وهشام بن عبد الله الدستوائي، المتوفى سنة ثلاث وخمسين ومائة؛ خرج له أئمتنا الخمسة (ع)، والجماعة.
عدّ هشاماً، ومباركاً، من رجال العدلية الإمامُ الحجة المنصور بالله عبد الله بن حمزة(ع).
وروى عن وكيع: محمدُ بن إسماعي ل بن سمرة الأحمسي: أبو جعفر، المتوفى عام ستين ومائتين، الذي أكثر الرواية عنه شيخ الشيعة محمد بن منصور -رضي الله عنه- وبعض العامة.
وفي هذا كفاية بما يليق بالمقام، والله المسؤول لحسن الختام.
[السند الخاص بشرح التجريد]
وهذا سند خاص لشرح التجريد، قد كنتُ رسمته في ديباجة النسخة التي يسر اللَّه تعالى نسخها على يدي، وقد سألني ذلك بعض طلبة العلم الكرام ـ كثر اللَّه تعالى فوائدهم، ويسر صلاتهم وعوائدهم ـ حال حضورهم لسماعه؛ فترجح تحرير ذلك مع زيادة ما يختار.
فأقول والله ولي التسديد:
أروي شرح التجريد للإمام المؤيد بالله (ع) بالسند الجامع المتقدم آنفاً في مؤلفاتهم، وبالطرق المذكورة في الإسناد الجملي، وفي إسناد مجموع الإمام الأعظم، الولي زيد بن علي بن الحسين بن علي (ع)، إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، ثم بالسند الآتي إلى المؤلف.
والموعود به، هو ما نصه:
الحمد لله حق حمده، وصلواته وسلامه على سيد رسله وعبده، وعلى آله الهداة، سفن النجاة، من بعده؛ وبعد:
فيقول المفتقر إلى اللَّه تعالى مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ ولطف بهما، وبالمؤمنين في الدارين: أروي كتاب شرح التجريد للإمام الأعظم، والبحر الخضم، نجم الأئمة الهداة، أمير المؤمنين، المؤيد بالله أبي الحسين، أحمد بن الحسين (ع) بطرق ـ بحمد الله ـ كثيرة، وأسانيد متسعة غزيرة، أرفعها، وأجمعها، عن والدي العلامة الولي، عالم آل محمد، وعابدهم، محمد /375
بن منصور المؤيدي ـ قدس الله روحهما في عليين ـ سماعاً فيما أسمعت عليه في هذا الكتاب، وغيره، وإجازة عامة في جميع ما صح له من العلوم.
وهو يرويه، وغيره بطرق، أرفعها عن شيخه أمير المؤمنين المهدي لدين الله رب العالمين، محمد بن القاسم الحسيني الحوثي، سماعاً فيما أسمع، وإجازة عامة.
وهو يرويه سماعاً فيما أسمع فيه، وفي غيره، وإجازة عامة عن شيخه العلامة سيد بني الحسن محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي، وهو يرويه وغيره، عن شيخه السيد الإمام محمد بن عبد الرب بن الإمام (ع).
(ح)، ويرويه الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم أيضاً، عن شيخه الإمام الشهير، محمد بن عبد الله الوزير، سماعاً، في هذا الكتاب بخصوصه، وغيره، وإجازة عامة، وهو يرويه، وغيره عن شيخه، حافظ اليمن أحمد بن زيد الكبسي، عن السيد الإمام محمد بن عبدالرب بن الإمام.
وهو يرويه وغيره، عن عمه العلامة إسماعيل بن محمد، عن أبيه العلامة محمد بن زيد، عن أبيه العلامة زيد بن الإمام، عن أبيه الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم، عن أبيه الإمام المجدد للدين أمير المؤمنين القاسم بن محمد (ع).
