مسلسلة بالعترة إلى إمام الأئمة.
وعلى الجملة، هذا هو المراد له ولعلماء الإسلام، يعلم ذلك كل من له بمقاصدهم أي إلمام، ولو كان الشرط أن يتسلسل في كل عصر، للزم ألا يحكم به ولايظهر إلى آخر الدهر، بل المعتبر صحة التسلسل في أي عصر، وقد صرح أعلام الأئمة، وعلماء الأمة، على تسلسل مجموع الإمام الأعظم (ع) وغيره.
[كلام ابن الوزير في إسناد أهل البيت (ع)]
قال السيد الإمام حافظ اليمن إبراهيم بن محمد الوزير: وهو مسلسل الأحاديث النبوية بسند السلسلة الذهبية، وقد ذكره الحاكم في علوم الحديث في نوع المسلسل...إلخ كلامه.
[إشارة إلى مسلسلات الأئمة]
هذا، ومسلسلات أخيه باقر علم الأنبياء وأولاده، منهم: الصادق، وأولاده، منهم: الكاظم، وأولاده، منهم: الرضا، عن آبائهم ـ صلوات الله عليهم ـ وهي مشحونة بها أسفار الأئمة الأطهار، كعلوم آل محمد أمالي الإمام أحمد بن عيسى ابن الإمام الأعظم، والأحكام، والبساط، وشرح التجريد، وشرح التحرير، وأماليات الأئمة، وسائر مؤلفات العترة الكرام (ع)، ومؤلفات غيرهم من علماء الإسلام؛ ومما أفرد بالتأليف العزيز: الصحيفة الرضوية، وسلسلة الإبريز.
ومسلسلات كامل أهل البيت (ع) عبدالله بن الحسن، وإخوته أعلام الكتاب والسنن، وأولاده الأئمة، هداة الأمة، منهم: النفس الزكية محمد بن عبدالله، والنفس الرضية إبراهيم بن عبدالله، وأولادهما، منهم: الحسن بن إبراهيم، وولده عبدالله بن الحسن، عن آبائهم ـ صلوات الله عليهم ـ.
ومسلسلات نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، وأولاده، منهم: محمد، والحسن، والحسين، وأولادهم، منهم: إمام الأئمة، وهادي هذه الأمة، إمام اليمن، محيي الفرائض والسنن، يحيى بن الحسين، وأولاده المرتضى، والناصر، وأولادهما؛ عن آبائهما كريمي /120

العناصر ـ صلوات الله عليهم ـ.
ولنجم آل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم وعليهم ـ مسلسلات عن سائر مشائخ آل محمد (ع) منها: روايته عن عبدالله بن الحسن بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، عن آبائه (ع)، وقد تقدم ذكرها في سند أمالي الإمام أحمد بن عيسى، وفي البساط للناصر للحق (ع)، وقد أخرج منها الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي؛ وقال في أمالي الإمام أبي طالب: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني ـ وذكر سنده إلى القاسم بن إبراهيم ـ قال: حدثني عبدالله بن الحسن بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي (ع)، عن أبيه، عن جده، عن آبائه، عن علي (ع)، قال: خطبنا رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - بعد ما صلى العصر، فما ترك شيئاً هو كائن بين يدي الساعة إلا ذكره في مقامه ذلك، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، فقال في خطبته: ((أيها الناس، إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم، فناظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، واتقوا الغضب، فإنه جمرة تتوقد في جوف ابن آدم؛ ألا ترون إلى انتفاخ أوداجه، وحمرة عينيه؟ فإذا أحسّ أحدكم بشيء من ذلك فليذكر الله سبحانه)).
ومسلسلات الإمام الناصر للحق الحسن بن علي، منها: عن أخيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن الحسن، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، في استكمال حقائق الإيمان...الخبر، وهو في البساط، وقد أوردته في التحف الفاطمية .
ومسلسلات الإمام المؤيد بالله، وأبي طالب، وأبي العباس الحسني (ع)، منها: عن السيد الإمام عماد الإسلام يحيى بن المرتضى لدين الله محمد، عن عمه الناصر لدين الله، عن أبيه الهادي إلى الحق، عن /121

آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ.
فهذه لمعة من أنوار، ومجة من بحار، من مسلسلات العترة الأطهار، قد تضمنتها المجموعان، والأحكام، والبساط، والشرحان، والأماليات الخمس، وغيرها من الأسفار؛ وقد أسلفت منها في هذا الكتاب المبارك ـ إن شاء الله تعالى ـ ما فيه معتبر لذوي الاعتبار.
نعم، وقد سبق في المنقول من الشافي مسلسل الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة، في إسناد مذهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ في العدل والتوحيد، وصدق الوعد والوعيد، والنبوة، والإمامة لعلي بن أبي طالب، ولولديه الحسن والحسين (ع) بالنص، وأن الإمامة بعدهما في مَنْ قام ودعا من أولادهما، وسار بسيرتهما؛ عن آبائه أباً فأباً إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وقد سمع الشافي عليه الإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن الأمير الداعي إلى الله بدر الدين محمد بن أحمد (ع)، وقد أوضحتُ في هذا ما منَّ الله ـ تعالى ـ به من الأسانيد المسلسلة بالعترة المطهرة (ع)، من لديّ إلى أعلام الأئمة، وكرام الأمة.
منها: إلى الإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد، وهو يروي عن الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة.
ومنها: إلى أخيه الناصر للحق، حافظ العترة، الحسين بن محمد، وهو يروي عن أبيه الداعي إلى الله شيبة الحمد، بدر الدين محمد بن أحمد، وهو يروي عن الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان، بأسانيدهم.
ومنها: إلى الإمام القوام، المتوكل على الله، المطهر بن يحيى المظلل بالغمام، وولده الإمام المهدي لدين الله، وولده الواثق برب الأنام، ومن ذلك ما قاله (ع):
أروي عن والدي محمد بن المطهر الصلاة بالركوع والسجود، وجميع /122

أركان الصلاة، وأراني كيفية ذلك، وإنها لأبلغ صلاة، وأتمها، وأوفاها، وأكملها.
وقال: أخبرني أبي، عن أبيه، عن جده، عن آبائه (ع)، عن علي (ع)، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ هذه الصلاة المذكورة المستوفاة الأركان، والأذكار، والأفعال، انتهى.
وإلى الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى، والإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد، والإمام المؤتمن، الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن، والإمام المنصور بالله محمد بن علي السراجي، والإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
وإلى من تخللهم، ومن بيننا وبينهم، ومن قبلهم من نجوم الهدى، وأئمة الاقتداء.
فهذه ـ بحمد الله ـ من المسندات المسلسلة بآل رسول الله ـ صلوات الله عليهم ـ من عصرنا؛ ولاتزال ـ إن شاء الله ـ متصلة على مرور الأعصار، وقد تقدم وسيأتي ـ إن شاء الله ـ ما فيه بلاغ لأولي الأبصار.
[ترجيح مسلسل العترة]
هذا، وقد علم رجحان مسلسل السند بآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ بالإجماع عند أئمتنا (ع) وأشياعهم، وهو الصريح من مذهبهم، بل وعند غيرهم، كما سبق عن أحمد بن حنبل، والحاكم، بلا نزاع؛ وذلك لما فيه من العلو العلوي، والقرب النبوي.
ولذا قال الإمام الناصر للحق الحسن بن علي (ع):
وقولهم مسند عن قول جدّهم .... عن جبرئيل عن الباري إذا قالوا
وقال الإمام المنصور بالله: /123

