{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، قال: عن ولاية علي صلى الله عليه.
وفيه، نقلاً عن الإمام أحمد بن عيسى (ع)، قال: أوصى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى أولى الناس به، وأفضلهم عند الله وعنده، وأعلم الناس من بعده، علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ.
وقال الحسن بن يحيى: أوصى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - إلى علي - صلى الله عليه ـ، أول ذلك الخبر المشهور، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أن الله سبحانه لما أمر نبيه أن ينذر عشيرته الأقربين، جمع بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون رجلاً، وإن منهم من يأكل الجذعة ويشرب الفَرَق، فأمر علياً (ع)، فعمل لهم طعاماً من فخذ شاة، وصاعاً من طعام، ثم جمعهم، فمسح بيده على الثريد، وسمى الله، ثم قال لهم: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، وما أثّروا في ذلك الطعام إلا يسيراً؛ ثم قال لهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يابني عبد المطلب، كونوا في الإسلام رؤوساً، ولاتكونوا أذناباً، أدعوكم إلى الإسلام؛ إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، أيكم يجيبني إلى الإسلام، على أن يكون أخي ووزيري، ووصيي ووارثي، وخليفتي في أهلي وقومي، يقضي ديني، وينجز موعدي؟))
فقام إليه علي، وهو يومئذ أصغرهم سناً، فأجابه إلى ما دعاه إليه؛ فتفل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في فيه، ومسح بيده على وجهه، ودعا له، وضمّه إليه، فقال أبو لهب: لبئس ماحبوت به ابن عمك، أن أجابك إلى ما دعوته إليه من بينهم، أن ملأت فمه بصاقاً؛ فقال النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((بل ملأته فَهماً وحُكماً وعِلماً)).
فهذا أول ولاية علي ـ صلى الله عليه ـ.
إلى أن قال:
ولما حضر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الوفاة، دعا بسيفه ورمحه وسلاحه، وبغلته وناقته، وكلما كان له، حتى عصابة كان يعتصب بها في الحرب على الدرع، فدفع إليه جميع ماكان يملك، ثم دفع إليه خاتمه، وبنو /435
عبد المطلب، والمهاجرون، والأنصار، حضور.
ومن وصايا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الخاصة لعلي، دون الناس، أنه علّمه ألف باب، كل باب منها يفتح ألف باب، ودعا الله له أن يجعل أذنه الواعية، ودعا له حيث وجهه إلى اليمن أن يهدي قلبه، ويثبت لسانه.
إلى أن قال: وأعلمه بما هو كائن إلى يوم القيامة.
والدليل على ذلك قول علي ـ صلى الله عليه ـ: لاتسألوني عن فئة، تضل مائة، أو تهدي مائة، فيما بينكم وبين الساعة، إلا أخبرتكم بناعقها، وقائدها وسائقها،.. إلخ كلامه (ع).
[شيء من الجامع في علي وفي ولديه]
وفيه، قال أحمد بن عيسى: نتولى أمير المؤمنين في ظاهر الأمر وباطنه، ونوجب له العصمة.
إلى أن قال: أمر الله بولايته، وقد أخبرنا بعصمته، وتطهيره على لسان نبيه (ع).
قال محمد: وسمعتُ أحمد بن عيسى يقول ـ وذكر علياً، وحسناً، وحسيناً ـ فقال: لايجوز عليهم حكم.
قلت: مثل أي شيء؟.
قال: لاتقبل عليهم دعوى.
إلى أن قال: وإلا فَسِّرْ لي قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فيهم ـ يعني قوله: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا)) ـ.
وفيه: قال محمد: سمعت إسماعيل بن إسحاق، قال: سمعت ابن عيسى، وسُئل، هل يثبت لك عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((إن علياً معصوم لايضل أبداً؟)) قال: نعم، فقيل له: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ذلك في غيره؟
قال: نعم في الحسن، والحسين.
إلى أن قال: قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنا حرب لمن حاربتما، وسلم لمن سالمتما)).
قيل له: أقال ذلك لأحد غيرهما؟.
قال: لا إلا المنتظر المهدي.
