المحدثين، وصححه أحمد بن حنبل.
ورواه الإمام الحجة، المنصور بالله عبد اللَّه بن حمزة (ع) في الشافي، بلفظ: ((إن كل خلف من أهل بيتي عدول موكلون، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)).
قال في جواهر العقدين: وأخرج الملا ـ فذكر معناه بزيادة ـ ((ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى اللَّه عز وجل فانظروا بمن تفدون)).
وأخرج أحمد في المناقب، من حديث حميد بن عبد اللَّه بن يزيد، مرفوعاً: ((الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت)) انتهى.
واختص أهل بيت النبوة بالحظ الأوفر، والنصيب الأجزل الأكبر، لما أهلهم له من حماية سوح الدين، ورعاية سرح اليقين، فحباهم من أنوار الهداية بأوضحها وأبهجها، واجتباهم لدلالة العباد إلى سوِيِّ منهجها، فلا طريق إلى الدين الصحيح تخالف عن طريقهم، ولا سبيل إلى النجاة إلا ركوب سفينتهم والتمسك بفريقهم، وكفاهم شرفاً، ما نالهم من دعوات جدهم المصطفى، نحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فيما رواه الإمام المرشد بالله أبو الحسين يحيى ابن الإمام الموفق بالله الحسين بن إسماعيل (ع): ((اللهم اجعل العلم والفقه في عقبي، وعقب عقبي، وزرعي وزرع زرعي)).
وروى الإمام المنصور بالله في الشافي، بسنده إلى الإمام المرشد بالله، بسنده إلى جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي (ع) قال: سمعتُ جدي رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يقول: ((من أحبّ أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربي، فليتولّ علي بن أبي طالب، وذريته الطاهرين، أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، من بعدي؛ فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة)) وأخرجه الباوردي وابن شاهين وابن مطين عن زياد بن مطرف؛ قال برهان الدين في أسنى المطالب: /13
وأبو بكر بن مردويه .
وروى الإمام المرشد بالله (ع) أيضاً بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنة عدن التي وعدني ربي، فليتول علي بن أبي طالب وأوصياءه، فهم الأولياء والأئمة من بعدي، أعطاهم اللَّه علمي وفهمي، وهم عترتي، خُلقوا من لحمي ودمي؛ إلى اللَّه أشكو من ظالمهم، والله لتقتلنهم أمتي، لاأنالهم اللَّه عز وجل شفاعتي))، ورواه عنه أيضاً الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي.
ولفظ الخبر من رواية العامة ـ ما أخرجه الأسيوطي في الجامع الكبير: روى أبو نعيم في الحلية، والرافعي، عن ابن عباس: ((من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن التي وعدني ربي، فليتول علياً وليتول وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي؛ فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم اللَّه عز وجل شفاعتي)).
ورواه الكنجي والطبراني، عن ابن عباس، بلفظ: ((وليقتدِ بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي)).
ورواه محمد بن سليمان الكوفي، صاحب إمام الأئمة الهادي إلى الحق، عن محمد بن علي (ع) بلفظ: ((والأخيار من ذريتي)).
ورواه أيضاً، عن عمران بن الحصين، بلفظ: ((فليحب علياً وذريته فإنهم لن يخرجوكم...)) إلخ.
[تخريج أحاديث في الاقتداء بالوصي وولده]
وفي معناه قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، ويتمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل اللَّه المتين، فليأتم علياً وليأتم الهداة من ولده))، رواه الحاكم الحُسكان ي، بإسناده عن علي ـ صلوات الله عليه ـ.
وقوله: ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن عند كل بدعة تكون من بعدي يُكاد بها الإسلام، ولياً من أهل بيتي موكلاً، يذب عنه، يعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار، وتوكلوا على اللَّه))؛ رواه الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع) في أماليه، بسنده إلى جعفر الصادق بن محمد الباقر، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع) /14
قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: الخبر.
ورواه السيوطي، عن أبي نعيم في الحلية، وأبي نصر السجزي في الآباء، بلفظ: ((إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام وأهله ولياً صالحاً، يذب عنه ويتكلم بعلاماته)).
وغير ذلك في هذا المعنى وغيره جم غفير، وجمع كثير، والوامض اليسير، يدل على النوِّ المطير؛ ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، ذلك هو الفضل الكبير، فلم يزالوا يتلقونه خلفاً عن سلف، متصلاً ذلك المدد، إلى آخر الأمد، كما في أخبار الثقلين، وإن عند كل بدعة، والنجوم، وسواها مما هو معلوم.
