عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقوله لعلي: ((من أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني))، وكقوله: ((علي مني وأنا منه))، وكقوله: ((أوحي إلّي في علي، أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين))، إلى غير ذلك مما رويناه مسنداً ومرسلاً، ومبيناً ومجملاً؛ فهذا تقديمه بالقول.
وأما بالفعل فإنه لم يولّ عليه أحداً قط، وقد ولى على أبي بكر وعمر وعثمان غير مرة، ولاينكر ذلك أحد من علماء الأمة؛ وما بعثه في جيش ولا سرية إلا وهو أميرها، يأمر بطاعته، ويحذر عن مخالفته، وهو صاحب رايته في كل زحف، حتى سأله جابر بن سمرة: يارسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟.
فقال: ((ومن عسى أن يحملها إلا من يحملها في الدنيا، علي بن أبي طالب)).
وأخذ براءة من أبي بكر ودفعها إليه، وقال: ((لايبلغها أحد عني، إلا أنا أو رجل مني)).
وأخرجه عند المباهلة، وأجراه مجرى نفسه، دون غيره، بنص ربه؛ لأنه لايفعل من تلقاء نفسه؛ إن هو إلا وحي يوحى.
وآخى بين أصحابه وقال: ((هو أخي في الدنيا والآخرة)).
وزوجه ابنته فاطمة، ابنة الوحي، بأمر اللَّه تعالى، سيدة نساء العالمين، مع كثرة خطّابها.
إلى قوله: فانتظر أمر الله فيها، فأمرهيزوجها من علي (ع)، بعد أن عقد بها في السماء، بأمر الملك الأعلى؛ فلها عقدان: عقد سماوي، وعقد أرضي.
وقال لفاطمة في حديث طويل: ((زوجتك أعلمهم علماً، وأقدمهم سلماً)).
ولم ينقم منه طول صحبته، ولا أنكر عليه شيئاً من قوله ولا فعله مدة حياته؛ بل أنكر على من شكاه في فعله، كخالد بن الوليد، ورسوله أبي بريدة، وقال له: ((مالكم ولعلي، علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة)).
ولما تمم ماأمره به ربه من /495

النص على إمامته، والإشارة بخلافته، نزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة:3].
هذا غير ماكان في حال صغره، فإنه في حال ولادته، غسله وسماه، وفي حجره المبارك رباه.
إلى قوله: وهو كشّاف الكرب عن وجه رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
[نبذه من الشافي في فضائل العترة ووجوب التمسك بهم]
ثم خصه الله بالذرية الطيبة، المباركة الزكية، التي ملأت البلاد، مشاهد ومعاهد، وعلوماً وفوائد، فظهرت علومها، ورجحت حلومها، وصدقت كراتها، وظهرت آياتها، ومدحها ـ من الأكابر والأفاضل، دون الأسافل والأراذل ـ وليّها وعدوّها.
إلى أن ذكر (ع) ولاية الحرمين المطهرين ـ زادهما الله على مرور الأيام شرفاً ـ وأنهما تحت ولايتهم ذلك العصر.
قال (ع): فأحكامهم ماضية فيهما بما يسر صاحب بغداد تارة، ويسوؤه أخرى، وإظهارهم لأذان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، الذي ورثوه عن سلفهم، وأجمع عليه آباؤهم، بحي على خير العمل، مع كراهة من تحنبل.
ثم ذكر ـ صلوات الله عليه ـ المباحث المهمة، والعلوم الجمة، في طرق كتب الإسلام، وروايات الأنام من جميع الأمة، والبيان لحجج اللَّه تعالى من الكتاب والسنة، وتعداد فرق الأمة من جميع الطوائف، وما عليه كل فريق من موالف ومخالف.
وقال (ع)، بعد أن ساق البراهين على وجوب اتباع أهل البيت ـ صلوات الله عليهم ـ من الكتاب والسنة، حتى انتهى إلى طرق أخبار التمسك مانصه: فهذه كما ترى أخبار متظاهرة، مما روته العامة، ولم تتناكر فيه، ولااختلفت معانيه، وقد تكرر لفظ العترة، وأهل البيت، وبينا مَنْ هم بدلالة الكتاب في آية التطهير، وأحاديث الكساء والبرد المتكررة المتظاهرة؛ إذْ هم موضع الحجة على الأمة، لمكان العصمة، وإيجاب الرجوع إليهم في المهمة، كما يرجع إلى الكتاب في الدلالة.
وهذا نصّ صريح يأمر به النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كل من شملته لفظة الإسلام؛ /496

