التعارض من كل وجه، وعدم إمكان الجمع، يجب العدول إن أمكن إلى الترجيح، وقد قررت تلك الأوجه في مباحث الأصول، وفي بعضها مقال لا يخفى على ذي اللب الرجيح، الذي ليس من ديدنه التقليد، ومتابعة الأقوال، بغير حجة واضحة، ولا بينة لائحة، وذلك بلا شك من أعظم اِلإخلال، بفريضة ذي الجلال، وليس هذا مقام البسط في ذلك المجال، وإنما أشرت لواجب النصح، والحمد لله على كل حال.
[الكلام في الترجيح لمجموع الإمام زيد (ع)، والأحكام للإمام الهادي (ع)]
نعم، وسأتكلم ـ بإعانة الله تعالى وتسديده ـ في الترجيح لكتابين من معتمدات هداة الأمة، وسادة الأئمة، وهما: كتاب مجموع الإمام الأعظم، إمام الطائفة الناجية، والعصابة الهادية، أبي الحسين، زيد بن علي بن الحسين بن علي.
وكتاب الجامع، الأحكام، لإمام الأئمة، وهادي الأمة، أبي الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، عليهم أفضل التحيات والتسليم.
فأقول ـ والله الموفق للسداد، وعليه تعالى التوكل وبه سبحانه الاستعانة في كل إصدار وإيراد ـ: الذي ترجح في مبلغ علمنا، ومنتهى وسعنا ـ واللَّه تعالى أعلم ـ أن الكتابين: المجموع، والأحكام، أرجح، وأصح من غيرهما؛ لأن نسخهما بين ظهراني أئمتنا وأشياعهم، يتلقاهما الخلف عن السلف، حتى لا يبعد تواترهما عند ذوي الاختبار، في جميع الأعصار.
وما رواه إمام اليمن، عن الإمام الأعظم، الولي بن الولي، زيد بن علي، أو عن جده نجم آل الرسول، فأحرى وأحق، وأولى وأوثق، وليس الواسطة بين الإمام الأعظم وجده الرسول الأمين، وأبيه أمير المؤمنين، إلا سيد العابدين، والحسين السبط ـ صلوات الله عليهم ـ، وليس يسوغ الإقدام على تقديم رواية إمام على إمام، من هؤلاء النجوم الأعلام، إلا باعتبار الوسائط.
فأما هم فليس الحال، إلا كما قال: /425
من تلْقَ منهم تقل لا قيتُ سيّدَهم .... مثل النجوم التي يسري بها الساري
فأما مجموع الإمام زيد بن علي (ع)، فالذي يظهر عند التحقيق، أنه لايبلغ رتبته كتاب؛ لأن روايته عن أبي خالد معلومة، متفق عليها بين الأمة، لا اختلاف عندهم في ذلك، ولم يتكلم فيه متكلم من المخالفين إلا من أجله.
وعدالة أبي خالد مجمع عليها، عند آل محمد (ع) قاطبة، أضف إلى ذلك أنه ملتقى بالقبول عندهم، كما أفاد ذلك الأئمة الأعلام، أضف إلى هذا أن أخباره مخرجة من كتب العترة وسائر الأمة؛ فأي كتاب له هذه الرتبة، وهذه الشهرة، وهذه الصحة، فهو الحقيق بأن يقال فيه: إنه أصح كتاب بعد كتاب الله ـ عز وجل ـ.
فعلى هذا النمط يكون النظر في سائر أسفار أئمتنا، وعلماء ملتنا، ـ رضي الله عنهم ـ.
وقد ضربت لك بهذا البحث مثلاً أيها الناظر النقاد، والأمر في هذا إلى أرباب البحث والاجتهاد، والتكليف على كل مطلع بما صحّ عنده، ورجح لديه.
ونعود بإعانة الله تعالى إلى المقصود.
فأقول وبالله التوفيق: إذا أحطت علماً بما بينت لك في الكتابين السابقين، فاعلم أن التفاوت فيما بينهما، وما يماثلهما، ويقاربهما، وبين كتاب الجامع الكافي، معلوم؛ فإن منزلته دون منزلة ما ذكرنا بدرجات، وبينه وبينها في الشهرة والتداول مسافات.