قال الوصي في وصفهم: (بهم يدفع اللَّه عن حججه، حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم)، إلى آخر كلامه، عليه أزكى صلوات اللَّه وسلامه.
[كلام المؤلف في بيان الحامل له على التأليف]
وبعد، فيقول عبد اللَّه وابن عبديه، المفتقر إليه، المتكل في كل حال عليه، مجدالدين بن محمد بن منصور بن أحمد بن عبد اللَّه بن يحيى بن الحسن بن يحيى بن عبداللَّه بن علي بن صلاح بن علي بن الحسين بن الإمام المؤتمن، الهادي إلى الحق أبي الحسن، عز الدين بن الحسن، رضي الله عنهم وشملهم بسابغ لطفه، وبالغ عطفه، وغفر لهم وللمؤمنين آمين: إنه الْتَمَسَ مني جماعة من بدور الدراية، ونجوم الهداية، الراغبين في أفضل الرغائب، والمقبلين على أجلّ المطالب، وأشرف المكاسب، الذي هو على الحقيقة حياة الدارين، وحيازة شرف الحظين.
وكل فضيلة ولها سناء .... وجدت العلم من هاتيك أسنا
فلا تعتد غير العلم كنزاً .... فإن العلم كنز ليس يفنى
وكفى بما أثنى العلي الأعلى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر:28]، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة:11]، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [الزمر:9]، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} [آل عمران] /15
وقد سبق لكثير ممن يسر اللَّه تعالى لي ولهم الاجتماع، والأخذ على الحقير والسماع، مختصر مفرد فيه تعيين مسموعاته، وإيصال الطرق إلى كتب الإجازات، وذكر السند مفصلاً إلى مؤلفات الإمام المنصور بالله عبد اللَّه بن حمزة (ع) وغيره من أئمتنا (ع) وعلمائنا ـ رضي الله عنهم ـ مع اشتمال الشافي على سند المجموع والأماليات الأربع؛ وغير ذلك من مؤلفات علماء أهل البيت (ع) وأتباعهم والعامة.
نعم، وعوّلوا علي أن أوصل سندهم بسندي، وأصحح لهم في طرق الرواية معتمدي، وأوضح لهم الأسانيد النافعة الجامعة إلى أربابها، الموصلة ـ بفضل اللَّه تعالى ومنّه ـ كما أمر ـ جل وعلا ـ بإتيان البيوت من أبوابها، وأجيز لهم الرواية عني في جميع ما صحّت لي روايته بالطرق المعتبرة، التي هي عند ذوي العلم مُصَدَّرة، كما هي السنة الماضية عند علماء الإسلام، والطريقة المرضية بين ذوي الحل والإبرام، استسمانا منهم ـ أيدهم اللَّه ـ للورَم، وتوسماً لرسوخ القدم، وأين نور السها، من إضاءة مصابيح السماء؛ إلا أن اللَّه ـ تعالى وله المن ـ مَنّ علينا بالاتصال بأعلام كرام، هم نجوم سماء الإسلام، وحرسة الكتاب وسنة سيد الأنام، اقتبستُ لمحة من ضياء أنوارهم، واغترفت غرفة من معين أنهارهم، مع ما وهب اللَّه ـ وله الحمد ـ تحدثاً بنعمته الربانية التي لاتجحد، وشكراً لمنته الإلهية التي لاتنفد، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه؛ ووقع لي السماع ـ بحمد اللَّه تعالى ـ في فنون العلوم من معقول ومسموع، وأصول وفروع، من الأصولين والحديث والتفسير، والآلة من نحو، وتصريف، ومعان، وبيان، وبديع، ومتون اللغة، ومنطق؛ وفي علم المعاملة، وفروع الفقه، والفرائض، والسير، وغير ذلك؛ وأجازوا لي في جميع طرقهم إجازات تامة الإفادة، أجازنا اللَّه تعالى وإياهم بالحسنى وزيادة، وضاعف لهم الأجور وجزاهم عن الإسلام والمسلمين الجزاء الموفور.
هذا، فرجحت الإجابة على الامتناع، على قصر الباع، وقلة المتاع؛ لما ورد في السنة والقرآن، من تحتم التبليغ والبيان، /16
والوعيد الشديد على الكتمان، وامتثالاً لأمثال قوله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } [المائدة:2]، ولما شاهدت من تقاعد الهمم، وانحلال العزايم، وإنهدام المعالم، حتى كاد يندرس الأثر، وينطمس الخُبْر والخَبَر.
