تلامذته ولد أخيه محمد بن عبدالله بن الهادي؛ وقرأ عليه الإمام صلاح بن علي.
قلت: ابن محمد بن أبي القاسم، ولد شيخه.
قال: بأمر أبيه، في المعاني والبيان.
قلت: بعد وقوع المعافاة بينهما كما يأتي، وعبدالله بن محمد بن سليمان الحمزي، وولده عبدالله بن محمد بن إبراهيم، والفقيه حسن بن محمد الشظبي.
قال: وترجم له الطوائف من الزيدية، وغيرهم من علماء الفقهاء الأربعة.
ثم قال: هو السيد الحافظ، خاتمة المحققين، المحيط بالعلوم من خلفها وأمامها، الحري بأن يدعى بإمامها وابن إمامها.
إلى قوله: بلغ في العلوم الأقاصي، واقتادها بالنواصي، له في علوم الاجتهاد المحل الأعلى، والقدح المعلا.
قال: وكان عالم اليمن، والشام أيضاً.
[الحوار بين السيد محمد بن إبراهيم وابن ظهيرة]
وقال له ابن ظهيرة: لو قلدت الإمام الشافعي، فقال: ياسبحان الله! لو كان يجوز لي التقليد لم أعدل عن تقليد جدي الإمام القاسم، والهادي، فهما بالتقليد أولى.
قلت: في مطلع البدور، نقلاً عن شمس الإسلام، أحمد بن عبدالله الوزير، عن الهادي الصغير بن إبراهيم بن محمد ـ رضي الله عنهم ـ:
فلما رأى ـ أي الشيخ محمد بن عبدالله بن ظهيرة ـ منه مالم تره عينه، ولاسمعته أذنه، عن أحد من أهل الزمان، مع أنه كان في مكان يجتمع فيه الناس، من طوائف المسلمين، وأهل المذاهب أجمعين، قال له: أيها السيد الشريف، لو أنك أتممت كمالك بتقليد الإمام محمد بن إدريس.
فقال: سبحان الله.
إلى قوله: أولى من غيرهما؛ لمكان العناية في أهل البيت الإلهية، والمادة المعصومة السماوية.
وقبل هذا: وقال له العلامة ابن /100

ظهيرة في مكة: ما أحسن يا مولانا لو انتسبت إلى الإمام الشافعي، وأبي حنيفة.
فغضب وقال: لو احتجت إلى هذه النسب والتقليدات، ما اخترت غير مذهب نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، أو مذهب حفيده الهادي إلى الحق.
هكذا، أو كما قال...إلخ.
قال السيد الإمام: ثم وقف عند الإمام علي بن المؤيد في فللة أياماً.
قلت: وفي المطلع: ورافقه إلى بلاد الأهنوم.
إلى قوله: وكتب فيه حي سيدي عز الدين أبياتاً حسنة رقيقة من محاسن شعره، قافية منصوبة الروي، أولها:
ولو شئت أبكيت العيون معانيا .... وألهبت نيران القلوب رقائقا
قال: ثم رحل إلى ثلا، إلى حي الإمام أحمد بن يحيى، ووقف عنده مدة، يسائله، ويراجعه، ويباحثه، ومن جملة ذلك أنه سأله عن خمسة وعشرين سؤالاً، في مسألة الإمامة.
إلى قوله: فكتب إليه أبياتاً أولها:
أعالمنا هل للسؤال جواب؟ .... وهل يروي الضمآن منك عباب؟
وكان بينهما مودة أكيدة.
قلت: هي ثلاثة عشر بيتاً، آخرها:
وهل لسلامي منك ردّ فإنه .... يخصك مني ما استهل سحاب؟
قال السيد الإمام: ووقع بين السيد محمد، وشيخه علي بن محمد بن أبي القاسم منازعة في مسائل؛ وكذلك وقع بينه، وبين الإمام المهدي؛ فلما دنا الانتقال، وتحول الحال، اعتذر كل من صاحبه، وقَبِلَ اعتذاره.
إلى قوله: وزالت الوحشة، والحمد لله على كل حال.
قلت: ولم تكن المنازعة في المسائل بينه وبين من ذكر فحسب؛ ولكن لما كان شيخه العمدة في عصره، وتصدر للرد عليه، نسب النزاع إليه.
[كلام الإمام محمد بن عبدالله الوزير في شأن محمد بن إبراهيم الوزير]
ولنورد /101