فمن كان من المسلمين لزمه الاقتداء بالثقلين: الكتاب والعترة، ولايلزم أهل بيته الاقتداء بأحد؛ لأن الوصية بالتمسك بأهل بيته، والأمر بذلك لأمته؛ فهو أمر بالاقتداء بهما، إلى آخر أيام التكليف؛ لأنه قيّد التمسك بالأبد، وجعل مدة اجتماعهما إلى ورود الحوض عليه، صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
وهذا الأمر منه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالتمسك بأهل بيته (ع)، عام لكل أهل الإسلام.
وهو أيضاً واجب يدل على وجوبه قُبْح تركه؛ لأنه (ع) قال: ((ماإن تمسكتم به لن تضلوا))، فجعل ترك التمسك بهما هو الضلال.
قلت: لأن منطوقه صريح بنفي الضلال عن المتمسك؛ وترك الضلال واجب، فيجب التمسك الموصل إلى القطع بنفيه قطعاً؛ إذ لاطريق إلى ذلك سواه.
ومفهومه، أن ترك التمسك بهما ضلال، وهو قبيح بلا إشكال، وأيضاً، التمسك بالكتاب واجب قطعاً؛ وقد قُرِنُوا به، فيكون حكمهم كحكمه.
وأيضاً، قد جعلهما خليفتيه؛ وللخليفة ما للمستخلف بلا خلاف، وإلا فلا معنى للاستخلاف.
وأيضاً، المقام صريح ضروري في هذا المقصود، فالمناكرة فيه باب من التكذيب والرد والجحود.
قال (ع): فصار ترك هذا الأمر قبيحاً، فعلم وجوبه بقبح تركه، وهو شهادة الصادق بنفي الضلال مع الاتباع، والاحتراز من الضلال واجب؛ لأنه دفع ضرر عن النفس، فوجب لوجهي الوجوب من العقل والسمع؛ فما بقي لمعتلّ علّة.
إلى قوله (ع): فقد صار الخبرالوارد بإجماع كافّة أهل الإسلام، من قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((افترقت أمة أخي موسى إلى إحدى وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون في النار؛ وافترقت أمة أخي عيسى اثنتين وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون في النار؛ وستفترق أمتي ثلاثاً وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون في النار)) بياناً عن الفرقة الناجية من أمته، وهي التي تمسكت بالثقلين: كتاب الله، وعترة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - انتهى، /497

.
وقد رتب (ع) هذه المباحث على فصول:
فصل في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب].
ثم فصل في معنى قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23].
ثم فصل في قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((خلفت فيكم الثقلين)).
ثم فصل في أن علياً (ع) أول من أسلم، وأول من صلى مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ثم فصل في أن علياً (ع) وصي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ثم فصل في الكناية عن أمير المؤمنين (ع)، بلفظ الخلافة، من قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ولما ساق الأخبار الواردة في ذلك قال (ع): فهذه الأخبار الواردة.
إلى قوله: تصرّح بلفظ الخلافة له ـ (ع) ـ بلا ارتياب؛ فلينظر في ذلك ففيه كفاية ومقنع لمن تأمله بعين الإنصاف؛ فما بعد لفظ الخلافة بيان يُلْتمس، ولا منار يُقْتَبس، ولا دليل يُسْتَفاد، ولا علم يُسْتَزَاد.
إلى قوله (ع): فإن في ذلك تنبيهاً للغافل، وعبرة للعاقل، ونفياً لكل شك مريب، عن كل كَيّس أريب، وتبصرة وذكرى لكل عبدٍ منيب..إلخ.
ثم فصل في ذكر يوم غدير خم.
ثم فصل في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة].
حتى قال (ع): وقد ذكرنا الأخبار الواردة في هذه الآية، وأن المراد بها علي بن أبي طالب (ع).
إلى قوله (ع): فقد اتفقت الخاصة والعامة، /498

