الناصر للحق، الحسين بن محمد (ع).
(ح) ويرويه الإمام محمد بن المطهر أيضاً، عن السيد الإمام، عالم العترة الكرام، صلاح بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن الأمير بدر الدين، على المؤلف الأمير الناصر الحسين بن بدر الدين (ع).
وبهذا الإسناد اتضحت الطرق إلى جميع الكتاب الأصل، وتتمتيه.
(ح)، ويرويه الإمام محمد بن المطهر، مناولة، عن الأمير العالم الكبير، تاج الدين، جبريل بن الحسين، عن والده المؤلف (ع).
(ح)، ويرويه الإمام الولي، المهدي لدين الله علي بن محمد، عن عالم الشيعة المحدث، شمس الدين، أحمد بن علي بن مرغم الصنعاني، وهو يرويه، بطريقين:
الأولى: بقراءته على الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر بسنده.
والثانية: عن القاضي العلامة جمال الدين علي بن إبراهيم بن عطية النجراني، عن الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة، عن الإمام المتوكل على الله المظلل بالغمام المطهر بن يحيى، عن المؤلف (ع).
وأرويه بالطرق السابقة إلى الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم، وإلى والده الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وهما يرويانه عن السيد الإمام صلاح بن أحمد الوزير، عن والده شمس آل محمد أحمد بن عبدالله، عن الإمام المتوكل على الله شرف الدين (ع)، بطرقه كما سبق.
(ح)، ويرويه السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير، عن والده عبدالله بن إبراهيم، عن والده السيد الإمام صارم الدين، إبراهيم بن محمد الوزير (ع)، بطرقه السابقة.
(ح)، ويرويه السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير أيضاً، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي، عن أبيه السيد الإمام الولي يحيى بن المهدي، عن الإمام الواثق بالله المطهر بن الإمام المهدي محمد بن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى، عن أبيه، عن جده، عن المؤلف الأمير /525
الناصر للحق الحسين بن محمد (ع).
قال (ع):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وصلواته على محمد وآله.
الحمدلله الذي ألهمنا رشده بألطافه الخفية، وهدانا سبل النجاة بعوارفه السنية، إلخ.
[السند إلى اللمع للأمير علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى]
وقد تحصلّت فيما سبق الطريق إلى كتاب اللمع، للأمير الخطير، نجم العترة المطهرة، إمام آل محمد، علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى.
فأرويها بالسند السابق إلى شيخ الآل، صلاح بن الجلال، عن السيد الإمام، الهادي بن يحيى بن الحسين، وهو يرويها قراءة على الفقيه العلامة يحيى بن الحسن البحيبح، قراءة على الأمير المؤيد بن أحمد، قراءة على الأمير الحسين، عن المؤلف(ع).
قال في طبقات الزيدية: وكتابه اللمع أجل كتب الزيدية، وهي مأخوذة من التجريد والتحرير.
وقال في اللمع: عمدت إلى التحرير فجعلته لها كالأساس، وألحقت بذلك فوائد معينة، التي عني فيها القاضي زيد بن محمد مع أكثر فصوله، إلخ كلامه.
وأروي اللمع أيضاً بالسند السابق في الشفاء المتصل بآل محمد (ع)، من طريق الإمام شرف الدين، بسنده إلى الإمام الواثق بالله، عن أبيه الإمام محمد، عن أبيه الإمام المطهر بن يحيى، عن الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد (ع).
[السند إلى كتابي: الدرر، والقمر المنير]
وأروي كتاب الدرر له في الفرائض بهذين السندين الشريفين، إلى الإمام الواثق بالله، عن أبيه الإمام محمد، عن الأمير المؤيد، عن الأمير الحسين، عن المؤلف الأمير علي بن الحسين (ع).
وأروي كتاب القمر المنير له (ع)، بالأسانيد السابقة إلى الإمام شرف الدين، عن الفقيه علي بن أحمد، عن الفقيه علي بن زيد، عن السيد أبي /526
العطايا، عن الفقيه يوسف، عن الفقيه حسن، عن الفقيه يحيى، عن الأمير المؤيد، عن الأمير الحسين، عن المؤلف الأمير علي بن الحسين (ع).
[من ينابيع النصيحة في معجزات الرسول]
قال الأمير الناصر للحق، حافظ آل محمد، الحسين بن محمد بن أحمد، في ينابيع النصيحة: الحمد لله القادر العليم، الفاطر الحي القديم.
ولما بلغ إلى الكلام في النبوة، أورد بحثاً كبيراً في معجزات سيد المرسلين، وفضائل خاتم النبيين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أجمعين.
