إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا .... أبو حسن مما نخاف من الفتنْ
وجدناه أولى الناس بالناس إنه .... أطبّ قريش بالكتاب وبالسننْ
وإن قريشاً ماتشق غباره .... إذا ماجرى يوماً على الضُّمَّر البُدُنْ
وفيه الذي فيهم من الخير كله .... وما فيهمُ كل الذي فيه من حسنْ
والقائل أيضاً:
ويلكم إنه الدليل على اللَّـ .... ـه وداعيه للهدى وأمينهْ
وابن عم النبي قد عَلِم النا .... س جميعاً وصنوه وخدينهْ
كلّ خير يزينهم هو فيه .... وله دونهم خصال تزينهْ
الأبيات ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو عبدالله حذيفة بن اليمان، أحد السابقين، الذي أَسَرّ إليه الرسول الأمين - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - علم المنافقين، المتوفى سنة [36] ست وثلاثين - رضوان الله عليه - بعد قتل عثمان بأربعين ليلة، وهو يحث أصحابه على اللحاق بأمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ لحرب الناكثين، وأمر ولديه: صفوان، وسعيداً، باللحاق بأمير المؤمنين، فقُتلا معه بصفين؛ أفاده ابن عبدالبر في الاستيعاب، والمسعودي في مروج الذهب.
وأبو الهيثم بن التيهان أحد المبايعين لرسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - والنقباء ليلة العقبة، الشاهد بدراً وما بعدها، والمستشهد على قول الأكثر بصفين مع أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ واسمه مالك ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري الخزرجي، المخصوص بنزول رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - ضيفاً له لما قدم المدينة المنورة، وأوحى الله تعالى إلى راحلته فبركت ببابه، الشاهد مع رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - /219
العقبة وبدراً وما بعدها، ومع أخيه الوصي - صلوات الله عليه - جميع مشاهده، المتوفى عام [52] اثنين وخمسين، مجاهداً للروم بقرب القسطنطينية - رضوان الله عليه -.
[زيارة جابر بن عبدالله لقبر الحسين السبط]
وأبو عبدالله جابر بن عبدالله بن حرام (بمهملتين، فألف، فميم) الأنصاري الخزرجي، الغازي مع رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بضع عشرة غزوة غير بدر، وأَحَدُ سادات الصحابة، المخلصين في ولاية الوصي والقرابة ـ صلوات الله عليهم ـ المتوفى بالمدينة المشرفة، في عشر الثمانين، عن أربع وتسعين سنة، وهو آخر الصحابة موتاً بالمدينة المشرفة ـ رضوان الله عليه ـ.
وله كلام عظيم عند زيارة الحسين السبط ـ صلوات الله عليه ـ بعد أن مَسّ قبره، وقد كف بصره فخر مغشياً عليه، ورُشّ عليه بالماء؛ فلما أفاق قال: ياحسين، ياحسين، ياحسين ـ ثلاثاً ـ.
ثم قال: حبيب لايجيب حبيبه.
إلى قوله: فأشهد أنك ابن خير النبيين، وابن سيد الوصيين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيد النقباء، وابن فاطمة سيدة النساء؛ وما بالك ألاّ تكون هكذا وقد غذتك كفّ محمد سيد المرسلين، ورُبيت في حجور المتقين، وأُرضعت من ثدي الإيمان.
إلى قوله: فعليك سلام اللَّه ورضوانه؛ وأشهد أنك مضيت على مامضى عليه يحيى بن زكريا.
ثم جال ببصره حول القبر فقال: السلام عليكم أيتها الأرواح الطيبة التي بِفِناء الحسين ـ صلوات الله عليه ـ.
إلى آخر كلامه؛ رواه الإمام أبو طالب بسنده في الأمالي.
وأخذ عنه الإمام الأعظم زيد بن علي، وأخوه الباقر محمد بن علي (ع)، وأبلغه عن جده رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ السلام، وشهد صفين مع الوصي (ع)، كما في الاستيعاب؛ وأبوه: أحد الشهداء بأحد - رضوان الله عليهم- /220
وأبو ثابت سهل بن حُنَيف (بالتصغير) الأنصاري الأوسي، أحد السابقين الشاهدين جميع مشاهد الرسول الأمين ـ صلوات الله عليه وآله ـ ومع أخيه سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ قتال القاسطين، واستخلفه على المدينة حال قتال الناكثين؛ توفي بالكوفة عام [38] ثمان وثلاثين ـ رضوان الله عليه ـ، وصلى عليه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ.