في هذا المقام، كلام الإمام الكبير، الصادع بالحق المنير، المنصور بالله، محمد بن عبدالله الوزير (ع)، فشهادته أعدل الشهادات، قال تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } [يوسف:26]، ويتضمن ذلك رجوعه إلى منهج سلفه آل محمد(ع) الذي هو منهج الحق والتحقيق، وهو من لطف الله تعالى بالتدارك والتوفيق، وقد تقدم ما يفيد، وهذا مزيد تأكيد.
قال الإمام (ع) في فرائد اللآلي: واعلم أنه قد سبق المقبلي مَنْ هو أجل منه قدراً، وأعلم علماً، الوالد الإمام، محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ فلا يزال يكرر في كتبه أنه على معتقد أهله، ولا يخالفهم في مهمات الدين، بخلاف مسائل الفروع، فهي وإن وقع مخالفة في شيء فقد خالف أهل البيت (ع) بعضهم بعضاً؛ بل خالف الهادي ابناه، هكذا اتخذه في كتبه، مصرحاً به نظماً ونثراً، وذكر في العواصم، أنه إنما ناضل، وذب عن المحدثين، وليس ذلك بعقيدته، وأنه لايخالف آباءه.
وأما الإيثار، فالظاهر أنه حقق معتقده، ويحيل على عواصمه؛ ولقد قال في قصيدته الدالية: ـ قلت: وهي قصيدته إلى أخيه الهادي التي يقول فيها:ـ
ديني كأهل البيت ديناً قيماً .... متنزهاً عن كل معتقد ردي
إني أحب محمداً فوق الورى .... وبه كما فعل الأوائل أقتدي
وأحبّ آل محمد نفسي الفدا .... لهم فما أحد كآل محمد
هم باب حطة والسفينة والهدى .... فيهم وهم للظالمين بمرصد
وهم النجوم لخيِّر متعبد .... وهم الرجوم لكل من لم يعبد
وهم الأمان لكل من تحت السما .... وجزاء أحمد ودّهم فتودد
والقوم والقرآن فاعرف قدرهم .... ثقلان للثقلين نصّ محمد
وكفى لهم شرفاً ومجداً باذخاً .... شرع الصلاة لهم بكل تشهد
/103

...الأبيات.
قال الإمام (ع): وقال في أبيات أخر:
مع أنني لا أرتضي .... إلا مقالات الفواطمْ
لاسيما علامتَيْ .... ساداتنا: يحيى وقاسمْ
لكن الواقع في الخارج خلافه، سيما في تعصبه، وشدة شكيمته، في النصرة لمخالفي أهله وآبائه المطهرين ـ سلام الله عليهم ـ من أعدائهم الحشوية والمرجئة الذين يسميهم بأهل السنة، وتقوية عقائدهم، وسرد الأدلة في نصرة مذاهبهم، وتضعيف كل ما يخالفهم، وتهوين مخالفهم.
إلى قوله: وقد علم أن ساداته ـ لاسيما علامتي ساداتنا: يحيى وقاسم ـ هم رؤوس الوعيدية، وأطواد العدلية؛ فما عدا مما بدا؟‍!.
إلى قوله: فصدق عليه قول أخيه الوالد الإمام الهادي بن إبراهيم ـ رحمه الله آمين ـ في قصيدته الدالية، جواباً عليه:
أأحبهم وأحبّ غير طريقهم .... هذا المقال من المحال الأبعدِ
...إلخ.
ثم مَنْ ذا يصحّ إسلامه، يقرر حكماً من أعظم الأحكام، لأجل الغضب من دون دليل قاطع.
الله المستعان.
إلى قوله: ولما كانت يده قوية، ولامنازع له في الأعلمية، ولم يستقم له الجري على منهاج أهله، ولا أمكنه التصريح بمخالفتهم، جاء بالتخاليط والترميم، والتلفيق في المسائل، والترقب لأي لفظة، أو شبهة أو دلالة، من علوم أهله، أو من قول أعدائهم.
إلى قوله: فيجعله حجته لما يرويه، ويسلك ـ بزعمه ـ تلك الطريقة، وأنها أوضح محجة.
إلى قوله: ومدار احتجاجه بأحاديث الخصوم لأهله، إما حقاً، أو لزوماً، وتناسى ما روى عن الخصوم.
إلى قوله: فيما اتفق عليه الفريقان، وتناسى تأصيلهم، وتقريرهم، أن الداعية إلى المذهب، وبدعته لايقبل، ولادليل له على ذلك إلا مجرد أنهم /103