على أن المراد بالآية علي بن أبي طالب؛ وهذا نص صريح في صحة إمامته ـ (ع) ـ ووجوب خلافته، عقيب الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بلا فصل؛ لأنه رتب الولاية ثلاث مراتب: لله سبحانه، وللرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وللمتصدق بخاتمه وهو راكع، وذلك علي بن أبي طالب (ع)؛ فهو الولي النافذ التصرف في الأمة.
إلى قوله (ع): وعيّنه تعييناً جلياً، وأشار إليه بإيتاء الزكاة في الركعة إشارة متفقاً عليها، من الخاص والعام، فثبت له من فرض الولاية ماثبت لله تعالى ولرسوله، على كافة خلق الله تعالى، كما ثبت لله تعالى ولرسوله.
ثم فصل في قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي (ع): ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي)).
ثم عقّب ذلك بحكاية المذاهب، وبيان كل فريق من موال ومناصب.
إلى قوله (ع)، بعد ذكر القائلين بدين آل محمد - صلوات الله عليه وآله - في التوحيد والعدل: من التابعين فمن بعدهم، من علماء الأمصار، في جميع الأقطار، من الحرمين الشريفين: مكة، والمدينة؛ والمصرين الكبيرين: الكوفة والبصرة؛ واليمن والشام.
واعلم أرشدك الله تعالى، أنا لم نذكر من ذكرنا وتعنينا بتعدادهم؛ لأنا ندعي أنهم أكثر ممن خالفنا، بل المخالفون لنا أكثر أضعافاً؛ وإنما جعلنا ذلك في مقابلة قول الخصم: إنه صاحب السنة والجماعة.
[نبذة من الشافي في معنى السنة والجماعة الصحيح]
فأما السنة، فهي لاتفارق الكتاب، والكتاب لايفارق العترة، بنصّ الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - الذي لايحتمل التأويل.
وأما الجماعة، فأي جماعة مع من خالف ذرية الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ومن علماء الأمة من ذكرنا؟
إلى قوله (ع): فكيف يصح للمخالف دعوى الجماعة فيما هذا حاله، أو السنة في خلاف العترة؟!.
وإنما هذا كما بينا، أن معاوية لما ظهر الأمر، واضطر الحسن بن علي ـ (ع) ـ إلى الموادعة سمى ذلك العام، عام الجماعة، وهذا معلوم للعلماء منا ومن خصومنا.
إلى قوله: فانظر إلى هذا الأصل، ما أضعفه، والأسّ ما أوهاه.
وأما إضافة مقالته إلى /499

سنة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وجماعة المسلمين، فهيهات هيهات، لن يصل إلى ذلك.
وقد شاركته فرق الإسلام في الدعوى، فانتفى الاستحقاق إلا بالبينات، وهي البراهين؛ ولن يجد سبيلاً إلى ذلك، وأنى له بذلك، ومن دونه خرط القتاد، وسفّ الرماد، وحزّ الجلاد؟.
إلى قوله (ع): وإن أعجب العجائب ـ وما عِشْتَ رأيتَ العجب ـ أن ضُلاَّل الأمة وشُذَّاذها، صارت تنازع أهل البيت دين أبيهم وجدهم؛ وأهل البيت أعرف بما نزل فيه؛ والعوام تقول: ولد الصانع أعرف من المتعلم سنة؛ ومن أمثال العرب: (تعرفني بضبّ احترشته).
إلى قوله (ع)، في شأن القرآن: نزل على جدنا من فوق سبع سموات، وحكى الحكيم سبحانه أنه لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأخبر بحفظه.
إلى قوله: وكيف يجهل الأمر أهله؟ ويحك، ففي بيت من نزل؟ ومن أين انتشر؟ وفي حجور من ربي؟ إلا في أهل التنزيل والتأويل، والتحريم والتحليل، ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وعترة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من أُلْهِمُوا غرائبه، وفهموا عجائبه، وعرفوا أوامره ونواهيه، ومجمله ومبينه، وخصوصه وعمومه، وناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ووعده ووعيده، وترغيبه وتهديده، ورسومه وحدوده، وقصصه، وعزائمه ورخصه، ولفظه وإعرابه، وأمثاله وأبوابه، ومايجوز فيه ومالا يجوز، وماوجه الحكمة في إنزاله على ماأنزل، وما المراد به، وما الواجب فيه وبه.
فإن أحببت صحة دعوى هذه الجملة، وصَلْتَ وسألتَ؛ وإن كنت قد عرفت استحالة هذه الدعوى وبطلانها بما أُلْقي إليك، من بغضة الآل، وأُلْهمت من المحال؛ فما هي من أبي بكر ببكر، وإذا لم تستح فاصنع ماشئت.
ويحك، من لك بنقض بيت عمره التنزيل، وخدمه جبريل، حازوا شرف الأبوة، وفازوا بفضل البنوة، فخفض لهم محب جناح المودة ففاز وغنم، وشمخ بأنفه وثنى بعطفه باغض فخسر وندم.
وعلى هذا المعنى وقعت دعوة إبراهيم (ع)، في قوله تعالى حاكياً عنه: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي /500

