الذين كانوا يحكمون بحكم الإسلام المحض، وهو الإيمان والتقوى، فلم يختلف منهم اثنان في أبي بكر..إلخ.
أقول وبالله التوفيق: إعلم ـ وفقنا اللَّه وإياك ـ أن هذا الكتاب قد امتلأ بالافتراءات، وإنكار المعلومات، ورد الضروريات؛ ولا بأس بلفت نظر الناظر إلى بعض من ذلك؛ ليعرف ذوو الألباب إلى أي مبلغ بلغ في هذا الباب.
فأولاً، قوله: فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا المنازعة.
يقال: وهل كان الأمر في قريش، الذين هم قرابة النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أثر جاهلية عربية أو فارسية؟؛ أم لايكون أثر جاهلية أو فارسية إلا إذا كان في أهل بيت الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خاصة؟!.
فعلى هذا، يجب العمل بقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الأئمة من قريش)) بشرط أن لايكون في علي أو في بني هاشم.
ثم يقال له: ماذا تصنع بقوله تعالى حاكياً عن إبراهيم الخليل ـ صلوات الله عليه ـ وآله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } [البقرة:124]، ـ أي واجعل من ذريتي أئمة ـ. أيكون ذلك أثر جاهلية أو فارسية؟ وكذا قول اللَّه سبحانه: {فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)} [النساء]، أيكون ذلك أثر جاهلية أو فارسية؟ أم لايكون أثر جاهلية أو فارسية إلا إذا كان في آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ!؟
ثم انظر إلى ماكرره في هذا البحث، من الإنكار والجحد للمعلوم ضرورة وبإجماع المسلمين، وبرواية الصحاح وغيرها، أن علياً، والعباس، وجميع بني هاشم، والزبير بن العوام، وغيرهم من سادات المهاجرين والأنصار، قالوا: إن علياً (ع) أحق بهذا الأمر.
وقد روى البخاري ومسلم أن علياً لم يبايع أبا بكر ولا أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة ـ عليها السلام ـ.
وهل يكون في هؤلاء أثر جاهلية أو فارسية؟!.
وانظر إلى قوله: وإن قدر أنه رجح علياً بأن يقول: الإسلام يُقدِّم الإيمان والتقوى على النسب؛ فأراد أن يجمع بين حكم الجاهلية والإسلام..إلخ.
ففيه التصريح بأن تقديم علي (ع) لأجل الإيمان والتقوى جمع بين حكم الجاهلية والإسلام لأجل نَسَبِه.
فعلى هذا، لايصح أن يكون الخليفة /179
أقرب إلى رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وإن بلغ في الاستحقاق من الإيمان والتقوى والعلم والفضل أي مبلغ؛ لأجل قرابته من رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فقد صارت القرابة من رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مانعة من الإمامة.
ولو نص عليها الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لكان ذلك أثر جاهلية أو فارسية في حكم ابن تيمية، وأضرابه؛ سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
وانظر إلى مباهتته وإنكاره للضرورة في قوله: وصاحب هذا الرأي لم يكن له غرض في علي؛ بل كان العباس بحكم رأيه أولى من علي.
فهذا كذب وافتراء محض، ليس له أي شبهة أو مبرر؛ فالمعلوم من جميع الأمة أن العباس ـ رضي الله عنه ـ لم يقل ولا غيره: إنه أولى بالأمر من علي (ع)؛ والمعلوم كذلك أن سعد بن عبادة ادعى أنه أولى بالأمر من أبي بكر، وأنه لم يبايع حتى توفي؛ فكيف يقول: ولم يقل أحد قط: إني أحق بهذا من أبي بكر.
وعلى الجملة، فهذا الكلام غني عن التصدي لرده وإبطاله؛ وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل.
قال ابن تيمية ـ كافاه اللَّه ـ في الجزء الثاني من منهاجه ص 230 مالفظه: وعلي يقاتل ليطاع، ويتصرف في النفوس والأموال؛ فكيف يجعل هذا قتالاً على الدين؛ وأبو بكر يقاتل من ارتد عن الإسلام، ومن ترك مافرض اللَّه؛ ليطيع اللَّه ورسوله فقط..إلخ.