كَمْ بين قولي عن أبي عن جده .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
فعظمت العناية، واشتدت الرغبة من ذوي الولاية، في اتصال السند بآل محمد(ع)، كما قال السيد الإمام، حافظ اليمن، إبراهيم بن محمد الوزير (ع) في علوم الحديث، ما لفظه:
الأول: في إسناد العترة، وأنه أصح الأسانيد؛ وهذا أمر لا امتراء فيه عند أهل المذهب، ومسنداتهم المتصلة تسمى سلسلة الذهب، انتهى المراد.
نعم، فما كان الرواة فيه من آل محمد (ع) أكثر ـ وإن لم يتسلسل ـ فهو مقدم على ماليس فيه منهم أحد، أو كانوا فيه أقلّ، ولهذا ترى أعلام العترة، وعلماء الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ يتبركون بأسانيد آل محمد (ع)، ويقول الواحد منهم: ليس بيني وبين من اتصل به السند إلا إمام سابق، أو مقتصد لاحق؛ ويعدون مَنْ في الإسناد من العصابة العلوية، والسلالة المحمدية؛ فالاتصال بهم أقوى سبب، والمرء مع من أحب.
وقد يسر الله تعالى في هذا المؤلف النافع ـ إن شاء الله ـ من المسلسلة بالسلالة الطاهرة، نجوم الدنيا وشفعاء الآخرة، مالم يكن في سواه ـ بفضل الله ـ والحمد لله حمداً يبلغ منتهى رضاه؛ رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
[بطلان حكم الوزير والأمير على الأحكام بخلوه من المتسلسل]
هذا، وأما ما قاله في الإيثار، ونقله عنه الأمير في توضيح الأفكار، من أنه ليس في الأحكام حديث مسلسل بآبائه إلا حديثاً واحداً، فهو مما ينادي على مجانبتهما، وعدم حفظهما لعلوم سلفهما الأطهار، ولقد كنت أوثر جانب الإحترام، ولكن الحق لله، والله لا يستحي من الحق، وليس على قائل الصدق وإن شق ملام، لا سيما وهما لم يحترما مقام إمام الأئمة الأعلام، وهداة هذه الأمة من الأنام، ولم يسمحا بفضل النظر في كتابه جامع الأحكام، أو يصمتا والصمت أسلم عن الخطر، ويقتصرا ما عنيا به من البحث والحفظ في علم المخالفين لأهل بيت النبوة الكرام، وكل ذي لب يعرف مخرج هذا الكلام، وما راما به من التوهين في علوم العترة الهادين، كما قد اقتدى بهما طائفة من المنحرفين الطغام، واقتاد لهما بالزمام فريق من المقلدين الأغتام، فسأوضح بطلان /124

ذلك الكلام، واختلال ذلك المرام، بإعانة الملك العلام.
فأقول: إن أراد ليس فيه من المصرح بالتسلسل عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ كما هو ظاهر عبارته التي شرط فيها ماليس بشرط في المسلسل، لتتم له دعواه؛ فبحمد الله تعالى لم يصب مرماه، فمما يردّ مدعاه ما قدمته عند تمام سند الأحكام، وهو الخبر النبوي:
قال (ع) في الأحكام: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن آبائه (ع)، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((الرفق يمن، والخُرْق شؤم)).
ومنه ما قاله في الأحكام: حدثنا أبي، عن أبيه، عن مشائخه وسلفه، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لدرهم ربا أشد عند الله من أربع وثلاثين زنية في الإسلام، أهونها إتيان الرجل أمه)).
والذي يقتضيه النظر أن مثل هذا لو كان في البخاري ومسلم لما خفي عليهما مكانه، ولاغبي عندهما شأنه؛ ففيه مع هذا الانتقاض أعظم دليل على الإعراض، وأقوى شاهد على الكروع من غير هذه الحياض، والرتوع في غير هذه الرياض، وإنما أشير في هذا إلى الأمير، وإن كان أصل الكلام للوزير، لما ظهر منه على هذا القول من النقل والتقرير، ولما علم من حاله وحال أمثاله، وقد أبنت بعض ما جرى منه في الفلق المنير، واستوفى في الكشف عنه الإمام الكبير، المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير (ع)، وإن عرض البحث فيه، أوضحت الحق في شأنه، كما أمر الله تعالى ببيانه.
هذا، وإن أراد أنه ليس فيه على الإطلاق، لا مصرحاً به، ولا غير مصرح، لا عن آبائه الكرام، ولا عن سائر سلفه الأعلام (ع)، كما هو الذي يقتضيه صنيعه في الإيهام، وإلا فأي فائدة في سياق ذلك الكلام، مع أنه غير ناقض لما هو المراد من التسلسل؛ إذ القصد ـ كما صرح به هو، وهو معلوم لذوي الأفهام ـ التسلسل بالعترة الأعلام، سواء في ذلك الآباء والأعمام، وغيرهم من سلالة سيد الأنام.
من تلقَ منهم تقل لاقيتُ سيّدهم .... مثل النجوم التي يسري بها الساري
وأيُّ حاجة إلى اشتراط مالم يشترطه أحد من علماء الإسلام، ولايترتب /125

