الأئمة، وشيعتهم، بالسلسلة المعروفة عن الشيخ عطية بن محمد النجراني، عن الأميرين: شمس الدين وبدره، يحيى، ومحمد، ابني أحمد بن يحيى بن يحيى.
إلى قوله: وقال القاضي عبدالله الدواري: إن الأمير علي بن الحسين يسنده إلى الأميرين بدر الدين، وشمسه، من غير واسطة.
وقال: وأخذ عنه ذلك، الأمير الحسين بن محمد.
وكذا قال في الترجمان، وتبعهما الإمام شرف الدين (ع).
انتهى المراد.
[الكلام على كتاب ينابيع النصيحة]
واعلم، أن كتاب ينابيع النصيحة من نفائس مؤلفات العترة الأطهار، وذخائر علومهم الساطعة الأنوار؛ ويحق لمثله، ومؤلفه نجم آل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وعين أسباط الوصي والبتول ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ لولا أنه يتساهل في نقل بعض الروايات كقصة البساط، والمنجنيق في غزوة ذات السلاسل، وأن أمير المؤمنين (ع) قتل يوم بدر سبعة وستين..
ومن مكنون ماتضمنه هذا الكتاب، ومخزون ما اشتمل عليه ذلك السفر الممتلئ الوطاب، مما السياق فيه، ما أورد في بحث منه، قال فيه:
واعلم أن أهل البيت على ضربين: منهم من ورد فيه النص معيناً باسمه أو لقبه، أو بهما جميعاً، أو وصف بصفة كالإشارة إليه، وكالتنبيه عليه؛ ومنهم من شمله ماورد من الفضائل فيهم عامة.
فلنذكر الضرب الأول، واحداً واحداً، ونذكر طرفاً مما ورد فيه على الخصوص؛ ثم نتبع ذلك بذكر نبذة مما ورد في جماعتهم على وجه العموم.
فنقول وبالله التوفيق: أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
قلت: ثم ساق في فضائله، وفضائل الأئمة المبشر بهم من ولده، إلى إمام الجيل والديلم، الناصر للحق الأقوم؛ ثم الإمام المهدي المنتظر ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ.
ومما روى فيه في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قوله: وأما السنة /545
فكثير، نحو: ماأخبرني به والدي وسيدي، عماد الإسلام ـ رضي الله عنه ـ بالإسناد الموثوق به إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أنه قال: ((لايحل لعين ترى الله يُعْصى فتطرف، حتى تغير أو تنتقل))، وفي السماع المتصل بالمنصور بالله (ع): ((حتى تغير أو تنصرف)) انتهى.
[ترجمة الأمير الحسين (ع)]
هذا، وقد اشتمل على ذكر الأمير الناصر للحق، ومؤلفاته ووفاته، ذلك البحث من التحف الفاطمية في سيرة أخيه الإمام الأوحد المنصور بالله الحسن بن محمد (ع).
قال في طبقات الزيدية: الإمام الناطق بالحق.
وساق إسناد مذهب أهل البيت (ع) إليه، عن مشائخه.
قلت: وقد صحّ أنه يروي عن جمال العترة علي بن الحسين، عن الشيخ محيي الدين عطية بن محمد، عن أبويه الأميرين الداعيين إلى اللَّه تعالى: شمس الدين وبدره، يحيى ومحمد.
ويروي عن والده الداعي إلى اللَّه تعالى بدر الدين محمد بن أحمد، بلا واسطة.
وروى عن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة بواسطة الشيخ العلامة، عمران بن الحسن.
وأما أخوه الإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد، فسمع كتاب الشافي على الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة (ع).
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: هو الأمير الكبير، أبو طالب، حامل لواء العلوم، فارس مظنونها والمعلوم؛ من أعلام العترة الميامين، ومن علمائهم المبرزين، وعلمه أشهر من أن يُوصف، ومعرفته أكثر من أن تعرف، فله من التصانيف مايدل على علمه الغزير.
إلى قوله: صنف في الفقه المدخل، والذريعة، وكتاب التقرير ستة أجزاء، وشفاء الأوام أربعة أجزاء، شرع فيه بالجزئين الأخيرين.
إلى قوله: وجرى بينه وبين أولاد المنصور بالله، بعد قتل الإمام أحمد بن الحسين، وحشة.