إِلَيْهِمْ } [إبراهيم:37].
إلى قوله (ع): وسنبين لك أهل البيت حقاً بالأدلة، التي يعقلها غيرك إن لم تعقلها، ويقبلها غيرك إن لم تقبلها.
إلى قوله (ع) [شعراً]:
أتهجوه ولستَ له بكفؤٍ .... فشرّكما لخيركما الفداءُ
ولكن، وما قولك بضائر لنا، ولا قادح فينا، وقد بقينا على شنأة من هو أطول منك باعاً، وأشدّ ذراعاً، وأحرّ مصاعاً، وأثقف قراعاً.
وكيف يطمع في إزالتنا طامع، ونحن الكلمة الباقية، في عقب إبراهيم الخليل، والثقل من تراث محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الثقيل؟ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؛ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
وقال (ع): وإنما دعونا المسلمين كافة.
إلى قوله: وقفونا في ذلك آباءنا، من لدن علي بن أبي طالب (ع)، إلى يومنا هذا.
إلى قوله: فذلك ديننا، ودين آبائنا (ع)، أدناهم إليّ أبي، وأعلاهم النبي العربي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، والوصي ذو البيان المعرب ـ سلام الله عليهم ـ.
إلى قوله (ع): وكان زيد بن علي (ع) أول من سن الخروج على أئمة الجور، وجرّد السيف بعد الدعاء إلى الله؛ فمن حذا حذوه من أهل البيت (ع)، فهو زيدي، ومن تابعهم وصوبهم من الأمة فكذلك، ولم يتأخر عن زيد، إلا الروافض؛ فهم أهل هذا الاسم، والنواصب وهم سلف الفقيه، الذي يمشي في آثارهم، ويعشو إلى نارهم، فما ضروا غير أنفسهم /501

.
فأما سند مذهبنا، فقد ذكرناه عن أب فأب، فنعم الآباء.
إلى قوله (ع):
حتى تنحلته نصاً فأفضل ما .... أخذت دينك نصاً عن أب فأبِ
إذا رأيتَ نجيباً صحّ مذهبه .... فاقطع بخير على آبائه النجبِ
فهذا سند مذهبنا، قد أسندناه إلى المشاهير، أئمة هدى، اختصوا بولادة المصطفى ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وكل آبائنا (ع) زيد إمامه؛ لأنه عندنا ـ أهل البيت ـ إمام الأئمة؛ لفتحه باب الجهاد، على أئمة الجور، وقد مدحه الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، ومدح أشياعه، بما فيه كفاية.
وزيد بن علي، ومحمد بن علي، وعبدالله بن الحسن، وإبراهيم بن الحسن، لم يختلفوا في حرف واحد من أصول دينهم.
فلما قام زيد بن علي (ع) دونهم على أئمة الجور تبعه فضلاء أهل البيت (ع) في القيام.
فقال محمد بن عبدالله النفس الزكية (ع): ألا إن زيد بن علي فتح باب الجهاد، وأقام الحجة، وأوضح المحجة، ولن نسلك إلا منهاجه، ولن نقفوا إلا أثره.
[إسناد جملي لمذهب العترة وبيان من هو الزيدي]
وقال [المنصور بالله] (ع): فأما إسناد مذهبنا إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فأقول: أخبرني أبي، تَلْقِيْناً وحكاية، على العدل والتوحيد، وصدق الوعد والوعيد، والنبوة والإمامة لعلي بن أبي طالب (ع)، بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بلا فصل، ولولديه الحسن والحسين (ع) بالنص، وأن الإمامة بعدهما، فيمن قام ودعا من أولادهما، وسار بسيرتهما، واحتذى حذوهما، كزيد بن علي، ومن حذا حذوه من العترة الطاهرة ـ سلام الله عليهم ـ.
واختصت الفرقة هذه من العترة /502