أهل السنة، وأهل الصحاح، حتى أضاف تلك البدع إلى الصدر الأول، بدليل اتصال السند، وتناسى أن من طهرهم الله تطهيراً، وقرنهم بالكتاب العزيز، وأمر بالتمسك بهم، وأمن الأمة من الضلال، وشبههم بسفينة نوح، وباب حطة، وجعلهم الشهداء، وأهل الاجتباء والاصطفاء، وشرع لهم الصلاة مع أبيهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بكل تشهد، لم يقبلوا أولئك الخصوم، ولا رفعوا لرواياتهم رأساً؛ فكيف يحتج عليهم بروايات خصومهم؟!
إلى قوله: وإذا كان هذا، فلم يبقَ إلا جواب الحسن البصري، وقد سُئل عن طلاق رجل لامرأته، إن الحجاج في النار، فقال: اثبت على نكاحك، فإن يكن الحجاج في النار، فقد برّ قسمك، وإلا، فلا يضركما الحرام، فيصير المعنى: أن معاوية وعتاة أصحابه المقتولين، إن كانوا في الجنة، مع أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أمر بقتلهم وقتالهم، وسماهم الفئة الباغية، وأنهم يدعون إلى النار، فلا يضر أحداً شيء من المعاصي والآثام.
[الأدلة على بطلان الإرجاء]
إلى قوله، حاكياً عن محمد بن إبراهيم، بعد كلامه في شبه أهل الإرجاء: ثم قال:
وأما الشيعة والمعتزلة، فاحتجوا على قولهم بأنواع من السمع، منها قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي }[الحجرات:9]، والبغاة داخلون في الآية.
إلى قوله: وذكر أحاديث في الفتن والتوعد لأهلها بالنار، ومن أصرحها: حديث عمّار ـ رضي الله عنه ـ وهو متواتر ((ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)) ثم ذكر من قرر تواتره، وقرر الذهبي أيضاً.
قال: وحديث عمار هذا من أعلام النبوة، ولذلك ذكره جمهور من صنف في المعجزات، واحتجوا بأنه معلوم بالضرورة.
إلى قوله: ومنها: ما ورد في تخصيص قتل المسلم وقتاله، من الوعيد الشديد، ومنها وهو أقوى من هذه الأشياء: أنه تواتر عن الصحابة، أنهم كانوا يعتقدون في الباغي على أخيه المسلم، وعلى إمامه العادل، أنه عاص آثم، وأن التأويل في ذلك مفارق الاجتهاد في الفروع؛ فإنهم لم يتعادوا على شيء من مسائل الفروع، وتعادوا /104

على البغي.
كذلك أجمعت الأمة على الاحتجاج بسيرة علي (ع) في قتالهم، وليس المجتهد المعفو عنه يُقَاتَلُ على اجتهاده، فيُقتلَ، ويُهدَر دمه.
وأما الأحاديث التي تقدمت هذا، فلا تبلغ مرتبتها في الصحة، والشهرة، ولو بلغت لم تعارضها، فإنها دالة على إثم أهل الفتن.
إلى قول الإمام (ع): ثم ذكر ـ أي محمد بن إبراهيم ـ إجماع أهل السنة، أن من حارب علياً فهو باغ عليه، وأنه (ع) صاحب الحق في جميع تلك الحروب؛ وقد ذكر في العواصم كلاماً أصرح من هذا، لفظه:
وأما حرب علي (ع)، فهو فسق بغير شك.
وقال في موضع آخر ما نصه: بأن الحق مع أمير المؤمنين (ع)، وأن محاربه باغ عليه، مباح الدم، خارج عن الطاعة والجماعة ـ وقد تقدم ـ.
وسيأتي أن هذا إجماع الأمة، برواية أهل السنة، دع عنك الشيعة، انتهى.
قال الإمام (ع): والعجب كل العجب من أعلام ممن يرون الحشوية وأمثالهم بعين الرضى، ويتعصب لهم، ويلفق شبهاً يعتذر بها لهم، كما ترى صنيع الوالد محمد بن إبراهيم؛ فإنه بالغ في مدحهم، والثناء عليهم، وتجميلهم، والاعتماد على رواياتهم، والاحتجاج بها على أهله وآبائه، في جميع كتبه.
إلى قوله: وخصيمهم يوم القيامة، رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - الذي وصى بأهله ثلاثاً وقال: ((فانظروا كيف تخلفوني فيهم))، فخلفوه بهذه الخلافة فيهم.
إلى قوله: ولقد تجارى ابن تيمية في كتاب منهاج السنة على أمير المؤمنين بكل قبيح، وعلى أهل البيت وشيعتهم.
إلى قوله: وترى مثل صاحب العواصم يعتمد على قوله من دراية ورواية، ويثني عليه ويمدحه.
إلى قوله: مع أنه يقول: إنه /105

