، وأكثر لتفجّر ينابيع الحكمة من قلبك؛ واستقصِ في مسائلك كما أطلقت لك وأمرتك، وإلى ذلك ندبتك، فإني مجيبك عما تسأل عنه؛ فسل عما بدا لك ـ إن شاء الله تعالى ـ.
انتهى المراد.
وما أحق المقام بإيراد كلام السيد الحافظ، محمد بن إبراهيم الوزير، في شأنهم(ع)، لما لم يكن في مقام الجدال، وهو ما لفظه: فإذا عرفتَ هذا، فلا يعزب عنك معرفة خصيصتين:
الخصيصة الأولى: أن أهل البيت (ع) اختصوا من هذه الفضائل بأشرف أقسامها، وأطول أعلامها.
إلى قوله في كلامه السابق: فانظر بعين الإنصاف، إلى أئمة العترة الطاهرة، ونجوم /132
العلم الزاهرة، كيف سلمت علومهم من كل شين، وخلصت من كل عيب؟.إلخ.
قال الإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع): أقول: قد أفاد وأجاد، فيما وصف أهله (ع)، فهم كذلك؛ وما يمنعهم، وقد وضعهم الله ـ سبحانه ـ في الموضع الأرفع، وأعلا درجاتهم ورفع.
إلى قوله: فإن الإمام الكبير، الهادي إلى الحق (ع)، له من الكتب ما يزيد على خمسين مؤلفاً؛ وقد روي عنه أنه قال: خرجت إلى اليمن بعلم كالجمل، فلم ألقَ له حملة، فوضعت منه أذنيه، أو نحو ذلك.
إلى قوله: كذلك جده نجم الآل، القاسم بن إبراهيم ـ عادت بركاته ـ كذلك الناصر، كذلك المرتضى محمد بن الهادي، وأخوه الناصر (ع)، وأمثالهم ـ وهم أهل النصوص ـ قد وضعوا ما فيه الكفاية؛ بل أوسعوا، مع اشتغالهم، غير أنهم لايرتضون روايات غيرهم، إلا نادراً، مع وثوقهم بمن رووا عنه؛ لقطع حجة الخصم.
وقد أجاب المرتضى (ع) على من سأله: كيف لم تدخلوا أحاديث العامة؟
فأجاب بنحو هذا.
إلى قوله: وانظر حيث احتاج ـ أي الهادي (ع) ـ إلى رواية العامة، في باب الأوقات، فذكر من رواياتهم كثيراً؛ فهل ترى أنه (ع) لم يعرف من روايات العامة إلا ما في ذلك الباب؟
وكم له ولجده القاسم بن إبراهيم (ع) في أثناء كتبهم من ألفاظ، دالة على أنهما قد عرفا روايات العامة؛ فابحث على مجموع القاسم، والهادي، تجد الشفاء؛ ولقد رد على الفرق الكفرية مثل: النصارى؛ وذكر معرفة أناجيلهم، ونقل منها كثيراً.
وكذلك الناصر (ع)، فإنه ذَكَر أنه قرأ ثلاثة عشر كتاباً من كتب الله، المنزلة على الأنبياء؛ فما ظنك بهؤلاء؟ أيعرفون الكتب المنزلة، ولا يعرفون ما ورد من أبيهم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؟!
بلى والله؛ ولكن جعلوا أصل دينهم ما حفظوه وتلقوه عن آبائهم /133
فعلاً وقولاً، واعتقاداً وعملاً؛ ثم إذا استظهروا برواية شيء من غيرهم، فإنما هو استظهار فقط، أو قطع للخصم، فتأمل، انتهى المراد.
[من أقوال السيد محمد بن إبراهيم الدالة على أن آخر أمره كان السداد]
قلت: واعلم أيها المطلع ـ ثبتنا الله تعالى وإياك والمؤمنين، على الحق القويم، والصراط المستقيم ـ أن هذا السيد العالم العظيم، محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله تعالى ـ وإن خالف سلفه الهادين في بعض مقامات المعارضات، ومثارات المجادلات، وكان سبباً في زيغ كثير من المعاندين والمقلّدين، فله من النصوص الصرائح، بالحق الواضح، ما يقطع تلك المقاطعات، ويمنع تلك المعارضات، ويرد كيد الكائدين، ويفلّ حدّ الجاحدين، ويرغم أنوف المعتدين.