وشيعتهم بالزيدية، وإلا فالأصل علي (ع)، والتشيع له؛ لخروج زيد بن علي (ع) على أئمة الظلم، وقتالهم في الدين؛ فمن صوّبهم من الشيعة وصوّبه، وحذا حذوه من العترة، فهو زيدي بغير خلاف من أهل الإسلام.
إلى قوله مخاطباً لصاحب الخارقة: فأين تغدو بفرقة قد استولت على كثير من أقطار الإسلام، وعمرته علماً ورجالاً، وجدالاً وقتالاً؟.
نعم، المفقود في أيام محمد بن إبراهيم (ع) من إخوانك الجنود العباسية مائتا ألف مقاتل، ماأفناهم إلا رجال الزيدية، وكم يعدّ لهم من الوقعات مع أئمة الهدى (ع).
إلى قوله (ع): ونحن ننص مذهبنا عن أب فأب، إلى أن يتصل برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وزيد بن علي (ع) أضاف أهل البيت مذهبهم إليه، قالوا: نحن زيدية.
وإنما مرادهم مذهب زيد بن علي (ع)، في الخروج على أئمة الظلم.
فأما الاعتقاد في أصول الدين، فرأي أهل البيت (ع) فيه واحد، لايختلفون في شيء من أصولهم.
ثم ساق (ع) إسناده في ذلك عن أب فأب، إلى أن اتصل بالنبي والوصي، عليهم صلوات الملك العلي.
قال في آخره:
كم بين قولي عن أبي عن جده .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
وفتى يقول روى لنا أشياخنا .... ماذلك الإسناد من إسنادي
إلى قوله:
والله ما بيني وبين محمد .... إلا امرؤ هاد نماه هادي
وأنا الذي عاينتمُ أفعاله .... وكفى عيانكمُ عن استشهادي
/503

وقال (ع): وأما قولك: لم يمنعك من محبة أولاده إلا أنهم لم يتبعوه، والمحبة لاتكون إلا بالاتباع، فإحدى المقدمتين مسلّمة أنه لايجب الحب إلا بالاتباع.
فأما أن أهل بيته لم يتبعوه، فغير مسلّم؛ لأنه قد أخبر ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنهم يتبعونه، ولا يفارقون كتاب الله إلى ورود الحوض، وأنهم سفينة نوح العاصمة؛ وهو عندنا أصدق من الفقيه، ومن غيره من الخلق، وإن كانت لفظة (أفعل) لا تستعمل بينهما.
قلت: أي على الحقيقة في التفضيل، كما لايخفى.
قال (ع): وقد صرتَ تزاوج بين الجهلين، فانظر نتيجة الجهل ماهيه؛ لأنك قلتَ: مامنعك من حب أهل البيت إلا أن المتأخرين منهم لم يتبعوا النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
واتباع النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عندك الثبوت على مقالتك الفاسدة؛ فهذا بناء جهل على جهل.
المتأخر من صالح أهل البيت (ع) لم يخالف الأول، ولا يخالفة إلى انقطاع التكليف، بشهادة الصادق المصدوق، خلاف قولك قد بينا، وقد رأيت الإسناد الذي حققنا لك، عن الطاهرين الناشئين في حجور الطاهرات؛ لأنا نعرفهم جملة وتفصيلاً، وتفصيل أقوالهم، ومبلغ أعمارهم، وعلل موتاهم، وأسباب قتلاهم، ومواضع قبورهم، وأولياهم في كل وقت، وأعدادهم في كل وقت، إلى يومنا هذا.
[نبذة من الشافي في إحاطة المنصور بالله (ع) بالعترة، وانحصارهم إلى وقته]
قلت: وهذه فائدة كبرى، ومهمة عظمى، في انحصار العترة الطاهرة إلى زمن الإمام فضلاً عمن سبقه ـ صلوات الله عليهم ـ.
فما نقل من إجماعهم تواتراً كما في مسائل التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكون له حكمه، وهو دليل قاطع فيما يصح أن يستدل به فيه، وذلك فيما لم يكن حجية الإجماع مترتبة عليه.
وما نقل آحاداً ككثير من المسائل العملية، فله حكمه في الاستدلال به، على7 ماتقبل فيه الآحاد.
ومن خالف ما علم من إجماعهم فلا اعتبار به؛ لسبق الإجماع له، وذلك واضح ـ بحمد الله ـ.
وهذا ردّ على من زعم أنهم لاينحصرون، محاولة لإبطال حجة اللَّه تعالى على عباده، وإطفاء لنوره المبين في خلقه وبلاده؛ وحاشا الله أن ينصب لنا أدلته المعلومة، وحججه المرسومة،/504

51 / 143
ع
En
A+
A-