ثم ساق في موضوع أدلة وجوب الاستمساك بالعترة المتواتر من الأحاديث والمشهور ونحوهما، كحديث الغدير والثقلين، وأخبار المهدي المنتظر، وأخبار النجوم، وبيّن الآل، وخبر: لا يؤمن عبد، وخبر براءة، وآية المباهلة، وتفسير: أولي القربى، وأحاديث حبّ علي، وأخبار السفينة، وأخبار الولاية، وأخبار المنزلة، وفتح خيبر، وأخبار الراية، وأخبار الإنذار، وأخبار المؤاخاة، وسدّ الأبواب؛ وغيرهنّ مما ورد في العترة عموماً أو خصوصاً.
ليبين بذلك أن العترة هم المحقون؛ لأنهم الثقل الأصغر، وأحد الخليفتين لرسول الله في أمته، وأما الحق فهو الثقل الأكبر: كتاب الله، وما إليه من السنة والإجماع، وما سيذكره في الفصل الرابع في إسناده لمذاهب العترة.
ولقد وُفِّقَ فيما قال، وأجاد في الاستدلال، ثم ألقى عصى الترحال، وانتقل إلى الفصل الثاني حيث قال:
الفصل الثاني: في بيان ما عليه المفارقون لأهل بيت النبوة من هذه الأمة، وما عاملوا به هذه الصفوة من الجفوة واطراح عظيم الحرمة، لما ألزم الله عز وجل من البيان في محكم القرآن بأمثال قوله جل جلاله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135].
حتى يكون الناظر على يقين وعرفان، وتحقيق وبرهان، في أحوال المحقّين والمشاقّين، وأعمال الموافقين والمفارقين.
ثم ساق في بيان أحوال وأعمال المشاقّين والمفارقين من تعديل مَنْ عدَّلوا من الناكثين والقاسطين والمارقين، وموالاتهم لهم، وإساءة الذهبي وشيخه ابن تيمية، وأفضى إلى الكلام على البخاري ومسلم وكتابيهما، ومن تُكلِّم فيه من رجال البخاري، وإلى الكلام على الشيعة والنسائي، وإقرار الحفاظ أنه لم يصح لمعاوية فضيلة.
والكلام على النصب والرفض، وذكر بعض أعلام الصحابة المفضِّلِين لعلي أمير المؤمنين ـ كرم الله وجهه ـ.
ثم إلى الكلام على القدرية، والأخبار في ذمهم هم والمرجئة، ثم تعقّب ذلك الخوض في القضاء والقدر، وفي مسائل أخرى من أصول الدين، ثم خرج إلى الفصل الثالث الذي قال فيه:
الفصل الثالث: في إيراد لُمَع من نصوص كلمات من اتصل بهم سندنا من الأئمة السابقين، ثم من بعدهم من العلماء العاملين، ورَسْم أسمائهم الشريفة حسب تحريرهم للتبرك بذكرهم، والاقتداء بآثارهم، وكون من سبقهم قد جُمِعت محرراتُهم، وهؤلاء الأئمة الأعلام، والعلماء الكرام لا جامع لما حرروه، ولا مقيّد لما زبروه، وإنما هي مفرّقة قد كادت تذهب بها أيدي الضياع، وقد نشير في هذا الفصل إلى تعيين بعض ما أخذه العالم عمّن قبله إلى آخر ذلك، انتهى.

ثم استرسل في نشر وتحرير إجازات لجده الإمام الأعظم المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني الحوثي من الإمام المنصور بالله أحمد بن هاشم، ومن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، ومن إمام العلوم الحافظ محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي.
ثم أتبع ذلك بتحرير وزبر الإجازة من الإمام المهدي محمد بن القاسم المذكور أولاً للسادة العلماء: حسين بن محمد الحوثي، ولأولاده الأربعة وهم: يوسف بن الإمام، ومحمد بن الإمام، والقاسم بن الإمام، وإبراهيم بن الإمام، ولسيدي العلامة محمد بن منصور ـ والد المؤلف ـ.
ثم أتبع ما ذكر بتحرير وزبر إجازة من الإمام المهدي المذكور للسادة العلماء: عبدالله بن يحيى العجري، وعبدالله بن عبدالله العنثري، وعبد الكريم بن عبدالله العنثري، ومحمد بن إبراهيم بن حورية.