(ح)، وأرويه أيضاً بجميع طرقي المحررة في الأسانيد، إلى والدنا الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم، عن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله، عن السادة الأعلام، حفاظ شريعة جدهم سيد الأنام: أحمد بن زيد الكبسي، وأحمد بن يوسف زبارة، ويحيى بن عبدالله الوزير، ثلاثتهم، عن السيد الإمام الحافظ الحسين بن يوسف، عن أبيه العلامة يوسف بن الحسين، عن أبيه حافظ العلوم الحسين بن أحمد زبارة، عن السيد العلامة عامر بن عبدالله بن عامر الشهيد، عن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، عن السادة الأعلام أمير الدين بن عبدالله الحوثي، وإبراهيم بن المهدي القاسمي، وصلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير /376
، عن السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير، عن الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن الإمام المنصور بالله محمد بن علي السراجي، عن الإمام المؤتمن الهادي إلى الحق أبي الحسن، عز الدين بن الحسن، عن الإمام المتوكل على الرحمن، المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي، عن الإمام المجتبى، المهدي لدين الله، أحمد بن يحيى بن المرتضى، عن أخيه السيد الإمام الهادي بن يحيى (ع)، عن القاسم بن أحمد بن حميد، عن أبيه، عن جده العالم الشهيد، حميد بن أحمد المحلي ـ رضوان الله عليهم ـ، عن الإمام المجدد للدين، أمير المؤمنين، المنصور بالله رب العالمين، أبي محمد عبدالله بن حمزة، عن الشيخ العالم الفاضل، محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي ـ رضي الله عنه ـ، عن شيخي آل رسول الله يحيى، ومحمد، ابني أحمد بن يحيى بن يحيى، وعن القاضي شمس الدين، جمال المسلمين، جعفر بن أحمد ـ رضي الله عنهم ـ ثلاثتهم يروون عن الإمام المتوكل على الرحمن، أمير المؤمنين أحمد بن سليمان (ع)، عن القاضي العباس بن علي.
قلت: قال الإمام المتوكل على الله (ع): سألني القاضي الأجل شمس الدين جمال الإسلام والمسلمين، جعفر بن أحمد بن أبي يحيى أدام الله عزه.
إلى قوله (ع): أن أصحح لهم نقل الأخبار، التي جمعتها في كتاب أصول الأحكام.
ثم ساق طرقه إلى الأحكام، والمنتخب.
إلى قوله: وأخذتُ الشرحين، شرح التجريد، وشرح القاضي زيد، من طريق الشريف الفاضل الإمام أبي محمد الحسن بن محمد، من ولد المرتضى (ع)، وكتبه، وخطه بيده، ومن طريق القاضي العباس بن علي بن محمد بن العباس، قال: حدثه والده علي بن محمد، قال: حدثه به عبدالله بن علي العنسي؛ ولقيت عبدالله بن علي فسألته عن ذلك فقال: سمعه علي بن محمد، وأجاز لي أيضاً إجازة من غير سماع ولا مناولة، لكن إجازة، وكان أوصل كتب الشروح من الديلم، وذكر أنها له سماع ممن يثق به. انتهى.
ولم يترجم في الطبقات للعباس، ولا /377
في مطلع البدور، لكن قد ذكره، وصحح الرواية عنه خليفة الرحمن، المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع) في النقل الصحيح، كما سبق.
وترجم في الطبقات لوالده فقال: علي بن محمد بن العباس يروي الشرحين شرح التعليق، وتعليق القاضي زيد، عن عبدالله بن علي العنسي؛ قال: حدثه به، قال الإمام أحمد بن سليمان: فسألت عبدالله بن علي عن ذلك فقال: نعم سمعه علي بن محمد.
وفي مسند الغزال: علي بن محمد الأحلف يروي شرح التجريد، عن الاستاذ علي بن العباس الهوسمي، عن القاضي زيد بن محمد، عن القاضي يوسف، عن المؤيد بالله، وروى عنه ولده العباس بن علي، ومحمد بن أسعد بن علي. انتهى؛ هذا كلامه كله في ترجمته.
(رجع) عن أبيه علي بن محمد عن القاضي عبدالله بن علي العنسي.
قال السيد الإمام في الطبقات: عبدالله بن علي المسلم القحطاني أبو الغمر اليماني العنسي، قال ما لفظه: قرأت كتاب شرح التجريد على الفقيه العلامة أبي الحسين زيد بن علي بن أبي القاسم الهوسمي الزيدي، في داره المعروفة في مدينة اللاهجان، في ناحية جيلان، في شهر ربيع الأول، سنة خمسمائة من الهجرة؛ ثم قال زيد بن علي: أجزتُ للشيخ الفاضل الصابر أبي الغمر عبدالله بن علي أن يروي عني هذا الكتاب، روايتي عن القاضي أبي يوسف القزويني ـ أعني شرح التجريد ـ، عن المؤيد بالله ـ قدس الله روحه ـ، وأن يروي عني شرح التحرير؛ وكان القاضي أبو جعفر محمد بن علي الجيلي روى لنا شرح التجريد، عن المؤيد بالله أحمد بن الحسين، وشرح التحرير عن أخيه الإمام أبي طالب.
ثم ساق طرقه، إلى قول السيد الإمام (ع): هذا نقل صحيح نقلناه من مواضع الصحة.