على دين أهله، نظماً ونثراً ـ ولاسيما علامتي ساداتنا يحيى، وقاسم ـ فما أحسن قول الشاعر:
إذا صافى صديقك مَنْ تعادي .... فقد عاداك وانصرم الكلامُ!
قلت: وقد نصّ محمد بن إبراهيم الوزير، في كتابه إيثار الحق، أنه لم يطلع على منهاج ابن تيمية؛ وهذه فائدة مهمة، وقد كنتُ أعجب من ثنائه عليه، حتى وقفتُ على هذا، فحمدتُ الله على ذلك.
قال الإمام: ومراده يلفق بين أهله وأعدائهم؛ ومحال جمع الماء والنار، وجمع الموالاة والمعاداة، وجمع الجنة وجهنم؛ فتذبذب، فلاذا تأتى ولا ذا حصل، وقد روي عنه ـ رحمه الله ـ الرجوع عن تلك العجائب.
إلى قوله: فهو الظن فيه، والرجوى.
انتهى المراد.
[كلام عظيم للحافظ محمد بن إبراهيم الوزير]
قلت: ومن الكلام العظيم، للحافظ محمد بن إبراهيم، قوله: فانظر بعين الإنصاف إلى أئمة العترة الطاهرة، ونجوم العلم الزاهرة، كيف سلمت علومهم من كل شين، وخلصت من كل عيب، ولم يشب تصانيفهم شيء من غلو المتكلمين، ولا حط من قدر شيعتهم المتعبدين شيء من بدع المتصوفين، ولا ظهر في أدلتهم على مذاهبهم شيء من تكلف المتعصبين، ولا استمالتهم عن المنهاج السوي شبه المشبهين؛ تنزهوا عن غلو الإمامية الجهال، وعماية النواصب الضلال، وهفوات أهل الحديث والاعتزال؛ فهم النمرقة الوسطى، وسفينة النجا، والعصمة من الأهواء، بعد أبيهم المصطفى ـ صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين ـ. انتهى.
قال في تنقيح الأنظار: الحمد لله الذي رفع أعلام علوم الحديث، وفضل العلم النبوي بالإجماع على شرفه في قديم الزمان والحديث.
قلت: وفي الحديثين من البديع الجناس التام.
قال: اشترك في الحاجة /106

إليه، والحث عليه، القرابة والصحابة، والسلف والخلف، فهو علم قديم الفضل، شريف الأصل، دلّ على شرفه العقل والنقل، واعتضد الإجماعان عليه من بعد ومن قبل.
قلت: أي إجماع العترة (ع)، وإجماع سائر الأمة.
قال: والصلاة والسلام على خاتم الرسل، وعلى أهله خير أهل.
قال: وبعد، فهذا مختصر يشتمل على مهمات علوم الحديث واصطلاحات أهله.
قلت: أغلب تلك المصطلحات لابرهان عليه من عقل ولا نقل؛ وما كان معتمداً فقد بين بدليله في علم الأصول؛ ولكن معرفة الشيء خير من جهله، لمن رسخ قدمه، وثبت فهمه، لالمن يقلد أقوال الرجال، فتميل به من يمين إلى شمال، ويكون من دين الله على أعظم زوال.
[من تنقيح الأنظار في أقسام الحديث]
قال: (مسألة في أقسام الحديث)، قَسَّمه الخطابي في المعالم إلى: صحيح، وحسن، وسقيم.
قلت: وقسمه أهل بيت محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلى صحيح وهو المقبول، وهو إما معلوم الصدق أو لا.
الأول: صحيح قطعاً.
والثاني: الصحيح منه ما تكاملت فيه شروط القبول، فمنها: ما يكون باعتبار الراوي، وهي التكليف وقت الأداء، والعدالة، والضبط، على اختلاف في العدالة، وهي في اللغة: التوسط في الأمر، وفي الاصطلاح: إتيان المكلف بكل واجب عليه يستحق بتركه العذاب، واجتناب كل كبيرة مصرحة، أو متأولة، وكل /107