وما سببه إلا تثاقل الأتباع، وتكاسل الأشياع، عن الحفظ لآثار أئمتهم، وأعلام ملتهم، لاسيما في هذه الأعصار، حثالة الحثالة، التي استحكمت فيها أدواء الجهالة؛ فإنك قد ترى العالم المتصدر لايعرف كثيراً من أسماء أئمته، فضلاً عن تحقيق أحوالهم ومؤلفاتهم، فضلاً عن حفظ أسانيدهم ومروياتهم.
ولقد تصدى بعض من لاتحقيق لهم لرسم شيء من ذلك، فركبوا متن عمياء، وخبطوا خبط عشواء، وأتوا بما ينقضي عنده العجب، من التخاليط الواضحة، والأغاليط الفاضحة، في أقوال الأئمة والعلماء، وفي أسمائهم وأنسابهم، مع الإهمال للكثير الطيب، لاسيما من كان من أهل هذا القطر بشمال اليمن؛ فإنهم يعرضون عن أعلامهم، ويتركونهم كأنهم في منقطع الأرض، أو من خلف السد، مع أن عمدتهم النقل عن كتب المنحرفين عن العترة الزكية، المعرضين عن علومهم، المقبلين على طرائق خصومهم، ميلاً إلى الهوى وعدولاً عن السواء؛ ولكنه ينفق في سوق الرعاع، ولا يدرون أصابوا أم أخطأوا لعدم الاطلاع.
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا .... ببيت قديم شاع في كل مجلسِ
لقد هزلت حتى بدا من هزالها .... كلاها وحتى سامها كل مفلسِ
والله المطلع أنا لانحب الكلام في مثل هذا، بل يسوءنا، ويثقل كل الثقل علينا، لولا وجوب النصح والبيان، والله المستعان، وعليه التكلان، وإليه ترجع الأمور.
نعم، فلعمر الله تعالى إن الإهتمام بهذا الشأن من الواجب الأهم، /17
واللازب الأعظم، كيف لا والدين بسوحهم متصل، والعلم إلى صرحهم متسلسل، ومودتهم واتِّباعهم مطوّقة بهما الرقاب، كما صرّحت به السنة الشريفة ونطق به الكتاب، والمودة واِلاتباع ممن لا يعرفهم تحيلهما الألباب.
وتحتم حينئذ صرف العناية، مع تبلبل البال، وتوفر الأشغال، بعد استخارة الله تعالى، واستمداد الإعانة منه جل وعلا، والتسديد والتوفيق، إلى أقوم طريق.
وترجح تقديم فصل مشتمل على المقصد الأعلى، والمطلب الأسنى، مما يلزم الطالب للحق عرفانه، ويتوجه على مبتغي النجاة تحقيقه وإتقانه؛ حتى يكون على بصيرة من ذلك في الدين، غير مرتبك في حبائل المقلدين، ولا مرتطم في ضلال المضلين، من الجاهلين والمعاندين؛ وستطلع ـ إن شاء الله ـ على بيانه، وتكرع ـ بفضل الله تعالى ـ من معين برهانه، وتعرف الحق بالدليل، وتقتفي ـ بتوفيق الله تعالى ـ أوضح سبيل، إن لم تكن ـ والعياذ بالله ـ ممن غطّى الرين على قلبه، وغشي الزيغ أنوار بصره ولبّه، وأخذ دينه عن أفواه الرجال، وقلدهم فمالوا به من يمين إلى شمال، فكان من دين الله على أعظم زوال، كما ورد به الخبر، عن سيد البشر، صلى الله عليه وعلى آله خير آل؛ وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون؛ ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون.
وما أوجب التقديم لذلك، والاهتمام بما هنالك، إلا أنها كثرت في هذه الأعصار الضلالات، وانتشرت كل الانتشار الجهالات، وصار يدعي اتِّباع الحق والدليل، ويموه على الرعاع من الأتباع بالوقوف على منهاج السنة ورفض التقليد ليصدهم عن السبيل ـ من ليس من ذلك القبيل؛ بل هو رافض للحجج المنيرة، مفرق لعمى بصره بين ما جمع الله تعالى على لسان رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - في الآيات المتكاثرة، والأخبار المتواترة، من الكتاب والسنة والعترة المطهرة، واقف في حومة الدعوى، داع إلى تقليد أرباب الزيغ بمجرد الأهواء؛ ومن الناس من يجادل في الله بغير علمٍ ولاهدى ولاكتاب منير، ثاني /18
عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق.
