فنقول: إنما نشأ له ولغيره نسبة ذلك إلى الإمام لعدم تدبر كلامه في الخطبة، وعدم التحقيق في أصل كتابه، وإلا فهو مفيد للقبول على شرطه، وقد صرّح بقبوله لمرسل الثقات تصريحاً لا يقبل التأويل؛ ولكن السيد وأمثاله ـ وإن كانوا حفاظاً في علوم المخالفين ـ لايمعنون النظر في مؤلفات سلفهم الهادين، يعلم ذلك من اطلع على حقائق أحوالهم من المنصفين، والله المستعان؛ وقد سبق كلام الإمام المؤيد بالله (ع)، وبيان مراده، في سند شرح التجريد، والله ولي التسديد.
[بيان المرسل والمعضل والمعلق]
هذا، والمرسل عند العترة: ما سقط منه راو فصاعداً؛ فدخل فيه على اصطلاح بعض العامة المرسل، وهو: ما كان الساقط منه صحابياً.
والمنقطع وهو: ما كان واحداً غيره.
والمعضل (بفتح الضاد المعجمة) وهو: ما سقط منه أكثر من واحد من أول السند، أو أوسطه، أو آخره.
والمعلق وهو: ما سقط منه واحد فأكثر من أول السند.
نعم، ثم ساق الكلام في التنقيح...إلى قوله، في بحث أصح الأسانيد، حكاية لكلام الحاكم: إن أصح أسانيد أهل البيت (ع) جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع) إذا كان الراوي عن جعفر ثقة.
قال المؤلف: قال أحمد بن حنبل: هذا إسناد لو مُسِحَ به على مريض لشفي؛ رواه المنصور بالله في المجموع المنصوري.
إلى قوله: عدم انحصار الصحيح في كتب الحديث./110
[عدد أحاديث الصحيحين]
قال زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي الشافعي: لم يستوعب البخاري، ومسلم، كل الصحيح في كتابيهما.
إلى قوله: قال الشيخ زين الدين بن العراقي: عدد أحاديث البخاري بإسقاط المكرر أربعة آلاف حديث ـ على ماقيل ـ وعدد أحاديثه بالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً؛ كذا جزم به ابن الصلاح، وهو مسلم في رواية الفربري.
وأما رواية حماد بن شاكر، فهي دونها بمائتي حديث، ودون هذه بمائة حديث رواية إبراهيم بن معقل.
إلى قوله: ولم يذكر ابن الصلاح عدة أحاديث مسلم.
وقال النووي: إنه نحو أربعة آلاف بإسقاط المكرر.
إلى قوله: وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة شرحه لصحيح البخاري أنه ترك التقليد في عدة أحاديث البخاري، وحرر ذلك لنفسه، فزاد على ما ذكروه مائة حديث، واثنان وعشرون حديثاً، والجملة عنده بالمكرر سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثاً.
[مراتب الصحيح ومناقشتها]
إلى قوله: اعلم أن مراتب الصحيح متفاوتة بحسب تمكن الحديث من شروط الصحة وعدم تمكنه، وقد ذكر أهل علوم الحديث أن الصحيح ينقسم سبعة أقسام:
الأول: أعلاها، وهو ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم؛ وهو الذي يعبر عنه أهل الحديث بقولهم: متفق عليه.
قلت: وقد اعترض على هذا بأن الأولى بالتقديم المتواتر، ودعوى إحاطتهما بالمتواترات من المتهافتات.
قال: والثاني: ما أخرجه البخاري.
والثالث: ما أخرجه مسلم./111
والرابع: ما هو على شرطهما.
قلت: وقد اعترض على هذا أيضاً؛ إذْ ليس لهما شرط معروف، كما هو معلوم، وقد حقق ذلك الشارح وغيره.
قال: والخامس: ما هو على شرط البخاري.
والسادس: ما هو على شرط مسلم.
قلت: وقد اعترض على هذا كله باعتراضات لا حاجة إلى إيرادها؛ والنزاع بين العترة وبينهم في أكثر من ذلك.
قال: والسابع: ما هو صحيح عند غيرهما من الأئمة المعتمدين، وليس على شرط واحد منهما.