أقول: بالله عليك ـ أيها المطلع ـ انظر كيف جعل جهاد علي (ع) للكفار والمشركين، وهو وعمه أسد اللَّه حمزة بن عبد المطلب، وابن عمهما عبيدة بن الحارث (ع) أول من بارز للجهاد في سبيل اللَّه تعالى؛ وجهاده في بدر وأحد والخندق وخيبر وحنين؛ وقتاله للناكثين والقاسطين، الذين هم الفئة الباغية الداعية إلى النار، القاتلة لعمار ـ رضوان الله عليه ـ؛ وللمارقين الذين هم الخوارج المارقون عن الدين؛ وهو الجهاد والقتال الذي ثبت اللَّه به قواعد الإسلام؛ جعل ذلك كله ليطاع ويتصرف في النفوس والأموال.
تأمل بالله عليك، هل /180
يقول هذا من يؤمن بالله تعالى، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ واليوم الآخر؟
وصدق الرسول الأمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لايحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق)).
وما هذا من غيره؟ فقد صار الكذب الصريح، والتكذيب للصحيح، لهجة له يجازف بها، بلا عدد ولا حساب، ولا مكيال ولا ميزان؛ وإذا لم تستح فاصنع ماشئت، وما حكم علماء عصره بتكفيره وزندقته، وسُجن حتى مات إلا لشأن.
ولقد كنتُ أعجب غاية العجب من الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير، حيث أثنى عليه في الإيثار، حتى وقفتُ على كلامه فيه، أنه لم يطلع على منهاجه، فهوَّن ذلك علي.
وكذا العلامة محمد بن عقيل في النصائح؛ ثم ذكر في كتابه تقوية الإيمان أنه لم يكن اطلع على منهاجه هذا، ورد عليه أبلغ الرد؛ وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل.
قال ابن حجر الهيثمي في فتاواه مالفظه: ابن تيمية عبد خذله اللَّه وأضله، وأعماه وأصمه وأذله؛ بذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله، وكذب أقواله؛ ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد، المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السُّبكي، وولده التاج، والشيخ الإمام العِزّ بن جماعة، وأهل عصره من الشافعية والمالكية والحنفية.
إلى قوله: والحاصل أنه لايقام لكلامه وزن، بل يرمى به في كل وعر وحزن، ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال، جاهل غال، عامله اللَّه تعالى بعدله، وأجارنا من مثل طريقته وفعله، آمين.
انتهى من كتاب جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ـ يعني ابن حجر الهيثمي وأحمد بن عبد الحليم بن تيمية ـ، للألوسي من الصفحة الرابعة.
ولقد عَلِمَ علام السرائر، المطلع على خفيات الضمائر، أنا نحب أن ننزه كلامنا، ونطهر أقلامنا، عن التعرض لهؤلاء؛ ولكن كيف السبيل، والله ـ عز وجل ـ /181
يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } [النساء:135]، {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ }؟ [آل عمران: 187] فقمنا بما أمرنا اللَّه تعالى من الحق، وسطعنا بما ألزمنا ـ جل جلاله ـ من الشهادة على الخلق، على غير مبالاة بقول قائل، ولا احتفال بعذل عاذل؛ ونقول لكل جاهل: سلام، ومرجع الأمر إلى الملك العلام، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ونعود إلى مانحن فيه؛ فهذا عارض انجر، والشيء بالشيء يذكر.
نعم، ويكفي شاهداً على الذهبي تلميذه السُّبكي، فقد وصفه في الطبقات بالنصب، وقال فيه: وهو شيخنا ومعلمنا، غير أن الحق أحق أن يتبع؛ وقد وصل من التعصب المفرط إلى حدٍ يسخر منه، وأنا أخشى عليه يوم القيامة من غالب علماء المسلمين وأئمتهم، الذين حملوا لنا الشريعة النبوية.
قال: والذي أدركنا عليه المشائخ النهي عن النظر في كلامه، وعدم اعتبار قوله، ولم يكن يستجرئ أن يظهر كتبه التاريخية، إلا لمن يغلب على ظنه أنه لاينقل عنه مايعاب عليه.
إلى قوله: ومنها أمور أقطع بأنه يعرف بأنها كذب، وأقطع بأنه يحب وضعها في كتابه لتنتشر، وأقطع بأنه يحب أن يعتقد سامعها صحتها، بغضاً للمحدَّث فيه، وتنفيراً للناس؛ مع قلة معرفته بمدلولات الألفاظ، ومع اعتقاد أن هذا مما يوجب نصر العقيدة التي يعتقدها هو حقاً، ومع عدم ممارسته لعلوم الشريعة..إلخ كلامه.