وفيه، بإسناده عن محمد قال: ذكرت لأبي عبدالله ـ
قلت: يعني الإمام أحمد بن عيسى.
أَمْرَ علي ـ صلى الله عليه ـ، ومَنْ تقدمه، فذكر منزلة علي (ع)، وما كان من النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من القول فيه، وتقدمته إياه ((ومن كنت مولاه فعلي مولاه))، وقوله: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى))، وغير ذلك.
إلى أن قال: وليس للأمة أن يؤثروا رجلاً /436
فيولوه ويجعلوه إماماً، قبل أن ينظروا في الكتاب، والسنة.
إلى أن قال: وكان خير هذه الأمة وأتقاها، وأخشاها، وأعلمها بالسنة، وأدّاها على العدل، وأهداها إلى الحق، وأقدمها هجرة، وأكثرها عملاً في الجهاد، وأحق الأمة بالإمامة، وأن يكون متبوعاً ولايكون تابعاً محكوماً عليه؛ بفضله في كتاب الله.
أجمع على ذلك علماء الأمة، إلا من دفع ذلك بعد بيان ومعرفة.
قال محمد: وسئل أحمد بن عيسى عن أمر عثمان، فقال: مافي أمره شبهة على ذي عقل، وعلم، والدليل أن أمير المؤمنين لم يَقُدْ مِنْهُ، ولم يَدِهِ من بيت المال، ولو لزمه ذلك ماتركه لشيء.
إلى أن قال: قال الحسن بن يحيى: الإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ، ومَنْ لم يعتقد بعد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إمامة علي صلى الله عليه، لم يقبل الله له صلاة ولا زكاة، ولاحجاً ولا صوماً، ولاشيئاً من أعمال البر.
وبعده الحسن، والحسين.
وقال الحسن: إن الله سبحانه أكمل لنبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الدين الذي افترضه على عباده.
إلى قوله (ع): وليس في الفرائض فريضة أكبر قدراً، ولا أعظم خطراً، من الإمام الذي يقوم مقام نبيه، وقد بين ذلك في محكم كتابه، وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فجعل اللَّه تعالى الإمامة، في أهل بيت الصفوة والطهارة، والهدى والتقوى، من ذرية إبراهيم، وذرية محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ولا تصلح في غيرهم.
ثم ساق الحجج من الكتاب والسنة، حتى قال: ورسول الله قد قدم من قدم الله، فمن قدم من أخر الله ورسوله، وأخر من قدم الله ورسوله، فقد خالف سنة الله التي قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
وقد روي عن علي ـ صلى الله عليه ـ أنه قال على المنبر: والله، لقد قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأنا أولى الناس بالناس، مِنّي بقميصي هذا.
وروي في الخبر المشهور أن بريدة وقع في علي عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فتغير لون رسول الله ـ صلى الله عليه وآله /437
وسلم ـ، وأظهر الغضب، وقال: ((يابريدة، أكفرت بعدي؟))، فقال: أعوذ بالله من غضب الله، وغضب رسول الله.
قال: ((فإن علياً مني، وأنا منه، وهو وليكم بعدي)).
وقال علي أيضاً وهو على المنبر: عهد إليَّ النبي الأمي أن الأمة ستغدر بي بعده.
وقد سمى الله علياً من نفس رسوله فقال: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(61)} [آل عمران].
وذلك حين باهل النصارى، فأحضر علياً، وزوجته، وابنيه، فأخبر الله في كتابه أنه نفس رسول الله، وأن ابنيه أبناء رسول الله؛ وأن زوجته ابنة رسول الله نساؤه، فضلها على نساء العالمين.
إلى قوله: ثم استخلفه بمكة، حين عزمت قريش على أن يثبتوه، أو يقتلوه، أو يخرجوه، فخلفه واضطجع على فراشه، ووقاه بادرة الحتوف بنفسه، وكان يأتيه بالطعام ليلاً، وأمره أن يؤدي عنه الأمانات.