قال: والوجه في هذا عند أهل الحديث هو تلقي الأمة للصحيحين بالقبول؛ ولا شك أنه وجه ترجيح.
[بطلان القول أن الصحيحين ـ إلا اليسير ـ متلقاة بالقبول، والانتقاد عليهما]
قلت: الله أكبر! هذه دعوى مجردة عن البيان.
والدعاوي إن لم تقيموا عليها .... بيّنات أبناؤها أدعياءُ
كيف وقد قام على خلافها البرهان؟ فهي معلومة البطلان؛ كيف والمنازعة على صحتهما واقعة بين أصحابهم؛ فكيف بقرناء القرآن، وأمناء الرحمن؟! وقد سلف في صدر الكتاب، ما فيه ذكرى لأولي الألباب.
وقد انتقد البخاري على رجال لمسلم، ومسلم على رجال للبخاري؛ فهو أقرب نقض لدعوى الإجماع، فكلامهما أول قدح ونزاع.
قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في التوضيح، بعد كلام المؤلف، ما لفظه: وهذا التلقي لأحاديث الصحيحين يحتاج مدّعيه في إثبات دعواه إلى دليل.
ثم قال: لايخفى أن إقامته عليها من المتعذرات.
إلى قوله: مع أن هذا الإجماع بتلقي الأمة لهما لايتم إلا بعد عصر تأليفهما، حتى ينتشرا ويبلغا مشارق /112
الأرض ومغاربها، وينزلا حيث منزل كل مجتهد؛ مع أنه يغلب في الظن أن في العلماء المجتهدين مَنْ لا يعرف الصحيحين؛ فإن معرفتهما بخصوصهما ليست شرطاً في الاجتهاد قطعاً.
ثم قال: إذا عرفت ما في هذا الاستدلال من الاختلال، فالأولى عندي في الاستدلال على تقدم الصحيحين هو إخبار مؤلفيهما بأن أحاديثهما صحيحة؛ وقد قال المؤلف نفسه في التنقيح رداً على من ادعى مثل هذه الدعوى، ناقلاً عن زين الدين، ما نصه: لأن النسائي ضعف جماعة أخرج لها الشيخان أو أحدهما.
قال ـ أي السيد محمد بن إبراهيم ـ: ما هذا مما اختص به النسائي؛ بل شاركه في ذلك غير واحد من أئمة الجرح والتعديل، كما هو معروف في كتب هذا الشأن، ولكنه تضعيف مطلق، غير مبين السبب، وهو غير مقبول.
قلت: أما التلقي، فهو يقدح فيه كيف ما كان؛ لتعميمه الدعوى على الأمة.
وأما أنه مطلق، فغير محقق؛ وقد قال الأمير في شرحه: بل فيهم جماعة جرحوا جرحاً مبيّن السبب، منهم من جرح بالإرجاء، كأيوب بن عائذ بن مفلح، أخرج له الشيخان؛ قال النسائي، وأبو داود: كان مرجئاً.
وبالنصب،..إلى قوله: وأخرج البخاري لحريز بن عثمان الحمصي؛ قال الفلاَّس: كان يبغض علياً.
إلى قوله: قال محمد بن سعيد: فيهم عوالم ممن رمي ببدعة؛ وقد سقنا في ثمرات النظر جماعة من ذلك، وقد أخذوا السلامة من البدعة، فالبدعة قادحة عندهم؛ وفيهم مَنْ هو داعية إلى بدعته، حتى بالغ ابن القطان، وقال: في رجالهما مَنْ لم يعرف إسلامه؛ نقله عنه العلامة المقبلي.
قلت: وقد سبق قبل هذا للأمير في شرحه التوضيح، ما لفظه: /113
وأما رجحانه ـ يعني البخاري ـ على مسلم، قال: من حيث العدالة والضبط؛ فلأن الرجال الذين تكلم فيهم من رجال مسلم أكثر عدداً من الرجال الذين تكلم فيهم من رجال البخاري.
ثم ساق ما ذكرته في الفصل الثاني من عددهم...إلى قوله:
وأما رجحانه من حيث عدم الشذوذ والإعلال؛ فلأن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقلّ عدداً مما انتقد على مسلم؛ فإن جملة الأحاديث التي انتقدت عليهما مائتا ـ بألف التثنية ـ حديث وعشرة، اختص البخاري منها بأقل من ثمانين.