إلى قوله: قال السيد صلاح: وقف هو والسيد الحسن بن شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى في الحبس سنة، فيما روي لي أنهم مكنوهما من خزانة المنصور بالله.
إلى قوله بعد الكلام في الشفاء: قال السيد محمد بن إبراهيم الوزير: ولاشك في كفايته ـ أي الشفاء ـ للمجتهد، وهو في كتب الزيدية مثل كتاب البيهقي في كتب الشافعية، وله في /546
أصول الدين كتاب.
قلت: هو هذا ينابيع النصيحة، وله العقد الثمين، وكتاب إرشاد العباد إلى سوي الاعتقاد.
وقال: وأما الرسائل والأجوبة، فكثيرة محتوية على علم غزير؛ وله ثمرة الأفكار في حرب البغاة والكفار، وله كتاب يسمى النظام.
إلى قوله: وكان حجة في أهل وقته، يتعاورون كلماته.
إلى قوله: ثم رحل إلى رغافة، وبها توفي، سنة اثنتين أو ثلاث وستين وستمائة.
قلت: قد ذكرت تاريخه في التحف، وعمره اثنتان وستون سنة، وقبره يلي قبر أخيه الإمام الحسن بن محمد يمناً؛ ويليه قبر أخيهما المختار، في مسجد تاج الدين.
وكان وفاة الأمير بعد قيام أخيه الحسن بن محمد، وعاصره وقام بدعوته، وله كرامات معروفة.
قال: وأجلّ تلامذته الأمير المؤيد بن أحمد، والإمام المطهر بن يحيى، وولده جبريل بن الحسين، والأمير صلاح بن إبراهيم، مؤلف التتمة.
انتهى المراد.
انتهى الجزء الأول من كتاب لوامع الأنوار
يتلوه الجزء الثاني، وفاتحته الفصل السادس
وصلى الله على محمد وآله وسلم
---بسم الله بمن الله ـ وله الحمد ـ كان إتمام السماع، والتصحيح لهذا الجزء الأول من كتاب لوامع الأنوار، على المؤلف شيخنا، شيخ الإسلام الإمام الحافظ، الحجة الناقد، المسدد المجتهد المطلق، أبي الحسنين، مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي قدّس الله سرّه، ونفع بعلومه.
وأروي هذا الكتاب كلّه وغيره من مؤلفاته، وجميع مروياته، ومسموعاته، عنه، بالسماع الصحيح، والإجازة؛ كما قد أجازني فيما لم أسمع، والحمد لله.
كاتب هذا: حسن بن محمد الفيشي.
لوامع الأنوار الجزء الثاني
الفصل السادس في تحصيل السابق، وتفصيل اللاحق
[ذكر ما سبق إسناده من كتب الأئمة]
اعلم ـ أيدنا الله تعالى وإياك ـ أن هذا الجامع المبارك، قد اشتمل فيما مضى، وفيما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ على المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، من الأسانيد الصحيحة الجامعة، لمؤلفات أئمة العترة، ونجوم علمائهم، وأعيان الصفوة من الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ على مثال لم يُسْبَقْ إليه، ومنوال لم يُنْسَجْ عليه، مع ما فتح الله تعالى به في خلال ذلك، من غرر الفوائد، ودرر الفرائد، التي يجلّ نفعها، ويعظم وقعها، عند ذوي الاطلاع، وأرباب الهمم من الأعلام، المقتفين لأنوار سادات الأنام، قرناء الكتاب، وأمناء رب الأرباب، وخلفاء الرسول ـ صلوات الله عليه وآله ـ على أولي الألباب؛ وكل هذا بفضل الله الملك الوهاب، وهو المرجو عز وجل لجزيل الثواب، وكريم المآب.
فأقول، معتصماً بمن ملكه لايزول: قد سَبَقَتِ الأسانيد، متصلة إلى جميع مؤلفات الإمام الأعظم، الولي ابن الولي، زيد بن علي بن الحسين بن علي، المجموعين، والتفسير، والرسالة، وغيرها.
وإلى أمالي حفيده الإمام، عالم آل محمد، أحمد بن عيسى.
وأما كتاب السير، للإمام المهدي لدين الله محمد بن عبدالله بن الحسن /3
بن الحسن بن علي (ع)، فقد تقدم الكلام عليه، في كلام الإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم (ع)، في الفصل الرابع؛ وذكرها الإمام الناطق بالحق، أبو طالب، في الإفادة، وغيره.