ولله در الإنصاف ما أعذب مشرعه، وأطيب مرتعه! وما أحقه بقول المتنبي في غيره:
سُمّيتَ بالذهبي اليوم تسمية .... مشتقة من ذهاب العقل لا الذهب
/182
هذا، ومن لم يمكنهم الكلام فيه، تناولوا بالجرح والقدح خُلَّص أصحابه ومتابعيه، وتجنبوا الرواية عنهم، والأخذ منهم، إلا من ألجأتهم إليه الضرورة، ولم يجدوا عن الأخذ عنه معذرة، فإنهم يسترقون عنه السمع، مع رميهم له بالطعن والوضع.
[كون آل محمد وأتباعهم حملة الكتاب والسنة وأن أهل الحديث عالة عليهم]
وإنما اضطروا إلى النقل عنهم لأن آل محمد (ع) وأتباعهم هم حملة الكتاب، وأعلام السنن، وحماة الدين، وحفظة شريعة سيد المرسلين، ورواة الأخبار، ونقلة الآثار، وأرباب الحديث، في القديم والحديث؛ ومن له عناية واطلاع، علم أنهم هم الناس، وأن غيرهم عالة عليهم؛ وإنما أضاع متأخريهم، عدم عنايتهم بآثار سلفهم وسابقيهم.
[قدح الذهبي في ابن المديني وقدح ابن معين في عبد الرزاق، والرد عليهما من مضمون السياق]
وقد قال الذهبي، في حق الحافظ المتقن، علي بن عبدالله بن جعفر المعروف بابن المديني، المتوفى سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، الخارج للجهاد مع الإمام المهدي لدين اللَّه النفس الزكية محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي (ع) المتواري أيام أبي جعفر؛ وهو شيخ أحمد، والبخاري، وأبي داود، وغيرهم؛ خرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله (ع)؛ وقد ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء.
قال الذهبي مالفظه: بئس ماصنع قد شحن البخاري صحيحه بحديثه؛ وقال البخاري: ما استصغرتُ نفسي بين يدي أحد، إلا بين يدي علي بن المديني؛ قال: ولو ترك حديث علي وصاحبه محمد، وشيخه عبد الرزاق، وعثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان، وأبان العطار، وإسرائيل، وأزهر السمان، وبهز بن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبد الحميد لغلقنا الباب، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، ولخرج الدجال؛ أفمالك عقل ياعقيلي؟ انتهى.
وقال أيضاً في الميزان: لو تركت رواة ثقات الشيعة لذهب جملة من الآثار النبوية.
وقد قال قبله ابن معين، في حق الحافظ الكبير، عبد الرزاق بن همام اليماني، الصنعاني، الحميري، المتوفى سنة إحدى عشرة ومائتين؛ خرج له إمام الأئمة الهادي إلى الحق في المنتخب، والإمام المؤيد بالله (ع)، وجماعة العامة؛ وهو من المعدودين في ثقات محدثي الشيعة، /183
وهو الذي قيل فيه: إنه لم يرحل إلى أحد في طلب الحديث بعد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كما رحل إليه، وهو شيخ الشافعي، وأخذ عنه أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وابن معين؛ وحكى الذهبي عنه كلاماً في أمر فدك، فيه غاية الصلابة؛ وذكر عنده رجل معاوية فقال: لاتقذر مجلسنا بذكر ابن أبي سفيان؛ وكان لايزال يروي حديث الغدير والاستخلاف وغيرهما، حتى نهاه بنو العباس، وقد أنكروا عليه، ونالوا منه، بسبب أحاديث يرويها في فضائل علي (ع) ومثالب أعدائه مثل: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه))، فقال ابن معين لمن قدح فيه بالتشيع: لو ارتد عبدالرزاق عن الإسلام ماتركنا حديثه.
وقال البخاري، لمن سأله عن الحافظ أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي، المتوفى سنة (219) تسع عشرة ومائتين المعدود في ثقات الشيعة؛ خرج له الإمام أبو طالب (ع)، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنه ـ والجماعة: مامذهبه في التشيع؟: هو على مذهب أهل بلده؛ ولو رأيتم عبدالله، وأبا نعيم، وجميع مشائخنا الكوفيين، لما سألتمونا عنه. انتهى.
فانظر كلامهم، لما علموا أن بطرح الشيعة، تنسد عليهم أبواب الشريعة.
وتناقض أقوالهم، واضطراب أحوالهم، واعتمادهم على الأهواء، لايخفى على أولي الألباب.
