قلت: ذكره السيد الإمام بما في السند.
(رجع) قال: أخبرنا السيد الإمام الأطهر، شرف الدين، بقية السادة ببلخ، أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب الحسيني قراءة علينا، من لفظه غير مرّة، سنة سبع وعشرين وخمسمائة، قال: حدثني سيدي، ووالدي أبو الحسن علي بن أبي طالب في سنة ست وستين وأربعمائة، قال: حدثني سيدي ووالدي أبو طالب الحسن بن عبيد الله الحسيني، في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، قال: حدثني سيدي ووالدي عبيدالله، قال: حدثني والدي محمد، قال: حدثني والدي عبيدالله، قال: حدثني والدي علي، قال: حدثني سيدي ووالدي الحسن الأمير، أول من دخل بلخ من هذه الطائفة، قال: حدثني والدي الحسين، قال: حدثني سيدي ووالدي جعفر الملقب بالحجة.
قلت: ترجم لكل واحد من هذه العصابة العلوية المحمدية، في طبقات الزيدية، وجعفر عاشرهم، وأمير المؤمنين الخامس عشر منهم (ع)، ولا يلتفت إلى مافي بعض كتب الإجازات من النقص والزيادة، فهذا الصحيح.
قال في ترجمة جعفر: أبو الحسين، يروي عن آبائه، وعنه ولده الحسين.
إلى قوله: وكان القاسم بن إبراهيم الرسي يقول: جعفر بن عبيد الله، من أئمة آل محمد؛ وكان فصيحاً، وكان أبو البختري وهب بن وهب قد حبسه بالمدينة ثمانية عشر شهراً، فما أفطر إلا العيدين. انتهى.
قلت: وهو أخو السيد الإمام عالم أهل بيت محمد، وعابدهم، علي بن عبيدالله، الذي أوصى إليه الإمام محمد بن إبراهيم، وهو جدّ يحيى بن الحسن بن جعفر العقيقي، صاحب نجم آل الرسول ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ، مؤلف كتاب الأنساب.
والعقب لجعفر الحجة من ولديه، الحسن، والحسين، ومن ولده الأمراء بالمدينة، وملوك بلخ.
(رجع) قال: حدثني سيدي ووالدي عبيدالله الزاهد، قال: حدثني /485
سيدي ووالدي الحسين الأصغر، قال: حدثني سيدي ووالدي علي بن الحسين زين العابدين، قال: حدثني سيدي ووالدي الحسين المظلوم الشهيد، سبط رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قال: حدثني سيدي ووالدي أمير المؤمنين، ويعسوب الدين، علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه وسلامه وعليهم أجمعين ـ، قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((ليس الخبر كالمعاينة)).
[قلت]: وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، والطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك، والخطيب، عن أنس وعن أبي هريرة وابن عباس.
[وقال]: ((المجالس بالأمانة)).
[قلت]: وأخرجه الخطيب عن علي، وأبو داود عن جابر.
[وقال]: ((الحرب خدعة)).
[قلت]: وأخرجه الشيخان وأحمد وأبو داود وابن ماجه والبزار والطبراني.
[وقال]: ((المسلم مرآة المسلم)).
[وقال]: ((الدال على الخير كفاعله)).
[قلت]: وأخرجه البزار والطبراني.
[وقال]: ((المستشار مؤتمن)).
[قلت]: وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والطبراني في الكبير.
[وقال]: ((استعينوا على الحوائج بالكتمان)).
[قلت]: وأخرجه العقيلي، وابن عدي في الكامل، والطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب، بلفظ: ((استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود)).
[وقال]: ((اتقوا النار ولو بشقّ تمرة)).
[قلت]: وأخرجه الشيخان، وأحمد في مسنده، عن عدي بن حاتم، بلفظ: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة)).
[وقال]: ((الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)).
[قلت]: وأخرجه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه والطبراني والحاكم والبزار.
[وقال]: ((الحياء خير كله)).
[قلت]: وأخرجه مسلم وأبو داود، عن عمران بن حصين.
[وقال]: ((عِدَةُ المؤمن كالأخذ بالكف)).
[قلت]: وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن علي، بلفظ: ((عدة المؤمن دين، وعدة المؤمن كالأخذ باليد)).