إلى قوله: ثم قدم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المدينة، فبنى المسجد وبنى فيه بيتاً لنفسه، وبنى لعلي بيتاً إلى جانب بيته، وأذن له في سكناه، وحرّم على جميع العمومة والأقربين، والمهاجرين، والأنصار، أن يبيتوا في مسجده، رفعة منه له، وإبانة لفضله، ورفعاً لقدره.
إلى قوله: أُتي النبي بطائر، فقال: ((اللهم ائتني بأحب خلقك، يأكل معي من هذا الطائر)) فخص الله علياً، وأكرمه بتلك الدعوة.
إلى قوله: ولما بعث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علياً إلى اليمن، فقال: يارسول الله، إني حدث السن، ولا أعلم القضاء.
فقال: ((إن الله هاد قلبك، ومثبت لسانك)).
ثم مسح بيده على صدره، ثم قال: ((اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه)).
إلى قوله: وقال: ((يا علي إني قد دعوت الله أن يجعل أذنك الأذن الواعية)).
وقال الله ـ عز /438
وجل ـ: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)} [الحاقة]، وعلّمه ألف باب، كل باب يفتح ألف باب.
وقال لفاطمة حين قالت له: زوجتني علياً عديم قريش: ((ما أنا زوجتك، ولكن الله زوجك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً)).
إلى قوله: وجعله أفقه أصحاب رسول الله في دين الله، وأقضاهم بمحكم كتاب الله، وسنة نبيه (ع).
ثم قال لأصحابه: ((إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله)).
فقال أبو بكر: أنا هو يارسول الله؟.
فقال: ((لا)).
فقال عمر: أنا هو يارسول الله؟.
قال: ((لا، ولكنه خاصف النعل)).
إلى أن قال:كل ذلك يدل على أنه مستحق مقامه، وأنهما لايستحقان مقامه، وليس لهما أن يقاتلا على تأويل القرآن؛ ثم أمره بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين.
فقال علي: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
وروي عن ابن مسعود قال: أُمر علي بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين.
وعن أبي أيوب قال: قال لنا رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((تقاتلون الناكثين، والقاسطين، والمارقين)).
قلنا: مع من يارسول الله؟.
قال: ((مع علي)).
وروي عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الخبر المشهور، أنه قال: ((يأتي قوم من بعدي، يقرؤون القرآن لايجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية))، فإنما مرقوا على علي ـ صلى الله عليه ـ فالإسلام علي، ومن كان مع علي.
إلى قوله: فخص الله علياً ـ صلى الله عليه ـ بفضل الجهاد، والاحتواء على درجته، التي هي أرفع الدرجات عند الله؛ فكان له يوم بدر، الذي خصه الله به، من قتل المشركين، والنكاية فيهم، مالم يكن لأحد مثله.
إلى قوله: فأيده الله بالنصر، ونزل القرآن بفضله، والشهادة له بالجنة، بما من الله عليه من حسن الفعال وطاعة ربه {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي /439
رَبِّهِمْ }[الحج:19].
إلى قوله: ثم خصه الله ـ عز وجل ـ يوم أحد فبذل نفسه، ووقى رسول الله ظبا السيوف وأطراف الرماح بنحره، وأمره رسول الله بالمبارزة لبني عبد الدار، وهم أصحاب الرايات، فتولى قتلهم، كلما قصد منهم قاصد لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، رمى عليه بنفسه، فأيده الله بنصره، حتى قتل كل من أراد رسول الله بمكروه، حتى قال جبريل: إن هذه لهي المواساة؛ ثم نادى: لاسيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي.
فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لجبريل: ((إنه مني، وأنا منه))، فقال جبريل: وأنا منكما.
ثم حشد الأحزاب لرسول الله، فخصه الله بالكرامة، والرفعة في الجهاد، فقتل عمرو بن عبد ود يوم الخندق، وهزم الله المشركين، وأعزّ بقتله الإسلام إلى أن تقوم الساعة، وأذلّ الله الشرك، وبعث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ برايته مع رجلين من المهاجرين، فرجعا منهزمين يجبنهما أصحابهما، ويجبنان أصحابهما، فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار ليس بفرار))، فدعا علياً ـ وكان أرمد العين ـ فتفل في عينه ودعا الله أن يذهب عنه الحر والبرد، وأعطاه الراية؛ ففتح الله على يديه.