[ثبوت الدسِّ في زيادات الجامع الكافي]
وإنما خصصت بالبحث هذا الكتاب الجامع؛ لما في زياداته، فقد دسّ بعض المخالفين لآل محمد (ع) كثيراً فيها؛ فإن أثر الصنعة، والتكلف لذلك الكلام ـ لاسيما في المشيئة ونحوها ـ واضح، وما كأنها صدرت، إلا من حذاق الأشعرية، والمتسمين بالسنية.
وبرهان ذلك للناظر بنور البصيرة من نفثاتها بيّن لائح، وقد وقع فيها /426
سؤالات وجوابات، وتصدى بعض متأخري أئمتنا (ع) لتأويلها، وحل ما فيها من المشكلات، وتأول بقدر المستطاع لبعض، وأشار إشارات يفهمها ذووا الذوق، لتصريف العبارات؛ وأصاب (ع)، فليس عليه إلا مثل ذلك، وقد أحسن من قال:
عليّ نحْتُ القوافي من مقاطعها
وما عليّ إذا لم تفهم البقرُ
هذا، وفي المعلوم أنه لايتعذر التأويل، لكثير من صرائح الأقاويل، ولكنه يتفاوت إلى قريب وبعيد، ومقبول ومردود، وذلك بحسب الدليل، والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.
هذا، ونسخة الجامع الكافي قد أرخّ سماعها على المؤلف سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة.
ومما يزيدك بياناً أن كثيراً من المنحرفين التفتوا إليها، وإلى مؤلفها خاصة، من بين آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ ومؤلفاتهم، كالذهبي في النبلاء، وتاريخ الإسلام، وحاله معلوم في جانب آل محمد (ع)؛ فما قد رفع لأحد منهم ولا من شيعتهم، ولا لمؤلفاتهم، رأساً، ولارأى في إلغائهم وإلغاء مصنفاتهم من بين الأمة المحمدية بأساً، مع إشراق أرجاء الأرض بأنوارهم، وامتلاء جوانب البسيطة من أسفارهم، ويكفيك أنه قد رماه المقبلي بالنصب، وقد نقلنا كلامه فيه فيما سبق.
فقال الذهبي في النبلاء، مترجماً للسيد الإمام أبي عبدالله، صاحب الجامع (ع) ما لفظه: الإمام المحدث الثقة، العالم البقية، مُسْنِد الكوفة، أبو عبدالله، محمد بن علي.
إلى أن قال: العلوي، جمع كتاباً فيه علم الأئمة بالعراق، فاجتمع فيه مالم يجتمع في غيره.
ثم سرد الآخذين عنه، ومن أخذ عنهم.
وترجم له أيضاً في الطبقة الخامسة والأربعين، من كتابه تاريخ الإسلام، في أهل وفيات خمس وأربعين وأربعمائة، قال: ومولده /427
في رجب، سنة سبع وستين وثلاثمائة.
قال: وكان حافظاً، خرج عنه الحافظ الصوري..إلخ.
فهذه الترجمة وأمثالها تدلك ـ إن كنت ذا عرفان ـ على قصدهم ترويج مازادوه عليها، في باب القدر والمشيئة، والإرادة والاستطاعة، وخلق الأفعال، وتعذيب الأطفال، وقدم القرآن، وغير ذلك، مما هو بعينه نصوص مذاهب الأشعرية، وسائر الجبرية، التي لاريب فيها ولا إشكال، ولا تأويل ولااحتمال.
فحاشا نجوم آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ عن جهالات الجبرية القدرية، فهم سادات البرية، والعدل هاشمي، والجبر أموي، وغير بعيد من بعض الناظرين دعوى التمكن من التأويل، والإتيان بما قد كثرت فيه الأقاويل، من معنى الخلق والقدر ونحوها.
ونقول: قد أبرزنا ما يلزمنا، وعرضنا ما عندنا، على ألباب ذوي الألباب، العالمين بفصل الخطاب، ولعلنا ـ والحمد لله تعالى ـ أحرص على صيانة أمثال هذا الكتاب.
والحق أبلج ما تخيل سبيله
والحق يعرفه ذوو الألبابِ
والغرض ـ بحمد الله ـ قول الحق، ورد الباطل المختلق، والله ولي التوفيق.
