الغرض، حيث يقول:
(وإني أوصي، وآخذ على كل من نقل كتاب التحف، وهذا المؤلَّف ـ إن شاء الله ـ أن يتحرى في التصحيح والمقابلة، فقد أبلغت الوسع في طلب الصحة، ولم أرسم شيئاً ـ بحمد الله ـ إلا على دقة وتحقيق ووقوف على الأصول المأمونة المصونة....).
إن هذه الوصية ـ بحد ذاتها ـ تفند مزاعم أولئك الأقزام المشككين في التراث الإسلامي، ومصادر المعرفة على أساس من الإشكالات المزعومة في العربية من حيث اللغة، أو الخط، أو الضبط، التي قد تمنى بها هذه اللغة.
فإنما ينفذ مثل ذلك في سوق الجهلة البعداء عن هذه اللغة، وعن دينها، وعن تراثها، وعن مجالس العلم، ومصاحبة العلماء المحققين، أما العاملون بمثل هذه الوصية فهم في مأمن من كل ذلك.
محتوى الكتاب:
إن السيد المؤلف ـ دام مجده ـ لكونه من كبار العلماء وأعيانهم، وممن تربى في حجور العلم، وأحضان المعرفة، ولأنه من السادة الأشراف من العترة النبوية الطاهرة، قد يسر الله له الارتباط الوثيق بمصادر المعرفة الإسلامية، بطريق أعلام الفكر من آبائه الكرام، وغيرهم من العلماء العظام، وبما مد الله له من العمر الطاهر في العقود التسعة الماضية، فهو أوثق عروة تربط عصرنا بأوائل القرن السابق، وإلى أعلى قمم المراتب الشامخة التي تصبو إليها نفوس /7

الطلاب للعلم.
هذا، مع ما يملكه من ملكات قدسية، في الإيمان والعمل، وفي مختلف أفنان العلم، وفي مكارم الخلق العظيم من الهمة والمجد والإخلاص والدقة.
فقد تميز بما لم يجتمع إلا للأفذاذ من الرجال، فتمكن لذلك من الإحاطة بأكثر المصادر الأساسية المتداولة في المجتمع العلمي الزيدي، والمعتمدة في تلك الحواضر المجيدة والبلاد السعيدة، وقد عكس صورة من ذلك في هذا الكتاب العظيم، فحق له أن يقول في مقدمته:
(فهذا المجموع المبارك خلاصة ما ينيف على عشرين مجلداً في هذا الباب وغيره، سوى ما من الله تعالى بجمعه وتحصيل نفعه مما لم يكن مزبوراً في كتاب، وليس مختصاً بجمع الأسانيد، وإنما هو مقصد من المقاصد، وفائدة من الفوائد...).
وقد احتوى الكتاب على كل ذلك ضمن فصول عشرة بالترتيب التالي:
الفصل الأول:
في المطلب الأهم، وهو إثبات حق أهل البيت عليهم السلام في الخلافة عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، والمرجعية الدينية بعده؛ لأنهم قرناء القرآن في المصدرية للمعرفة الإسلامية حسب النصوص الكثيرة، فشرح السيد في هذا الفصل أبعاد ذلك الحق، وفصل الاستدلال عليه بإيراد النصوص وتأكيدها سنداً، وبيانها دلالة. /8

الفصل الثاني:
في مواقف المعارضين لهذا الحق، وتفنيد مزاعمهم، وذكر ما جنوه على الإسلام والمسلمين جراء ذلك، وهذا التجاسر على مصادر المعرفة واحد من ذلك.
الفصل الثالث:
في بيان أساليب العلماء وجهودهم في توصيل حلقات التحصيل، وذكر آرائهم في هذا المجال.
الفصل الرابع:
في مجمل طرق المؤلف إلى مذاهب أهل البيت عليهم السلام.
الفصل الخامس:
في تفصيل تلك الطرق، وذكر مؤلفي الكتب والمصادر، وخاصة الأئمة من العترة.
الفصل السادس:
في أسانيد بقية الكتب، وذكر مؤلفيها.
الفصل السابع:
في طرق السيد صارم الدين من أوسع المؤلفين عن أصحاب التراجم، وفي هذا الفصل بحث واسع عن أقسام الحديث الشريف وأنواعه، وهو بحث توثيقي قيم.
الفصل الثامن:
في تحقيق معنى السنة والبدعة.
الفصل التاسع:
في جوامع مما ورد في علي وذريته أصحاب الحق المهدور. /9