وكان آخر أمره السداد، ومراجعة منهاج الرشاد، فتداركه الله ـ إن شاء الله ـ ببركة أسرار البيت النبوي، ونفحات أنوار الهدى العلوي؛ والأعمال بخواتمها؛ ونرجو الله ـ تعالى ـ أنه لم يتمكن من إصلاح الهفوات، المضمنة تلك المؤلفات، للانتشار، أو نحوه من الأعذار، التي يعلمها العليم بذات الصدور؛ وإلى الله ترجع الأمور.
نعم، ومن أقواله في هذا الباب، الدالة على اقتفاء منهج الصواب، والمشي في سنن قرناء الكتاب، وحجج الله ـ تعالى ـ على أولي الألباب، ما قاله في سياق كلام الإمام المنصور بالله، والإمام يحيى (ع)، ما لفظه: لأن أقل أحوالهما أن يكونا قد عرفا أن ذلك مذهب إمام الأئمة، وأفضل الأمة، وأنه الحجة في الهدى، والعصمة من الردى؛ فقد صحّ عنه (ع) أمور كثيرة، في الأصول والفروع، منها: تجرمه وتظلمه من يوم السقيفة؛ ولا قوة إلا بالله، والله المستعان.
[لمع من كلام السيد محمد بن إبراهيم في حجية إجماع العترة]
وقال في العواصم: إن أهل البيت في زمان حدوث الفسق في المذاهب، لم يكونوا إلا علياً وولديه الحسنين (ع)، وإجماعهم حجة، ومعرفتهم متيسرة متسهلة؛ لاتحادهم واشتهارهم.
وفي الفرائد: قال العضد، والشريف /134
الجرجاني، في شرح المواقف: إن جميع الفرق منسوبون إلى علي (ع)؛ وابن عباس ـ رضي الله عنه ـ تلميذه.
وقال الوالد العلامة، محمد بن إبراهيم، في العواصم: لانعلم بعد النبيين والمرسلين أعلم من علي ـ أو كما قال ـ.
وفيه: أن المعلوم لمن له أدنى أنس بمذهب أهل البيت (ع)، وصفوة شيعتهم من الزيدية ـ رضي الله عنهم ـ يعلم أنهم مجمعون على تخطئة من تقدم على علي(ع).
وقال محمد بن إبراهيم في الكلام السابق: فأما حرب علي (ع)، فهو فسق بغير شك، وله الولاية العظمى، التي هي عمدة في الدين.
وقال: وقد أجمع أئمة العترة (ع) وشيعتهم أنه لايجوز خلو عصر من الأعصار إلى يوم القيامة، من عالم مجتهد من أهل البيت (ع).
وقال في سياق كلام في شأن آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ: لأن إجماعهم(ع) المعلوم عندنا حجة، وقولهم إلى الحق أوضح محجة.
إلى قوله: فإنا نردّ من ردوا، ونجرح من جرحوا.
إلى قوله: ولم أزل ـ بحمد الله ـ متمسكاً بأهل البيت، سراً وجهراً، مفتياً بإظهار عقيدتي نظماً ونثراً.
ومن أشعاره في هذا المعنى ما تقدم؛ وقال:
كفاني قول أهل البيـ .... ـت معقولاً ومنقولاً
فأما غير ما قالوا .... فلا أرضى به قولاً
وقال:
إذا شئت منهاجاً إلى الحق واضحاً .... مسالكه عند اختلاف المآخذ
فلا تعد عن نهجي كتابٍ وسنةٍ .... وعض على مافيهما بالنواجذ
ولا تعد عن منهاج آل محمد .... سفينة نوح ملتجى كل عائذ
فهم نصف مظلوم وحتف لظالم .... وهم غيث محتاج وهم غوث لائذ
/135
والله ولي التوفيق وحسن الختام.