رذيلة، وهذا على ماهو الحق عند قدماء أئمتنا (ع) وتابعيهم، من رد كافر التأويل وفاسقه، والقول بسلب الأهلية؛ لعموم الدليل، الدال على ردّ المصرح بهما قطعاً، وإجماعاً، نحو قوله ـ عز وعلا ـ: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } [هود:113]، و{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [الحجرات:6]، والمتأوِّل ظالم، وفاسق؛ ولم تصح دعوى الإجماع على القبول، فلا تخصيص كما حقق في الأصول؛ ولأن دليل العمل بالآحاد من بعث الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لهم بالتبليغ، والإجماع على قبول أخبارهم في العمليات، لم يقم إلا على من ذكرنا، وغيرهم مختلف فيه، ولادليل عليه؛ وقد حققت المختار بدليله في الرسالة، الموسومة بـ(إيضاح الدلالة).
ومنها: باعتبار المروي، وهي نقل لفظه أو معناه بإحدى طرق الرواية، المعتبرة في الصحابة ومن بعدهم، متصل السند بالعدل الضابط، أو مرسلة مع معرفة أنه لايرسل إلا عن الموثوق به.
ومنها: باعتبار معناه، وهو ألا يصادم قاطعاً، بحيث لايمكن الجمع بالتأويل، ولا يقبل فيما طريقه العلم إلا مؤيداً لغيره؛ فهذا هو الصحيح المقبول.
وإلى غير صحيح وهو المردود، وهو إما معلوم الكذب ـ ولاشك في ردّه ـ أو غير معلومه، واختل فيه أحد شروط الصحيح؛ إلا أنه إن شهد لمعناه دليل، عمل به لموافقته، وقد أحاط هذا لمن تدبر بما اشترطه أئمة العترة (ع) من العرض على كتاب الله ـ تعالى ـ على ماهو الصحيح من معناه؛ كما قررتُه في فصل الخطاب، وتفاصيل البحث، ودلائله، مقررة في محله من الأصول.
نعم، وتتفاوت درجات الصحيح، حتى يصل إلى المعلوم صدقه، وكذا المردود، حتى ينتهي إلى المعلوم كذبه، كما سبق؛ والمرجحات الصحيحة تفيد الصحيح قوة، فيقدم عند التعارض الراجح منه على ما دونه. /108

هذا، ولا مشاحّة في الاصطلاح، ولاحجر فيه، مالم يوجب حكماً يخالف الدليل، أو لايقتضيه.
وما ذكروه من اشتراط السلامة من الشذوذ، والعلة، فنقول: ما كان قادحاً في الصحة، فقد احترز عنه، وما لا، فلا دليل على ذلك.
وقد قال هو في التنقيح: وأما السلامة من الشذوذ والعلة، فقال الشيخ تقي الدين في الاقتراح: في هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر الفقهاء؛ فإن كثيراً من العلل التي يعلل بها المحدثون لاتجري على أصول الفقهاء، انتهى.
[الكلام على قبول المراسيل]
وما ذكرته في الإرسال فهو الذي عليه أئمة الآل (ع) وأتباعهم، واختاره الكثير من غيرهم، على ما حققه الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، وقد ذكرته في ص 215 في التحف الفاطمية ، وقد اختاره صاحب التنقيح.
قال في مسألة الجمعة: صحة الحديث لا تكون إلا بأحد أمرين: إما بالإسناد المتصل بنقل الثقات عن مثلهم من غير علة ـ وهذه أرفع المراتب ـ أو بإرسال مَنْ لا يقبل المجاهيل، ونحوهم ممن هو سيئ الحفظ، المختلف فيهم، بشرط أن يأتي بصيغة الجزم؛ وهذا على الصحيح عندي في قبول المراسيل...إلخ.
وقال في التنقيح: وذهب الزيدية، والمالكية، والحنفية إلى قبول المرسل، انتهى.
وأما قول السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في شرحه معقباً عليه: ينبغي أن يستثنى من الزيدية المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، فإنه صرح بأنه لايقبل المراسيل، ولفظه في خطبة كتاب شرح التجريد ـ ثم أورد بعض كلام الإمام (ع) غير مستوفى ـ./109

66 / 143
ع
En
A+
A-