وكذلك جميع مؤلفات نجم آل الرسول، وصفوة أسباط الوصي والبتول، الإمام الكريم، القاسم بن إبراهيم (ع)؛ وقد بينها الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة، في الشافي، ونقلتها منه في التحف الفاطمية، وتضمنتها مؤلفات الأئمة من أسباطه (ع) وغيرهم، وكفى بذلك في الصحة.
نعم، وسبقت إلى جميع مؤلفات إمام الأئمة، الهادي إلى الحق القويم، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، عليهم أفضل التحيات والتسليم: الأحكام، والمنتخب، والفنون، وغيرها.
وإلى جميع مؤلفات إمام الجيل والديلم، الناصر للحق الأقوم، الحسن بن علي (ع): البساط، والتفسير وغيرهما.
وأما مؤلفات الإمامين: المرتضى والناصر، ولدي الإمام الهادي إلى الحق، فهي مروية في الشافي، وقد ذكرتها في التحف الفاطمية، وصحت روايتها بذلك، وبما صححه الإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم، فيما كتبه إلى المدينة المنورة، كما سبق في الفصل الرابع.
نعم، وسبقت الأسانيد، متصلة، إلى جميع مؤلفات إمام العترة الهداة، المؤيد بالله: شرح التجريد، والأمالي، والإفادة، وغيرها.
وإلى جميع مؤلفات أخيه، الإمام الناطق بالحق، أبي طالب: شرح التحرير، والأمالي، والإفادة، وغيرها.
وإلى جميع مؤلفات الإمام الموفق بالله، أبي عبدالله، الحسين بن إسماعيل: الإحاطة، والسلوة، وغيرهما.
وإلى الأماليين: الخميسية والاثنينية، /4
للإمام المرشد بالله، أبي الحسين، يحيى بن الموفق بالله.
وأما البرهان في تفسير القرآن، للإمام الناصر، أبي الفتح الديلمي، فقد صحّ بتصحيح الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم (ع).
وما ذكرت التصحيح له على هذا الوجه، فلعدم تسلسل السند إليه، في شيء من المسندات الموجودة.
نعم، وسبقت الأسانيد، متصلة، إلى كتاب نهج البلاغة، من كلام أمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ جمع الشريف الرضي.وإلى أعلام الرواية على نهج البلاغة، للشريف علي بن ناصر الدين المرتضى الحسيني.
وإلى مسند الإمام علي الرضا ابن موسى الكاظم.
وإلى أصول الأحكام، للإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان.
وأما حقائق المعرفة، فقد صحت روايتها، بما تقدم من تصحيح الإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم (ع) وغيره.
نعم، وسبقت الأسانيد، متصلة، إلى جميع مؤلفات الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة: الشافي، وصفوة الاختيار، والمجموع المنصوري، والتفسير، والمهذب، وحديقة الحكمة، والجوهرة الشفافة، والنافعة، والناصحة، والكافية، والهادية، والدرة اليتيمة، وعقد الفواطم، والعقد الثمين في الأئمة الهادين، والدعوة العامة، وديوانه، وغير ذلك.
وإلى كتاب اللمع، والدرر، والقمر المنير، للأمير الخطير، علي بن الحسين.
وإلى أنوار اليقين، للإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد.
وإلى جميع مؤلفات أخيه، الأمير الناصر للحق، الحسين بن محمد بدر الدين (ع): الشفاء، والتقرير، والينابيع، وغيرها.
ولنذكر مؤلفات الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ إلى هذا العصر، ثم مؤلفات آل محمد (ع)، ثم نسوق على ذلك إلى النهاية ـ إن شاء الله ـ /5
بإعانة الله وتسديده.
فأقول: وسبقت الأسانيد، إلى جميع مؤلفات شيخ الإسلام، إمام الشيعة الأعلام، أبي جعفر، محمد بن منصور المرادي ـ رضوان الله عليه ـ الذي كان أئمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ ينزلونه منزلة الأب الكريم، وهو يجلهم إجلال الشريف العظيم؛ وكفى في الدلالة على ذلك قضية اجتماع نجوم العترة، في عصره للبيعة العامة، وهو ما رواه في المصابيح، وتناقله الخلف عن السلف من أهل البيت (ع).
[الاجتماع التاريخي العظيم]
قال ـ أي محمد بن منصور المرادي ـ: كنتُ في منزلي بالكوفة، سنة عشرين ومائتين.
قلت: وأخبر محمد بن منصور، بهذا، سنة تسعين ومائتين؛ فيكون بين الاجتماع وإخباره سبعون سنة؛ وفي المحاورة حال الاجتماع، أنه كان شيخاً كبيراً؛ فقد بارك الله ـ تعالى ـ في عمره؛ ليبلّغ الخلف عن السلف، من آل محمد (ع).
(رجع) كئيباً حزيناً؛ لما فيه آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وما فيه شيعتهم؛ حتى استأذن عليَّ أبو عبدالله، أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي (ع) فاستقبلته، وأدخلته منزلي، ورحّبت به، وسرتني سلامته من البصرة.
ثم ما شعرت بشيء، وأنا في الحديث معه، والتوجع لما فيه أمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حتى استأذن علي أبو محمد، القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل الرسي (ع)، فاستقبلته، وأدخلته، ورحبت به، وسررت بسلامته من الحجاز.
وجعلنا نتحدث، ونذكر ما فيه الناس من /6
الظلم والتعدي، وما تغلب عليه الجبارون؛ حتى استأذن عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن (ع)، فغدوت فاستقبلته، وأدخلته الدار، وهنأت له بسلامته، وقدومه سالماً من الشام؛ لأنه كان بجبل لُكام؛ وأقبل عليه أحمد بن عيسى، والقاسم بن إبراهيم يسألانه عن حاله وأمره.
قال: ورآهم أبو محمد، الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد (ع)، فجاءنا ودقّ الباب، فقمتُ ففتحتُ له، فسلم على القوم ودعا لهم بالسلامة؛ وقال: الحمد لله، الذي جمعنا وإياكم، في دار ولي من أوليائنا.
قال محمد بن منصور: وهؤلاء الذين كانوا يشار إليهم، ويفزع السلطان منهم، وقد امتنعوا من الحضور عندهم، وفي مجالسهم، وأخذ عطاياهم.
قال محمد بن منصور: فورد علي من السرور، مالا أحسن أن أصفه، ودهشت، وأردت أن أخرج فآخذ ما يأكلون.
فقالوا: إلى أين تمضي؟ زرناك وتتركنا وتخرج؟
فقلت: ياسادتي آخذ لكم ما يصلح من المأكول.
فقالوا: وما عندك شيء؟
قلت: بلى، ولكن استزيد.
قالوا: وما عندك؟
قلت: عندي خبز، وملح، ولبن، وتمر سابري.
فقالوا: أقسمنا عليك، لاتزد على هذا شيئاً، وأَغْلِق الباب لنأمن.
فقمتُ وأغلقته، واستوثقت من الباب، وقدمت إليهم طبقاً عليه خبز وملح وخل ولبن وتمر، فاجتمعوا وسموا الله ـ عز وجل ـ وجعلوا يأكلون، من غير حشمة، حتى استوفوا، وشربوا من ماء الفرات الذي كان عندي، وقاموا فتوضؤوا للصلاة، وصلوا الصلاة الأولى، فرادى ووحدانا.
فلما انفتلوا، مدوا أرجلهم، كل واحد على سجادته، يتحدثون، ويغتمون لأمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وما هم فيه من الجور والظلم؛ فقمتُ وقعدتُ على عتبة الصَّفَّة؛ ليراني جماعتهم وبكيتُ، وقلت: ياسادة، أنتم الأئمة، وأنتم أولاد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأولاد علي وفاطمة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ /7
وأنتم المشار إليكم؛ وأنتم أهل العقد والحل، وأنتم العلماء والأئمة، من ذرية النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وولد الوصي (ع)، قد اجتمعتم، وجمع الله بينكم، ونحن بلا إمام، ولا لنا جمعة، ولا جماعة، ولا عيد.
قلت: والأظهر أن نفي الجمعة؛ لأنهم لايجيزونها مع الظلمة؛ وأما الجماعة، فلعدم تعيين الأولى بها؛ وبعد البيعة تعين، فائتموا به، والله أعلم.