[السند إلى مؤلفات السيد الهادي بن إبراهيم الوزير ـ وترجمته]
هذا، وأروي نظم الخلاصة، وكتاب نهاية التنويه في إزهاق التمويه، لأخيه السيد الإمام، بحر العلوم الزاخرة، وبدر الهداية الزاهرة، ونجم العترة الطاهرة، العلم المنير، والعالم الكبير، الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الوزير، بالسند السابق إلى الإمام شرف الدين؛ عن السيد الإمام، صارم الدين، إبراهيم بن محمد بن عبدالله، عن أبيه، عن جده عبدالله بن الهادي، عن أبيه السيد الإمام الهادي بن إبراهيم؛ أعاد الله من بركاتهم، وأولاهم التحيات والتسليم.
ويروي ذلك السيد صارم الدين أيضاً، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى، عن المؤلف.
فتسلسل السند بآل محمد (ع) ـ ولله الحمد ـ وقد سبق ذكره في سيرة الإمام علي بن المؤيد (ع) من التحف الفاطمية .
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: كان السيد الهادي.
إلى قوله: الإمام المعتمد، ذا الفضائل والآثار، والذي لم يسمع بوجود مثله في الأعصار، الركن الأشم في أولاد الإمام الهادي، والمربي على أقرانه في الحواضر والبوادي، جامع أشتات العلوم، وساطرها في المنثور والمنظوم؛ له المصنفات العديدة، منها: كفاية القانع في معرفة الصانع، نظم الخلاصة، وشرحها، وكتاب الطرازين المعلمين في المفاخرة بين الحرمين، والتفصيل في التفضيل، وكتاب الرد على ابن العربي، وهداية الراغبين إلى مذهب أهل البيت الطاهرين، وكتاب الرد على الفقيه ابن سليمان في المعارضة والمناقضة، وكاشفة الغمة عن حسن سيرة الأئمة، وكريمة العناصر في الذب عن سيرة الإمام الناصر، وكتاب السيوف المرهفات على من ألحد في الصفات.
وعلمه زاخر، وفضله ظاهر؛ وكان كبير الكلمة منتشر /136
الذكر، عند جميع الأكابر والعلماء، في جميع البلاد القريبة والبعيدة، حتى ديار مصر.
وقال: وقرأ على الإمام الواثق بالله، المطهر بن محمد بن المطهر، في كتب الأئمة وشيعتهم، وغيرها؛ وأخذ عنه أنساب أهل البيت (ع)؛ وسمع أيضاً كتب أهل البيت مثل: الشفاء، وأصول الأحكام، وغيرهما، على خاله صلاح بن محمد بن الحسن بن المهدي بن أحمد؛ وأخذ عنه أيضاً في سائر العلوم، وكذلك نهج البلاغة، وشروحه قراءة.
وأفاد أنه قرأ بصعدة مدة طويلة في علوم العربية: نحو، وتصريف، ومعانٍ، وبيان؛ وكذا تفسير القرآن على الشيخ إسماعيل بن إبراهيم بن عطية النجراني؛ وقرأ على الفقيه محمد بن ناجي في علوم الآداب أيضاً، واللغة.
إلى قوله: وقرأ في الأصولين والفروع على القاضي العلامة عبدالله بن حسن الدواري، وعلى عمه المرتضى بن علي، وعمه أحمد بن علي؛ وسمع الحديث على العلامة أحمد بن سليمان الأوزري.
إلى قوله: وله إجازات عديدة، وطرق مفيدة؛ وأخذ عنه صنوه محمد بن إبراهيم، والسيد أبو العطايا عبدالله بن يحيى، والسيد عز الدين محمد بن الناصر، والسيد عبدالله بن الهادي بن الإمام يحيى بن حمزة.
إلى قوله: وكان بينه وبين علماء اليمن الأسفل مراجعات، ومراسلات ومشاعرات، كالخياط، وإسماعيل المقري؛ وكذا بينه وبين علماء المخاليف، ومثل العلماء الأشراف، وجميع السادة والقضاة في المخلاف السليماني، وأهل مكة، وينبع، والحجاز.
إلى قوله: وذكره الحافظ ابن حجر في تاريخه، وأثنى عليه؛ ولما حج أكرمه الأمير حسن، وكل من بمكة من الأشراف والقضاة.
قلت: وفي مطلع البدور ما معناه، أنه لما وقف عند بعض المشائخ في الحرم لسماع الحديث، قال للشيخ يستقبل القبلة كما هي العادة.