ثم قال: توفي ـ أي القاضي عبدالله ـ لستين وخمسمائة.
(رجع) إلى سياق الإسناد السابق قال ـ أي القاضي عبدالله بن علي ـ: قرأت شرح التجريد على شيخ الشيعة، حسام الشريعة، زيد بن علي بن أبي /378
القاسم الهوسمي بداره المعروفة بمدينة اللاهجان، في ناحية جيلان، سنة خمسمائة.
قال في الطبقات: زيد بن علي بن أبي القاسم الهوسمي الزيدي، أبو الحسين، العالم، قال ما لفظه: قرأت شرح التجريد على القاضي أبي يوسف القزويني ورويته عنه رواية له عن المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، وقرأت كتاب الأحكام وسمعته من القاضي جعفر بن محمد الجيلاني ـ رضي الله عنه ـ بقراءة الفقيه العالم سليمان بن عيسى، بهوسم، في شهر صفر، سنة خمس وخمسين وأربعمائة؛ وكان القاضي ـ رحمه الله ـ رواه لنا عن الإمام أبي طالب، يحيى بن الحسين بن هارون، وعن السيد أبي الحسين علي بن محمد بن سليمان بن القاسم بن إبراهيم الرسي، بقراءته عليهما قال: أخبرنا أبو الحسين يحيى بن المرتضى محمد بن الهادي، عن عمه الناصر أحمد بن الهادي، عن أبيه الهادي للحق يحيى بن الحسين؛ وكان أيضاً يرويه عن الشريف أبي الحسين زيد بن إسماعيل الحسني، بقراءته عليه الكتاب كله، عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، عن يحيى بن المرتضى، عن عمه، عن أبيه الهادي للحق.
ثم قال زيد بن علي: وكان سماعنا هذا الكتاب على القاضي رحمه الله، بقراءته على الفقيه الأجل سليمان، من الأصل الصحيح، وكان عليه سماع السادة كلهم، وهم المؤيد بالله، وأخوه أبو طالب، والسيد أبو الحسين علي بن محمد الرسي، وأبوعبدالله بن عبدالله بن سلام، وأبو الحسن علي بن بلال، وأبو علي البصري، وأبو جعفر السالسوسي، عن السيد الهادي يحيى بن المرتضى، عن عمه أحمد، عن أبيه الهادي.
وكان ذلك لعله في شهر شعبان سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وكان ذلك الأصل قد كُتِبَ في أيام الهادي في سنة ثلاث وتسعين ومائتين. انتهى المراد.
وإنما استوفيت الكلام لما تضمن من غرر الفوائد النفائس العظام، ولتعلق المقام، بكتاب الجامع الأحكام، إذْ هو شرح له.
(رجع) قال: قرأت هذا الكتاب، ورويته، كما قرأته على القاضي أبي /379
يوسف القزويني، عن المؤيد بالله (ع).
قلت: ووقع البحث البليغ عن اسم القزويني هذا، وأحواله، فلم يتضح إلا ما قال السيد الإمام (ع) في الطبقات: حيث قال: والأظهر أنه القاضي يوسف بن الحسن.انتهى.
وهو الخطيب المتقدم في السند الجامع، فتكون هذه طريقاً أخرى إليه.
فأروي بهذا السند الصحيح، وبالأسانيد الصحيحة السابقة، جميع كتاب التجريد؛ والله ولي التوفيق والتسديد.
[جمل من خطبة شرح التجريد، وسبب نقل الإمام المؤيد بالله عن المخالفين]
قال الإمام الأواه، نجم الأئمة الهداة، أمير المؤمنين، أبو الحسين، المؤيد بالله (ع) في خطبة شرح التجريد: سألني بعض من وجب علي حقه، عند فراغي من كتابي المسمى بالتجريد، أن أورد فيه من الأخبار الصحيح عندي سندها، بأسماء الرواة المجمع على عدالتهم، عند الفريقين، من أصحاب الحديث، وغيرهم.
قلت: المراد أن من يسند عنه من آل محمد - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وأوليائهم فهو عدلٌ عندهم، ومن يسند عنه من غيرهم فهو عدل عند فريقه؛ ليستقيم الاحتجاج على المخالفين بما يلتزمونه؛ وليس مراده أن كل من روى عنه فيه، فهو عدل عند الجميع، فذلك خلاف المعلوم، فلا يحمل عليه مع إمكان سواه؛ ومثل هذه العبارة من إرادة التفصيل قوله ـ عز وجل ـ: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى } [البقرة:135]، أي قالت اليهود: كونوا هوداً، وقالت النصارى: كونوا نصارى؛ والمعنى واضح لمن تدبر.