ثم أتبع كلما ذكر بزبر الإجازة من إمام العلوم الحافظ أحمد بن محمد الكبسي لسيدي العلامة محمد بن منصور ـ والد المؤلف ـ.
ثم أتبع بتحرير موضوع من كتاب الإحازة للعلامة عبدالله بن علي الغالبي، ثم عقّب بتحرير إجازة من السيد العلامة علي بن يحيى العجري للسيد العلامة عبدالله بن يحيى العجري، ثم حرر بعد ذلك إجازة من العلامة شيخ الإسلام محمد بن عبدالله الغالبي لسيدي العلامة محمد بن منصور المؤيدي والد المؤلف، ثم ختم ما ذُكر بتحرير إجازة له ولأعيان علماء عصره من والده.
ثم ذكر المؤلف شيئاً من مسموعاته، وسنداً من عنده، وهذه الطبقة المذكورة من العلماء تأخر بهم الزمان عن زمان محرري الإجازات والتراجم، فرأى المؤلف فَرْضيَّة التسجيل لإجازاتهم إلحاقاً لهم بسلفهم في هذا الموضوع ـ جزاه الله خيراً ورضي عنه وعنهم، وألحقنا بهم صالحين ـ.
ثم قال: الفصل الرابع: في الإسناد إلى مذاهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ جملة، وفي ذكره هنا على هذا الوجه الإجمالي فوائد جمّة، منها: تقديم الإفادة بتسلسل الرواية عن قرناء التنزيل، وأمناء الملك الجليل، وأشياعهم الذين هم أكرم قبيل.
ومنها: الابتداء بتعريف طبقاتهم، وتوضيح مراتبهم ودرجاتهم، ومنها: إمكان الإحالة على هذه الأسانيد المباركة فيما يأتي من التفصيل.
ثم ساق إلى أن قال: أروي مذاهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ وأصول عقائدهم ودياناتهم في العدل والتوحيد والوعد والوعيد، والنبوات والإمامات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفقههم، وأحاديث الأحكام من سنة جدهم سيد الأنام؛ عن والدي وشيخي، ورفع السند إلى أن ختمه بقوله: عن أبيه أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ عن الرسول الأمين، صفوة الله رب العالمين، خاتم النبيين، محمد بن عبدالله ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين؛ فهذه السلسلة النبوية، الهادية المهدية، من العترة الطاهرة، نجوم الدنيا وشموس الآخرة.

سلسلةٌ من ذهبٍ .... منوطةٌ بالشهبِ
ونسبةٌ ترددتْ .... بين وصيّ ونبي
سبحان من طهَّرها .... عن سائبات النسبِ
من استمسك بهم فقد استمسك بقوي الأسباب، وهُدي إلى منهج السنة والكتاب، هم العروة الوثقى، وهم معدن التقى،
وخير جبال العالمين وثيقها
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(21)} [الحديد].
نعم، وهذا السند الشريف من بعد الإمام القاسم بن محمد، منه ما هو متصل ومنه ما هو بواسطة، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك بقوله: بطرقه، انتهى.
وقد أتبع بمكتوب من جده الإمام المهدي إلى المدينة المنورة في سنة 1034هـ.
ثم قال: الفصل الخامس: في تفصيل المختار من رواة العلوم والآثار، ولنقدّم الطرقات إلى مؤلفات آل الرسول، قرناء التنزيل، وأمناء الملك الجليل، على جدهم وعليهم أفضل الصلوات والتسليم، والتكريم والتبجيل، وأولاها تقديماً وتشريفاً، وأولها تقدماً وتأليفاً، مؤلفات إمام آل الرسول، وصفوة أسباط الوصي والبتول، فاتح باب الجهاد والاجتهاد، ومقيم حجة الله في الأرض على العباد، الولي بن الولي، الطاهر الزكي، الهادي المهدي، أمير المؤمنين، المبشِّر به جدّهُ الرسول الأمين، أبي الحسين الإمام الأعظم زيد بن علي..إلى آخر ذلك.