فقال /137
الشيخ: النظر إلى أبناء الخليل أفضل من النظر إلى بناء الخليل.
ولما أراد دخول الكعبة، وتوصل إلى صاحب السدانة، تمثل بقول الشاعر:
ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة .... إليّ فهلا نفس ليلى شفيعها
أأكرم من ليلى علي فتبتغي .... به الجاه أم كنت امرءاً لا أطيعها؟
وقد تقدمت الأبيات، التي خاطب بها علماء الطوائف في شأن المقامات؛ ولله درّ العِلْم ما أعظم شأنه، وأقوم برهانه، وأوضح حجته، وأفصح كلمته، وأجل منزلته عند الأولياء، وأهيبها في قلوب الأعداء ـ لاسيما إذا صادف حملته ـ! هذا فيما بين العباد في الدنيا، فكيف بما عند العلي الأعلى في الأخرى.
نعم، قال السيد الإمام: ثم رحل إلى صنعاء، ثم إلى ذمار، وبها توفي، بحمام السعيدي، آخر نهار تاسع عشر ذا الحجة الحرام، صائماً، سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة.
قلت: وقد سبق في التحف الفاطمية .
قال: وعمره ثلاث وستون سنة؛ ورثاه عدة من الناس من أهله، وغيرهم، انتهى.
وفي مطلع البدور، بعد أن بسط في ترجمته، ما لفظه: وكان موته رائعاً للمسلمين، وفلاً عظيماً في عضد أهل الدين، ونقصاً في أهل البيت المطهرين، ومنع ـ لسبب بلوغ خبره ـ ما يعتاد فعله في الأعياد، مع الأئمة، وأهل الأموال، في المدائن والأمصار؛ وكانت روعة عظيمة في أمصار الزيدية، في ذمار، وصنعاء، وصعدة، ومنع جميع الزيدية في المدارس.
قال: وقبره بموضع يقال له: جربة صنبر، وإلى هذا الموضع أشار من قال:
إن الفصاحة والرجاحة والعلا .... في تربة الهادي بجربة صنبرِ
/138
شرفت بأَعْظُمِهِ فطاب صعيدُها .... فترابها كالمسك أو كالعنبرِ
....إلى قوله:
أَكْرِمْ بها من تربة يمنية .... نسبت إلى ترب بطيبة والغري
قلت: وقد عارض بالبيت الأول البيت الذي يستشهد به أهل البيان في الكناية.
وساق من أخباره الحسان، ما تقر به الأعيان؛ عليهم التحيات والرضوان.
[قصيدة للهادي بن إبراهيم(ع) يندد فيها بالطغاة وظالمي أهل البيت(ع)]
نعم، وكتابه نهاية التنويه شرح على قصيدته البالغة الفاخرة، في الرد على مناصبي العترة الطاهرة (ع)، وهي:
أقاويل غي في الزمان نواجم .... وأوهام جهل بالضلال هواجمُ
ومسترق سمعاً لآل محمد .... فأين كرام بالنجوم رواجمُ؟
ومستوقد ناراً لحرب علومهم .... فأين البحار الزاخرات الخضارمُ؟
ومعترض فيهم بمخراق لاعب .... فأين السيوف الباترات الصوارمُ؟
ومجتهد في ذم قوم أكارم .... فأين الأباة السابقون الأكارم؟
ومنتهش لحماً لهم وهو ثعلب .... فأين الأسود الخادرات الضراغم؟
عسى نخوة تحمي على آل أحمد .... فقد ظهرت بغياً عليهم سخائم
عسى غاضب لله فيهم بحكمه .... يحكم فيه الحق فالحق حاكمُ
عسى ناظر فيهم بعين بصيرة .... وحاكٍ لما نصت عليه الملاحم
عسى ناقم ثاراً لهم من عدوهم .... فذاك عدوٌ بالمناقم ناقم
عسى عارف ما قال فيهم أبوهم .... فقد جهلت تلك النصوص العظائم
عسى سالم فيهم عداوة ناصب .... فقد فاز منها سالم ومسالم
عسى عادم حقداً عليهم بقلبه .... فقد قل منه اليوم من هو عادم
عسى صائم من لحم أولاد حيدر .... فما سائم في لحمهم هو صائم
/139