وقال المحب الطبري: عن ابن عباس، وقد سُئل عن علي: رحمة الله على أبي الحسن؛ كان والله علم الهدى، وكهف التقى، وطود النهى، ومحل الحجا، وغيث الندى، ومنتهى العلم للورى، ونوراً أسفر في الدجا، وداعياً إلى المحجة العظمى، مستمسكاً بالعروة الوثقى، أتقى من تقمص وارتدى، وأكرم من شهد النجوى، بعد محمد المصطفى، وصاحب القبلتين، وأبو السبطين، وزوجته خير النساء، فما يفوقه أحد؛ لم تر عيناي مثله، ولم أسمع بمثله؛ فعلى من بغضه لعنة الله ولعنة العباد، إلى يوم التناد.
أخرجه أبو الفتح القواس، ورواه علي بن الحسين المسعودي في مروج الذهب ، انتهى.
قلت: وقوله: ولم ترَ عيناي...إلخ أي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعاً، وهذا معلوم لكل مسلم، فلا يحتاج مثله إلى تقييد، مع أنه قد صَرّح في أول الخبر بقوله: بعد محمد المصطفى.
[شيء من فضائل ابن عباس]
هذا، قلت: قال المحب الطبري في الذخائر: عن ابن عباس: ضمني رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وقال: ((اللهم عَلِّمْه الحكمة )) أخرجه الترمذي ، وقال: حسن صحيح؛ والبغوي، وأبو حاتم؛ وخرجه البخاري، وقال: ضمني إلى صدره؛ وفي رواية له: ((اللهم علمه الكتاب )) وخرجه أبو عمر، وزاد: ((وتأويل القرآن )) ولم يقل: ضمني؛ وفي أخرى: ((وزده علماً، وفقّهه في الدين )) قال أبو عمر: وكلها أحاديث صحاح.
وفي رواية خرجها الحافظ الثقفي: ((زده فهماً وعلماً )) انتهى.
قلت: قال أبو عمر في الاستيعاب: وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وجوه أنه قال لعبد الله بن العباس: ((اللهم علّمه الحكمة وتأويل القرآن ))، وفي بعض الروايات: ((اللهم فَقِّهه في الدين، وعلمه التأويل )) وفي حديث آخر: ((اللهم بارك فيه، وانشر منه، واجعله من عبادك الصالحين ))، وفي /114
حديث آخر: ((اللهم زده علماً وفقهاً ))، وهي كلها أحاديث صحاح.
وقال مجاهد: عن ابن عباس: رأيت جبريل عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرتين، ودعا لي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بالحكمة مرتين، انتهى.
قال في ذخائر العقبى: وعن مسروق قال: كنت إذا رأيت عبد الله بن عباس ، قلت: أجمل الناس، وإذا تكلم قلت: أفصح الناس، وإذا تحدث، قلت: أعلم الناس.
وعن الأعمش مثله، زاد: (وإذا سكت قلت: من أحلم الناس)، قال: وعن شقيق.
قلت: هو في الاستيعاب مسنداً إلى أبي وائل، قال: خطبنا ابن عباس، وهو على الموسم، فافتتح سورة النور؛ فجعل يقرأ ويفسر؛ فجعلت أقول: ما رأيتُ ولا سمعتُ برجل مثله، ولو سمعته فارس والروم والترك لأسلمت.
خرج جميع ذلك أبو عمر.
وخرج في الصفوة حديث شقيق، وقال: سورة البقرة مكان سورة النور.
وعن الحسن: كان ابن عباس يقوم على منبرنا هذا فيقرأ البقرة وآل عمران، فيفسرهما آية آية.
وفي الاستيعاب والذخائر: قال عمرو بن دينار : ما رأيت مجلساً أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس، الحلال والحرام، والعربية والأنساب، وأحسبه قال: والشعر؛ وكان أصحابه يسمونه البحر والحبر.
قال في الاستيعاب: وفيه يقول حسان:
إذا ما ابن عباس بدا لك وجهه .... رأيت له في كل أحواله فضلا
إذا قال لم يترك مقالاً لقائل .... بمنتظمات لا ترى بينها فصلا
...الأبيات /115
وروى في الحدائق أن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أمسك للحسنين بالركاب، وسوى عليهما، فقال له مدرك بن أبي راشد : أنت أسن منهما، أتمسك لهما؟ قال: يا لكع، أو ما يدريك من هذان، هذان ابنا رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أو ليس هذا مما أنعم الله به علي، أن أُمْسِكَ لهما، وأسوي عليهما.
هذا، ولما توفي - رضي الله عنه - صلى عليه محمد بن الحنفية عليهما السلام كما سبق، وقال: اليوم مات رباني هذه الأمة.
أخرجه أبو عمر والبغوي.
قال الطبري في الذخائر: وعن سعيد بن جبير ، قال: مات ابن عباس بالطائف، فشهدت جنازته، فجاء طائر لم ير على خلقه، فدخل في نعشه، ولم يُرَ خارجاً منه؛ فلما دُفن تليت هذه الآية: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً(28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29) وَادْخُلِي جَنَّتِي(30)} [الفجر:27ـ30].
خرجه ابن عرفة ؛ وروي عن أبي الزبير مثله.
نعم، وقد قدمت من ذكر لما سبق؛ وأعود إلى ترتيب الطبقات .