قال بعد أن ذكر استغناء الجمع الكبير، بالطعام اليسير، ببركته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كخبر شاة جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنه ـ، في سياق ذلك البحث: وأعطى موسى اليد البيضاء، في حال دون حال، وأعطى محمداً نوراً كان يضيء عن يمينه، وكلّم الله موسى بطور سيناء، وكلّم الله محمداً في السماء السابعة، وأعطى موسى الغمام ليظله، وأعطى الله محمداً ذلك، فإن السحاب كان يظله، وألقى موسى عَصَاْهُ فكانت حية، وأعطى محمداً ثعبانين يوم هم أبو جهل بقتله، وأحيا له الذراع المسمومة يوم خيبر وكلّمته، وكذلك كلّمه الجذع؛ كما رواه جماعة من الصحابة.
وساق خبره إلى قوله: وخسف الله بقارون بسبب دعاء موسى، وخسف الله بسراقة بن مالك بسبب دعاء محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ فإنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لما خرج مهاجراً إلى المدينة، جعلت قريش مائة ناقة لمن يردّه إليهم، فتبعه سراقة ليأخذ المائة، والحظ عند قريش؛ فلما دنا من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأمكنته الفرصة، وأيقن بالظفر، دعا عليه رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وهو في قاع صفصف، فساخت به قوائم فرسه، وخسف به الأرض، فنادى: يامحمد، ادع ربك ليطلق لي فرسي، وذمة الله علي ألا أدلّ عليك أحداً.
فدعا له فوثب جواده، وانتزع قوائمه من الأرض، وتبعها دخان كالإعصار.
وساق في فضائله على أنبياء الله ـ صلوات الله عليهم ـ: فإن عيسى (ع) تكلم في المهد، ومحمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كلمه الذئب والضب، والحجر، والجذع، وسبّح الحصى في يده، وغير ذلك.
وروى ابن عباس أن الله /527
أوحى إلى عيسى: ياعيسى، آمن بمحمد، ومر من أدركه من قومك أن يؤمنوا به.
وأعطى عيسى المائدة، وأعطى الله محمداً ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كذلك على ماهو مذكور، في أخبار أهل البيت (ع).
وقد تكلّم عيسى في المهد، وهكذا محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ جاءت امرأة بصبي ابن شهرين فقال الغلام وهو في حجر أمه وهي مكفهرة: السلام عليك يارسول الله، السلام عليك يامحمد بن عبدالله.
فقال: ((وما يدريك أني محمد بن عبدالله، وأني رسول الله؟)).
قال: علمنيه رب العالمين، والروح الأمين جبريل؛ وهو قائم على رأسك ينظر إليك.
فقال: ((مااسمك ياغلام؟)).
فقال: سموني عبدالعزى، وأنا به كافر، فسمني.
فسماه عبدالله.
فقال له جبريل: هذا تصديق لك بالنبوة، ودلالة لكي يؤمن بقية قومك.
فقال الصبي: يارسول الله، ادع الله لي يجعلني من خدمك في الجنة.
فقال جبريل: ادع؛ فدعا.
فقال الغلام: السعيد من آمن بك، والشقي من كذب بك.
ثم شهق شهقة فمات.
فقالت المرأة: قد رأيت ما رأيت، فأنا أشهد أن لاإله إلا الله، وأنك رسول الله، ووا أسفى على مافاتني.
فقال لها: ((أبشري، فوالذي ألهمك الإيمان، إني لأنظر إلى حنوطك وكفنك مع الملائكة)).
فشهقت شهقة فماتت، فصلى عليها رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ودفنها.
وكلّم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الناقة، والحمار، والشجر، وغير ذلك.
وروي عن أم سلمة قالت: أقبل نفر على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وكلّموه؛ فقال الأول: يامحمد، زعمتَ أنك خير من إبراهيم، وهو تعالى اتخذه خليلاً، فأي شيء اتخذك؟.
فقال: ((اتخذني صفياً، والصفي أقرب من الخليل)).
فقال الثاني: زعمتَ أنك خير من موسى، وقد كلّم الله موسى.
قال: ((ويلك، كلّم موسى في الأرض، وأنا كلّمني تحت سرادق عرشه)) /528
فقال الثالث: زعمتَ أنك خير من عيسى، وكان يحيي الموتى، فأنت متى أحييت؟
قالت: فغضب، وصفق بيديه، وصاح بأعلى صوته: ((ياعلي))، فإذا علي مشتمل بشملة، وهو يقول: لبيك لبيك يارسول الله.