ثم أتى بسنده إلى مؤلَّفي الإمام زيد، مجموعَيْه: الحديثي، والفقهي؛ ثم عقبه بتراجم، ثم احتجاج أعلام الأئمة برواية أبي خالد، وبتلقي المجموع بالقبول.
ثم بصفة الرسول الأعظم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ثم بسنده لأمالي أحمد بن عيسى، ثم بذكر وتراجم لبعض الأعلام.
ثم بسند جامع لمؤلفات إمام اليمن الهادي إلى الحق، ومؤلفات إمام الجيل والديلم الناصر للحق، ومؤلفات أئمة العراق: المؤيد بالله، والناطق بالحق، وغيرهما.
ثم بالكلام والإسناد لكتاب الاعتبار وسلوة العارفين، وكتاب الإحاطة للموفق بالله؛ ثم بالسند لأمالي المرشد بالله، وكتاب الأنوار.

ثم أتبعه بالكلام حول الجامع الكافي وحول الزيادات فيه، ثم السند لكتاب التأذين بحي على خير العمل، ثم بالكلام حول نهج البلاغة مع سنده، والكلام حول شروحه، ثم السند لصحيفة علي بن موسى، وكتاب أنساب الطالبية، وسلسلة الإبريز، ثم الكلام حول الشافي وسنده، ثم حول أنوار اليقين وسندها، وشفاء الأوام وسنده.
ثم انتقل إلى الفصل السادس، في تحصيل السابق، وتفصيل اللاحق، قال: اعلم ـ أيدنا الله وإياك ـ أن هذا الجامع المبارك قد اشتمل فيما مضى وفيما يأتي إن شاء الله على المقصود الأعظم، والمطلوب الأهمّ، من الأسانيد الصحيحة، الجامعة لمؤلّفات أئمة العترة ونجوم علمائهم وأعيان الصفوة من الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ على مثال لم يُسْبق إليه، ومنوال لم يُنْسَج عليه، مع ما فتح الله تعالى به في خلال ذلك من غرر الفوائد، ودرر الفرائد...إلى آخره.
ثم ذكر فيه الاجتماع التاريخي العظيم، وترجمة الحاكم الجشمي، والسند إلى مؤلفاته، وترجمة للقاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام، وإشارة إلى السند إلى مؤلفاته، وإسحاق بن أحمد بن عبدالباعث، والحسن الرصاص، وعبدالله بن زيد العنسي، وعلي بن حميد، وذِكْر مؤلفاتهم والسند إليها.
وذكر الإمام المعتضد وقصيدة له، والسيد حميدان، والإمام يحيى بن حمزة، وحول الزهراء ـ عليها السلام ـ والإسناد إلى كتاب الروضة والغدير، وطرق إسناد شرح القاضي زيد، وترجمة السيد يحيى بن الحسين صاحب الياقوتة وما إليها، والإسناد إلى مؤلفاته...إلى غير هؤلاء من الأعلام.
ثم معنى الصحيح عند أهل البيت، وعَدَد أحاديث بخاري ومسلم، وأسباب الاختلاف بين العترة، وتقديم رواية أهل البيت، وقصائد للهادي بن إبراهيم الوزير، وبحث عظيم في صفات رب العالمين، وقصيدة الواثق.
والكلام حول عابد اليمن القاضي إبراهيم الكينعي، وحول فضائل للأئمة ـ عليهم السلام، ثم حول تراجم لبعض الأئمة، والأسانيد إلى الإمام عز الدين، ونفي الذوات في العدم، وحجيّة قول أمير المؤمنين ـ كرم الله وجه ـ ومعاوية بين الصحبة والاجتهاد، وترجمة لصارم الدين، والأدلة على أن السبطين وأبناءهما أبناء رسول الله.
ثم نبذة يسيرة عن كتاب الفلك الدوار، وتفسير القرآن عن الزيدية، والحديث في ميزان الزيدية وأهل البيت، والدولتان الأموية والعباسية، والشيعة، وكتب الحديث.

كما قال في الفصل السابع، في الكلام على أطراف من علوم الحديث: ولنتكلم قبل الشروع في المقصود على مقدمتين وخاتمة؛ المقدمة الأولى: في تعيين الأمهات الموعود بالجمع بينها من كتب العترة والمحدثين، والطريق إليها.