الفصل العاشر:
مميزات الكتاب:
ويمتاز هذا الكتاب بأمور:
1ـ اشتماله على فوائد مهمة، ومطالب نافعة، حول مختلف المواضيع التي تذكر في الأثناء.
2ـ اشتماله على تراجم كثير من الأعلام وذكر مواقفهم المجيدة للدفاع عن الحق.
3ـ تميزه باللغة الواضحة، والفصاحة والبلاغة، والبيان والبديع، مما يشد القارئ، ويجعله أكثر تفاعلاً واندفاعاً إلى متابعته، والاستفادة منه.
4ـ اعتماده على الإنصاف، والجدال بالحسنى، واعتماد البرهان والمنطق في استدلالاته.
هذا مضافاً إلى كونه من أجمع الكتب في مجال توثيق المصادر، وأوسعها في تعداد المؤلفات التراثية كما أشرنا إليه من قبل، وكل ذلك يدل وبوضوح على قدرة المؤلف الكبيرة على ما تصدى لتأليفه وتصنيفه، وتمكنه من علمه، ووثوقه بعمله، مما يرفع من قيمة الكتاب.
أما المؤلف:
فأظن أن من المستدرك التصدي للتعريف به، بعد ما ذكرناه، وبعد وجود هذا الكتاب أمام القارئ، وهو سيقف من خلاله على عملاق من عمالقة الفكر الإنساني، وبطل من أبطال المعرفة الإسلامية، وإمام في التحقيق، وجامع للمنقول، ومتضلع في المعقول، وحافظ لآيات القرآن وتفسيره، وحاكم في السنة الشريفة سنداً ومتناً، ومتبلغ واسع /10

الأطراف، ذو باع طويل في الفقه، ومجتهد ضليع في الأحكام، ومالك لأزمة اللغة وتصريف الكلام، وأديب ماهر في البلاغة والفصاحة، تنساق المعاني طوعاً لبيانه، فيصوغها في بديع ألفاظه وكلماته.
إلى جانب تواضع فذ، ووعظ نافذ، وتحرق على الحق وأهله، ومما يجد من التحريف عند المعاندين، والانحراف عن سنن الدين وإلى هدف الإصلاح الذي يتابع به خطواته وحركاته عندما يحاور المخالفين، ويحاول إرشاد قارئيه.
فهو بكل ذلك يمثل بحق (الأئمة الهداة من أهل البيت) الذين أمر الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالتمسك بهم، وجعل الهداية عندهم، والضلالة في مخالفتهم ومفارقتهم، والتخلف عنهم، ومن أراد التوسع في معرفة ترجمته، فعليه بما كتبه تلميذه الوفي الأديب العلامة حسن بن محمد الفيشي حفظه الله، فإنه استوفى ذلك بشكل كامل، وهي مطبوعة في نهاية (التحف شرح الزلف).
صلتي بالمؤلف والكتاب:
لقد تعرفت على شخصية السيد المؤلف ـ دام مجده ـ سنة (1394هـ) من خلال معرفتي بأحد تلامذته الكرام ممن زار النجف الأشرف، حيث كنت ساكناً للتحصيل العلمي، فطلبت منه أن يوصل رسالة مني إلى سماحة السيد، وقد استجزته فيها، فأجازني بالجامعة المهمة لأسانيد الأئمة، التي هي مختصر من الفصل الخامس من هذا الكتاب (لوامع الأنوار).
وبعد سفري إلى قم واتخاذها دار هجرة لي انقطعت صلاتنا إلى أن اتصل بي أحد الطلبة اليمانيين المهاجرين إلى قم للدراسة، فوقفت /11

على أحوال السيد ومؤلّفاته، وفي هذه الأيام زارني بعض السادة من أحبة السيد، فأطلعني على هذا الكتاب القيّم، وطلب مني أن أقدم له، وأعرّف بموضوعه، وبمكانته التراثية والعلمية، وبموقعه في المكتبة الإسلامية.
فوفقني الله لمطالعة الكتاب، والاستزاده من علمه الزاخر، وقد استندتُ إلى مخطوطته في تأليفي كتاب (جهاد الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام).
ولا بد لي أن أقدّم جزيل الشكر إلى فضيلة العلامة السيد محمد قاسم الهاشمي الذي هيأ لي هذه الفرصة.
والحمد لله كثيراً على توفيقه لي لهذا العمل، وأسأله المزيد من فضله إنه ذو الجلال والإكرام، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار، وصحبه الأخيار، والشيعة الأبرار، وسلم تسليماً.
حرر في الثامن والعشرين من شهر محرم الحرام سنة ألف وأربعمائة وأربع عشر للهجرة.
وكتب السيد: محمد رضا الحسيني الجلالي. /12