[وقال]: ((لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث)).
[قلت]: وأخرجه أبو داود، وأخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي وأحمد، عن أبي أيوب، بلفظ: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)).
[وقال]: ((من غشنا فليس منا)).
[قلت]: وأخرجه البيهقي في الشعب، عن أبي الحمراء؛ وأخرجه الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية؛ وأخرج الرافعي عن علي: ((ليس منّا من غشّ مسلماً أو ضرّه أو ماكره)).
[وقال]: ((ما قلّ وكفى، خير مما كثر وألهى)).
[قلت]: وأخرجه أبو يعلى في مسنده.
[وقال]: ((الراجع في هبته كالراجع في قيئه)).
[قلت]: قال النمازي: أخرجه البخاري، قال: هو في الصحيحين، ومسند أحمد، وسنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث ابن عباس بلفظ: ((العائد في هبته كالعائد في قيئه)).
[وقال]: ((البلاء موكل بالمنطق)).
[قلت]: وأخرجه القضاعي عن حذيفة، وأخرجه ابن السمعاني في تاريخه عن علي.
[وقال]: ((الناس كأسنان المشط)).
قلت: هذا الخبر ونحوه محمول على ما يعمّهم من الأحكام، كالقصاص والديات والمجازاة لكل بما عمل، ونحوها من التكاليف العامة، كالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج..إلخ.
فأما في غير ذلك، فالآيات القرآنية ـ كقوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة:11]، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} [آل عمران]، والأحاديث النبوية كقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)) الحديث بألفاظه الشريفة، أخرجه أبو العباس، والمرشد بالله، ومسلم، والترمذي، وأبو حاتم، وغيرهم ـ دالةٌ على تفضيل الله تعالى لبعض خلقه على بعض، وهي معلومة من ضرورة الدين.
فمعنى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى)) الباء في هذا ونحوه بمعنى (مع)، فلا يعتد بالفضل عند الله إلا مع التقوى؛ فإذا اتقوا كان لكل أحد فضله.
وقد فضل الله تعالى بعض الرسل على بعض، وهم أتقى الخلق؛ قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } [البقرة:253].
وقد بسطنا الكلام في غير هذا المحل.
[وقال]: ((الغنى غنى النفس)).
[قلت]: قال النمازي في تخريجه: أخرجه الشيخان.
[وقال]: ((السعيد من وعظ بغيره)).
[قلت]: وأخرجه البيهقي وابن عساكر.
[وقال]: ((إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر حكماً)).
[قلت]: وأخرجه بهذا اللفظ أحمد في مسنده، وأبو داود عن ابن عباس، كما في الجامع الصغير، وأخرج أبو داود من حديث بريدة: ((إن من البيان سحراً، وإن من العلم جهلاً، وإن من الشعر حكماً، وإن من القول عياً)).
[وقال]: ((عفو الملوك أبقى للملك)).
[قلت]: وأخرجه الرافعي عن علي.
[وقال]: ((المرء مع من أحب)).
[قلت]: وأخرجه بهذا اللفظ أحمد والشيخان، وأبو داود والترمذي والنسائي، عن أنس؛ وأخرجه الشيخان عن ابن مسعود، وأخرج الترمذي عن أنس: ((المرء مع من أحبّ، وله ما اكتسب)).
[وقال]: ((ما هلك امرؤ عَرَفَ قَدْرَهُ)).
[وقال]: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر)).
[قلت]: وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة؛ وأخرجه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن أبي هريرة؛ وأبو داود عن عثمان، والنسائي عن ابن مسعود، وعن الزبير؛ وابن ماجه عن عمر، وعن أبي أمامة.
[قلت]: وهذا الخبر وما في معناه متواتر.
[وقال]: ((اليد العليا خير من اليد السفلى)).
[قلت]: وأخرجه أحمد في مسنده، والشيخان.
[وقال]: ((لا يشكر الله من لا يشكر الناس)).
[قلت]: وأخرجه أحمد في مسنده، وأبو داود وابن حبان في صحيحه.
[وقال]: ((حبك للشيء يعمي ويصم)).
[قلت]: وأخرجه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه، عن أبي الدرداء؛ والخرائطي عن أبي برزة، وابن عساكر عن عبدالله بن أُنَيْسٍ، كما في الجامع الصغير.
[وقال]: ((جُبلت القلوب على حبّ مَنْ أحسن إليها، وبغض مَنْ أساء إليها)).
[قلت]: وأخرجه ابن عدي في الكامل، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب، عن ابن مسعود.
[وقال]: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)).
[قلت]: وأخرجه ابن ماجه عن ابن مسعود.
[وقال]: ((الشاهد يرى ما لا يرى الغائب)).
[قلت]: وأخرجه أحمد في مسنده عن علي، والقضاعي عن أنس.
[وقال]: ((إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه)).
[قلت]: وأخرجه ابن ماجه، والطبراني في الأوسط، وابن عدي في الكامل، والبيهقي في الشعب، وغيرهم، عن ابن عمر، وجرير، ومعاذ، بلفظ: ((إذا أتاكم كريم قوم))..إلخ.
[وقال]: ((اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع)).
[قلت]: وأخرجه البيهقي في سننه، وأخرجه عبد الرزاق.
[وقال]: ((مَنْ قُتِل دون ماله فهو شهيد)).
[قلت]: وأخرجه أحمد والشيخان، والترمذي، والنسائي، عن ابن عمر؛ وأخرجه الترمذي وابن حبان، عن سعيد بن زيد؛ والنسائي عن بريدة؛ وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان عن سعيد بن زيد أيضاً بلفظ: ((مَنْ قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد)).
[وقال]: ((الأعمال بالنية)).
[قلت]: قال النمازي: أخرجه الشيخان.
[وقال]: ((سيد القوم خادمهم)).
[قلت]: وأخرجه الخطيب عن ابن عباس.
[وقال]: ((خير الأمور أوسطها)).
[قلت]: قال النمازي في تخريجه: أخرجه البيهقي في الشعب، عن عمرو بن الحارث، بلاغاً. أ هـ.
[وقال]: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم الخميس)).
[وقال]: ((كاد الفقر أن يكون كفراً)).
[قلت]: وأخرجه الشيخان والنسائي، عن عدي بن حاتم.
[وقال]: ((السفر قطعة من العذاب)).
[وقال]: ((خير الزاد التقوى)).
[قلت]: وأخرجه أبو الشيخ وابن حبان في الثواب، عن ابن عباس، بلفظ: ((خير الزاد التقوى، وخير ما ألقي في القلب اليقين)).
انتهى بتصرف، من شرح الأحاديث المسلسلة.
وأرويها بالسند المزبور في طبقات الزيدية، في ترجمة السيد الإمام جعفر الحجة، والسند الآخر، الذي في بلوغ الأماني؛ ولكن هذا السند الذي ذكرته هو المختار.
[السند إلى الشافي وجميع مؤلفات الإمام المنصور بالله(ع)]
قد تقدم السند في طرق المجموع، إلى مؤلفات الإمام الأعظم الحجة، أمير المؤمنين، المنصور بالله، أبي محمد، عبدالله بن حمزة (ع)، وروايتنا لها عنه من طريقين.
ونورد هنا طريقاً ثالثة، زيادة في الفائدة، فأقول وبالله التوفيق:
يروي المفتقر إلى الله مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ جميع مؤلفات الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة، التي هي: كتاب الشافي، وصفوة الاختيار، والمهذب، وحديقة الحكمة، والرسالة الناصحة، وشرحها، والفتاوى المرتبة وغير المرتبة، ورسائله، وأشعاره، وجميع مؤلفاته، وهي كثيرة غزيرة ـ وقد ذكرتُ مؤلفاته في التحف الفاطمية ـ كما سبق، سماعاً فيما سمعتُ منها كالشافي، والرسالة الناصحة، والحديقة، وما تضمنته المؤلفات من كتبه (ع)، وإجازة عامة لها، ولغيرها، عن والدي شيخ آل الرسول، العلامة الولي، محمد بن منصور بن أحمد المؤيدي ـ رضي الله عنهم ـ، عن والدنا /486
الإمام المهدي لدين الله، محمد بن القاسم؛ عن السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي، عن السيد الإمام محمد بن عبد الرب.
(ح)، ويروي ذلك الإمام المهدي محمد بن القاسم، عن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير عن السيد الإمام أحمد بن زيد الكبسي، عن السيد الإمام محمد بن عبدالرب، عن عمه إسماعيل، عن أبيه محمد، عن أبيه زيد، عن أبيه المتوكل على الله إسماعيل، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد.
وأرويها بجميع الطرق السابقة إليه، وهو، عن مشائخه الأعلام أمير الدين بن عبدالله، وإبراهيم بن المهدي، وصلاح بن أحمد، عن والده السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير، عن الإمام المتوكل على الله شرف الدين، عن الفقيه جمال الدين علي بن أحمد، عن الفقيه العلامة علي بن زيد، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي، عن الفقيه نجم الدين يوسف بن أحمد، عن السيد الإمام جمال الدين الهادي بن يحيى، عن والده السيد الإمام صاحب الجوهرة، والياقوتة، يحيى بن الحسين اليحيوي؛ عن الفقيه العلامة إمام المذاكرين، محمد بن سليمان بن أبي الرجال ـ المتوفى عام ثلاثين وسبعمائة ـ بمناولة الفقيه العلامة عبدالله بن علي، بالمناولة والقراءة من والده الشيخ العلامة، بهاء الدين علي بن أحمد بن الحسين الأكوع جامع كتاب الإختيارات المنصورية، وصاحب المقامات المشكورة الإمامية؛ وقد روى عنه الإمام (ع) في الشافي، وهو من تلامذة الإمام، وأعيان الأعلام، في تلك الأعوام؛ عن الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، ـ رضي الله عنهم ـ.
[ديباجة الشافي]
قال (ع) في الشافي: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي قصر عن تأدية مايجب له من الحق حمد الحامدين، ولاإله إلا الله إرغاماً لأنوف الجاحدين، الأول فلا نهاية لأوّليته، والآخر فلا غاية لآخريته.
إلى قوله: أوضح نهج السبيل، وكشف عن وجه الدليل.
إلى قوله: لم يأمر المكلفين بفعل مافعل، ولا نهاهم عن تركه، بل انتحل ذلك القدري بمينه وإفكه؛ كيف يُذَم على فعلٍ ربُّه /487
فاعله، أو يُمْدَح بعمل ذو الجلال عامله؟ انهزم من الكسب إلى غير فئة منيعة، ورام التحصن من البرهان بأخلاقه الرقيعة فكان كالباني على جرف هار، والهارب من الرمضاء إلى النار؛ وصلى الله على المبعوث من أطيب جرثومة وأشرف أرومة، وأكرم خؤولة وعمومة، نبي الرحمة، وسراج الظلمة، وأبي الطاهرين الأئمة؛ أيده الله بالأدلة الظاهرة، والمعجزات الباهرة، فبلغ الرسالة، وأوضح الدلالة، وطمس الجهالة، وأيقظ من الغفلة والسنة، ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فكان أول من أجابه من الرجال ابن عمه، وكاشف كربه، وفارج همه، ليث دولته الواثب، ونجم دعوته الثاقب، وسيف صولته القاضب، وسهم نحلته الصائب، علي بن أبي طالب؛ فاستوزره وآخاه، وقرّبه واجتباه، فهو الوصي والوارث، والدافع للكارث.
شعراً:
كان إذا ارتج العدوّ على الإسـ .... ـلام باباً دعاه يفتح بهْ
خليفة الله في بريته .... وهو شريك النبي في نسبهْ
إلى قوله: نام على الفراش، فادياً له بمهجته ليلة الغار.
إلى قوله: وتعرّض للشهادة في موطن بعد موطن، البطين الأنزع، والليث الأروع، والشجاع الأقرع، والسم المنقع.
إلى قوله: والقمر الزاهر، والسيف الباتر، والنوّ الماطر، والبحر الزاخر، والقِدْح القامر، صاحب الأفاعيل ببدر وحنين، شريف المنصبين.
إلى قوله:
إن علي بن أبي طالب .... جدّا رسول الله جدّاهُ
أبو علي وأبو المصطفى .... من طينة طهّرها اللهُ
/488
وصلوات الله على أهل بيته، نجوم الملة، وأدلة الأدلة، مزيحي العلة، وشفاء الغلة، حتف المعاندين، وسمّ الجاحدين، الرادين كيد الكائدين؛ كما روينا عن أبينا خاتم المرسلين ـ صلى الله عليه وعلى آله الطيبين ـ أنه قال: ((إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً، يعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين، فاعتبروا يا أولي الأبصار، وتوكلوا على الله)).