ثم قال: المقدمة الثانية: فيما لا يسع طالب الحديث جهله من علومه، واصطلاحات أهله، وبيان مذهبنا فيه، مع زيادات فوائد وقواعد يحتاج إليها الشيعي العدلي، ويناضل بها الخصوم في المقام الجَدَلي.
ثم الطريق إلى الكتب الستة وتعدادها، وحول مؤلف جامع الأصول، ومدخل إلى علوم الحديث، وتعريف الصحيح، وانتقاد على المحدّثين، وبحث في صحة كتابي بخاري ومسلم، والكلام حول ذلك، ونبذة من علوم الحديث، ومجهول العدالة والضبط.
واعتراف محمد بن إبراهيم الوزير بتضعف أصول أهل الحديث، والكلام على أبي موسى الأشعري، وإشارة إلى أدلة على وجوب الموالاة والمعاداة..إلى غير ما ذكر.
ثم ارتحل فقال: الفصل الثامن، في تحقيق السنة والبدعة على ما تقتضيه نصوص الكتاب والسنة، ضابط البدعة المحرمة: ما خالف الشريعة المطهرة، وهي تقابل السنة، التي هي: الطريقة المحمدية ـ على صاحبها صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، أعمّ من أن تثبت بدليل المعقول أو المنقول..إلى آخر ما قال.
ثم أعقب بذكر جماعة من النواصب، وعدد من تُكلِّم فيهم، والمجاهيل في البخاري، ومن أخرج له البخاري ولم يخرج له مسلم، والعكس.
ثم طُرُق خبر الطير، وذكر خبر العشر الفضائل في أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ وخبر عن أبي بكر في تفضيل أمير المؤمنين علي، وخبر الجواز، وقصة الحسين مع الشيخين، وتهنئة أبي بكر وعمل لعلي (ع) بالولاية، وخبر: ((لأبعثن عليكم رجلاً مني))..إلى غير ذلك.
ثم قال: الفصل التاسع: في جوامع من معاني هذه الأخبار الشريفة، التي هي من أعلام النبوة، وهي معلومة قد روتها طوائف الأمة، بألفاظ وروايات مترادفة ومختلفة، مطوّلة ومقصّرة، كأخبار الناكثين والقاسطين والمارقين المتواترة..إلى آخر ما قاله.
في مضمون هذا الفصل أخبارُ من تولاّه فقد تولاّني، وخبر المحاربة واختلاف أحكام أهل الكفر، وبحث أخبار الناكثين والقاسطين والمارقين، وأخبار قاضية لأمير المؤمنين بالسيادة والخيرية.
وبحث في الأدلة على إمامة الحسنين، وعلى أن أولادهما أحق بالإمامة، والتخيير لعلي ـ عليه السلام ـ بين القيام والقعود أيام المشائخ، وتحتّم القيام أيام الناكثين والقاسطين والمارقين.

وكلام المحدّثين وأهل السير في امتناع علي ـ عليه السلام ـ عن البيعة، والمتخلّفون عن بيعة أبي بكر، وتواصي الخصوم على ترك البحث عن معنى النصوص، ورميهم لمن يبحث عنها بالرفض، والإقرار بتواتر أخبار الحوض، وانقسام الصحابة إلى ثلاثة أقسام، وانقسام المخالفين من العرب أيام الردة، وبحث في الإمامة..إلى غير ما ذُكر.
ثم قال: الفصل العاشر: في البرهان القاطع على تعيين أهل السنة والجماعة، وبيان أهل البدعة والفرقة..إلى آخر ما قال.
ثم كلام أمير المؤمنين في بيان أهل السنة والبدعة، وأهل الجماعة والفرقة، والكلام على جعلهم السنة مكان العترة، وأخبار في العترة، وأخبار في الشفاعة، وفريقا الرفض والنصب، وتشبيه علي بجماعة من الأنبياء ـ عليهم السلام ـ، واختلاف معاملة الكفار، وطريق جامعة لطبقات الزيدية، وغيرها من الأسانيد..إلى غير ما ذُكر.
ثم قال: الفصل الحادي عشر: اللاحق بلوامع الأنوار، والمقصد منه الأهم ذكر أعلام العترة الأطهار، وكرام العصابة الأبرار، الذي عليهم في باب الرواية معظم المدار، والمبحوث عنه أولاً وبالذات الرواة الثقات في أصل أسانيد أئمتنا السابقين، ومَنْ بيننا وبين المؤلفين؛ فإنْ ذُكِر غيرهم لغرض فبالعَرَض.
ثم عقّب هذا بتراجم لمن ذكره، في المبتدأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه ـ وآخرهم أبان بن تغلب.
أخي المطَّلع، قد كشفتُ لكَ أكثر الموضوعات، وأشرتُ إلى بعض جواهر اللوامع النفيسات، ولمثلها فليتنافس المتنافسون، ويتسابق المتسابقون.
ولو تدري ما قد لقي المؤلِّفُ في سبيل جمعها وتصحيحها، وما أنفق من عمره النفيس في لمِّ نَشْرِها وتَصْفيتها؛ لخصَّصتَ له جزءاً من راتب الابتهال، إلى ذي الكمال والجلال، أنْ يختم له بالسعادة، ويجزيه بالحسنى وزيادة، خلَّد الله ذكره، وأعظمَ أجره، وألحقه بسلفه المطهرين، {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83)} [القصص]، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله المعظَّمين.
حسن بن محمد الفيشي
وحرر: 17/ صفر / من سنة 1422هـ

تقديم للسيد العلامة/ محمد رضا الحسيني الجلالي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الأخيار، والتابعين لهم بإحسان، وعلى شيعتهم الأبرار الصالحين، ما بقي الليل والنهار من الآن إلى يوم الدين.
وبعد:
فإني أرى التقديم لهذا الكتاب الكبير، يقتضي من الجهد والوقت الشيء الكثير، كي يكون وافياً، ومؤدياً للحق الذي يجب، ولا أملك ـ في ظروفي الخاصة ـ مثل ذلك، إلا أن النزول عند رغبة الإخوان أوجب الاقتصار على هذه العجالة، حتى لا أكون مخلاً بهذا الحق، وإن لم أدرك أداء الأول بالشكل التام.
فأقول ـ مستعيناً بالله ذي الجلال والإكرام ـ:
هذا الكتاب:
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا (لوامع الأنوار) هو واحد من تلك الكتب التوثيقية المؤدية لهذا الدور العظيم.
وقد جاء طبع هذا (الكتاب) في هذه الفترة بالذات (أجلاً) محتوماً لتلك الدعوات الباطلة ضد التراث الإسلامي. /3

فهذا الكتاب: يمثل واحداً من جهود العلماء في سبيل تحصيل العلم والمعرفة، وتوصيل حلقاتها بأوثق العرى، مدى القرون.
ويمثل الحرص والولع الدؤوب والمواظبة التي يبذلها العلماء في سبيل العلم، ونقله وضبطه، والتأكد من سلامته.
ويمثل مدى حرية الفكر في المجال العلمي عند العلماء، واعتمادهم الدليل والبرهان والمنطق، واتباعهم الحجة في الرأي.
ويمثل ضخامة التراث الاسلامي، وسعة أطرافه واتساع المجال الذي يبحث عنه، ويحقق فيه من موضوعات المعرفة البشرية.
وبه وبأمثاله، يمكن أن تتم الحجة على الجهلة بهذا التراث، وتلقم تلك الأفواه التي تنعق بالشبه والتشكيكات المثارة من قبل أعداء الدين، والعلم، والمعرفة الإسلامية ومصادرها.
ثم إن أفضل دور يقوم به هذا الكتاب هو الدفاع عن (الحق) الذي تغافل عن إعلانه ـ بل ذكره ـ كثير من أصحاب العلم والقلم والرأي في التاريخ!
بل سعى بعضهم في هجره وإخماد نوره وإطفائه، وهو: (تراث أهل البيت النبوي الطاهر) الذين كانوا منذ صدر الإسلام ـ وعلى طول خط تاريخه، ومدى القرون الخمسة عشر، وحتى اليوم ـ في طليعة المدافعين عن الإسلام في عقيدته، وفقهه، وكل معارفه.