عليه شيء من الأحكام؟
وعلى ذلك فقد اختل كلامه وبطل، وانتقض غرضه واضمحلّ.
فأقول وبالله أصول وأجول:
أما الأول: وهو نفي المصرح فيه، فقد أوضحت بطلانه، وأقمتُ برهانه.
وأما الثاني: وهو نفي مالم يصرح به، فهو من الرجم بالوهم، والرمي بالغيب، والحكم بلا أمارة ولا دليل؛ بل الأقرب والأصوب، الذي يشهد له أحوال إمام اليمن، محيي الفرائض والسنن ـ صلوات الله عليه ـ أن مالم يصرح فيه بالسند من البلاغات ونحوها، وأصول المسائل التي رواها عن أبيه الوصي، وجده النبي ـ عليهما وآلهما صلوات الملك العلي ـ وهي الكثير الطيب، والغزير الصيب، مسلسلة الرواة، بآبائه الهداة، وسائر العترة سفن النجاة؛ لوجوه صحيحة، ومرجحات صريحة، منها: تصريحه في الأحكام، وتوكيده التوصية لأهل بيت النبوة في أخذهم العلم عن سلفهم الكرام.
قال صلوات الله عليه، في باب القول في اختلاف آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: قال يحيى بن الحسين: إن آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لا يختلفون إلا من جهة التفريط؛ فمن فرط منهم في علم أهل بيته أباً فأباً حتى ينتهي إلى علي بن أبي طالب (ع)، والنبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - وشارك العامة في أقاويلها، واتبعها في شيء من تأويلها، لزمه الاختلاف؛ ولاسيما إذا لم يكن ذا نظر وتمييز، وردّ ما ورد عليه إلى الكتاب، وردّ كل متشابه إلى /126

المحكم.
فأما من كان منهم مقتبساً من آبائه أباً فأبا حتى ينتهي إلى الأصل، غير ناظر في قول غيرهم، ولا ملتفت إلى رأي سواهم، وكان مع ذلك فَهِماً مميزاً، حاملاً لما يأتيه على الكتاب والسنة المجمع عليها، والعقل الذي ركبه الله حجة فيه، وكان راجعاً في جميع أمره إلى الكتاب، وردّ المتشابه منه إلى المحكم، فذلك لايضل أبداً، ولا يخالف الحق أصلاً.
قلت: وهذا يدل على أن المراد بذلك أنهم لايختلفون في أصول الدين وقطعيات الشريعة التي لايجوز الاختلاف فيها؛ ولا يصحّ حمله على مسائل الاجتهاد، لوقوع الاختلاف بينهم قطعاً، حتى بينه وبين جده القاسم وأولاده (ع).
فبالله عليك أيها الناظر المنصف، لا المناظر المتعسف، أما يشهد كلام إمام الأئمة هذا شهادة بينة، ويدل دلالة قيمة، على أخذه لعلمه كما وصى به عن سلفه، وأهل بيته هداة الأمة، فهو تالله، أجلّ؛ وحاشا مقامه أن يوصيهم بالبر وينسى نفسه؛ أم وصاهم بما لا طريق إليه، ولاسبيل لهم عليه، أو حثهم ذلك الحث البليغ، على أخذ جميع علمهم عن سلفهم، والحال أنه يقلّ وجوده، كما زعم صاحب التنقيح وجنوده، بل ليس عنده في الأحكام إلا حديث واحد؟!
فأنت أيها المطلع موكول في مثل هذا إلى علمك، وفهمك ودينك.
ومنها: أنه معتمد في الأعمّ الأغلب، بل لايشذ عن ذلك ماتفرد في المذهب، على الإسناد والاستناد فيه، بلفظ: حدثني أبي، عن أبيه؛ وأبوه هو الحافظ، وجده هو نجم آل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وإمام أسباط الوصي والبتول ـ صلوات الله عليهم ـ، أيكون نجم أهل بيت النبوة، وكذا من بعده من آبائه لم يأخذ كل واحد منهم عن أبيه إلا حديثاً، أو حديثين يرويه، وفي مذهبه يقتفيه؟‍! مع أن كل واحد منهم أدرك أباه، وهذّبه ورباه، ومن معين العلوم /127

