اللاهجاني ـ رضي الله عنهم ـ وكذا كل من ذكرناه، ولم يكن قد سبق في التحف الفاطمية، أو في هذا الكتاب، ولم نذكر له وفاة فهو لعدم ذلك؛ ولكن معظم المقصود منها معرفة الاتصال، وقد عرف في هؤلاء الرجال اتصال أعصارهم، وسماع بعضهم من بعض.
(رجع) وأرويها بالأسانيد السابقة إلى الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة، عن الشيخ محيي الدين محمد بن أحمد القرشي، قال: أرويه عن سيدنا القاضي شمس الدين، مناولة، قال: أخبرنا القاضي الأجل، عماد الدين، أبو الحسن، أحمد بن أبي الحسن بن أحمد الكني.
قال القاضي أحمد بن أبي الحسن هذا: سمع هذا الكتاب من أوله إلى آخره القاضي الإمامُ، شمسُ الدين، جمالُ الإسلام، جعفر بن أحمد بن أبي يحيى اليماني ـ أدام الله علوه ـ بقراءته، قراءة مَنْ كان واقفاً على معانيه، دقيقهِ وجليلهِ، إلى كتاب السير بقراءته، والباقي بقراءتي له، وبقراءة غيرنا إلا الفرائض؛ فإنه ما سمع مني؛ لأني ما قرأتها أيضاً على شيخي، والباقي سمعه على الوجه الذي كتبت، وأنا سمعته، وقرأته على الإمام توران شاه بن خسرو شاه بن بابويه الجيلي، وقرأه على الشيخ الإمام أبي علي بن آموج الجيلي، وقرأه على القاضي زيد بن محمد، وقرأه القاضي زيد على القاضي يوسف الخطيب.
قلت: هكذا في كتاب القاضي شمس الدين أحمد بن سعد الدين المسوري.
قال في الطبقات: قال الحافظ أحمد بن سعد الدين: وفي بعض المسندات للأئمة إسقاط علي خليل، بين القاضي زيد وبين القاضي يوسف، والقاضي زيد يروي عنه، وهو عن القاضي يوسف؛ فاعرف ذلك فإنه من المهمات، وهو هكذا في كثير من الطرق، غير ثابت؛ لكنه سهو ـ والله أعلم ـ انتهى.
(رجع) وقرأ القاضي يوسف على الشيخ أبي القاسم المصنف، بعد ما أخذ /30
مسائلها عن الإمام المؤيد بالله أيضاً، ثم قال: كتبه أحمد بن أبي الحسن الكني، في غرة جمادى الأولى، سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، بالري، حامداً لله تعالى، ومصلياً على رسوله محمد وآله، انتهى.
قلت: ولما ذكر أنه أخذ مسائلها عن الإمام المؤيد بالله (ع)، عددناها في مؤلفات الإمام، وأوصلنا سندها إليه فيما سبق؛ يعلم ذلك.
ومن مسائلها: مسألة؛ قال الناصر للحق (ع): لايعرف على وجه الأرض أحد من المسلمين والكافرين، دفن سراً، غير علي، وفاطمة (ع)، وكانا أحب الخلق إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وهذا من أعجب العجب، انتهى.
[السند إلى الإبانة وزوائدها]
وأروي الإبانة وزوائدها، على مذهب الإمام الناصر للحق، الحسن بن علي، بالسند السابق في شرح أبي مضر، إلى الإمام المنصور بالله (ع)، عن محيي الدين، وعمران بن الحسن، بسندهما السابق إلى أبي علي بن آموج، عن الأستاذ يعقوب.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: يعقوب بن الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الهوسمي، أبو القاسم الأستاذ؛ يروي عن أبيه؛ مما رواه عنه: الإبانة، وأخذ عنه أبو علي بن آموج..
.إلى قوله: قال السيد أحمد بن مير: كان الأستاذ جليلاً فاضلاً، له التعليق الكبير على الإبانة، والجوابات، انتهى.
(رجع) عن أبيه المؤلف.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: محمد بن يعقوب القرشي، الشيخ أبو جعفر الهوسمي، العلامة.
ثم ساق أسانيده عن آل محمد (ع) وشيعتهم، منهم: الإمام أبو طالب (ع)..
إلى قوله: قال الفقيه محمد بن سليمان: كان أبو جعفر محققاً مجتهداً، وكان من قضاة السيد أبي /31
طالب، وله شرح الإبانة..
إلى قوله: ومن مصنفات أبي جعفر: الإبانة، وشرحها الكبير، والصغير، والمتوسط، والكافي، وكتاب أصول الديانات في الكلام، وتعليق العمدة في أصول الفقه.
وقبره بهوسم.
قال: والكافي، والإبانة، وشرحها، صارت عمدة في كتب الزيدية، انتهى.
ولم يذكر وفاته ـ رضي الله عنه ـ.
[سند الأربعين للصفار، وترجمة رجاله ومؤلفه]
وأروي الأربعين في فضائل أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ أجمعين ـ لأبي علي، الحسن بن علي الصفار، بالأسانيد السابقة إلى الإمام يحيى شرف الدين، عن السيد صارم الدين، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله، عن أبيه يحيى بن المهدي، عن الواثق بالله المطهر بن الإمام محمد بن الإمام المطهر بن يحيى، عن أبيه، عن جده (ع)، عن إبراهيم بن علي الأكوع.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: ويقال: إبراهيم بن أحمد بن علي، والأول أشهر، أخذ على عمه أحمد بن محمد شُعلة؛ مما سمع عليه: المجموع لزيد بن علي، وأمالي أحمد بن عيسى، وحديقة الحكمة، وكتاب الشهاب للقضاعي، وكتاب أنساب الطالبية؛ قراءة، وإجازة، ومناولة، وغير ذلك.
وأخذ عنه الإمام المطهر بن يحيى؛ والسيد محمد بن المرتضى الحسيني، أخذ عنه كتاب الأنساب؛ كان فقيهاً شيخاً معمراً عالي الإسناد..
إلى قوله: ووفاته بحوث، انتهى.
(رجع) قراءة عن الحافظ شعلة الأكوع، قراءة عن محيي الدين بن الوليد، عن القاضي جعفر، عن الكَني، عن محمد بن أحمد بن علي الفرزاذي.
قلت: أفاد السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته ما في الإسناد، وهو من /32
رجال الزيدية، كما سبق أن من ذكرنا في هذا الفصل، أنه ترجم له فهو منهم، إلا أن نبين خلافه.
(رجع) عن أبي طاهر، محمد بن عبد العزيز الفرزاذي.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: الشيخ الإمام، أبو طاهر؛ ثم ذكر ما في الإسناد.
(رجع) عن المؤلف، أبي علي، الحسن بن علي الصفار.
قلت: قال السيد الإمام: أبو علي القاضي، مؤلف الأربعين في فضائل أمير المؤمنين(ع)، روى عن قاضي القضاة وغيره، وروى عنه تأليفه المذكور أبو طاهر..
.إلى قوله: ذكره ابن حميد، والكني في مسنده، انتهى.
قلت: وقد سبق النقل عنها كثيراً في الفصل الأول.
[السند إلى كتاب المحيط بالإمامة، وترجمة مؤلفه]
وأروي كتاب المحيط بالإمامة، بالأسانيد السابقة إلى الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع).
قال في الشافي: ونحن نروي كتاب المحيط بالإمامة عن مشائخنا، عن القاضي جعفر بن أحمد، عن زيد بن الحسن البيهقي، عن المؤلف.
قلت: عموم عبارة الإمام (ع) تفيد أنه يرويه عن جميع مشائخه، فأما عن الشيخ محيي الدين القرشي ـ رضي الله عنه ـ فأنا مطلع على روايته له عنه.
نعم، قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمة صاحب المحيط: علي بن الحسين بن محمد..
.إلى قوله: الشيخ العالم، أبو الحسن الزيدي، صاحب المحيط بأصول الإمامة.
ثم ساق مشائخه الذين روى عنهم، منهم: الإمام أبو طالب (ع)، ووالده العلامة الحسين بن محمد، من أصحاب الإمام المؤيد بالله (ع).
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: وقال في الأصل: قرأ على الفقيه الإمام /33
أبو الحسين، زيد بن علي ـ أعزّه الله تعالى ـ هذا الكتاب، من أوله إلى آخره.
قلت: وهو زيد بن الحسن البيهقي نسبة إلى جده، وهو الأكثر الأشهر؛ وقد نسبه صاحب المحيط إلى أبيه على الأصل.
(رجع) قراءة فهم وضبط، وكتبه له علي بن الحسين بخط يده، انتهى.
قال القاضي: هو العلامة الكبير رئيس العراق، حجة الزيدية، صاحب المحيط بالإمامة، وهو كتاب حافل في مجلدين ضخمين، أو أكثر، على مذهب الزيدية ـ كثرهم الله تعالى ـ..
.إلى قوله: وهو كالشرح لكتاب الدعامة، للإمام أبي طالب..
.إلى قوله: والعلامة صاحب المحيط، ممن قرأ على أبي الحسن علي بن أبي طالب، الملقب بالمستعين بالله، انتهى.
وقد اختصرت أخباره في مؤلف لطيف، سميته منهج السلامة إلى أخبار المحيط بالإمامة، وقد سبق الكثير من أخباره.
[السند إلى جميع كتب القاضي جعفر بن أحمد، وترجمته]
هذا، وسبقت الأسانيد إلى مؤلفات القاضي، شمس الإسلام، جعفر بن أحمد بن عبد السلام؛ فأرويها بالأسانيد السابقة إلى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، عن الشيخ الحسن الرصاص، عن القاضي جعفر ـ رضي الله عنهما ـ.
وأرويها أيضاً بالإسناد المتقدم في طريق المجموع، إلى حسام الدين حميد الشهيد، عن الفقيه العالم عمران بن الحسن، عن الشيخ الطاهر عفيف الدين حنظلة بن الحسن، عن القاضي شرف الزيدية شمس الدين أبي الفضل جعفر بن أحمد ـ رضوان الله عليهم ـ، وقد مضت ترجمة القاضي شمس الدين في سيرة الإمام أحمد بن سليمان (ع) من التحف الفاطمية ، ونشير هنا إلى طرف من حاله؛ لما يتضمن من زيادة الإفادة.
قال في طبقات الزيدية: جعفر بن أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى /34
النهمي البهلولي الأبناوي، القاضي العلامة، شمس الدين؛ كان قديماً يرى رأي التطريف، حتى وصل الفقيه زيد بن الحسن البيهقي، في سنة خمسمائة، فراجعه وقرأ عليه، فرجع إلى مذهب الزيدية المخترعة، وقرأ على الفقيه زيد، وله منه إجازة عامة.
[ذكر مسموعات القاضي جعفر والكتب التي سمعها في العراق على الكني، وغيرها من مسموعاته، وتلامذته]
ولما أراد زيد بن الحسن الرجوع إلى العراق، رحل معه القاضي جعفر، لتمام السماع، فمات زيد بن الحسن بتهامة، فرحل القاضي إلى العراق، إلى حضرة العلامة أحمد بن أبي الحسن الكني، فقرأ عليه كتب الأئمة ومنصوصاتهم.
ثم ساق ما تقدم في سند الزيادات من كلام الكني، وقال: ومما سمع على الكني: مجموع زيد بن علي، وذخيرة الإيمان مسند السمان، ونظام الفوائد لقاضي القضاة، وكتاب الرياض للحمدوني، وفوائد قاضي القضاة للكلابي، وأحاديث عبد الوهاب، وكتاب الأنوار للمرشد بالله، وأماليه الخميسية، وخطبة الوداع، وأمالي المؤيد بالله، وأمالي السيد أبي طالب، والأحاديث الزمخشرية، والأحاديث المنتقاة، والأربعين في فضائل أمير المؤمنين للصفار، وقطعة من تفسير أبي عبيد في الغريب، وناوله باقي الكتاب، وأجازه؛ وغير ذلك مما ذكرناه في ترجمة الكني كما تقدم.
ثم سَمِعَ على الشيخ العدل الحسن بن علي بن ملاعب الأسدي أمالي أحمد بن عيسى، والأربعين للنرسي، والأربعين للسيلقي، وكتاب الشهاب للقضاعي، وكتاب الذكر لمحمد بن منصور، وكتاب المقنع المختصر من الجامع الكافي، والرسالة المشهورة لزيد بن علي.
وسمع جلاء الأبصار للحاكم بن كرامة وغيرها من كتبه على السيد عُلَي بن عيسى بن وهّاس الحسني، وأجازه إجازة عامة من جملة ذلك: الكشاف لجار /35
الله الزمخشري.
وسمع بعض كتاب التهذيب للحاكم ابن كرامة أيضاً على أبي جعفر الديلمي، عن ولد الحاكم المحسن، عن أبيه، وأجازه في بقية كتب الحاكم..
.إلى قوله: وسمع على الزاهد مسعود الغزنوي بالكوفة، أحاديثَ في فضل اليمن، وسمع بمكة كتاب المواقف الخمسين على أبي المظفر العلكي، وسمع خبر عابد بني إسرائيل على أبي الفضل عبدالله بن أبي الفتح.
قال: وسيأتي إسنادها إلى مؤلفها ـ إن شاء الله تعالى ـ في ترجمة كل واحد من مشائخه.
قال: وله تلامذة كثير، منهم: حمزة بن سليمان، والد المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والأميران الكبيران: بدر الدين وشمسه، محمد ويحيى، ابنا أحمد بن يحيى بن يحيى، والشيخ الحسن بن محمد الرصاص، والشيخ محيي الدين حميد بن أحمد القرشي، وسليمان بن ناصر صاحب شمس الشريعة، وأحمد بن مسعود، وعبدالله ومحمد، ابنا حمزة بن أبي النجم، وحنظلة بن شبعان، وأحمد بن الحسين الأكوع، وغيره ممن ذكره القاضي ـ أي صاحب مطلع البدور ـ وغيره.
قال: وكان القاضي ثبتاً، ورعاً، متبحراً في الرواية.
[شدة تحرجه في الرواية]
قال المنصور بالله عبدالله بن حمزة: ولما وصل القاضي جعفر من العراق بالعلوم، التي لم يصل بها سواه، من الأصول والفروع، والمعقول والمسموع، وعلوم القرآن العظيم، والأخبار الجمة عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وعن فضلاء الأئمة من العترة، وسائر العلماء.
وكان من جملة هذه الأخبار، أخبار في صفة الجنة والنار، مروية عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فطلب جماعة من الإخوان قراءتها عليه، وروايتها، فامتنع من ذلك في مجالس الأخبار، فألحّ عليه منهم مَنْ ألحّ، فذكر أنه قرأها على شيخ له بمكة، وكان شيخه هذا له يد طائلة في علم العربية، وحكى عنه أنه يُصْلِحُ ما يجد في الأخبار من اللحن، ويعتلّ /36
أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كان لا يَلْحَن، فعاب ذلك عليه شيخنا القاضي، وامتنع من الرواية، وقال: إني لا آمن أن يكون في هذه الأخبار شيء أصلحه على خلاف ما رواه عن شيوخه، انتهى.
وقال القاضي أحمد في مطلع البدور: هو القاضي الحجة، شيخ الإسلام، ناصر الملة، وارث علوم الأئمة الأطهرين، شيخ الزيدية، ومتكلمهم، ومحدثهم، وعالم الزيدية، ومخترعها، وإمامها، انقطع إلى الزيدية، ورحل إلى العراق، وكان من أعضاد الإمام أحمد بن سليمان، وأنصاره؛ وطالما ذكرهما الإمام المنصور بالله، واحتج بكلامهما؛ فيقول: قال الإمام والعالم، ذكر الإمام والعالم، أفتى بذلك الإمام والعالم.
وقد قيل: على أهل اليمن نعمتان في الإسلام والإرشاد إلى مذهب الأئمة (ع): الأولى: للهادي (ع).
والثانية: للقاضي جعفر.
فإن الهادي (ع) استنقذهم من الباطنية، والجبر، والتشبيه؛ والقاضي له العناية العظمى في إبطال مذهب التطريف، ونصرة البيت النبوي الشريف.
قلت: لاريب أن للقاضي ـ رضوان الله عليه ـ نعمة عظمى، ومنّة كبرى؛ ولكن نعمته مترتبة على النعمة الأولى، فإن النعمة السابقة، التي لشيخه ومنقذه، زيد بن الحسن، فرع من فروع نعمة إمام الأئمة، وهادي الأمة.
وأيضاً، لم تستأصل فتنة هذه الفرقة الغوية، وبدعة هذه الطائفة الطبيعية المطرفية، إلا بسيفي الإمامين الأعظمين: الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان، والإمام الحجة، عبدالله بن حمزة (ع)، وعلمهما، وجهادهما، واجتهادهما، وعظم أثرهما في الإسلام.
ورسالة عالم المطرفية إلى بني العباس، في شأن الإمام المنصور بالله (ع) معلومة. /37
[اتفاقه بالإمام أحمد بن سليمان، وما دار بينهما في شأن المطرفية]
قال في مطلع البدور: وكان ابتداء وقفته ـ أي القاضي جعفر ـ للإمام ـ أي المتوكل على الله (ع) ـ بذمار، وقت مخرجه إلى زبيد، فاعتذر إليه في أمور كانت منه مع المطرفية، فيما سبق؛ ولما وصل إلى العراق تبين له أنه على غير شيء، فعذره الإمام (ع)، وجعله في حلّ، وقال له: هل علمت يا قاضي أحداً ممن لقيته بالعراق يقول شيئاً مما تقوله المطرفية، وتعتقده، أو يعمل به، أو وجدت ذلك في كتاب؟
قال: لا.
قال: فإنه يجب عليك أن تردهم عن جهلهم، وتنكر بدعهم؛ فإن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((إذا ظهرت البدع من بعدي، فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله)).
فقال القاضي: قد عرفت ما تقول، ولكن القوم كثير، وقد صاروا ملأ يمننا هذا؛ ولو أكثر عليهم لرموني عن قوس واحدة، وأنت يامولانا تقرب، وتبعد، وإني أخافهم، ولاطاقة لي بهم.
فوقع كلام الإمام في أذن القاضي وهو ممن علم وعمل.
ثم حكى ما جرى بينهم وبينه، وأنه قال لهم بعد أن تحزبوا عليه: هلموا إلى المناظرة فأُظهِرَ ما فيكم، وأَظهِروا مافيَّ بين يدي حاكم.
فقالوا: ومن الحاكم؟
فقال: إمام الزمان.
فأبوا ذلك..
.إلى قوله: قال مصنف سيرة الإمام أحمد بن سليمان (ع): فلم يسمعوا كلام القاضي جعفر، بل آذوه، وقام في وجهه رجلان باطنيان: أحدهما مسلم اللحجي، من أهل شظب، والآخر يقال له: يحيى بن حسين، يلقب الفقيه؛ فآذياه، وسباه، فعاد إلى سناع، ومعه جماعة من الأشراف، منهم: الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى، وغيره من أعيان السادة الهدويين، والحمزيين، والقاسميين، ومن أعيان الشيعة عدة.
وكان للقاضي في مسجد سناع مدرسة، فعارضه المطرفية بمدرسة أخرى في جانب المسجد، فقام بعض/38
الأشراف فأطفأ سراجهم، فقاموا فأطفأوا مصباح القاضي..
.إلى قوله: وكان القاضي ـ رحمه الله ـ ضرب لهم مثلاً، فقال: مَثَلهم، ومَثَلي كمثل قوم عراة في مسجد في ظلمة، وأصواتهم مرتفعة بالقرآن والصلاة، وهم يصلون عراة إلى غير قبلة، فدخل عليهم رجل بمصباح، فوجدهم على أقبح حال، عراة؛ فأجمعوا على الذي دخل بالمصباح يلعنونه، ويسبونه، فقال: ليس لي جرم غير أني دخلتُ بالمصباح، فقالوا: بلى إنك أظهرت شيئاً كنا نكتُمه.
وآل الكلام إلى أن الإمام (ع) بعد أن بلغه ما لقي القاضي من المطرفية، قال: قد وجب علينا نصرته، فلم يزل يطوف البلاد، وهو ينهى الناس عن مذهبهم، ويحذرهم منهم، حتى أثر ذلك مع أكثر الناس؛ انتهى المراد.
وعلى الجملة، فقد طهّر الله اليمن ـ بحمد الله تعالى ـ من هذه البدعة، وغيرها من مضلات الفتن، بحميد سعي الأئمة الهداة، من آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ وعلماء شيعتهم المهتدين بهديهم ـ رضي الله عنهم ـ ونشر الله الحق، وأظهر الحجج في كل زمان، وعد الله ـ تعالى ـ على لسان رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إني تارك فيكم))، ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض))، ((إن عند كل بدعة...)) الأخبار.
[الكتب التي وصلت إلى اليمن قبل مقدم القاضي جعفر إليه من العراق]
نعم، وقدم القاضي شمس الدين ـ رضوان الله عليه ـ بكتب الأئمة من العراق كما سبق، وقد كان وصل إلى اليمن قبله منها الكتب التي صحح روايتها للقاضي جعفر، ومن معه من العلماء ـ رضي الله عنهم ـ الإمامُ المتوكل على الله أحمد بن سليمان، منها: شرح التجريد للإمام المؤيد بالله، وشرح القاضي زيد ـ رضي الله عنه ـ عن شيخه السيد الفاضل الإمام الحسن بن محمد، من ولد المرتضى (ع).
وقد أفاد العلماء أن الإمام المتوكل على الله أخذ كتب العراق، عن السيد الإمام /39