مع أنه بعد هذا كله من المعلوم، كما نص عليه علماء الأصول، وأكثر الاحتجاج به الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين (ع)، في الرد على الصوفية؛ أنه ليس لغير الحكيم، أن يطلق العبارات الموهمة، والشبهات الملبسة، وإن كان يمكن حملها على معنى صحيح؛ لأنه لايجب ردّ كلامه، إلى المعلوم من حكمته؛ لأنه لم يدل الدليل، لامن العقل ولامن النقل، على ذلك؛ بل هو المبين عن نفسه، والمترجم عن حاله، والحكيم لايطلقها إلا لحكمة ومصلحة، ولا اهتداء لغيره ـ سبحانه ـ إلى ذلك؛ بل الإنسان على نفسه بصيرة، فهو في مقام البيان الذي لاينبغي أن يشيبه لبس، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا /428
يقفنّ مواقف التهم، ومن وقف مواقف التهم، فلا يلومنّ من أساء به الظن.
هذا، وأما الوضاع، فقد خاب ـ بفضل الله ـ عمله، وضلّ سعيه؛ لأن في ذلك الكتاب بعينه ما ينقض ما أبرم من هذه الدسايس كلها، ويهدم جميع أصوله فيها وفي غيرها؛ دعْ عنك مافي كتب سائر الأئمة الهداة، سفن النجاة، وليس له أن يؤمن ببعض ويكفر ببعض؛ وإنما أراد أن يمزج الصحيح بالفاسد، والمستقيم بالمائد؛ ليشوش على نظر قاصري الأفهام، ويوسوس في قلوب ضعفاء الأنام، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وفي هذا كفاية لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
[الحكم بتصحيح الجامع ما عدا ماخالف المعلوم]
فإن قلت: فهل يحكم على وضع ما في الجامع الكافي جميعه؟.
قلت: لا، ومن أين يسوغ ذلك؟ بل ما علم مخالفته للمعلوم، الذي عليه آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ كهذه المباحث، فلا ريب في كونه مردوداً على ناقله، مضروباً به وجه قائله، وقد كُذِب على جدهم الرسول الأمين، ووصيه أمير المؤمنين ـ عليهما وآلهما صلوات رب العالمين ـ؛ فلهم بهما أعظم أسوة، وأكرم قدوة.
هذا، وما سوى ذلك من الروايات، فبعد صحة طريقها، إن عارضت ماهو أقوى منها بإحدى طرق الترجيح الصحيحة، تُرِك العمل بها؛ وإن عارضت ماهو مثلها من غير ظهور رجحان طُرِح الجميع، وعُدِل إلى غيرها، وإن عارضها ماهي أرجح منه، قُدمت عليه؛ وإن لم تعارض شيئاً، قُبِلت.
هذا مع استكمال شروط القبول، ونقل الأثبات العدول، كما ذلك معلوم بحججه في الأصول.
وليس الحكم بوضع شيء فيها يوجب ردها، والحكم بوضع جميعها؛ هذا عدول عن السبيل، ومخالفة للدليل؛ إنما ذلك ـ لو كان ـ لعدم الثقة بمؤلفها، أو القدح في ناقلها، ونحن لم نقل بشيء من ذلك، وحاشا لله تعالى، أن نذهب إلى ماهنالك؛ إنما قلنا بأنه دسّ فيها أهل الوضع والافتراء، ما سادات العترة وشيعتهم عنه براء؛ فنرد ما أوجب الدليل رده، ونقبل ما أوجب الدليل قبوله، /429
ونتوقف عند مايلزم الوقوف عنده.
وليكن على ذُكر منك، وفقنا اللَّه تعالى وإياك للصواب، وجنبنا سلوك الغي والارتياب، أن المفسدين في الدين لم يسلكوا طريقة أقرب إلى التلبيس والإضلال، من التحريف وخلط الحق بالباطل من الأقوال، وقد أنبأك اللَّه تعالى في كتابه، عن المحرفين لآياته، والمبدلين لكلماته؛ فلولا أن في هذا الكتاب، وماشاكله من أقوال آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ ومذاهبهم، الحقَّ، الذي لاريب فيه، لما تمكنوا من شيء من ذلك، ولا سلكوا في شأنه تلك المسالك.
هذا، وقد طال الكلام، في هذا المقام، ولعله لايخلو ـ إن شاء الله تعالى ـ من الإفادة، والغرض ـ بحمد الله ـ صالح بما تحصل من المقصود والزيادة، والله ولي التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.
[سند الجامع الكافي]
نعم، أروي كتاب الجامع الكافي، بالطرق السابقة، إلى الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام صارم الدين، إبراهيم بن محمد الوزير، وهو يرويه بطرق:
الأولى: عن السيد الإمام أبي العطايا، عبدالله بن يحيى الزيدي، عن أبيه، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن أبيه الإمام المهدي، محمد بن المطهر (ع).
(ح)، الثانية: عن أبيه السيد الإمام، محمد بن عبدالله الوزير، عن عمه السيد الحافظ، محمد بن إبراهيم الوزير، عن شيخه السيد الإمام الحافظ، عالم آل محمد الكرام، علي بن محمد بن أبي القاسم، عن الشيخ العلامة، إمام المحققين، إسماعيل ـ المتوفى سنة أربع وتسعين وسبعمائة، عن نيف وسبعين ـ ابن إبراهيم بن عطية النجراني، عن الشيخ العلامة الأوحد، المطهر ـ المتوفى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ـ ابن محمد بن حسين، المعروف بابن تريك (بضم المثناة /430
الفوقانية، وفتح الراء، وسكون المثناة التحتية، وكاف) التميمي الصعدي ـ رضي الله عنه ـ، أحد أعلام الزيدية، ومن مشائخه الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة (ع).
الثالثة: عن السيد الإمام أبي العطايا، عن أبيه، عن القاضي العلامة، عابد اليمن، ولي آل النبي المؤتمن، إبراهيم بن أحمد الكينعي؛ عن القاضي العلامة، العابد الزاهد، حاتم بن منصور الحملاني، رفيق الإمام يحيى بن حمزة في القراءة، وشيخ عابد اليمن إبراهيم بن أحمد، ـ رضي الله عنهم ـ.
وقد بسط السيد الإمام ترجمته، قُبض وهو يصلي صلاة التسبيح، سنة خمس وستين وسبعمائة، وقبره بصنعاء مزورـ رضوان الله عليه ـ.
عن القاضي العلامة الولي، محمد بن خليفة، عن السيد الإمام محمد بن إدريس الحمزي ابن علي بن عبدالله بن الحسن، أخي الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع)، من أعلام العترة الأطهار، وأعيان الأسرة الأبرار، لهمؤلفات كثيرة، منها: التيسير، والإكسير، والتحرير، والدراري المضيئة، في الآيات المنسوخة؛ وشفاء غلة الصادي، في فقه الهادي؛ والنور الممطور، في فقه المنصور؛ والذخيرة الفاخرة، في مناقب العترة الطاهرة؛ والنهج القويم، في تفسير القرآن العظيم؛ الثلاثة الأولوهذا الرابع في التفسير؛ وشرح على اللمع.
وقد استوفى ترجمته السيد الإمام (ع)، وأفاد أن وفاته في عشر الأربعين وسبعمائة، فأروي بهذه الطريق إليه جميع مؤلفاته.
الرابعة: عن الفقيه العلامة أحد أعيان شيعة الإمام، علي بن محمد العفيف ابن حسن المدحجي الصراري، عن القاضي العلامة، ولي آل محمد (ع)، صاحب رباطالزيدية بمكة المشرفة،المعلن بذكر أهل البيت في الحرم الشريف، صاحب مؤازرة الإخوان، شرف الدين، أبي القاسم بن محمد بن حسين الشقيف (بشين معجمة، فقاف، ففاء بينهما مثناة تحتية)، هذا هو الصحيح؛ ومافي إجازة الشوكاني من كونه النصيف، فغلط محض، لايلتفت إليه من /431
له أدنى إلمام، وهو كما ذكرت في جميع المؤلفات الصحيحة، وماذلك إلا تصحيف قطعاً.
قال السيد الإمام: وكان إمام الزيدية بالحرم الشريف، وكان يدعو للإمام المهدي محمد بن المطهر، وكان فقيهاً عالماً مجتهداً، عمدة للمسترشدين. انتهى.