وهم حاملوا رايته، والمناضلون الشجعان عن قدسيته، مع أن النبي الأكرم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ والقرآن العظيم أكدا في كثير من نصوصهما، وبمختلف البيانات الصريحة، والإشارات البليغة، على تقديس أهل البيت وأولي القربى، وطهارتهم.
وجعلهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ (الخلفاء) له مع القرآن، وأنهما المصدران /4

الأساسيان للمعرفة عند المسلمين ـ بعد الرسول ـ يجب الأخذ منهما واتباعهما، وعدم التفرق عنهما، وذلك في حديث (الثقلين) كتاب الله وعترة الرسول.
رغم ذلك، فإن التغافل عن حق أهل البيت، ودورهم، ودور تراثهم، ليس كاشفاً إلا عن انحراف قديم، وتقصير متعمد تجاه مصادر المعرفة الإسلامية.
فهذا الكتاب (لوامع الأنوار) قد تحدث في مقاطع عديدة منه عن هذا الحق المهدور، المتغافل عنه، وقام بالاستدلال المحكم لإثباته، ولزوم الرجوع إليه واعتماده أصلاً من أقوى أصول المعارف الإسلامية الحقة، ومن أقوى روافدها الثروة الغنية، عملاً بوصية الرسول الأكرم، صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
ويكفي هذا الكتاب، وما احتوى عليه من التراث الضخم، دليلاً على ما مني به المبتدعون عن أهل البيت من الحرمان، ومدى ما اجترمه المهملون لهذا التراث!
هذا، والسيد المؤلف إنما يتحدث عن تراث أهل البيت في الأوساط الزيدية، فإذا أضيف إليه تراثهم الزاخر في المذهب الإمامي الإثنى عشري، وهو يربو على عشرات الآلاف فإن ذلك الحرمان والجريمة يكونان أعمق وأكبر.
تحديد أغراض الكتاب:
ذكر السيد المؤلف ـ دام مجده ـ أنه ألف هذا الكتاب على أساس التماس جمع ـ من طلاب العلم ـ (أن يوصل سندهم بسنده، ويصحح لهم في طرق الرواية معتمدة، ويوضح لهم الأسانيد النافعة الجامعة إلى أربابها /5

كما هي السنة الماضية عند علماء الإسلام، والطريقة المرضية بين ذوي الحل والإحرام).
ويتواضع في حديثه ـ على عادة العلماء الكرام ـ فيقول: (فرجحت الإجابة على الامتناع، على قصر الباع، وقلة المتاع، لما ورد في السنة والقرآن من تحتم التبليغ والبيان، والوعيد الشديد على الكتمان).
ويؤكد أسباب تأليفه، فيقول: (ولما شاهدت تقاعد الهمم، وانحلال العزائم، وانهدام المعالم، حتى كاد يندرس الأثر، وينطمس الخبر والخبر... وما سببه إلا تثاقل الأتباع، وتكاسل الأشياع، من الحفظ لآثار أئمتهم، وأعلام ملتهم، لا سيما في هذه الأعصار: حثالة الحثالة، التي استحكمت فيها أدواء الجهالة).
وهذا تصوير حي لما توصلت إليه الأمة من حالات التردي في الجهل بتراثها، والبعد عن معارفها، ومصادر الثروة الغنية الموثوقة، بحيث تجرأ أدعياء الفكر الجديد، والعقل الجديد، والوعي العربي الحديث على التهجم على الإسلام وأدواته المعرفية!
فهذا الكتاب هو رد علمي على هذه الشرذمة المستأجرة للغرب، ونزعاتهم.
بينما هو أداة لتوعية الأمة، وإرشادها إلى ما في حوزتهم ومتناول أيديهم من ذخائر الفكر والتراث العظيمة، التي تمكن الآباء بها من العيش في الحياة بسلام في عالم الأمس، ومن أجل ذلك استهدفه الغربيون وعملاؤهم في عالم اليوم.
ثم إن وصية السيد المؤلف بضبط الكتاب والتأكد من صحته، مما يؤكد ما ذكرناه من الوثوق بمصادر المعرفة الإسلامية، ويركز هذا /6

2 / 143
ع
En
A+
A-