قال (ع): وأسماء الرواة الذين يروون عن أمير المؤمنين (ع)، وعن الأئمة من ولده، بما لاينكره الجميع، ملخصاً.
قلت: وهذا يدلك على المقصود بالأسانيد، التي أنهاها إلى أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - فيما يأتي.
قال (ع): فأجبته إلى ذلك، مستعيناً بالله سبحانه، معتمداً عليه، لكيلا يقول من نظر في كتابنا هذا من مخالفينا: إن الخبر المروي عن رسول الله /380
ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لم يصل إلينا إلا من جهة سلفنا (ع) من طريق واحدة.
قلت: وهذا تصريح بالعذر الموجب للرواية عن المخالفين، وقد صرح بالاعتذار بذلك، وأنه للاحتجاج على المخالفين، إمامُ الأئمة الهادي إلى الحق في الأوقات من المنتخب، والإمام الناصر للحق في البساط، والإمام أبو طالب في شرح البالغ المدرك، وقد نقلتُ كلامه بلفظه، في التحف الفاطمية ؛ وهذا كلام المؤيد بالله (ع)؛ مع أن مذهبه في العدالة ألين من مذهب الأئمة المتقدمين (ع) فلا معنى لكلام بعض من لم يمارس علومهم، إلا مشارفةً: أن روايتهم عنهم لأجل القبول.
وقد غرّ بعضهم صنيع المتأخرين؛ فإنهم توسعوا في ذلك جداً، والمعتمد الدليل؛ والله الهادي إلى خير سبيل.
قال (ع): ولعل قائلاً من أصحابنا يقول: وما الغرض في نقل الأخبار عن المخالفين؟ ولو علم في ذلك ما علمناه، لسرّ في مجالس النظر بما حصلناه ونقلناه.
قلت: والذي يشير إليه (ع) هو ما سبق من قطع العذر على المخالف، حتى لا يبقى له مجال، إلى الجدال والإنكار؛ ولقد جهل كثير من الأتباع الفائدة في ذلك، فاستنكر الرواية عن المخالفين غاية الاستنكار.
قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: المرء عدوّ ما جهله.
وما أحسن قوله:
أتاني أن سهلاً ذمّ جهلاً .... علوماً ليس يدريهنّ سهلُ
علوماً لو دراها ماقلاها .... ولكن الرضى بالجهل سهلُ
/381
قال (ع): ولكنه رضي لنفسه بالجهل، فعدل عن سبيل أهل الفضل؛ فاقتصر على طرف من الفقه، أخذه عن مثله، وظن أنه على شيء من جهله، يخطّئ مخالفيه، ويصوّب موالفيه، ولايدري أخطاؤهم في أصل أو فرع؟ أو فيما يوجب التكفير، والقدح، والخروج عن الملة، والشذوذ عن الجملة؟.
قلت: وموضع التقريع منه (ع) لمن هو كذلك لخوضه فيما لايعلم، لا لأصل التخطئة والتصويب؛ ألا ترى كيف وصفه بكونه لا يعلم ما خطؤهم فيه، وما يوجب ذلك الخطأ؟ فهو محطّ التوبيخ؛ وهذا واضح لمن أبصر.
قال (ع): وسنفرد لها ـ يعني الأخبار التي من طرق آل محمد صلوات الله عليه وآله، دلّ عليه كلامه السابق ـ، كتاباً يرجع في معرفتها إليه، ويعتمد في صحتها عليه، ينتفع به الناظر، ويرتفع به بين الملأ المناظر.
قلت: وهذا مما يبين أنه قصد بما أورده من طرق المخالفين تأكيد الحجة عليهم لا التصحيح لها، والاعتماد عليها، وأن المراد بالإجماع على عدالة الرواة عند الفريقين على سبيل التوزيع، كل فريق عند فريقه، كما تقدم.
[شرط المؤيد بالله في الرواية]
قال (ع): وشرطنا فيه السماع، والعدالة.
قلت: وإلى هذا أشار الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين (ع) بقوله: ولنا من طرق أهل الحديث، الأحاديث الصحاح في شرح التجريد للمؤيد بالله (ع) بالسند المتقدم إليه، شرط فيه (ع) أشد مما شرط البخاري، ومسلم، في ديباجة شرح التجريد المذكورة.. إلخ.