فقال له: ((من أين؟))
قال: كنت في بستان إذْ سمعت صوتك، وتصفيقك.
فقال: ((ادن مني، فوالذي نفس محمد بيده ما ألقى الصوت في مسامعك إلا جبريل)).
فدنا علي من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ثم كلّمه بكلمات لم أسمعها.
ثم قال: ((ياحبيبي، فالبس قميصي هذا، وانطلق بهم إلى قبر يوسف بن كعب، فأحيه لهم بإذن الله محيي الموتى)).
قالت أم سلمة: فخرجوا أربعة معاً، وأقبلت أنا وهم، حتى انتهى بهم إلى بقيع الغرقد، إلى قبر دارس، ودنا منه، وتكلّم بكلمات، فتصدع القبر، ثم أمره ثانية، فتصدع، ثم أمره ثالثة، فتصدع، ثم قال: قمْ بإذن الله محيي الموتى.
فإذا شيخ ينفض التراب عن رأسه ولحيته ويقول: ياأرحم الراحمين.
ثم التفت إلى القوم كأنه عارف بهم، ثم قال: ويلكم أكفر بعد إيمان؟ أنا يوسف بن كعب صاحب الأخدود، أماتني الله منذ ثلاثمائة وستين عاماً حتى الساعة.
ثم هتف هاتف وقال: قمْ صدق سيد ولد آدم محمداً فقد كُذِّبَ.
قال: وهذه المعجزة قد وقع مثلها أيضاً، كما روي عن أبي عبدالله قال: حدثني أبي عن جدي ـ قلت: يعني بأبي عبدالله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي (ع) ـ أن أصحاب الرسول كانوا مجتمعين، فتذاكروا الإدام، فاجتمعوا على أن لاإدام خير من اللحم، فرفع النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ رأسه، وقال: ((أما إنه لاعهد لي به من كذا وكذا))، فبقي والقوم، وقام رجل من الأنصار إلى امرأته، وقال: يافلانة هذه غنيمة باردة.
قالت: وما هي؟
فقص عليها القصة.
قالت: دونك شاتك فاذبحها.
وكان لهم عناق يربونها، فقام إليها فذبحها، وشواها، ووضعها في مكتل، وقنّعها بقناع وقال لابنه: انطلق بها إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأقم عنده تنظر مايصنع.
قال الغلام: فأتيته بها، وهو في منزل أم سلمة، فدخلتُ وهو مستلق على نطع، /529
وإحدى رجليه على الأخرى، فوضعتها بين يديه، وأخبرته أن أبي بعث بها إليه، فَسُرَّ بها، وقال: ((ياغلام ادع لي علياً))، وقال: ((يابلال ائتني بسفرة))، فأتاه بها، فوضع العناق عليها.
ثم قال: ((انظر مَنْ في المسجد من المسلمين)).
فقال: ثمانية عشر نفراً.
قال: ((أدخلهم)).
فلما دخلوا، قال: ((كلوا ولا تنهشوا لها عظماً)).
فأكلوا حتى صدروا ثم نهضوا.
ثم قال: ((يابلال ائت فاطمة)).
ثم قسم في نسائه قُبضة قُبضة، فلما فرغ، ضرب وركها، وقال: ((قومي بإذن الله تعالى)).
فنهضت تبادر الباب، واتبعها الغلام، فسبقته إلى المنزل، فدخل الغلام، وأبوه يقول: كأنها عناقنا التي ذبحناها.
فقالت امرأته: لعلها لبعض الحي.
فقال الغلام: لاوالله، ماهي لأحد، وإنها لعناقكم، صنع بها رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كذا.
إلى غير ذلك.
[من الينابيع في إخباره بالمغيبات]
وقال (ع): وأما إخباره عن الغيوب الماضية، فنحو إخباره بقصة آدم وحواء وأولادهما، ونوح، وأخبار سائر الأنبياء المفصلة في القرآن، وأصحاب الكهف، وذي القرنين، ونحو أخبار أهل الكتابين، ونشر فضائحهم، وأفعالهم.
وأما إخباره عن الغيوب المستقبلة، فنحو إخباره بأسرار المنافقين، وما قد عزموا على فعله في المستقبل، وإخباره بأن اليهود لايتمنون الموت، في قوله: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا } [البقرة:95]، وكان الأمر في ذلك على ما أخبر.
ونحو إخباره بهزيمة بدر قبل وقتها، في قوله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)} [القمر]، وكان الأمر في ذلك على ما أخبر.