سقاه؛ كلا، لعمرك إن هذا مما لاتقبله ولاترتضيه.
وقال بعض علماء العصابة المرضية: والمختار عند أئمتنا (ع) تقديم ما ثبت عن أئمة العترة، مسنداً، أو مرسلاً، وتقديم رواية القرابة، على غيرهم من سائر الصحابة.
قال: وقد ذكر الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ـ قدس الله روحه في الجنة ـ أنه ما يقول إلا ما يقول آباؤه، ولايقولون إلا ما يروونه عن أجداده، حتى يتصل بأبيه علي (ع)، ثم بجده محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قلت: وهذا محمول على أصول التوحيد والعدل، والمهمات من الشريعة، لايصح حمله على غير ذلك قطعاً.
وروي عن الهادي (ع) أنه إذا أطلق الحديث، فهو لقوته؛ إذْ رواته عدول؛ إذْ لا تطلق الرواية إلا عمن كملت فيه تلك الشروط؛ فكان ما في مجموع القاسم والأحكام للهادي (ع)، وسائر كتبهما، هو نفس قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلا ما أشار إلى أنه عن اجتهاد... إلى آخر كلامه.
وقد نقله بتمامه، القاضي شمس الدين، أحمد بن يحيى حابس ـ رضي الله عنه ـ في المقصد الحسن.
[إسناد أئمة العترة أصول مذهبهم إلى الهادي]
ومنها: أن أئمة العترة المحمدية ـ صلوات الله عليهم ـ ومن تبعهم من أعلام العصابة الزيدية ـ رضوان الله عليهم ـ أسندوا فقههم ومذاهبهم ـ أي أصولها وجملها ـ إلى إمام اليمن، محيي الفرائض والسنن، بسند آبائه عليهم الصلوات والتسليم.
وممن صرح بذلك منهم: الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين (ع)، حيث قال: لنا سند في الفقه عجيب، وسبب ممتد صليب، يتصل بخاتم المرسلين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عن رب العالمين؛ نرجو به الفوز الأسنى عنده، ونسأله أن يوزعنا عليه وعلى سائر النعم شكره وحمده.
ثم /128

ساقه بالقراءة متصل السند إلى الإمام المؤيد بالله (ع)، قراءة على أبي العباس الحسني، قراءة على يحيى بن محمد المرتضى، قراءة على عمه أحمد بن يحيى، قراءة على أبيه الهادي يحيى بن الحسين، قراءة على أبيه الحسين، قراءة على أبيه القاسم، قراءة على أبيه إبراهيم، قراءة على أبيه إسماعيل، قراءة على أبيه إبراهيم، قراءة على أبيه الحسن، قراءة على أبيه الحسن السبط، قراءة على أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أخذه عن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ـ.
وكذا الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع)، قال: فأنا أروي مذهبي عن السيد العلامة صارم الدين إبراهيم بن المهدي الجحافي القاسمي قراءة، وعن السيد العلامة أمير الدين بن عبدالله من آل المطهر بن يحيى إجازة، وعن غيرهما إجازة وقراءة.
ثم ساق السند مسلسلاً بآل محمد من طريقة الإمام شرف الدين إلى الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى؛ ثم بسنده إلى الإمام المرتضى لدين الله، عن آبائه، إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وقال في آخره: فهذا هو مذهبنا؛ وقد تقدم.
وكذا سند الواثق بالله، المسلسل بآبائه إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وكذا غيرهم من السلف والخلف.
وقد سبق في اتصال أسانيدنا إليهم، وأسانيدهم إلى سلفهم، في الفصل الرابع، وغيره، ما يكفي ويشفي.
نعم، والذي تقدم التصريح فيه، والنقض به عليه، هو المسلسل في الأحكام بآبائه الكرام؛ وأما فيما كان عن سائر سلفه الأعلام، فقد صرّح الإمام في الأحكام، بمسلسلات سادات الأنام (ع)، ففيه الكثير النافع، والغزير الواسع، عن الإمام الأعظم، وعن أخيه الباقر، وولده الصادق، وابن /129

68 / 143
ع
En
A+
A-