التقريض
[من تقريض كتاب لوامع الأنوار للسيد العلامة/ أمير الدين بن الحسين بن محمد الحوثي]
بسم اللَّه الرحمن الرحيم، وصلى اللَّه وسلم على سيدنا محمد وآله.
مما قاله المولى العلامة الفهامة، نبراس المحققين، ورأس أهل التقوى واليقين، البقيّة من الآل، والعمدة من أهل الفضل والكمال، خيرة الخيرة، والطاهر السريرة، من نجوم العترة المنيرة: أمير الدين بن الحسين بن محمد الحوثي الحسني، حفظه اللَّه ورضي اللَّه تعالى عنهم، من التقريض للوامع الأنوار[مالفظه]:
الحمد لله المفيض نعمه، العدل في قسمه، المعزّ من يشاء، المختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
سيدي العلامة، بقيّة أهل الاستقامة، نقطة بيكار بني الحسن، وترجمان علوم الآل في الزمن، ذي المجد الأثيل، والشرف الأصيل، ذي الأنظار الثاقبة، والمعارف الصائبة، مطهّر علوم الآل، عن دنس أولي الغيّ والضلال.
الفاطمي العلوي الأحمدي .... مجد الهدى والدين نجل محمدِ
نهدي إليك تحيةً محفوفةً .... بالخير والبركات أزكى ما بُدِي
سلام اللَّه يغشاكم ورحمة اللَّه وبركاته.
صدورها عن أحوال ـ بحمد اللَّه ـ صالحة، ومنن جسيمة، ونعمة مستديمة، نرجوا اللَّه لكم ذلك، وفوق ما هنالك.
...إلى أن قال: وقد فعلتُ تقريظاً ـ بحسب ضعف القريحة ـ للّوامع، صدر أسفل هذا، أحبّ وضعه على نسختكم، وكان المقام خليقاً بالبسط والإعظام، ولكن برد الشتاء يطفيء نار الفطنة، والكِبَر أقحل ناعم القريحة، فاعذروا؛ ولا زلتم في حماية اللَّه ورعايته، وحفظه وكلايته، مؤيدين مخلدين.. إلخ /9

هذا الكتاب مسوَّد لمسوَّدِ .... ومُجددٌ في فنه لمجدِّدِ
هذا الكتاب لوامعٌ أنواره .... وضياؤه كالشمس للمسترشدِ
فيه أسانيد العلوم تصحّحت .... وفوائد غرّاءُ قصد المهتدي
كم حاز من نكتٍ جليل قدرها .... لمؤلّف شهمٍ كريم المحتدِ
في همة قعساء تعلو المنتهى .... شادَ العلوم علوم آل محمّدِ
ببلاغةٍ وبراعةٍ وفطانةٍ .... لم لا وذاك سراج عترة أحمدِ
حامي علوم الآل قامَ بنصرها .... فأماطَ عنها دسَّ غاوٍ معتدِ
وكذاك لاينفك نجم طالع .... منهم لدين اللَّه أي مشيّدِ
فحباك مجدَالدين ربُّك فضله .... فز بالسلامة والكرامة في غد
فلقد أفدت وقد أجدت بما حوى .... هذا من الدر النفيس وعسجدِ
قُوْلا لمن يبغي الهدى وسبيله .... فعليك بالأنوار فابحث ترشدِ
تجد السبيل موضحاً وملخصاً .... عن كل شائبة ورأي مفندِ
محض الطريق طريق آل محمد .... هذا المرام وبغية المسترشدِ
ما الحق إلا نهجهم وسبيلهم .... ومخالفوهم في الضلال الأبعدِ
هم باب حطّة والسبيل إلى النجا .... وهم الصراط المستقيم له اقصدِ
مَنْ مال عن منهاجهم فلقد هوى .... من رام غير هداهمُ لم يهتدِ
قد جاءَ في الأخبار قولٌ صادق .... عن جدهم فيهم بما يشفي الصدي
إن كنتَ لم تعلم بصحة قولنا .... فلتبحث الأنوار بحثَ المجتدي
ثمّ الصلاة على النبي وآله .... القائمين بنصر دين محمدِ
نصحوا لدين اللَّه أي نصيحةٍ .... بتصلبٍ وتصبرٍ وتجلّدِ
أقلامهم وسيوفهم ورماحهم .... منصوبة للكائدين بمرصدِ
يتهالكون لنصر دين أبيهمُ .... لا ينثنون عن الجهام الأسودِ
ما زال أوّلهم إماماً هادياً .... ما انفك آخرهم بذاكم يقتدي /10