وأخوه، أبو عمرو عثمان بن حنيف، أحد عمال الوصي ـ صلوات الله عليه ـ، وناله مانال من الناكثين بالبصرة؛ لم تذكر وفاته على التعيين رضوان الله عليه.
وأبو المنذر أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي، سيد القراء، شهد العقبة الأخرى وبدراً وغيرها من المشاهد، اختلف في وفاته؛ قال السيد الإمام رضي الله عنه في الطبقات: والأكثر أنه مات في خلافة عمر بالمدينة، ودفن بها ـ رضي الله عنه ـ.
وأبو عبدالله قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي، صاحب المقامات المشهورة مع رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ومع وصيه أمير المؤمنين في جميع مشاهده، ومع ابن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الحسن بن علي.
وقد روى عن أبيه سعد بن عبادة مامعناه أنه لم ينازع القوم إلا لكونهم عدلوا بالأمر عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ؛ وما أقرب ذلك إلى الصحة فإنهم أنصار رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأنصار وصيه في جميع المواطن؛ وقد قال أبو الهيثم بن التيهان ـ رضي الله عنه ـ:
كنّا شعار نبينا ودثاره .... يفديه منا الروح والأبصار
إن الوصي إمامنا وولينا .... بَرَح الخفاء وباحت الأسرار
في أبيات له، والمعتبر جمهورهم الأعمّ، وسوادهم الأعظم؛ فجزاهم اللَّه عن الإسلام، والمسلمين أفضل الجزاء /221
وأبو عبدالله خباب (بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الموحدة، فألف، فموحدة) بن الأرت (براء، فمثناة من فوق) أحد المعذبين في اللَّه، شهد بدراً مع الرسول الأمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وصفين مع أخيه سيد الوصيين صلوات الله عليهم؛ وتوفي منصرفاً من قتال القاسطين عام [37] سبعة وثلاثين، وصلى عليه أمير المؤمنين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقال: رحم اللَّه خباب بن الأرت فلقد أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وقنع بالكفاف، ورضي عن اللَّه، وعاش مجاهداً.
وولده عبدالله، المستشهد بعدوان أهل النهروان المارقين؛ وقتلوا معه أم ولده، وولداً له صغيراً؛ وقد جعل الوصي ـ صلوات الله عليه ـ إقرارهم بقتله أحد الحجج في حلّ دمائهم، وقال: اللَّه أكبر، لو أقرّ بقتلهم أهل الدنيا، وأقدر على قتلهم لقتلتهم.
وكان الخوارج سألوه فأثنى على أمير المؤمنين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بما هو أهله، فقتلوه ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، المتوفى بالمدينة عام [74] أربعة وسبعين، من علماء الصحابة المكثرين للرواية، رُدّ يوم أحد لصغره، وشهد مع الرسول الأمين - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - اثنتي عشرة غزوة، أولها الخندق، ومع أخيه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قتال المارقين، وروى ماسمع فيهم ـ رضوان الله عليه ـ.
وزيد بن أرقم بن زيد الأنصاري الخزرجي، المتوفى بالكوفة عام [68] ثمانية وستين الشاهد مع الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مشاهده غير أحد فإنه استصغر فيها، ومع الوصي ـ صلوات الله عليه ـ صفين، وكان من خواصه، ووقعت له آية أخبر بها وهي: أن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ استنشد بعض الصحابة عما سمعوا، فكتم أناس منهم فما خرجوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا؛ قال: وكنت فيمن كتم فعميت، هذا معنى ماروى، ورب ضارة /222
نافعة، ولايخبر بهذا إلا وقد صحت التوبة، وخلصت الإنابة ـ رضي الله عنه ـ.
وبُريدة (بضم الموحدة) بن الحُصيب (بضم المهملة مصغرين) ابن الحارث الأسلمي؛ المتوفى عام [62] اثنين وستين، آخر الصحابة موتاً بخراسان، أسلم قبل بدر ولم يشهدها، وشهد خيبر ـ رضي الله عنه ـ.