ونحو إخباره بقصة مُلك الروم وفارس، في قوله: {الم(1)غُلِبَتِ الرُّومُ(2)فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)} [الروم].
ونحو قوله، /530
للزبير بن العوام: ((إنك تقاتل علياً وأنت له ظالم))؛ وقد ذكّره ذلك أمير المؤمنين علي (ع) يوم الجمل فعدل عن القتال.
ونحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لعمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ: ((تقتلك الفئة الباغية))، فقتله أصحاب معاوية.
قال: ونحو وَعْده لأصحابه بكنوز كسرى وقيصر، وقوله لسراقة بن جعشم وقد نظر إلى ذراعيه: ((كأني بك، وقد لبست سواري كسرى))، وكان سراقة أشعر الذراعين دقيقهما.
فلما افتتح المسلمون خزائن كسرى على عهد عمر، حُمِلَ المال فوضع في المسجد، فنظر عمر منظراً لم يَرَ مثله، والذهب والياقوت والزبرجد واللآلي تتلألأ.
فقال: أين سراقة بن جعشم؟
فأتي به، فقال له عمر: البس السوارين.
وهما سوارا كسرى.
ففعل سراقة، فكان ذلك آية ظاهرة.
ونحو قوله لسلمان الفارسي: ((سيوضع على رأسك تاج كسرى))، فكان الأمر على ماأخبر.
ونحو قوله لعائشة: ((ستنبحكِ كلاب الحوأب))، فكان الأمر على ماأخبر.
ونحو إخباره للصحابة أن أويس القرني ـ رحمه الله ــ قلت: كذا في المنقول عنها بغير ألف على لغة ربيعة، قال ـ: يَرِدُ عليهم بعد وفاته، وأن به برصاً، دعا اللَّه تعالى فبرئ كله إلا قدر الدرهم، وكان عمر يسأل عنه، ويطلبه حتى ظفر به.
قلت: وهو من الشهداء ـ رضوان الله عليهم ـ بصفين، بين يدي سيد الوصيين، ـ صلوات الله عليه ـ.
قال (ع): ونحو نعيه لجعفر بن أبي طالب على بُعْد منه.
قلت: ورد في الأخبار أنه لما التقى الناس بمؤتة، وهي في تخوم الشام، وكان أهل الغزوة ثلاثة آلاف، والتقاهم ملك الروم في مائة ألف مقاتل، جلس رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - على المنبر، وكُشِفَ له مابينه وبين الشام، ونظر إلى معركتهم، وأخبر أصحابه بما هم فيه، وقال: ((أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، ثم مضى قدماً حتى استشهد))، فصلى عليه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ودعا له، ثم قال: ((استغفروا لأخيكم، فإنه شهيد قد دخل الجنة، فهو يطير فيها بجناحين من ياقوت، حيث يشاء من الجنة)).
وقال: ((أخذ الراية زيد بن حارثة))، وحكى /531
عنه نحو ماتقدم عن جعفر بن أبي طالب، إلى قوله: ((ومضى قدماً حتى استشهد))، ثم صلى عليه؛ وقال: ((استغفروا له، فقد دخل الجنة وهو يسعى)).
وقال: ((أخذ الراية عبدالله بن رواحة، ثم دخل معترضاً))، فشق ذلك على الأنصار، فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أصابته الجراح))، قيل: يارسول الله فما اعتراضه؟ قال: ((لما أصابته الجراح نكل، فعاتب نفسه، فَشَجُع، فاستشهد، فدخل الجنة)).
وفي أمالي الإمام الناطق بالحق أبي طالب، بسنده إلى جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي ـ رضوان الله عليهم ـ أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كان جالساً في المسجد، وقد خفض له كل رفع، وهو ينظر إليهم يقتتلون، والناس عنده، وكأن على رؤوسهم الطير، وهو يقول: ((تهيأ القوم، وتعبأوا والتقوا))، ثم قال: ((قُتِل جعفر؛ إنا لله وإنا إليه راجعون))، وأخذ رسول الله التقطع في بطنه ـ قلت: أي المغص ـ.
وساق في خبر جعفر (ع)؛ إلى قوله: ثم أخذ السيف وتقدم وهو يقول:
ياحبذا الجنة واقترابها .... طيّبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها .... علي إنْ لاقيتها ضرابها
انتهى.
[منها في حديث غزوة مؤتة]
وكانت غزوة مؤتة في جمادى، عام ثمانية من الهجرة، وأمراء رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فيها الذين عينهم هؤلاء الثلاثة ـ رضوان الله عليهم ـ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إنْ قتل فلان ففلان، وإنْ قتل فلان ففلان))، وفي الثالث قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((وإنْ قتل فليرتض المسلمون بينهم رجلاً)).