قال: وهذا كلام الحافظ هنا، وسيأتي بنقل المصنف عنه، أنه ذكر في مقدمة فتح الباري، مما اعترضه الحفاظ على البخاري، مائة حديث وعشرة أحاديث...إلخ.
وقد نقل مؤلف التنقيح عن ابن حزم ما لفظه: ما وجدنا للبخاري، ومسلم، شيئاً لا يحتمل مخرجاً إلا حديثين، لكل واحد منهما حديث، تمّ عليه في تخريجه الوَهَم.
إلى قوله: فذكر من البخاري حديث شريك عن أنس في الإسراء، وأنه قبل أن يوحى إليه، وقد شقّ صدره.
قال: والحديث الثاني حديث عكرمة بن عمار، عن أبي زُميْل ـ قلت: ضبطوه بالتصغير ـ عن ابن عباس، كان الناس لاينظرون إلى أبي سفيان، ولايقاعدونه، فقال للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ثلاث أعطيكهن.
قال: نعم.
قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها.
قال: نعم.
قال ابن حزم: هذا موضوع لاشك في وضعه، والآفة فيه من عكرمة بن عمار.
إلى قوله: قال زين الدين: وقد ذكرت في الشرح الكبير أحاديث غير/114
هذين، وقد أفردت كتاباً لما ضعف من أحاديث الصحيحين.
قال الأمير: واعلم أنه قد سبق عن ابن الصلاح، أن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول.
قال: سوى أحرف يسيرة، قد تكلّم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ.
إلى قوله: قال الحافظ ابن حجر، تعقباً له: اعترض الشيخ أولاً على ابن الصلاح استثناء المواضع اليسيرة بأنها ليست يسيرة بل كثيرة.
إلى قوله: وأما كونه يمكن الجواب عنها، فلا يمنع ذلك استثناءها؛ لأن من تعقبهما من جملة من ينسب إليه الإجماع بالتلقي، فالمواضع المذكورة متخلفة عنده عن التلقي...إلخ.
قال صاحب التنقيح: وقد ذكر النووي في مقدمة شرحه لكتاب مسلم قطعة حسنة في ذلك، وذكر مَنْ صنف في ذلك.
قلت: أي في الانتقاد عليهما.
قال: كأبي السعود الدمشقي، وأبي علي الغساني، والدارقطني.
وقال: قال النووي في شرح مسلم: إنه وقع اختلاف بين الحفاظ في بعض أحاديث البخاري ومسلم، فهي مستثناة...إلخ.
ونقلوا عن ابن الصلاح أنه قال: ما أخذ على البخاري ومسلم، وقدح فيه معتمد من الحفاظ، فهو مستثنى مما ذكرناه.
قلت: فهذه نبذة كافية من كلامهم؛ فبحمد الله تعالى قد كفونا بالرد على أنفسهم وبتناقض أقوالهم عن النقض؛ وإنه تالله، ليقضى بالعجب، من أن يدعي مثل هذه الدعاوي الباطلة من له من العلم والدين أدنى مسكة، وماهي إلا من الهذيان والمجازفة، التي لاتقدير لها بمكيال ولا ميزان، والعمدة في هذا مراقبة الملك الديان؛ ولقد تهافت في تقليد هذه الدعوى الفارغة، الرعاعُ، وتهالك في أثرها الأتباعُ، فعميت عن إبصار الحق، وصمّت عن سماع التحقيق منهم، /115
الأبصارُ والأسماع.
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى .... ولكنها الأهواء عمّت فأعمتِ
نسأل الله ـ تعالى ـ العصمة والسلامة.
هذا، ولعلم صاحب التنقيح بما في هذه الدعوى من الاختلال، وأنها ليست إلا من باب الإرهاب وقعقعة الجدال، الذي لايتم على أولي الألباب، من فحول الرجال، أوردها كالمتبري عنها، حيث قال: والوجه في هذا عند أهل الحديث.
ولو تم على هذا لكان قد أجمل؛ ولكنه عدل إلى التغرير بإظهار صورة التقرير، فقال: ولاشك أنه وجه ترجيح...إلخ.