ووقعت شبههم هذه الباطلة، وتأثرت محالاتهم المضمحلة الماحلة، في قلوب كثير ممن لاثبوت لأفهامهم في مجال العلوم، ولارسوخ لأقدامهم في مقام المنطوق والمفهوم، ولا اطلاع لهم على الحقائق، ولاتمييز بالنظر الصحيح بين مخالف وموافق.
ومَنْ لا يتق الضحضاح زلّت .... به قدماه في البحر العميقِ
وصار الحال كما قال:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى .... فصادف قلباًفارغاً فتمكنا
وأكد هذا أن مؤلفات المخالفين منشورة، قد امتلأت بها جوانب المعمورة، وأسفار الهداة، من سفن النجاة، عن الانتشار محصورة ومهجورة؛ حتى صار الذين لا هوى لهم في مجانبة الحق، يطلعون على نقولات الباطل المختلق، ولايهتدون إلى أقوال أئمتهم، وردود أعلام ملّتهم، ويرون الروايات عن الرواة، فلا يفرقون بين معدّل ومجروح، ومقبول ومطروح، ولا يعرفون من هو في حزب المضلين الغواة، ومن هو في حزب المهتدين الهداة، مع سفن النجاة.
[تشنيع المؤلف على من شنَّع على العترة ونسب إليهم ترك الإسناد]
وإن من العجائب ـ وما عشتَ أراك الدهر عجباً ـ أن أناساً من رؤساء هؤلاء الفريق، صاروا يموهون على الأغمار، بأن العترة الأطهار (ع)، وأتباعهم الأبرار ـ رضي الله عنهم ـ، ينهون عن اتباع الدليل، ويأمرون بالتقليد، ويَسِمون من خالف آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ ورفض الأدلة المعلومة من الكتاب والسنة، بالاجتهاد المطلق، والاتباع للحق.
ويا سبحان الله! ومن الذي دعا الخلق إلى الحق، واتباع الكتاب والسنة، وهدى العباد، وسن لهم الجهاد والاجتهاد، والأخذ ببرهان الأدلة، غير أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، قرناء التنزيل، وأمناء التأويل، ـ صلوات الله وسلامه عليهم؟! /19
[سبب تقليد غير العترة وتنزيه الأئمة الأربعة عن مخالفتهم]
وقد علم كل ذي علم أنها ما تأسست التقليدات، التي لأجلها نُصبت المقامات، في الحرم الشريف للمذاهب الأربعة، إلا بعناية الدول المضلة؛ لصد الناس، عن العترة المطهرة عن الأرجاس، المنزهة عن الأدناس؛ وهي من البدع المحدثة في الأديان، التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وقد علم أولوا العلم أن هؤلاء الأئمة، الذين أضافوا إليهم المقامات، وأمروا الناس بتقليدهم، كانوا من أنصار أئمة العترة، القائمين بما أمرهم الله تعالى لهم من المودة والنصرة، وأقوالهم وأفعالهم معلومة؛ وحاشاهم عن رفض التمسك بالثقلين، وتنكّب سفينة النجاة، وترك المودة لمن أمرهم الله تعالى بمودته، وألزمهم بموالاته وطاعته، من أعلام أهل بيت نبيهم الهداة.
قال المحدث الكبير، يحيى بن أبي بكر العامري، في الرياض المستطابة: وقد ذكر ابن الجوزي وغيره أن الأئمة المتبوعين في المذاهب بايع كل واحد منهم لإمام من أئمة أهل البيت؛ بايع أبو حنيفة لإبراهيم بن عبدالله بن الحسن، وبايع مالك لأخيه محمد، وبايع الشافعي لأخيهما يحيى. انتهى المراد.
ومتابعة أبي حنيفة للإمام الأعظم زيد بن علي (ع) مشهورة.
قال السيوطي في تاريخ الخلفاء صفحة (242): وفي سنة (45) كان خروج محمد وإبراهيم ابني عبدالله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
إلى قوله: وآذى المنصورُ خلقاً من العلماء ممن خرج معهما، أو أمر بالخروج، قتلاً وضرباً وغير ذلك؛ منهم: أبو حنيفة، وعبد الحميد بن جعفر، وابن عجلان.