قلت: وكلامه (ع) مجاراة للخصوم بإظهار النصفة، وإرخاء العنان، وإلا فلم يوقف على شرط للبخاري ومسلم على التحقيق، وقد صرّح بعض حفاظهم أن ليس لهما شرط إلا كونه في كتابيهما كما لايخفى على ذوي الانتقاد، /382
فأما أولوا التقليد والعناد، فهم متهالكون لايرعوون لحجة، ولايهتدون إلى محجّة.
ومن البلية عذل من لايرعوي .... عن غيّه وخطاب مَنْ لايفهم
نعم، وفي كلام الإمام المتوكل على الله هذا وكلام غيره من الأعلام ما يدفع التشكيك في صحة الخطبة الواقع من بعض المعرضين عن علوم آل محمد ـ صلوات الله عليه وآله ـ لما لم يتدبروا معنى بعض كلام الإمام (ع) فيها.
وكم من عائب قولاً صحيحاً .... وآفتُه من الفهمِ السقيمِ
وقد أشرت إلى بعض ذلك، ونتم الكلام بإعانة اللَّه تعالى.
قال (ع): وعندنا لايحل لأحد، أن يروي الحديث عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلا إذا سمعه من فم المحدث العدل، فحفظه؛ ثم يحدث به كما سمعه.
قلت: وليس معنى كلامه (ع) إلا ثبوته عن العدل بطريق الصحة، لاقصر الرواية على السماع، ولكن المراد طريق الصحة من السماع، أو ما شاركها في ذلك، لكنه اقتصر على ذكر أعلاها.
ألا ترى أنها تحل الرواية عند الإمام، وغيره قطعاً، للمتواتر، وإن لم يتحقق سماعه، من شخص معين، وهو يجب العدول عن الظاهر، إذا قام على خلافه الدليل المعلوم، ثم ليس فيه ما يوجب بطلان الخطبة الثابتة بطرق الصحة؛ غايته أن هذا مذهب الإمام(ع)، لكنه ليس بمراد، وإنما هو مبالغة في الاحتياط في الرواية عند ذوي العرفان بمخارج الكلام.
قال (ع): فإن كان إماماً تلقاه بالقبول،.
قلت: يعني (ع) أنه إن كان المسموع عنه إماماً تلقاه السامع بالقبول، من دون بحث، ولا مطالبة له بالسند؛ إذ العهدة عليه مع إرساله، وهو بالمحل الرفيع لإمامته من الانتقاد، والتحري.
وهذا يفيد أن الإمام (ع) يجيز قبول /383
المراسيل، لكن من الأئمة الموثوق عليهم في التصحيح.
قال (ع): وإن كان غير إمام فكذلك.
قلت: (أي) سمعه من فم المحدث العدل، فحفظه.
قال (ع): ثم رواه غير مرسل، فإن المراسيل عندنا، وعند عامة الفقهاء، لا تُقْبل.
قلت: أراد (ع) مراسيل غير الأئمة، بدليل ما تقدم له من التصريح، بقوله: تلقاه بالقبول، وبدليل أنه (ع) كثيراً ما يرسل في شرحه هذا، وأيضاً سيأتي التصريح له (ع) قريباً بقبول المراسيل، فوجه الجمع ماذكرناه، وهو واضح لا غبار عليه، لمن لم يعم التعصب قلبه.
قال (ع): والحجة على السماع قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ } [التوبة:122].
[تراجم لأبي الحسين الأدَمِي، والعباس الدوري، وأبي ليلى، وولده، وحفيده، وثابت بن قيس بن شماس]
إلى قوله (ع): حدثنا أبو الحسين، أحمد بن عثمان الأَدَمِي ببغداد.
قلت: ترجم له في الطبقات، وساق خبر السماع هذا، وقال: أخرجه المؤيد بالله، وأخرجه الحاكم في أنواع العلوم، في النوع التاسع عشر في معرفة الصحيح والسقيم، واتفق عليه هو، والمؤيد بالله سنداً، ومتناً، وشيخاً، وهو أحمد بن عثمان الأدمي، ثم قال: قد وصف رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في هذا الحديث أربع طبقات؛ إلى قوله: ولاشيء للأدمي في الستة، وذكره الحاكم أبو عبدالله، توفي سنة [349هـ] تسع وأربعين وثلاثمائة، وكذا في التذكرة، قال: عن أربع وتسعين سنة. انتهى.
قال الإمام (ع): قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري.
قلت: قال السيد الإمام: العباس بن محمد بن حاتم بن واقد أبو الفضل الدوري، البغدادي الهاشمي، مولاهم، وعدد مشايخه، فذكر منهم /384