[قدح القوم في أبي الطفيل وهند بن أبي هالة والجواب عليهم]
نعم، فممن نالوا منه، من أفاضل أصحاب رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأهل بيته ـ صلوات الله عليهم ـ، أبو الطفيل، عامر بن واثله الكناني الليثي، المولود عام أحد، المتوفى سنة عشر ومائة، على الصحيح، آخر الصحابة موتاً ـ رضي الله عنه ـ.
قال في ترجمته في تهذيب التهذيب: كان أبو الطفيل ثقة في الحديث، /184
وكان متشيعاً.
إلى قوله: وكانت الخوارج يرمونه باتصاله بعلي، وقوله بفضله وفضل أهل بيته؛ وليس في روايته بأس. انتهى.
وإن كنت ممن يعرف مصطلح القوم، علمت مافي هذه الكلمات من التوهين عندهم.
وحَكَى عن المغيرة، أنه كان يكره حديثه.
وأبو الطفيل ـ رضي الله عنه ـ ممن شهد مشاهد سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ، كلها؛ وهو راوي حديث الشورى بطوله.
وروى عنه الإمام الأعظم، زيد بن علي (ع)، قال: كان أبي يحج بنا ونحن صغار، فرأيت أبا الطفيل الكناني شيخاً همّا، عليه مقطعات.
قال الإمام: سمعته يقول لأبي: سألني معاوية، كيف حبك علي بن أبي طالب؟
قال: فقلت: حب أم موسى لموسى. الخبر.
وقام مع من قام للطلب بدم الحسين، سبط سيد المرسلين، صلوات الله عليهم؛ ووصل مكة مع من وصل؛ لإنقاذ محمد بن علي أمير المؤمنين، وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ، ومن معهم من قرابة الرسول الأمين، لما أراد عبدالله بن الزبير بن العوام إحراقهم بسجن عارم.
أفاد معنى هذا في طبقات الزيدية وغيرها.
وهند بن أبي هالة، الصحابي الأفضل، ربيب رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وابن خديجة سيدة أمهات المؤمنين، أول من آمن بالله ورسوله، وصدق بكلماته، المبلَّغة للتسليم، عن الملك العظيم، المبشرة ببيت في الجنة، بلسان جبريل الأمين، سيد الملائكة المقربين؛ وأخو فاطمة سيدة نساء العالمين، وخال الحسنين، سيدي شباب أهل الجنة ـ عليهم أفضل الصلاة والتسليم ـ، والمستشهد بصفين، مجاهد الباغين، بين يدي أمير المؤمنين، ـ صلوات الله عليه ـ.
أدخله البخاري في الضعفاء.
وقد نقضوا كلامهم في شأن الصحابة، بكلامهم /185
في هذين الصحابيين الفاضلين ـ رضوان الله عليهما ـ، لما كانا في جانب الحق، ومن طائفة أفضل الخلق، لم يبالوا بصحبتهما، ولم يراعوا جليل منزلتهما.
وأما طريد رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، الوزغ ابن الوزغ، مروان بن الحكم، وأضرابه، فالكلام فيهم غير مقبول، والمتكلم فيهم زائغ عن القصد مرذول.
قال ابن حجر في مقدمة شرح البخاري، في سياق من انتقد على البخاري في الرواية عنهم، في ذكر مروان مالفظه: يقال: له رؤية؛ فإن ثبت، فلا يعرّج على من تكلم فيه. انتهى.
فيا سبحان اللَّه! صارت الرؤية عاصمة لأعداء اللَّه، وأعداء رسوله، ولم تكن الصحبة مانعة عن الوقوع في أولياء اللَّه، وأولياء رسوله، وأهل بيت نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ركوباً للهوى، وعدولاً عن السواء، وكم لهم من مناقضة واضحة، ومخالفة لسنن الحق فاضحه، يطلع عليها العالمون، ويقرّ بها المنصفون؛ مالكم كيف تحكمون؟!.
قال بعض سادات العترة (ع): وأقول: البخاري ككثير غيره، يزعمون عدالة كل من سموه صحابياً، بحسب اصطلاحهم الذي أحدثوه، حتى الذي سماه اللَّه فاسقاً، يقولون: إنه عدل.
قلت: كالوليد بن عقبة.
قال: وكذا من اشتهر بالزنا وشرب الخمر، ومن قتل المسلمين عمداً ظلماً، أطفالاً ورجالاً.
قلت: كبسر بن أرطأة.
قال: ومن أخبر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، بأنه يموت على غير الإسلام، ومن ذكر أنه من أهل النار.
قلت: كسمرة بن جندب.
قال: ولم أرهم جرحوا ممن يسمونه صحابة، إلا هنداً ربيب النبي، وأبا الطفيل.
إلى قوله: لجِدِّهما في قتال الطاغية، واختصاصهما بعلي؛ وعند اللَّه تجتمع الخصوم. انتهى.
[قدحهم في أصبغ، والحارث، والجواب عليهم]
وأصبغ بن نباتة، الحنظلي المجاشعي الكوفي.
قال في طبقات الزيدية: ذكره السيد صارم الدين، وابن حابس، وابن حميد في ثقات محدثي الشيعة /186
قالوا: قال الخصوم: كان يأتي بطامات ـ يريدون الأحاديث المخالفة لمذهبهم ومعتقدهم ـ. انتهى.
قال السيد صارم الدين: روى الأصبغ عن علي (ع): إن خليلي حدثني، أني أضرب لسبع عشرة من رمضان، وهي الليلة التي مات فيها موسى (ع)؛ وأموت لاثنتين وعشرين من رمضان، وهي الليلة التي رفع فيها عيسى (ع).
وعن الأصبغ عن علي (ع)، قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من آذاني في أهل بيتي، فقد آذى اللَّه؛ ومن أعان على أذاهم، وركن إلى أعدائهم، فقد آذن بحرب من اللَّه، ولا نصيب لهم في شفاعتي)).
قال الإمام المنصور بالله: وهذا يعمّ جميع أعداء العترة.
روى له في الأمالي، وابن ماجه. انتهى.
قال في الطبقات: خرج له ابن ماجه، وأئمتنا الخمسة، إلا الجرجاني. انتهى.
والحارث بن عبدالله الهمداني، أبو زهير الكوفي، الأعور، المتوفى سنة خمس وستين.
قال السيد صارم الدين: كان أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس.
وقد نال منه طائفة، وقد بسط في الطبقات وعلوم الحديث مانالوه به.
قال في الطبقات: وذكره السيد صارم الدين، وابن حابس، وابن حميد في التوضيح، في ثقات محدثي الشيعة.
إلى قوله: وقال السيد أحمد بن عبدالله الوزير: لايمتري أهل البيت (ع) في عدالة الحارث، /187
وجلالته وفضله.
وقال غيره: هو صاحب علي (ع)، وأحد شيعته.
وفيها: قال القاضي عياض: أُسيء الظن بالحارث، لما عرف من حاله التشيع. إلخ كلامه.
[قدحهم في كل من له أدنى إلمام بالحق، وأهله]
وقد جرحوا جماً غفيراً، وعدداً كثيراً، من التابعين، وتابعي التابعين، من عهد أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، فمن بعده من الأئمة السابقين - صلوات الله عليهم -؛ ولا ذنب لهم، إلا متابعة أئمة الحق، وموالاة من افترض اللَّه ولايتهم على الخلق؛ وفي تعدادهم مايخرجنا إلى الإكثار، ويجانب ماقصدنا من الاختصار، وقد اشتملت على ذلك كتب أئمتنا (ع)، وشيعتهم - رضي الله عنهم -، وغيرهم من القوم ـ تولى اللَّه مكافأتهم ـ.
[تعديل جماعة من الثقات]
قال الإمام المنصور بالله، القاسم بن محمد (ع): ومنها أنهم قالوا: إنه ـ يعني أبا خالد ـ وضّاع؛ يريدون لما خالف مذهبهم.
إلى قوله: وقدحوا بذلك على جماعة من أهل الصدق، منهم: إسماعيل بن أبان، وجرير بن عبد الحميد، وخالد بن مخلد القطواني، وسعيد بن عمرو بن أَشُوْع، وسعيد بن فيروز البختري، وسعيد بن كثير بن عفير، وعباد بن العوام، وعباد بن يعقوب، وعبدالله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، وعبدالملك بن أعين، وعبدالله بن عيسى العنسي، وعدي بن ثابت الأنصاري، وعلي بن الجعد، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وفطر بن خليفة الكوفي، ومحمد بن جحادة الكوفي، ومحمد بن فضيل بن غزوان، ومالك بن إسماعيل أبو غسان.
كل هؤلاء جُرحوا بالتشيع، وروايتهم لفضائل آل محمد.
وكذلك جرحوا عدة من أهل هذا الشأن، مما لاأحصي ولا يسعه /188