وغيرهم كثير؛ لكن هؤلاء طائفة ممن نقل علماء الأمة من الموافقين والمخالفين قولهم بتقديم سيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ.
وفي الاستيعاب لابن عبد البر مالفظه: وروي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم، أن علي بن أبي طالب، أول من أسلم؛ وفضله هؤلاء على غيره.
ومن المتفق على كونهم من خلّص شيعة أمير المؤمنين من الصحابة الراشدين - رضي الله عنهم - أبو عمارة البراء بن عازب الأنصاري الأوسي، الشاهد أحداً ومابعدها، وبيعة الرضوان مع الرسول الأمين - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وجميع مشاهد أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ، المتوفى بالكوفة في نيف وسبعين؛ وهو ممن استصغر يوم بدر ـ رضي الله عنه ـ.
وحجر بن عدي الكندي، العابد الزاهد، الصادع بالحق، المصارح بالصدق، الراد على أمراء البغي على رؤوس الخلق، الباذل مهجته في سبيل اللَّه، وولاية أمير المؤمنين أخي رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ طَلَبَ منه، ومن أصحابه الشهداء ـ رضوان الله عليهم ـ أَمِيْرُ القاسطين معاوية بن أبي سفيان، أن يتبروا من أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ أو تُضْرب أعناقهم؛ فأبوا وصبروا، فضربت أعناقهم صبراً عام [51] أحد وخمسين، وقد أنكر قتلهم علماء الأمة.
وكان حجر ـ رضوان الله عليه ـ مستجاب الدعوة؛ وفيه وفي أصحابه قالت عائشة: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((يقتل بعذراء ناس يغضب اللَّه لهم، وأهل السماء)) /223
قال السيوطي: أخرجه يعقوب بن سفيان، وابن عساكر؛ وأفاد المولى فخر الإسلام عبدالله بن الإمام الهادي القاسمي - حماه الله تعالى، ورضي الله عنه -، في الجداول أنه أخرجه معهما البيهقي.
قال: وعن علي (ع) أنه قال: يا أهل العراق، سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مَثَلُهم كمثل أصحاب الأخدود؛ أخرجه البيهقي، وابن عساكر. انتهى.
واحتاج الماء في السجن، فلم يعطوه، فدعا اللَّه تعالى فأرسل له سحابة بالماء فاغتسل، وطلب أن يصلي قبل قتله ركعتين، وقال: لولا أن تظنوا بي غير الذي بي لأطلتهما؛ وأخباره كثيرة، وهي مبسوطة في الشافي وغيره من كتب أئمتنا (ع) وغيرهم ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو طَرِيف عدي بن حاتم، الجواد ابن الجواد، الذي أكرمه رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أحد خاصة أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ شهد جميع مشاهده، وفُقئت عينه يوم الجمل، توفي بالكوفة عام [68] ثمانية وستين، عن مائة وعشرين ـ رضي الله عنه ـ.
وعمرو بن الحمق الخزاعي ـ رضي الله عنه ـ أحد خواص الوصي ـ صلوات الله عليه ـ الشاهد جميع مشاهده، وكان رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال له: ((ياعمرو، أتحب أن أريك آية الجنة)).
قال: نعم يارسول اللَّه.
فمر علي بن أبي طالب، فقال: ((هذا وقومه آية الجنة)) رواه السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الطبقات.
قال في سياق خبره: ثم كتب معاوية في طلبه.
إلى قوله: عن رفاعة بن شداد البجلي، وكان مؤاخياً لعمرو بن الحمق، أنه خرج معه حين طُلِبَ فقال: يارفاعة، إن القوم قاتلي؛ إن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أخبرني أن الجن والإنس تشترك في دمي.
إلى قوله: فما أتم حديثه حتى رأيت أعنة الخيل، فودعته، وواثبته حية فلسعته، فأدركوه فاحتزوا رأسه؛ فكان أول رأس أهدي في الإسلام.
استشهد بالموصل عام [51] أحد وخمسين ـ رضي الله عنه ـ.
وغيرهم ممن يطول ذكرهم، ويشق حصرهم؛ وإنما هذه العصابة المرضية، وجوههم، من صحابة سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم /224
أجمعين ـ وكذا أعيان التابعين لهم بإحسان، وتابعي التابعين إلى يوم الدين؛ فكل هؤلاء روافض لتقديمهم إمام المتقين.
وكذا جميع المؤمنين شيعة؛ لمحبتهم سيد الوصيين، وأخا سيد النبيين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ الذي حبه إيمان، وبغضه نفاق، على لسان سيد المرسلين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وكلا الطائفتين مجروح في عدالته، مقدوح في روايته، على قول هؤلاء؛ فقد عاكسوا ماقضى الله تعالى به، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وضادوا حكمه ـ عز وجل ـ حيث حكم بأن حبه إيمان، وبغضه نفاق، فلم يبق على قَود مصطلحهم مرضي العدالة، مقبول الرواية، إلا طوائف الناكثين، والقاسطين، والمارقين، ومن تبعهم من المضلين.
أفيدين بهذا من يؤمن بالله، ورسوله، وكتابه، واليوم الآخر، من المسلمين؟!.
كلا والله؛ إن ذلك هو الضلال المبين، والخذلان اليقين، والانسلاخ عن الدين؛ سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
هذا، وقد قدمنا ماأشار إليه بعض أئمة العترة (ع)، من اللوازم التي تلزمهم، مما لا محيص لهم عنها، ولامخلص لهم منها، ونعود إلى تمامه.
قال (ع) في سياق ذلك البحث: ثم إن حديث ((علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر))، أورده الذهبي في الميزان، عن شريك قال: بإسناد كالشمس.
وروى معناه السيوطي في الدر المنثور قال مالفظه: وأخرج ابن عساكر، عن جابر بن عبدالله، كنا عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فأقبل علي (ع) فقال: ((والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة)) ونزلت: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة].
فكان أصحاب النبي /225
ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، إذا أقبل علي، قالوا: جاء خير البرية.
وأخرج ابن عدي، وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً: ((علي خير البرية)).
وأخرج ابن عدي، عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة]، قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين)).
وأخرج ابن مردويه، عن علي (ع) قال: قال لي رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ألم تسمع قول اللَّه: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة]، أنت وشيعتك؛ وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جثت الأمم للحساب، تُدْعون غراً محجلين)). انتهى.
وأخرج ((علي خير البشر، من شك فيه كفر)) في كنوز الحقائق، عن أبي يعلى.
وأخرج أيضاً: ((علي وشيعته هم الفائزون يوم القيامة)) عن الديلمي.
وأخرج أيضاً ((علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر))، عن الخطيب البغدادي.
وهذا الخبر ـ أعني علياً خير البشر إلخ ـ قال شارح كتاب الدعامة: إن شيخه يرويه بإحدى وسبعين طريقاً.
وأورده محمد بن سليمان الكوفي مسنداً في مناقبه بطرق ذكرها. ورواه الكنجي.
وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني أحاديث كثيرة في حديث ((علي خير البرية)) مرفوعة وموقوفة.
نعم، قال: فإذا صحّ أن علياً خير البشر، والبرية.
إلى قوله: فما بقي إلا أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فَضّل علياً، وأثنى عليه، وعلى شيعته، وأتى بما يخالف اصطلاح أهل السنة، ولزمهم أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ رافضي غال، إلى آخر كلامهم الفضيع. انتهى.
قلت: وكتاب اللَّه، وسنة رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مصرحان ناطقان، وشاهدان صادقان، بأفضلية إمام المتقين، وتقديم سيد الوصيين، /226
وأخي سيد النبيين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ مما أجمع عليه جميع الخلائق، واتفقت الأمة على نقله من جميع الطرائق، ولزمت حجة الله تعالى به كل موافق ومشاقق.
[إقرار حفاظ السنية بأنه لم يرد في غير علي مثلما ورد فيه]
وقد أقرّ حفاظهم لما بهرهم مارووه في إمام الأبرار، وسيد الأخيار، وقسيم الجنة والنار، غير ماورد مما يعمّ جميع العترة الأطهار، عترة الرسول المختار، وصفوة الملك الجبار ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ؛ فقالوا: ماجاء لأحد ماجاء لعلي من الفضائل، ولم يرد في حق أحد من الصحابة ماورد فيه.
ولكن هؤلاء المخذولين لايعتمدون على بيان، ولايعولون على برهان؛ ومن لم يجعل اللَّه له نوراً فماله من نور، إنها لاتعمى الأبصار؛ ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
[الإقرار بحق أهل البيت (ع) باللسان والمخالفة في العمل]
قال بعض علماء العترة (ع): إني لأكثر التعجب ـ وماعشت أراك الدهر عجباً ـ من رجل عالم بمصادر الأمور ومواردها، وكيفية الاستدلال ومقاصدها، ودلالات الألفاظ على معانيها، وتراهم وهم كثير، يوردون ويروون عن اللَّه ـ عز وجل ـ، وعن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، تلك الأدلة والنصوص، والقواطع في حق أهل البيت ـ عليهم الصلاة والسلام ـ على الخصوص، بما لايمكن دفعه لفظاً ولامعنى، ولا سنداً ولامتناً؛ حتى إذا استنتجت منهم فائدتها، وطلبت منهم عائدتها، بوجوب اتباعهم ـ الذي هو مقتضاه ـ في علم أو عمل، أنكر وبرطم، ولوى عنقه وتجهّم، وإن ذكرت عنده خلافتهم رآها نكراً، أو رأى من يتابعهم في مقالة أو مذهب عدّه مبتدعاً، أو سمع بقراءةفي كتبهم ومؤلفاتهم اتخذها هزؤاً ولعباً.
فما أدري مابقي لهم من معاني تلك الأدلة والنصوص؟ وأي فضل ترك لهم على الناس؟ إذ أوجب عليهم أن يكونوا تبعاً، والله قد جعلهم متبوعين، ومؤخرين والله قد جعلهم مقدمين.
وأجِلِ النظرَ فيما تجده في كتب كثير من محدثي العامة، وفقهائها، فلا تلقاها إلا على هذا النهج، ماذاك إلا لإرادة اللَّه ـ عز وجل ـ إظهار الحق، على ألسنتهم وأيديهم، حجة عليهم، وإن راموا إنكارها /227
قلت: فقد صار الأمر في حالهم ماقصه الله تعالى من أمثال قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } [النمل:14].
[السبب الرئيسي للميل عن العترة]
وأصل كل ضلالة وفتنة، ومنبع كل فُرقة ومحنة، في هذه الأمة والأمم السابقة، اتباع الأهواء، والإخلاد إلى الدنيا، ومحبة الترأس على الأحياء، فإنه لم يستقم الملك للملوك العاتية، والجبابرة الطاغية، إلا بمخالفة أنبياء الله وكتبه، ومباينة أوليائه وأهل دينه، كما قصه الله في كتابه، وعلى ألسنة رسله.
ولم تتم لعلماء السوء الرئاسة منهم، والتقرب لديهم، ونيل حطام دنياهم، إلا بتقرير ماهم عليه، وتأييد مامالوا إليه.
وقد عَلِمَ كل ذي عِلْم، وفَهِمَ كل ذي فَهْم، ماجرى لأهل بيت النبوة في هذه الأمة، ومافعله ملوك الدولتين الطاغيتين مع العترة المطهرة، وما ساعدهم به علماء السوء، وفقهاء الضلال، من اتباع أهوائهم على كل حال، ورفض أهل بيت نبيهم، وطرح مايدينون به من دين ربهم؛ حتى غيروا معالم دين اللَّه، وافتروا على اللَّه، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لترويج مايَهْوَوْنه من الصد عن سبيل اللَّه في الأفعال والأقوال؛ كل ذلك معارضة للآل، ومخالفة لما أمرهم به في شأنهم ذو الجلال.
وقد قصد ملوك السفيانية، والمروانية، والعباسية، استئصال السلالة النبوية، وإبادة الذرية العلوية، وإزالتهم عن وجه البسيطة بالكلية، وأبلغوا مجهودهم في طمّ منارهم، وطمس أنوارهم، فأبى اللَّه تعالى لهم ذلك، وغلبهم على ماهنالك؛ كيف وهم قرناء الكتاب، والحجة على ذوي الألباب، والسفينة المنجية من العذاب، والثقل الأصغر، الذين خلفهم الرسول مع الثقل الأكبر في الأرض، ولن يفترقا إلى يوم العرض؟!؛ يريدون أن يطفئوا نور اللَّه /228