وممن أفتى بجواز الخروج مع محمد، على المنصور، مالكُ بن أنس ـ رحمه الله ـ وقيل له: إن في أعناقنا بيعة للمنصور، فقال: إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين.
وسيمر بك ـ إن شاء الله تعالى ـ في كتابنا هذا عند عروضه في محله ما تطلع عليه /20
[قصيدة ابن الوزير في المقامات]
ولله السيد الإمام، جمال الدين، الهادي بن إبراهيم الوزير ـ رضي الله عنهم ـ حيث يقول لما عاين المقامات:
خبرونا ما شأن هذي المقاما .... ت؟ وما جاءكم بها من شريعهْ؟
ما دليل الكتاب فيها؟ وما جا .... ءَت به سنة النبي الرفيعهْ؟
أم أقام الاجماع فيها دليلاً؟ .... فأرونا هذا وهذا جميعَهْ
قد صبرنا لكم على الجبر والأقـ .... ـوال تلك الملفقات الشنيعهْ
وعلمنا أن الدلائل منكم .... في أصول الهدى سراب بقيعهْ
غير أن الذي عجبنا له منـ .... ـكم وخالفتموا علوم الشريعهْ
هذه البدعة التي في المقاما .... ت وتضييقها الطريق الوسيعه
قلتمُ: لامقام فيها لزيد .... ولأتباعه هداة وشيعه
ما دليل اختصاصكم بالمقاما .... ت وإيذائكم لنا بالوقيعه؟
خبّرونا دليلكم أيها القو .... م فأذن الإنصات منا سميعهْ
كيف كانت صلاة أصحاب بدر .... قبل ما تعمرون للزيغ ريعهْ
وما أرادوا إلا سلب الأمر عن أولي الأمر، وطمس الذكر لأولي الذكر، فخاب ما راموا وظهر أمر الله وهم كارهون؛ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
هذا، فكيف ينسب المبتدعون ذلك إلى ورثة الكتاب والسنة، وكلُّ إمام منهم(ع)، يدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، كلَّ من بلغته الدعوة، ومؤلفاتهم مشحونة بالأدلة، على وجوب اتباع الأدلة؟! ولكن لابد لكل مبتدع من دعوى (كلمة حق يراد بها باطل) أو تلفيق شبهة زيغ يُستَهوى بها الجاهل الغافل، وهذا هو لبس الحق بالباطل، الذي /21
ينهى عنه الملك العادل، بأمثال قوله عز وجل: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)} [البقرة].
ولهذا تعين البيان، بحسب الإمكان؛ لما أخذ الله تعالى من الميثاق في منزل الفرقان، وسنة سيد ولد عدنان؛ ولسنا ـ والحمد لله ـ نستنكر من غلبة الباطل وكثرة أهله، ولانستوحش لانقباض الحق وقلة حزبه، فإن سنة الله ـ عز وجل ـ في عباده، وعادته المستمرة في بلاده، التخليةُ بين خلقه في هذه الدار؛ ليتمكن الجميع من الاختيار، وقد أخّر الجزاء لدر القرار.
[إشارة إلى انزواء الدنيا عن الخلاصة المصطفاة]
واقتضت حكمته الربانية قبض الدنيا عن خاصة أوليائه، وانزواءها عن خلاصة أصفيائه؛ ليكون الاتباع لخالص الدين، والطاعة لمحض اليقين.
وعلى كل حال فحزبه المنصورون وإن قُهروا، وجنده الغالبون وإن غلبوا، كما قصه ـ عز وجل ـ في الكتاب المبين: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)} [الأعراف].
وقد قال عمار، الذي يدور مع الحق حيثما دار ـ رضوان الله عليه ـ لما أُخّر عن المقام الذي اختاره الله تعالى له ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إمامُه وإمام الأبرار:
يا ناعي الإسلام قُمْ فانعه .... قد مات عرفٌ وبدا منكر
ما لقريش لا علا كعبها .... من قدّموا اليوم ومن أخروا
وذلك في صدر الإسلام، فكيف بمثل هذه الأيام، التي هي من أعلام النبوة، بتصديق مواعيد الله على لسان رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، من اغتراب الإسلام، وتغيير الأعلام، واقتراب ظهور دينه الحنيف، وتجديد شرعه الشريف، بقيام خاتم الأئمة، ومقيم الحجة من أهل بيت نبيه، مهدي هذه الأمة، كاشف الظلمة، ومفرج الغمة؛ فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر /22