إلى أن قال ـ أي الإمام الحسن بن يحيى (ع) ـ في آخر الكتاب:
وأقام نبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في دار المشركين، ثلاث عشرة سنة، يدعو الناس إلى الإسلام، ثم صار إلى دارٍ تؤويه، وتمنعه، وقد أخذ عليهم البيعة؛ وفي المدينة يومئذ اثنا عشر ألف مقاتل، من الأوس والخزرج، ومن تبع النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من المهاجرين، وقبائل العرب؛ فخرج إلى بدر وهو يريد عيراً لقريش، جاءت من الشام، ولم يكن معه جميع من تابعه بالمدينة؛ وإنما كان في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من المهاجرين والأنصار، وغيرهم.
وجاءت قريش في ألف فارسٍ وراجل.
إلى قوله: فأيده الله بالملائكة المسومين، ونصره على عدوّه، ثم لم يزل يقاتل عدوّه في حروبه.
إلى قوله (ع): ثم كان من بعده علي بن أبي طالب، وهو أشجع الناس وأعلمهم، وأولاهم برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وبمقامه، وأولاهم بالناس؛ فلما اجتمع القوم على أن يولوا الأمر غيره لزم بيته، وأغضى، فمكث نحواً من أربع وعشرين سنة، حتى قُتل عثمان، فاجتمع جميع من بالمدينة أن يبايعوه، فأبى ذلك عليهم، غضباً منه عليهم؛ فلما أبوا عليه تقلّد أمرهم، ثم خالفه من خالفه بعد البيعة، ونكثوا عقده، ونبذوا عهده؛ فسار إليهم بالفئة التي أطاعته، حتى أظهره الله عليهم، ثم توجه إلى معاوية.
قال: فقاتله.
ثم خالفته الخوارج، فقاتلهم، فلم يزل على تلك الحال، يقاتل من عصاه بمن أطاعه، حتى مضى لسبيله (ع) شهيداً.
ثم قام الحسن (ع) بالأمر، ومعه الفئة التي كانت مع أبيه؛ فلما فسدت عليه طاعة الأكثر من جنده، وطعنوه، وانتهبوا ثقله.
إلى قوله (ع): عرض عليه معاوية المسالمة، والموادعة، فأجاب إلى ذلك، وكان ذلك الحق والصواب.
ثم خرج الحسين (ع) هارباً إلى مكة، كراهية أن يبايع ليزيد ـ لعنه الله ـ؛ فأتاه حمل كتب، من رؤساء أهل الكوفة، يعلمونه أنهم قد اجتمعوا على طاعته،/445
ويعلمونه أنه يقدم على بلد ليس فيها مخالف، فبعث مسلم بن عقيل، رائداً له، فبايعه أربعة آلاف؛ فلما بلغ ابن زياد عاجله، فخرج ومعه أربعة آلاف، فلم يُمْسِ ومعه منهم أحد؛ ثم قدم الحسين بن علي (ع) في نحو سبعين رجلاً، فحيل بينه وبين الكوفة، وأحاطوا به حتى قتلوه.
ثم قام زيد بن علي (ع)، فأحصى ديوانه خمسة عشر ألفاً ـ وقيل: ثلاثين ألفاً ـ فأعجله يوسف بن عمر، قبل أن يجتمع إليه أصحابه وعدته؛ فخرج، فوفى له ممن بايعه نحو أربعمائة رجل، فقاتل بالفئة التي أطاعته من عصاه، حتى قُتل شهيداً ـ صلى الله عليه ـ.
ثم مضى يحيى بن زيد، ومعه ثمانون رجلاً من أصحاب أبيه، فقاتل لله فيها نحو عشرة آلاف، وقُتل رئيس القوم.
إلى قوله: ثم احتالوا له بالماء، فمخروه عليه حتى قتلوه، وقتلوا أصحابه ـ رحمة الله عليهم ـ.
ثم خرج محمد بن عبدالله (ع)، وقد بايعه جميع من بالمدينة، من المتدينين من قريش، والعرب، وغيرهم، فقاتل بفئة، وتبعة، حتى استشهد ـ رحمة الله عليه ـ.
ثم خرج إبراهيم بن عبدالله بالبصرة، في نحو من ثلاثين ألفاً، فقاتل حتى استشهد ـ رحمة الله عليه ـ.
ثم خرج الحسين بن علي بفخ، ومعه (ع) فئة وجماعة، قد بايعته، فقاتل حتى استشهد ـ رحمة الله عليه ـ.
ثم خرج محمد بن إبراهيم (ع) بالكوفة، في فئة وعدة.
ثم أُكْره محمد بن محمد بن زيد بن علي (ع)، على هذا الأمر، فأيده الله على حداثة سنه.
ثم خرج محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة، فقاتل هارون بن المسيب، حتى قتل عامة أصحابه، وأسر فاستأمن، ووسعه ذلك؛ إذْ لم يكن معه فئة ينتصر بها من عدوّه.
ثم خرج محمد بن القاسم (ع)، بالطالقان. /446
ثم قدم عبدالله بن موسى (ع) إلى الكوفة، ومعه فئة قليلة، لاينتصر بهم من عدوه؛ فقيل له: لو خرجت لم يتخلف عنك أحد، فظهر، ومعه ابناه قُدَّامَه، ومعه نفر من أوليائه، لو قاتل بهم، لرجوتُ أن يموتوا دونه؛ فلما لم تستجب له فئة ينتصر بها، رجع إلى المنزل الذي كان فيه، واختفى.
فهؤلاء أهل بيتي، ومخرج مَنْ خرج منهم، وقعود من قعد؛ فالخارج مصيب، والقاعد مصيب؛ إذْ لم تمكنه الفئة والعدة.
وسئل الحسن عن خروج زيد بن علي (ع)، وقعود جعفر (ع).
فقال: خروج زيد ـ صلى الله عليه ـ طاعة، وقعود جعفر ـ (ع) ـ طاعة، وليس للناس أن يحكموا عليهما.
وقد بلغنا عن عبدالله بن الحسن (ع)، أنه قال: لولا ألا يبقى للإسلام ثاغية، ولاراغية، لخرجنا جميع آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأجمعنا، فأمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، ودعونا إلى كتاب الله ربنا، وسنة نبينا، حتى يحكم الله بيننا وبين عدونا؛ ولكن يخرج الخارج منا فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، حجة على أهل زماننا، ويقعد القاعد، بقية لغد.
وقال علي (ع): عليكم بأهل بيت نبيكم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فإن لبدوا فألبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم، لا تصرعكم البلية.
وبهذا تم الكتاب.
وقد وقع بما سقناه من هذه المباحث الإطناب، وإنما آثرت نقلها لبعد الكتاب، وعدم تداوله كغيره من كتب الأصحاب؛ ولما في هذا الكلام الشريف النبوي، والقول المتين العلوي، القريب العهد بالسوح المصطفوي، من أنوار النبوة، التي يطمئن لها قلوب أهل الإيمان، وتنشرح لها صدور أرباب العرفان؛ ولما فيها من الرد على مخالف قرناء القرآن، فلا تخلو ـ إن شاء الله ـ من الإفادة.
هذا، فأروي بما تقدم من الإسناد الجامع الكافي، جامع آل محمد ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم/447
.
[السند إلى كتاب التأذين بحي على خير العمل]
كتاب التأذين بحي على خير العمل لصاحب الجامع السيد الإمام، أبي عبدالله، محمد بن علي العلوي (ع)، أرويه بالطرق السابقة إلى الإمام شرف الدين (ع)، عن الإمام محمد بن علي السراجي، عن الإمام عز الدين بن الحسن، عن الإمام المطهر بن محمد، عن الإمام أحمد بن يحيى المرتضى، عن أخيه الهادي بن يحيى (ع)، عن القاسم بن أحمد بن حميد الشهيد، عن أبيه، عن جده ـ رضي الله عنهم ـ.
[ترجمة عمران بن الحسن الشتوي]
عن الشيخ العالم الحافظ، عمران بن الحسن الشتوي العذري، المتوفى في عشر ثلاثين وستمائة، وهو من أعيان أصحاب الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، وقد وقع منه، ومن بعض أهل عصره، ما وقع في جناب الإمام الداعي، يحيى بن المحسن (ع)، والله أعلم بتفصيل الأمر، وهو محتمل؛ وقد وصل مع جماعة [من] العلماء في ذلك العصر، إلى الأمير الداعي إلى الله بدر الدين، محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)، إلى هجرة قطابر، فرجحوا قيام الأمير الناصر، محمد بن الإمام المنصور بالله، محتسباً، وكانوا في جماعته، فلم يتحقق منهم القصد لرد الحق، والخروج عن ولاية آل محمد (ع)، والله متولي السرائر، وإليه يرجع الأمر كله.
(رجع)، عن الشيخ العالم علي بن منصور الوادعي الكوفي، المعدود في علماء الزيدية ـ رضي الله عنهم ـ.
قال عمران بن الحسن: أخبرنا علي بن منصور مكاتبة، وإجازة، لنا ولجميع المسلمين، في سنة سبع عشرة وستمائة. انتهى.
عن الشيخ بدر الدين نصرالله، محمد بن محمد بن المدلل، عن أبي الحسن محمد بن محمد بن علوي، بن غَبَرة الهاشمي الحارثي، الكوفي المعدل، عن السيد العالم أبي علي، عبد الجبار بن الحسن بن محمد /448
العلوي الحسني الكوفي، النسابة، عن المؤلف السيد الإمام، أبي عبدالله العلوي ـ رضي الله عنهم ـ.
وقد حفل كتابه هذا بالروايات للأذان، وإثبات حي على خير العمل، عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وسادات آل محمد (ع)، وقد ساق غالب ما فيه الإمام القاسم بن محمد (ع) في الاعتصام، والله ولي التوفيق.
[الكلام على نهج البلاغة، ترجمة مؤلفه، صحة نسبته إلى علي (ع)]
كتاب نهج البلاغة وكان حقه السابق؛ إذْ هو كلام مَنْ كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، ولكن لكون زمن جامعه في هذه الرتبة، وقد وقعت الترجمة لمؤلفه السيد الشريف الإمام أبي الحسن الرضي محمد بن الحسين الموسوي الكاظمي، وذكر نسبه، وتاريخه، في التحف الفاطمية، في سيرة الإمام عيسى بن زيد (ع) حسبما اقتضاه المقام، وحاله في آل الحسنين أشهر من براح، وأنور من فلق الصباح، لذي عينين، وقد أثنى عليه السابق، من أئمة العترة واللاحق، منهم الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي، وأفاد أنه من نجوم العترة المضيئة، وعيون العصابة المرضية، وكذا غيره من أئمة الأمة المحمدية، ومن شهد له خزيمة فهو حسبه، فلا يضره هرير الناصبية.
والحاسد القمر النوار في تعب.
وكل ذلك لما هم عليه من الشقاوة ببغض السلالة النبوية؛ ولكونهم شاهدوا في النهج ما يهدم بنيانهم، ويزلزل أركانهم، وقد فضحهم اللَّه تعالى بكلامهم في هذا الكتاب الشريف، كما فضحهم في غيره من التآليف، وتبين لأهل الاختبار أن ذهبيَّهم، وأضرابه من حفّاظهم، على زعمهم، يهذون بغير علم، بما يمقتهم اللَّه تعالى عليه، والصالحون من عباده، وإن موهوا على الأغمار؛ فإن خُطَب هذا الكتاب /449
الشريف، والمنهج المنيف، مخرجة في غيره من كتب الموالفين والمخالفين، على رغم أنوف المباهتين، فلا يستطيعون دفع ذلك برد ولا إنكار، مع أن برهان كلام سيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، في ذاته، من أعظم الشواهد لذوي الأبصار، وقد استدل على ذلك شارحه العلامة فارس الميدان، وسابق الفرسان، وإمام المعاني والبيان ابنُ أبي الحديد، بدلائل واضحة الحجج، مسفرة المنهج، وأتى عند خطبه بروايات عديدة، وطرقات مفيدة، وخطبه الشريفة، وفصوله البالغة المنيفة، موجودة بأعيانها، وأسانيدها في كتب الأئمة الهادين، من أولاد أمير المؤمنين؛ وأكثر ذلك في بساط الإمام الناصر للحق، وأمالي الإمام الناطق بالحق، والإمام المرشد بالله، والاعتبار للإمام الموفق بالله (ع).
قال الإمام الشهير، محمد بن عبدالله الوزير (ع) في جوابه على المقبلي مالفظه: ولم يفعل الذهبي وغيره ممن نقمتَ عليهم إلا دونك، فأنتَ أولى بجوابك منهم، وقد أقر الذهبي بأكثر النهج، وإنما نفّر مما فيه وصمة على الصحابة، ثم ألم تعلم أن أكثر الخطب مروية في أمالي أبي طالب (ع)، وكتاب المحيط، وجامع السيوطي، وغيرها من الكتب، وإنكار بلوغها إلى المصنف لنظره إلى علوم الآل بالعين الحمقاء، وإلا فلها طرق مذكورة في كتب الأسانيد. انتهى.
وقد جمع من ذلك بحثاً نافعاً المولى العلامة شرف الدين الحسن بن الحسين الحوثي في تخريج الشافي.
قال ـ أيده الله ـ في سياق الرد على فقيه الخارقة بعد أن ذكر مامعناه أن طريق الرواية إليه، كطريق الرواية إلى غيره مالفظه:
وليس ثم فرق إلا أن مؤلفه من خلصان الزيدية المشار إليهم بقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن لله حرساً في السماء وهم الملائكة، وفي الأرض حرساً وهم شيعتك ياعلي)) كما قال جعفر الصادق: لا أعلم إلا أنها في أصحاب عمي زيد بن علي.
إلى قوله: إلا أن مؤلف النهج من سلالة بضعة محمد ـ صلى الله عليه /450
وآله وسلم ـ، وهو من جملة سفن النجاة، ومن الثقل المقرون بكتاب الله، الآمن من تمسك به من الضلال.
فكيف ساغ القدح فيه، أو في كتابه، ولا يسوغ في مثل البخاري، ومسلم، وليسوا بمرتبته، ولا يدانونه؟!.
إن هذا لحيف شديد، وضلال بعيد، على أنه قد روى الإمام أبو طالب جملة مما في نهج البلاغة بأسانيد.
وذكر ابن الأثير أشياء من خطبه في مواد الكلم.
ثم ساق في التخريج، فأتى بالكثير الطيب من كتب الأئمة (ع)، وغيرهم، أجزل اللَّه تعالى له الثواب، وأكرم لنا وله المآب.
وقد بسط في سيرته، وفضائله، وخصائصه، شارح النهج.
وقال السيد الإمام، في ترجمته في طبقات الزيدية ـ رضي الله عنهم ـ: وهو ذو الفضائل الشائعة، والمكارم الرائعة، له هيبة وجلالة، وفيه ورع وتقشف، ومراعاة للأهل والعشيرة، ولي نقابة الطالبيين مراراً، وكان إليه إمارة الحاج، والمظالم.
إلى قوله: وله من التصانيف كتاب المتشابه في القرآن، وكتاب مجازات الآثار النبوية، وكتاب نهج البلاغة، وكتاب تلخيص البيان، عن مجازات القرآن، وكتاب الخصائص، وكتاب سيرة والده الطاهر.
إلى قوله: وكتاب رسائله مجلدات، وكتاب ديوان شعره، وهو مشهور، وهو أشعر قريش، وجمع بين الإكثار والإجادة، وكان يُقَدَّم على أخيه المرتضى، والمرتضى أكبر منه؛ لمحله في نفوس الخاصة والعامة.
إلى قوله: وكان يترشح للخلافة.
قلت: قد صرح بذلك في أشعاره، على غير مبالاة بملوك بني العباس؛ من ذلك قوله، مخاطباً لنفسه:
هذا أمير المؤمنين محمد .... طابت أرومته وطاب المحتدُ
أو ماكفاكَ بأن أمّك فاطم .... وأبوك حيدرة وجدك أحمدُ
وهذا صريح في مخالفة مذهب الإمامية، معلوم لمن له أدنى مسكة واطلاع.
وقوله مما رواه شارح النهج: /451
ما مقامي على الهوان وعندي .... مقول صارم وأنف حميُّ
وإباء محلق بي عن الضيـ .... ـم كما زاغ طائر وحشيّ
أي عذر له عن المجد إنْ ذّ .... لّ غلام في غمده المشرفيّ
أحمل الضيم في بلاد الأعادي .... وبمصر الخليفة العلويّ؟
مَنْ أبوه أبي ومولاه مولا .... ي إذا ضامني البعيد القصيّ
لفّ عرقي بعرقه سيدا النا .... س جميعاً محمد وعليّ
وهذا إشارة إلى الخلفاء العبيديين بمصر، وهو مما يفيد تصحيح نسبهم، وإن كانت دياناتهم ـ على ما نقل ـ غير صحيحة؛ ولم يصرح ـ رضي الله عنه ـ بالمدح لشيء من أحوالهم، سوى الاتفاق في النسب.
وأما الخليفة فقد صار لقباً لهم من الألقاب، وهو يقال خليفة حق، وخليفة باطل، كما يقال إمام هدى، وإمام ضلال.
وبمثل ذلك ورد القرآن العظيم، وليس مراد الشريف إلا التكثر بهم، والإرهاب على أعدائه من بني العباس، فهو على طريقة قوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ } [الروم].
وقد شقّ على القادر العباسي هذا الشعر لما بلغه، وقال لوالد الرضي: قل لولدك محمد: أيُّ هوان قد أقام عليه عندنا؟ وأي ضيم لقي من جهتنا؟ وأي ذلّ أصابه في ملكنا؟ وما الذي يعمل معه صاحب مصر لو مضى إليه؟ أكان يصنع إليه أكثر من صنيعنا؟
وكان الرضي ـ رضي الله عنه ـ شريف النفس، عالي الهمة، لم يكن يقبل من أحد من الخلق صلة، حتى من أبيه.
وأمه وأم أخيه أبي القاسم المرتضى علي بن الحسين، فاطمة بنت الحسين بن الإمام الناصر للحق الحسن بن علي (ع).
قال شارح النهج: وحدثني فخار بن معد العلوي الموسوي ـ رضي الله عنه ـ، قال: رأى المفيد محمد بن النعمان الفقيه في منامه، كأن فاطمة بنت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، دخلت إليه، وهو في مسجد الكرخ، ومعها ولداها الحسن والحسين (ع)، صغيرين، فسلمتهما إليه، وقالت له: علمهما الفقه /452
.
فانتبه متعجباً من ذلك؛ فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة، التي رأى فيها الرؤيا، دَخَلَت إليه المسجد فاطمةُ بنت الناصر، وحولها جواريها، وبين يديها ابناها، محمد الرضي، وعلي المرتضى؛ وقالت: أيها الشيخ، هذان ولداي، قد أحضرتهما إليك؛ لتعلمهما الفقه.
فبكى أبو عبدالله، وقص عليها المنام، وتولى تعليمهما، وأنعم اللَّه تعالى عليهما، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل، ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا، وهو باق ما بقي الدهر. انتهى.
وأفادوا أن قبره بمشهد جده، الحسين بن علي ـ رضوان الله وسلامه عليهم ـ.
[سند نهج البلاغة]
هذا، فأقول والله ولي التوفيق: أروي كتاب نهج البلاغة، الجامع لجوامع خطب، وحكم ورسائل، لأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ بالطرق السابقة في المجموع، إلى الإمام الشهيد، المهدي لدين الله أحمد بن الحسين (ع)، عن أحمد بن محمد شعلة الأكوع، عن السيد الإمام المرتضى بن سُراهِنك (بضم المهملة الأولى، وبالراء، وكسر الهاء، وسكون النون، ثم كاف؛ أفاده في الطبقات).
قال في ترجمته: ابن محمد بن يحيى بن علي بن سراهنك بن حمزة بن الحسن بن علي بن عبدالله بن محمد بن الحسن بن الحسين الأصغر ابن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب.
إلى قوله: الشريف الفاضل، شرف الدين، أبو طالب؛ سمع نهج البلاغة على الشيخ معين الدين، أحمد بن زيد الحاجي.
قال: وسمع (أعلام الرواية، على نهج البلاغة)، على ركن الدين، فيروز شاه الجيلي، وعن الحسن بن مهدي البيهقي، وعن أحمد بن زيد الحاجي؛ وهم سمعوها على مؤلفها علي بن ناصر
قلت: وهذه طريق لنا إلى أعلام الرواية، ونرويها أيضاً بالسند السابق في المجموع، إلى حميد الشهيد، عن الإمام الحجة /453
المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) ـ عن الشيخ الحافظ البيهقي، القادم إلى اليمن في أيام الإمام المنصور بالله (ع)، وقد سبق في التحف الفاطمية، أنه زيد بن أحمد بن الحسن، ويقال له: أحمد بن أحمد؛ وفي الطبقات: ويقال: أحمد بن الحسن، عن مؤلفها الشريف علي بن ناصر الدين المرتضى الحسيني.
ترجم له بهذا السيد الإمام ـ رضي الله عنهما ـ، وهذا عارض مفيد ـ إن شاء اللَّه تعالى ـ.
(رجع) إلى تمام كلام السيد الإمام، في ترجمة السيد المرتضى راوي نهج البلاغة.
قال: وسمع عليه أعلام الرواية حميد بن أحمد المحلي، وكان السماع بكحلان تاج الدين، سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وقرأ عليه أنساب الطالبية الشيخ أحمد بن محمد شعلة، وأجازه جميع مسموعاته، ومناولاته.
قلت: وهذه طريق لنا إلى جميع ذلك كما ثبت بالنقل الصحيح.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: قال مولانا الإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم، في ذكر نهج البلاغة: وأجلّ من أُخِذ عنه هذا الكتاب باليمن، السيد المرتضى ابن سراهنك، الواصل من بلاد العجم، مهاجراً إلى الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، متجرداً للجهاد بين يديه، فوافى ديار اليمن، وقد كان الإمام قُبض؛ فأخذ عنه أولاد المنصور بالله وشيعته، هذا الكتاب، وتوفي هذا الشريف المذكور بظفار، دار هجرته، بعد أن خلطه أولاد المنصور بالله بأنفسهم، وزوجوه بنتاً للمنصور بالله، وقبره في جانب الجامع المقدس، بحصن ظفار.
[تراجم معين الدين والسيد يحيى بن إسماعيل والحاكم الجشمي]
(رجع)، عن الشيخ معين الدين أحمد بن زيد ـ ويقال: ابن أحمد الحاجي، أفاده السيد الإمام ـ.
وقد ترجم له وأفاد مافي الإسناد لاغير، وهو من علماء الزيدية؛ وقد وقع للسيد الإمام (ع) في الطبقات سبق ذهن في بعض المواضع، وانتقال من أحمد الحاجي هذا، إلى أحمد البيهقي؛ للاشتراك في التردد، بين أحمد وزيد؛ فصار يتكلم في ترجمة أحدهما بما للآخر، وقد نبهتُ على ذلك في ترجمة شعلة الأكوع، من الطبقات، فاحفظ ذلك، فقد سها فيه إمام الحفاظ، وجلّ من لايسهو /454