(رجع) فارحموا كبر سني، واعملوا فيما يقربكم إلى الله ـ عز وجل ـ وبايعوا واحداً منكم، أعلمكم وأقواكم، حتى يكون الرضاء منكم، ترضون به الإمام، لي ولأمثالي وللمسلمين؛ ولانموت ميتة جاهلية، بلا إمام، ويكون لنا إمام نطيعه ونعرفه، ونموت بإمام.
فقالوا: صدقتَ أيها الشيخ، ما أحسن ما قلتَ! وإن لك ملتنا ولحمنا ودمنا، وأنت منا أهل البيت، وما نطقت به فهو الصواب، ونحن نفعله بإذن الله، إن شاء الله.
قال: فقلت: فرِّحوني، ولا تبرحوا، حتى تبرموا، ولا تؤخروه إلى مجلس آخر؛ فإنا لا نأمن من الحوادث.
فبرز أبو محمد، القاسم بن إبراهيم، وأقبل إلى أبي عبدالله، أحمد بن عيسى، وقال: إن شيخنا وولينا قد قال قولاً صادقاً متفقاً؛ وقد اخترتك لأمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأنت العالم القوي، تقوى على هذا الأمر؛ فقد رضيتك، ورضي أصحابنا، فتولّ هذا الأمر، فمدّ يدك أبايعك، على كتاب الله وسنة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فأنت الرضاء لنا؛ ما تقولون يا أصحابنا؟
قالوا جميعاً: رضى رضى.
فقال أحمد بن عيسى: لا والله، وأنت يا أبا محمد حاضر؛ إذا حضرت، فلا يجب لأحد أن يتقدمك ويختار عليك، وأنت أولى بالبيعة مني.
فقال القاسم: اللهم غَفراً، اللهم غَفراً، أرضاك وأسألك أن تقوم بأمر أمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فتحيل علي؟
فقال: لايكون ذلك، وأنت حاضر /8
قال: ثم أقبل القاسم على عبدالله بن موسى، فقال: يا أبا محمد، قد سمعت ما جرى، وقد امتنع أبو عبدالله أن يقبل ما أشرتُ به، وأنت لنا رضى، وقد رضيتك لعلمك وزهدك.
فقال: يا أبا محمد، نحن لا نختار عليك أحداً، وقد أصاب أبو عبدالله فيما قال، فأنت الرضى لنا جميعاً.
فقال القاسم: اللهم غَفراً، أحلت علي أنت أيضاً؟ لم تزهدون في النظر لأمة أبيكم محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وللناس عامة؟
ثم أقبل على الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد، فقال: فأنت يا أبا محمد، اقبل هذا الأمر، فإنك أهل له، وأنت قوي على النظر فيه، والبلد بلدك، وتعرف من أمر الناس ما لانعرف.
فقال: يا أبا محمد، والله، لا يتقدم بين يديك أحد إلا وهو مخطيء؛ أنت الإمام، وأنت الرضى، وقد رضيناك جميعاً.
فقال القاسم: اللهم غَفراً اللهم غَفراً.
[بيعتهم للإمام نجم آل الرسول]
قال: ثم إن أحمد بن عيسى أقبل على القوم، فقال: إن أبا محمد لنا رضى، وقد رضيتُ به.
قال عبدالله بن موسى والحسن بن يحيى: صدقت أيها الشيخ.
قال محمد بن منصور: وخفت أن يفوتنا وقت صلاة العصر، ولم يبرموا، حتى انتبز أحمدُ بن عيسى القاسمَ بن إبراهيم، وأخذ يده، وقال: قد بايعتك على كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأنت الرضى.
فجعل القاسم يقول: اللهم غَفراً، اللهم غَفراً.
ثم بايعه عبدالله بن موسى، والحسن بن يحيى، ورضوا به، وقالوا لي: بايع.
فقمتُ وبايعتُ القاسم بن إبراهيم، على كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة نبيه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -.
ثم قال لي القاسم: قم يا أبا عبدالله، وأذن، وقل فيه: حي على خير العمل؛ فإنه هكذا، نزل به جبريل (ع) على جدنا محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
فقمتُ، وأذّنتُ، وركعتُ، وأقمتُ؛ فتقدم القاسم (ع) فصلى بنا جماعة، صلاة العصر، وباتوا عندي تلك الليلة، وصلى بنا المغرب والعشاء جماعة. /9