على الله توكلنا، وبه اعتصمنا؛ ورضي الله عن الصحابة والتابعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن الرسالة الخارقة، وصلتنا منقلبنا من المغرب، في شهر شوال، سنة ثمان وستمائة.
إلى قوله: وقد طابق اسمها معناها؛ لأنها خرقت عادة المسلمين.
إلى قوله: فقد أصاب صاحبها في اسمها، وإن أخطأ في معناها؛ ومن نظرها بعين النصفة عرف حقيقة ماقلناه، منها: المدح لأهل مقالته، وأنهم أهل السنة والجماعة، وجرّد ذلك عن الأدلة القاضية بصحة دعواه.
إلى قوله: ومنها: ذمه لما ورد من جهتنا، من الرسالة المتضمنة للآثار النبوية، المأثورة عن جميع علماء البرية، بعد تعييننا لها بكتبها ومواضعها، وشيوخها وطرقها.
إلى قوله: رام للصحابة النصرة، بسب جماعة العترة، واستثنى منهم من اعتقد إمامة المشائخ، وأحد منهم لايعتقد ذلك بشهادة المسلمين والمعاهدين، والاستثناء إخراج بعض من كل؛ فكان كالمستثني عشرة من عشرة.
إلى قوله: فرأينا التفرغ لجوابه في بعض الأحوال، أولى من كثير من الأشغال؛ فإن اهتدى لم نكره هدايته، وإن استحب العمى على الهدى كنا قد خرجنا عن عهدة مايلزم، من النصيحة للمكلفين؛ ولعل غيره يستبصر بمالم يبصر به، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون؛ وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون.
فأما السب والأذية، فمما لاجواب فيه من قبلنا، /489
تشريفاً لنصابنا، وحراسة لأنسابنا.
ويشتموا فترى الألوان مسفرة .... لا عفو ذلّ ولكن عفو أحلام
إلى قوله: واعتذاره بأن سبه لنا نصرة للأصحاب، وتعرضاًللثواب، عذر غير مخلص عند ذوي الألباب، اليوم ولا غداً عند رب الأرباب؛ لأنهم ـ سلام الله عليهم ـ أولى الخلق بالهدى والصواب، وأعرف الخلائق بعلم الكتاب.
إلى قوله:
لا تسبنني فلست بسِبِّي .... إن سبي من الرجال الكريمُ
ماأبالي أنبّ بالحَزْنِ تيس .... أم لحاني بظهر غيب لئيمُ
إلى قوله (ع): علينا نزل العلم ومنا انتشر، أريه السها ويريني القمر.
إلى قوله (ع): ماظنك ببيت عمره التنزيل، وخدمه جبريل، هجرته الشياطين المردة، وعمرته الأولياء الحفده؟! فكم من قاطع ما أمر به الحكيم أن يوصل، ومن ناسٍ هول اليوم الأطول.
إلى قوله (ع): قال بزعمه: أَصِلُ الأول وأقطع الآخر؛ كأنه لم يعلم استحكام عقد الأواصر، كما روينا عن أبينا النبي، الصادق العربي: ((كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة، إلا نسبي وسببي)).
إلى قوله (ع): زعم أنه انتصر لأبي بكر وعمر وعثمان، وعدّ تقديمنا لعلي مجانباً للإيمان، وأكد ذلك بالسب والبهتان؛ فحفظ الصحابة، بتضييع القرابة، ولم يعلم أن حق الأمة على منازلها مرتب على حق أهل البيت المجللين بالكساء، المصطفين على الرجال والنساء؛ فإن تقطّع قلبه أسفاً وحسداً، فما ذنبنا في ذلك؟ أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله؟ فقد آتينا آل إبراهيم /490
الكتاب والحكمة، وآتيناهم ملكاً عظيماً.
وكذلك ماقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من الذم لذامهم، والخبر عن حال باغضهم، في ابتداء خلقه: ((إنه لغير رشدة، أو حملته أمه في غُبَّر حيضة، أو كان من لاخير فيه من الرجال)).