[مقدمة المؤلف]
[الديباجة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
الحمد لله، الذي رفع درجات العلماء العاملين، وحفظ بهم نيرات حججه على العالمين، ووصلهم بمتواتر إفضاله، وغامر نواله، وأبلغهم من كرامته أعلا علّيين، وجعلهم لدينه أعلام الاقتداء، وأنوار الاهتداء، إلى يوم الدين.
والصلاة والسلام على نبيه الأكبر، ورسوله الأطهر، سيد البشر، الخاتم لما سبق من أنباء النبوة، والفاتح لما انغلق من أخبار الرسالة، المأخوذ ميثاقه على جميع الأمم؛ رحمته للعالمين، وحجته البالغة على الأولين والآخرين، ختام النبيين، وإمام المرسلين، أبي القاسم، محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم، وعلى أخيه ووصيه، وابن عمه ووليه ونجيه، وباب مدينة علمه، من يدور معه الحق والقرآن، المنزل منه تارة منزلة هارون من موسى (ع) وأخرى بمنزلة نفسه كما نطق به الفرقان، في آل عمران، ولي المؤمنين، بنص الكتاب المبين، ومولى المسلمين، بتبليغ خاتم المرسلين، من مهّد اللَّه بسيفه وعلمه قواعد الإسلام، وأورثه علم أنبيائه ورسله الكرام، أبي الأئمة الأطايب، والنجوم الثواقب، علي بن أبي طالب؛ وعلى آله عترته وورثته، خيرة اللَّه من ذؤابة إسماعيل، وحملة حجته من سلالة إبراهيم الخليل، قرناء الكتاب، وأمناء رب الأرباب، وأمان أهل الأرض من /11

العذاب، مصابيح الظُّلم، ومفاتيح البهم، وينابيع الحكم، المشهود بعصمة جماعتهم، وحجية إجماعهم، بآي التطهير والمودة، والأمر بالطاعة والشهادة، والاصطفاء والاعتصام، وأحاديث التمسك والسفينة والأمان، وأخبار الكساء، ومالا يحاط به كثرة، كتاباً وسنة، وما أصدق قول قائلهم:
ولهم فضائل لست أحصي عدها .... من رام عدّ الشهب لم تتعدد
والقوم والقرآن فاعرف قدرهم .... ثَقَلان للثَّقَلَين نص محمد
اصطفاهم اللَّه للقيام بالسنة والفرض، وإن رغمت أنوف أولي النصب والرفض، وارتضاهم لخلافة جدّهم في الأرض، إلى يوم العرض، ولله قائلهم:
وما إن زال أولنا نبيا .... ولا ينفك آخرنا إماما
يصلي كلُّ محتلم علينا .... إذا صلى ويتبعها السلاما
جعلنا اللَّه ممن استمسك بالعروة الوثقى، واعتصم بالحبل المتين الأقوى، واقتفى سوِيَّ مناهجهم، ومشى على سنن أدراجهم، وهو دينه القويم، وصراطه المستقيم، إنه هو السميع العليم؛ ورضوان اللَّه على الصحابة الأبرار، من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان، على مرّ الأزمان.
[تخريج أحاديث كون العترة حماة للدين وأحاديث الحث على الولاية]
هذا، وإن اللَّه وله الحمد حرس معالم دينه بصفوة اختارهم، من حملة العلم، وخزنة الحكم، كما قال رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: فيما رواه الإمام الأعظم الزكي، أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي، عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين))، وهو مروي عند /12

3 / 143
ع
En
A+
A-