وكان سماعُ العفيف على أبي القاسم، بالحرم المكي، عام أربعة وخمسين وسبعمائة، وأجازه له.
نعم، وأربعتهميروونه عن القاضي، العلامة الفاضل الزاهد، محمد بن عبدالله الغزال، المضري (بالضاد المعجمة)، عن الشيخ العلامة محيي الدين، صالح بن منصور الخطيب، الكوفي الزيدي، عن الشيخ العلامة، أحمد بن أبي الفضل، عن السيد العلامة، تقي الدين أبي الغنائم، أحمد بن أبي الفتوح الحسيني، عن الشيخ العلامة سديد الدين، علي بن بدر الهمداني، عن الشيخ العلامة الملقب نصر الله، منصور بن محمد المدلل، عن الشيخ العلامة، أحد مشائخ الزيدية الأخيار بالكوفة، أبي علي، الحسن بن علي بن ملاعب الأسدي، عن الشيخ العلامة العدل أبي منصور، يحيى بن محمد الثقفي ـ ترجم لهم السيد الإمام في رجال الزيدية، وأفاد مِن وصفهم ما في السند، ولم يذكر لصالح فمن بعده إلى المؤلف وفاة ـ عن المؤلف السيد الإمام، عالم العترة الأعلام، أبي عبدالله، محمد بن علي الحسني (ع).
[شيء من الجامع الكافي]
قال فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ـ إلخ سورة الفاتحة ـ وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطاهرين.
أما بعد، فإنك ذكرتَ لي أنك رأيتَ الزيدية قِبَلنا بالكوفة، يعوّلون في مسائل الخلاف على مذهب أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والقاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي /432
بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)..إلخ.
وقال فيه: (القول في ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه) سُئل أحمد بن عيسى عن الولاية، أفرض هي كسائر الفرائض؟.
قال: نعم؛ لنداء النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بها.
وسُئل عن قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لعلي صلوات الله عليه يوم غدير خم: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) قال: يقول: هو في كل حالاته لكم ولي.
وقال فيه: قال الحسن بن يحيى: الإسلام شهادة أن لاإله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، وولاية علي بن أبي طالب، والبراءة من عدوّه، والإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ.
قال الحسن: كان علي فريضة من فرائض الله، وعلماً نصبه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لأن اللَّه تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء:59]، وافترض الله في الكتاب طاعته وطاعة رسوله، وطاعة أولي الأمر، وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء:83]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } [النحل:90].
إلى أن قال ـ أي الإمام الحسن بن يحيى (ع) ـ: ثم دلّ على أن إمام المؤمنين، وسيدهم علي بن أبي طالب، فقال لنبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67].
فلما نزل جبريل بهذه /433
الآية، وأمر أن يبلغ ماأنزل إليه من ربه، أخذ بيد علي ـ صلى الله عليه ـ فأقامه، وأبان ولايته على كل مسلم، فرفع يده حتى رؤي بياض إبطيهما، وذلك في آخر عمره، حين رجع من حجة الوداع متوجهاً إلى المدينة، ونادى الصلاة جامعة، ولم يقل ((الصلاة جامعة)) في شيء من الفرائض، إلا يوم غدير خم؛ ثم قال: ((أيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) يعيد ذلك ثلاثاً، يؤكد عليهم الطاعة، ويزيدهم في شرح البيان.
قالوا: بلى.
قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
فأوجب له رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من الطاعة، ماأوجب لنفسه، وجعل عدوّه عدوّه، ووليه وليه، وجعله علماً لولاية الله، يعرف به أولياء الله من أعداء الله؛ فوجب لعلي على الناس ماوجب لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من الولاية والنصر، فمن تولاه وأطاعه، فهو ولي الله، ومن عاداه فهو عدوّ الله، ومن عصاه وخالفه ووضع من عظيم حقه مارفع الله، فقد عصى الله ورسوله.
ثم أنزل الله في علي (ع): {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة]، فدل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على علي بصفته؛ فوجب على أهل الإسلام معرفة علي، وولايته وطاعته بإمامته، وأن يكون متبوعاً غير تابع، بالأخبار المشهورة عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من غير تواطؤ.
وقال الحسن في قول الله سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)} [طه]، إلى ولاية علي، وأهل بيت النبي (ع).
وقال: /434