ثم ساق في تقويم ذلك التصحيح، بما يعرف ما فيه من عوج كل ذي لبّ رجيح.
وقال: وإن لم يسلم لهم إجماع الأمة، فلا شك في إجماع جماهير النقاد من حفاظ الأثر، وأئمة الحديث، على ذلك.
قلت: قد سبق أيضاً ما يرد هذه الدعوى الأخرى المعلومة الفساد، من كلام المؤلف، وكلام حفاظهم النقاد، وما أورد عليهما من الانتقاد؛ دع عنك الأئمة الأعلام، عترة سيد الأنام، وسادات أهل الإسلام؛ فيا سبحان الله! أين مصداق قوله:
مع أنني لا أرتضي .... إلا مقالات الفواطمْ
لاسيما علامتي .... ساداتنا يحيى وقاسمْ
ثم قال: فقد ذكر صحتهما المنصور بالله في كتابه العقد الثمي ن، وذكر الأمير الحسين صحيح البخاري في كتابه الشفاء بلفظ الصحيح.
قلت: قد تقدم كلام الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الموجب للرواية عن المخالفين، وأنه قال (ع) في الشافي: وحققنا ذلك من الصحاح عند العامة، مع الذي اختصصنا بروايته نحن واتباعنا من الشيعة. /116
وقال (ع) فيه: ونحن لاننقل إلا ما صحّ لنا بالنقل الصحيح، أو كان من رواية ضدنا؛ للاحتجاج عليه، ولم نورد ذلك إلا ومعنا من البرهان عنه ما يكفي ويزيد، تأكيداً.
وتقدم كلامه (ع) في الحشوية والسنية، وأصل تسميتهم بالسنة والجماعة، وتقدم أن الإمام والأمير الحسين (ع) وغيرهما من أئمة آل محمد (ع)، جرحوا رجالاً عليهم مدار إسنادهم في صحاحهم، كالزهري؛ دعْ عنك معاوية وعمراً ومروان والأشعري.
ويالله العجب، من استدلاله على التصحيح باسمهما العَلَم المميز لهما، وهو لفظ الصحيح! وهذا من البطلان بمكان، لايحتاج إلى برهان؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد اعترضه الشارح في التوضيح، فقال: إن ذكر من ذكرهما بلفظ الصحيح لا يدل على أنه قائل بصحتهما بالمعنى المراد هنا؛ وذلك لأن لفظ الصحيح قد صار لقباً لهما في العُرْفِ؛ فإنه لا اسم لهما إلا صحيح البخاري، وصحيح مسلم...إلخ.
وقد قدمت كلام نجوم العترة، وهداة الأمة، وسبق أيضاً التصريح بالقدح في كتابي البخاري ومسلم، المسميين بالصحيح، من إمام الأئمة الهادي إلى الحق، والإمام أبي طالب الناطق بالحق، وغيرهم من سادات الخلق؛ وردّ جميع قرناء الكتاب لكثير من رواياتهما، وروايات المسميين بأهل السنة، بما لاينكره أولوا الألباب؛ وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ لهذا البحث مزيد، وفيما سبق كفاية وافية لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وليس يصحّ في الأذهان شيء .... إذا احتاج النهار إلى دليلِ
قال: ونقل عنهما وعن غيرهما المصنفون، كالمتوكل على الله في أصول الأحكام، والأمير الحسين في شفاء الأوام، ولم يزل العلماء يحتجون بما فيهما؛ قال المنصور بالله في المهذب: ولم يزل أهل التحصيل يحتجون بأحاديث المخالفين بغير مناكرة، وهذه أصحّ أحاديث المخالفين بغير مناكرة./117
قال في التوضيح: يعني أحاديث الصحيحين.
قلت: بل العمدة على ما وقعت الإشارة إليه في كلام الإمام، ويحتمل أنها أحاديث احتج بها الإمام (ع).
نعم، والحمد لله؛ هذا الكلام الذي ساقه عن الإمام (ع) للاحتجاج، من أعظم الحجج عليه، وقد سماهم الإمام (ع) المخالفين؛ وقد تقدم آنفاً التصريح من الإمام (ع)، أن نقله عن الضد للاحتجاج عليه، وجعله مقابلاً للصحيح، وقد بينا فيما سبق كلامه وكلام أئمة الهدى (ع) في معنى رواياتهم عن الخصوم، كما ذلك معلوم؛ ولعمري إن مثل هذا ليس مما شأنه أن يخفى على مثل هذا العالم.