ثم ثبت معه يوم حنين في جماعة من أهل بيته، حين فرّ عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ جماعة الناس، فقال الله ـ عز وجل ـ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [التوبة]، فخصه الله ومن كان معه بالسكينة.
ثم خرج رسول الله إلى تبوك، واستخلفه على المدينة، وقال: ((لا يصلح لخلافتي إلا أنت))، وفي حديث آخر: ((لايصلح المدينة إلا أنا أو أنت)) فتكلم أناس في ذلك. /440
إلى قوله: فلحقه بعد أن سار.
إلى قوله: فقال: ((يا علي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لانبي بعدي؟)) فقال: بلى، رضيتُ يارسول الله.
وقد بين الله سبحانه منزلة هارون من موسى فقال: {هَارُونَ أَخِي(30)اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)}[طه]، الآية؛ وقال موسى لهارون: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي }[الأعراف:142]، فلعلي الأخوة، والوزارة، والشركة في الأمر، والخلافة في قومه، فلم يستثن ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، غير النبوة، ولو كان مع النبوة غيرها مما لايحل له لاستثناه، كما استثنى النبوة؛ فقد بين الله لنا في كتابه، وبين لنا رسول الله في سنته، أن علي بن أبي طالب خليفته من بعده.
ثم بعث رسول الله أبا بكر بعشر آيات من أول براءة إلى أهل مكة، فنزل عليه جبريل فقال: إنه لايصلح أن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فبعث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علياً، فرد أبا بكر، ومضى علي ببراءة، عن أمر الله.
إلى قوله: كل ذلك يبين منزلته، واستحقاقه لمقامه.
إلى قوله: وعلمنا أنه ليس في صفة الحكيم، أن يخلق خلقاً ليس من طبعهم الاتفاق في الرأي والهوى؛ ثم يندبهم إلى خلاف صفتهم، بلا مقوم يقيمهم على ما أمر به من الاتفاق.
إلى قوله: فعلمنا أن الأمر ليس بمفوض إلى رأيهم.
إلى قوله: وقد أدى ذلك رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأقام لهم من يقوم مقامه، ويحكم فيهم بأحكامه، ويمضي فيهم أمره، وينهاهم عن نهيه، أذناً واعية، وقلباً هادياً، ولساناً ناطقاً بالحق، يحفظ مانسوا، ويعلمهم ماجهلوا، وهو علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ؛ وقد ندبهم الله تعالى إلى ذلك، فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء:59].
ثم ساق (ع) في الاحتجاج بكتاب اللَّه تعالى إلى قوله: وقال تعالى:/441
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل].
إلى قوله (ع): فأخبر أن للمؤمنين ولياً، هو أولى من اتبعه به، فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة].
إلى قوله (ع): وقد أجمع نقلة العلم بالخبر المشهور، عن غير تواطؤ، أن علي بن أبي طالب هو الذي آتى الزكاة وهو راكع.
إلى قوله: ثم قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض، ألا وهما الخليفتان من بعدي)).
إلى قوله (ع): ثم شرح رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ هذه الفريضة التي افترضها الله لمن يستحق مقامه، بالسنة، في ولي الأمر، فأخذ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بيده، يوم غدير خم، فقال: ((ياأيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) يقول ذلك ثلاثاً؛ ليَفْهَمَه من عَمِيَ عن فَهْمِه، ويبلّغَه الشاهدُ الغائبَ.
قالوا: بلى.
قال: ((فمن كنت مولاه، فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
إلى أن قال: فما أسوأ حال من تقدم أمام مولاه في دينه.
ثم لم يزل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يدل على علي، منذ بعثه الله تعالى، إلى أن قبضه الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ويستخلفه ولا يستخلف عليه، ويوليه ولا يولي عليه..إلخ كلامه (ع).
وقال فيه: قال الحسن ـ أي ابن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ: أجمع علماء آل رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم أن علي بن أبي طالب كان أفضل الناس بعد رسول الله، وأعلمهم، وأولاهم بمقامه؛ ثم من بعد أمير المؤمنين الحسن والحسين، أولى الناس بمقام أمير المؤمنين؛ ثم من بعد ذلك علماء آل رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، /442
وأتقياؤهم، وأبرارهم أئمة المسلمين.
إلى قوله (ع): وقد دلّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، على إمامة علي والحسن والحسين بأعيانهم، وأسمائهم، فقال في علي ـ صلى الله عليه ـ، ماتقدم ذكره في باب إمامته، وقال في الحسن والحسين ـ صلى الله عليهما ـ: ((هما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما))، فجعلهما سيدين، وبيّن فضلهما، ودلّ على إمامتهما.
إلى قوله (ع): ودلّ على أنه لايحل لأحد أن يتقدم من جعله رسول الله سيداً، وشهد له بالجنة، فقال: ((اللهم أحب من أحبهما، وأبغض من أبغضهما))؛ وقال: ((تعلموا منهما، ولاتعلموهما، فهما أعلم منكم))، وقال لأبيهما ولهما: ((أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم))؛ وقال: ((إن استنصروكم فانصروهم، وإن لبدوا فألبدوا))؛ وقال: ((النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي))، وخصهما اللَّه تعالى بأبوة نبيه، وسماهما ابنيه في كتابه، فقال: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا }[آل عمران:61]..الآية.
إلى قوله (ع): {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب]، فلما نزلت هذه الآية، جعل رسول الله الكساء عليه، وعلى علي وفاطمة، والحسن، والحسين، ثم قال: ((هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)).
وفرض مودتهما على كل مسلم، ومودة علي، وذريتهما، وجعل لهما الخمس، فريضة في كتاب الله، فلهما آية الصفوة.
إلى قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا }[فاطر:32]، وآية التطهير، وآية المباهلة، وآية الخمس، وآية الفيء، وآية المودة.
إلى قوله (ع): فدلّ عليهما بأعيانهما، وأسمائهما، وأنسابهما، وأفعالهما؛ فإمامتهما واحدة، وحقهما واحد، وهما إمامان.
إلى قوله: إن قاما، وإن قعدا.
[من الجامع في القائمين من أئمة العترة]
إلى قوله: ثم أخبرنا /443
النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، كيف الإمامة بعد هؤلاء المسمين بأعيانهم ـ يعني بعد علي والحسن والحسين ـ فقال: ((إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا وهما الخليفتان من بعدي)).
إلى قوله: ولن يخلو أهل بيت رسول الله في كل عصر وزمان، أن يكون فيهم مأمون على كتاب الله، وسنة نبيه، عَلِمَه من عَلِمَه، وجَهِلَه من جَهِلَه.
إلى قوله (ع): فهذا إجماع من مضى من آل رسول الله الأتقياء الأبرار، الذين بهم يُقتدى.
وقال فيه: قال الحسن بن يحيى (ع): سألت عن قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وسائرها في النار))، وما مذهب هذه الفرقة الناجية؟.
فإن الفرقة الناجية هي الفرقة التي تبعت كتاب ربها، وتمسكت بعلي بن أبي طالب، وبأهل بيت نبيها.
إلى أن قال: قال محمد: بلغنا عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أنه قال: ((تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)).
إلى قوله: وقد سُئل علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ عن الفرقة الناجية، فقال: أنا، ومن تبعني؛ وسائر الناس منها برءاء.
إلى قوله (ع): إن الله فرض على العباد طاعته، وطاعة رسوله، وأمر باتباع سنة رسوله.
إلى قوله: وعلّم رسوله الفرائض، وأكمل له الدين.
إلى قوله: ولم يطلق لأهل الإسلام أن يستخرجوا دين الله من تلقاء أنفسهم، فقال لنبيه (ع): {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [الأحزاب:36]، وقال:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } [القصص:68].
ثم ساق الحجج على هذا من كتاب الله، وسنة نبيه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم. /444