فذلك قول رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وهو عن الله.
إلى قوله (ع): جهلت السورة، فعكّسْتَ الصورة؛ كم بين من يشهد بما ورد فيه الموالف والمخالف، ويجمع على صحة النقل فيه جميع الطوائف، وبين من زحزحته العترة الطاهرة من الولاية قصياً، ولم تجعله للمؤمنين ولياً؟
[نبذة من الشافي في إجماع العترة على أنه لانجاة للخلفاء إلا بموالاة العترة]
اعلم، أن كافة أهل البيت الطاهرين، ذرية خاتم النبيين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يدينون ويعتقدون أنه لانجاة لأبي بكر وعمر وعثمان، إلا بخلوص ولائهم فيهم؛ لأن الله أوجب محبتهم على جميع المكلفين، وهم منهم؛ لأنا روينا عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي)).
وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وفي الحديث فيهم ـ سلام الله عليهم ـ: ((قدموهم ولاتقدموهم، وتعلموا منهم ولاتعلموهم، ولاتخالفوهم فتضلوا، ولاتشتموهم فتكفروا)).
إلى قوله (ع): فقد أخطر بنفسه، وصار كما قيل في المثل: قيل للشقي: هلم إلى السعادة؛ فقال: حسبي ماأنا فيه.
يظن أن سبه لذرية الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ينقصهم، أو يضع منهم، ونقص ذلك عائد عليه، ووباله صائر إليه، فهو كمن طعن نفسه؛ ليقتل ردفه.
ماضرّ تغلب وائلٍ أهجوتها .... أم بلت حيث تناطحَ البحرانِ
إلى قوله (ع): فأما جعله لصاحب بغداد، وليجة دون أهل بيت النبوة، /491
ومعدن الرسالة، ومحل الوراثة، فقد أبت ذلك عليه أخبار الصحاح، إن اعتقد أنها صحيحة، في خبر الكساء والبُرد والمباهلة، وغير ذلك من الآثار في تخصيصهم بأنهم عترته، أهل بيته.
إلى قوله (ع): فأما ذريته فلا ينازعنا أحد في ذلك من أهل الدين، وقد كان شغب الحجاج في ذلك ثم سلّم وانقطع، إلا أن تكون بلية صاحب الخارقة أعظم من بليته، وقضيته أقبح من قضيته، ففي قوله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ(16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17)}[المرسلات]، مايذهب هَمّ كل مؤمن حزين.
إلى قوله (ع): فأما ائتمامك به، فينبغي لمن كان على مثل حالك، أن يكون إمامه كذلك، يوم ندعوا كل أناس بإمامهم، فأنت في الائتمام، وهو في الإمامة؛ كما قيل في المثل السائر: وافق شن طبقه، وكما قال الشاعر:
*هذا السوار لمثل هذا المعصم*
ولكن مايكون حال الأعمى إذا قاده الأعمى، والضال إذا كان دليله الضال.
إلى قوله (ع): كيف يصحب الخائفُ الخائفَ، ويؤم الضنينُ الضنينَ، ويقيم الحدودَ المحدودُ، وينفذ الأحكام المحكوم عليه؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون، من ضلال هذه الأمة، وجفوتها لأهل بيت نبيها؛ ولكن كيف يستعظم ذلك من أمة قتل ابنُ دعيها ابنَ نبيها، فما ذرفت عيونها، ولاوجفت قلوبها، ولا أوحشها حوبها؟!.