ولكن..
لهوى النفوس سريرة لا تعلم
و:
حبّك للشيء يعمي ويصم
[كلام الوزير والأمير في أن سند العترة المحض أصح الأسانيد، ورميهما له بأنه يقلُّ وجوده]
قال: والظاهر من مذهبنا أن رواية أئمتنا إذا تسلسل إسنادها بهم، ولم يكن بينهم من هو دونهم، أنها أصح الأسانيد مطلقاً.
قلت: وهذا التفات منه إلى مذهب أهل بيته الأطهار، بعد شدة جموح، وكثرة طموح، ولم يحقق النظر، حتى كرّ بالاستدراك ناقضاً لما قدم، وناكثاً لما أبرم، فقال: ولكنه يقلّ وجودها على هذه الصفة.
قال شارحه الأمير: حتى إنه ذكر المصنف في إيثار الحق وغيره أنه ليس في كتاب الأحكام للإمام الهادي، إمام مذهب الزيدية، حديث مسلسل بآبائه إلا حديثاً واحداً، وهو: حدثني أبي وعماي ـ ثم ساق حديث الرافضة الذي في الأحكام ـ.
قلت: الله المستعان! أما كان لهذين العالمين مندوحة عن الإظهار لعدم مشارفتهما ـ فضلاً عن إتقانهما ـ لأشهر مؤلفات إمام أئمتهما الهادي إلى الحق، فكيف بمؤلفات غيره من آبائهما وأهل بيتهما سادة الخلق ـ صلوات الله عليهم ـ؟! /118
ولقد كان لهما غنية لما هما فيه من الخدمة والعناية، والتصحيح، والتنقيح، والتوضيح، والتعديد، لكل حديث، والتفتيش عن كل مسند، ومرسل، ومعلق، ومعضل...إلى آخر المصطلح الأطول، والبحث على كل مشكل؛ كل ذلك في كتب العامة.
وأما مؤلفات أهل بيتهما، عترة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وورثته، وقرناء كتاب ربه وسنته، فهما عنها بمعزل؛ إن في هذا لعبرة لأولي الأبصار.
على أنهما مع هذا الكد والكدح، لم يخرجا عند المحدثين عن دائرة الجرح والقدح؛ لنصهما على تقديم أمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ وقولهما بفسق من حاربه، وتدينهما بالعدل والتوحيد؛ فهما عندهم من القدرية الرافضة، بل من الغالين في الرفض، كما سبق في التحديد، وهو من الضلال البعيد، والخذلان الشديد، وكل ذلك معلوم، وعند الله تجتمع الخصوم.
فأقول ـ معتصماً بمن لايزول ـ: مؤلفاتهم ممتلئة ـ والحمد لله ـ بالكثير الطيب، والغزير الصيب، من المسلسلات بالعترة النبوية، والذرية العلوية ـ على أبيهم وعليهم الصلوات والتسليم من رب البرية، من ابتداء الدين الحنيف، إلى هذه الغاية، وإلى انقطاع التكليف؛ فهم قرناء الكتاب الشريف، كما أنبأ جدهم عن الخبير اللطيف ـ.
فمن المعلوم لأرباب العلوم، مسلسلات سيد العابدين، وأسباطه الآل النجوم، منهم: الإمام الأعظم، الذي المجموعان الشريفان قطرة من ذاك البحر، ولمحة من ذلك الفجر، ولايقال: إنها لم تتسلسل الرواية إليه؛ لأنا نقول: ذلك غير معتبر، لاعنده ولاعند غيره؛ إذ المقصود ثبوت المسلسل بالطريق الصحيحة في أي عصر، ولاسيما إن ثبت ذلك في المؤلف الصحيح المشهور، المتداول بين الأعلام على ممر الدهور، ولو اعتبر ذلك لما أثبت المسلسل الذي زعم أنه ليس في الأحكام سواه؛ لأنه إذا أنكر هذه المعلومة، فهو أبعد من أن يقول: إن رواية الأحكام /119