وسمع كلامه يهودي كان حاضراً، يقال له: النعمان، فقال: ياأبا القاسم، إن كنت نبياً فسيصاب من سميت قليلاً كانوا أوكثيراً، إن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل ثم قالوا: إن أصيب فلان، فلو سموا مائة أُصيبوا جميعاً.
ثم جعل يقول لزيد بن حارثة: اعهد فلا ترجع إلى محمد أبداً إنْ كان نبياً.
قال زيد: أشهد أنه نبي صادق.
ولما عقد رسول الله صلى الله /532
عليه وآله وسلم لهم اللواء، وهو لواء أبيض، مشى الناس إلى أمراء رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يودعونهم ويدعون لهم، وناداهم المسلمون: دفع الله عنكم، وردّكم صالحين سالمين غانمين.
فقال عبدالله بن رواحة:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة .... وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
الأبيات.
نعم، وعند أهل البيت أن ترتيبهم في الأمارة هكذا جعفر، ثم زيد، ثم عبدالله.
روى أبو العباس الحسني (ع) في المصابيح، عن محمد بن زيد بن علي بن الحسين، أنه كان على الناس يوم مؤتة جعفر بن أبي طالب.
وروى أيضاً من طريق أخرى، عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، أن جعفر بن أبي طالب (ع) لم يبعثه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في وجه قط إلا جعله على الناس، وهاجر الهجرتين جميعاً: هجرة الحبشة، وهجرة المدينة، وأمّره - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - على من كان من المؤمنين عند الحبشة.
إلى قوله: وأسلم النجاشي على يديه، ثم قدم على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقد فتح خيبر؛ فقام إليه حين عاينه وتلقاه وعانقه، وقبّل بين عينيه، وقال: ((ماأدري بأيهما أنا أشد فرحاً وسروراً: بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر؟)).
ثم أمّره على زيد وعبدالله بن رواحة، وجماعة الناس، في غزوة مؤتة، فقُطِعَت يداه، وضُرِبَ على جسده نيفاً وسبعين ضربة. انتهى.
قال ابن أبي الحديد: اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة هو كان الأمير الأول، وأنكرت الشيعة ذلك، وقالوا: كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول.
قال: وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازي مايشهد لقولهم.
فمن ذلك مارواه عن حسان بن ثابت.
وساق قصيدته فيهم إلى قوله:
ولا يبعدنّ الله قتلى تتابعوا .... بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
/533
إلى قوله:
غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم .... إلى الموت ميمون النقيبة أزهرُ
أغرّ كضوء البدر من آل هاشم .... أبيّ إذا سيم الظلامة أصعرُ
إلى قوله:
وما زال في الإسلام من آل هاشم .... دعائم صدق لا ترام ومفخرُ
هم جبل الإسلام والناس حوله .... رضاب إلى طود يطول ويقهرُ
بهاليل منهم جعفر وابن أمه .... علي ومنهم أحمد المتخيرُ
إلى قوله:
هم أولياء الله أنزل حكمه .... عليهم وفيهم والكتاب المطهر
ومنها قول كعب بن مالك الأنصاري.
وساق أبياته إلى قوله:
ساروا أمام المسلمين كأنهم .... طود يقودهم الهزبر المشبلُ
إذْ يهتدون بجعفر ولوائِهِ .... قدام أولهم ونعم الأولُ
إلى قوله:
فتغيّر القمر المنير لفقده .... والشمس قد كسفت وكادت تأفلُ
قوم علا بنيانُهم من هاشم .... فرع أشم وسؤدد متأثلُ
قوم بهم عَصَمَ الإلهُ عبادَه .... وعليهم نزل الكتاب المنزلُ
انتهى.
[منها في كرامات العترة]
هذا، وأورد الأمير الناصر (ع)، في الينابيع، بحثاً في كرامات أهل البيت (ع).
وقد ذكرت في التحف الفاطمية من كراماتهم (ع) مايشفي، وأذكر هنا مالم يكن هنالك، أو هو أبسط من ذلك.
قال (ع): فمن ذلك: أن الحسين السبط ابن علي الوصي أمير المؤمنين (ع)؛ لما قُتل بكربلاء، بكت عليه الأرض والسماء، وقطرت ـ كما رويناه بالنقل الصحيح ـ دماً.
ومن ذلك: كرامات زيد بن علي السجاد ابن الحسين الشهيد عليهم /534