هذا وبرد الإسلام قشيب، وأصاغر الصحابة يستعظمون وخط المشيب؛ ولما قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مرضيّ الفعل، مشكور العمل، قد أنقذ الخلائق من شفا الحفرة، ونجاهم من بحار الهلكة، وأضفى عليهم ستر الإسلام، الحسن الجميل، لم يبق منهم عنق مكلف، إلا وفيه له ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ منَّة الهداية؛ والمنة لله تعالى. /492
[نبذة من الشافي في التظلُّم مما كان إلى فاطمة]
كان من أمر فاطمة ـ عليها السلام ـ السلالة المرضية، والنسمة الزكية، والجمانة البحرية، والياقوتة المضيئة، ماكان من النزاع في الإرث، وبعد ذلك في أمر النحلة لفدك وغيره، ماشاع في الناس ذكره، وعظم على بعضهم أمره، حتى قال قائلهم:
وما ضرّهم لو صدقوها بما ادعت؟ .... وماذا عليهم لو أطابوا جنانها؟
وقد علموها بضعة من نبيهم .... فلم طلبوا فيما ادعته بيانها؟
فمُرّضَتْ سراً، ودُفنت ليلاً، وذلك بعد دفع الوصي عن مقامه، واتفاق أكثر الأمة على اهتضامه، فتجرع أهل البيت (ع) الرزية، وصبروا على البلية، علماً بأن لله داراً غير هذه الدار، يجبر فيها مصاب الأولياء، ويضاعف لهم فيها المسارّ؛ وهي دار الدوام ومحل القرار، ويضاعف على الأعداء الخزي والبوار، ويخلدون في أنواع العذاب التي أحدها النار؛ فلسنا ـ والحال هذه ـ نستعظم من صاحب الخارقة ماأظهر من الأذى، ونشر من البذى، وأظهر الجهل بأهل بيت النبوة، وذلك لاينقصهم.
ويُظْهِرُ الجهل بي وأعرفه .... والدرّ درٌّ برغم من جَهِلَه
إلى قوله [في الشافي]:
وهبني قلت هذا الليل صبح .... أيعمى العالمون عن الضياء ِ
إلى قوله (ع): وقد اعتذر الفقيه لما أظهر من الأذية، أنه يطلب بذلك التقرب إلى الله سبحانه، في نصرة أبي بكر وعمر؛ لما أنكرنا تقدمهما على خير البشر، فمن أبى فقد كفر؛ كما روينا ذلك في الأثر.
إلى قوله (ع): كيف يذم قوماً فرضت عليهم الصلاة في الصلاة، ومثلوا بباب حطة وسفينة النجاة.
إلى قوله (ع): في تفسير ابن عباس: ماأنزل اللَّه تعالى في القرآن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا } إلا وعلي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد/493
ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في غير آية، وما ذكر علياً إلا بخير، ولاتعرض شبهة عند أحد من أهل البصائر، أن كل آية في القرآن تتضمن مدحاً وتعظيماً وتشريفاً للمؤمنين أو للمسلمين جملة، أن أمير المؤمنين درّة تاجها، ونور سراجها، ولا وقع وعد للمسلمين في العقبى، ولانصرة في الدنيا، إلا وهو مقصود عند جميع الأمة، فإن شرَّك معه غيره مدع، فببرهان يتوجده؛ أيستقيم أم لا؟
إلى قوله (ع): وكذلك أمر الله سبحانه نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أن ينوه باسمه، ويدل على فضله، بقوله وفعله، ويبين لأمته أنه القائم بخلافته، والمنصوص على إمامته، وأن الإمامة بعده في ذريته؛ وأكد الأمر فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } [المائدة:67].
ولما علم مافي قلوب أقوام من الضغائن، آمنه من شرهم، بما أوضح من عصمته، بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67]
فامتثل أمر ربه، وبين بقوله وفعله، وميزه من أمته.
أما القول فلا ينحصر ـ لو أردنا حصره ـ في هذا الكتاب، فقد بينا ماروته العامة على انحرافها عنه (ع) خاصة، فَرَوينا مالا يمكنه إنكاره في باب الإمامة.
إلى قوله (ع): ولسنا نخاف في الله أحداً ولانخاف معه، وقد نشرنا الدعوة في الآفاق، وأبدينا صفحتنا لأهل الشقاق والنفاق، والمجاهرة بالعداوة في جميع الآفاق، كصاحب بغداد، ومن دونه ممن يعتزي إليه؛ فذلك أكبر دليل على رفع التقية، فكيف بنا في صاحب الخارقة وأجناسه من البرية؟
ولم نقدم علياً من تلقاء أنفسنا، وإنما قدمه الله ورسوله، فقدمناه، وألزمنا سبحانه ونبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ولاءه فالتزمناه.
هذا حديث الغدير ظهر ظهور الشمس، واشتهر اشتهار الصلوات الخمس، وخبر المنزلة، وحديث حذيفة: ((علي خير البشر))، وحديث عمار وأبي ذر /494