[عاصم بن عدي]
عاصم بن عدي، القضاعي العجلاني؛ كان يوم بدر أميراً على أهل قباء والعالية، فضرب له النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بسهم، وشهد أحداً؛ له ستة أحاديث.
توفي سنة خمس وأربعين.
عنه: أبو البداح ، وسهل بن سعد، وابن عباس.
خرج له: المؤيد بالله ، والأربعة.
[عامر بن ربيعة بن كعب]
عامر بن ربيعة بن كعب، أبو عبد الرحمن العنزي (بمهملة، ونون ساكنة، فزاي) هاجر إلى الحبشة، وشهد المشاهد.
عنه: ابنه عبد الله.
أخرج له: المؤيد بالله ، /116
والمرشد بالله، والجماعة.
توفي سنة اثنتين وثلاثين.
[عامر بن واثلة ]
عامر بن واثلة ـ بمثلثة ـ بن عبد الله الكناني، أبو الطفيل.
له رؤية ورواية، وعُمِّر بعده - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - طويلاً؛ وصحب علياً - عليه السلام -، وكان من وجوه شيعته، ومن محبيه، وله منه محل خاص، وشهد مع علي المشاهد.
قلت: قد سبق ذكره في الفصل الثاني، وساق في الطبقات ترجمته، وحكى كلام بعض المنحرفين فيه، قال: ثم خرج طالباً بدم الحسين مع المختار بن عبيد، ثم أخرج محمد بن الحنفية من سجن عارم، وسكن الكوفة، ثم مكة، وأقام بها حتى مات.
ثم حكى الأقوال في سنة وفاته، وقد سبق تصحيح أنه سنة عشر ومائة.
قال في التهذيب: وهو آخر من مات من جميع أصحاب النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
روى عن علي، وأبي بكر، وعمر، ومعاذ، وعمار.
وعنه: جابر الجعفي ، والزهري، ويزيد بن حبيب، وغيرهم.
أخرج له: المؤيد بالله ، ومحمد، والجماعة.
قلت: وممن روى عنه الإمام الأعظم زيد بن علي ـ عليهم السلام ـ، كما سبق.
قال علامة العترة النبيل، محمد بن عقيل ـ رحمه الله ـ: وأما وصول أبي عبد الله الجدلي ومن معه ومنهم أبو الطفيل، لإنقاذ ابن الحنفية ومن معه، فذلك من أعظم مناقبهما، ومن أكبر منزلة عند الله تعالى وعند النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فقد أثبت ثقات المؤرخين، أن ابن الزبير وضع ابن الحنفية ومن معه من بني هاشم في السجن، ووضع فيه حطباً وألقى عليه النار، فصادف ذلك وصول الجدلي وأبي الطفيل ومَنْ معهما، فأنقذ الله بهم /117
العترة ـ أنقذهم الله من كل سوء ـ فهل يليق أن يعد صنيع هؤلاء الأبطال المنقذين مما تطعن به عدالتهم؟! كلا والله.
إلى قوله: إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور؛ رب احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين.
وفي الاستيعاب لابن عبد البر: قدم أبو الطفيل على معاوية، فقال له: كيف وجدك على خليلك أبي الحسن؟
قال: كوجد أم موسى على موسى؛ وأشكو إلى الله التقصير.
قال له معاوية: كنتَ فيمن حصر عثمان؟
قال: لا، ولكني كنت فيمن حضره.
قال: فما منعك من نصره؟
قال: وأنت فما منعك من نصره إذ تربصت به ريب المنون؟ وكنت مع أهل الشام، وكلهم تابع لك فيما تريد.
فقال له معاوية: أو ما ترى طلبي لدمه نصرة له؟
قال: بلى، ولكنك كما قال أخو جعف:
لا ألفينّك بعد الموت تندبني .... وفي حياتي ما زوّدتني زادا
[عامر الرام]
عامر الرام (بفتح المهملة) صحابي، له حديث عند أبي داود، والإمام أبي طالب، رواه عنه ابن إسحاق عن ابن منصور عنه.
ويقال: ابن الرام؛ والأول أصح.
قلت: وفي الاستيعاب: عامر الرامي، ويقال: عامر الرام أخو الخضر، والخضر قبيلة في قيس عيلان..إلخ.
[عامر بن مسعود بن أمية]
عامر بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي، له حديث في صوم الشتاء.
عنه: عبد العزيز بن رفيع ، ونمير بن عريب .
اختلف في صحبته؛ عداده في أهل الكوفة.
أخرج له: المرشد بالله، والترمذي /118
[عبادة بن الصامت]
عبادة بن الصامت، أبو الوليد الخزرجي، السيد النقيب؛ شهد العقبات الثلاث، وبدراً وما بعدها.
توفي بالرملة، وقيل: ببيت المقدس، سنة أربع وثلاثين، عن اثنتين وتسعين.
عنه: ولده محمد، وإبراهيم بن عباد، وجابر، وأنس، والحسن البصري، وخالد بن معدان، وجنادة بن أمية، وغيرهم.
أخرج له: أئمتنا الخمسة، والجماعة.
[عبد الله بن أُنَيس]
عبد الله بن أنيس (بضم الهمزة، وفتح النون) أبو يحيى القضاعي الأنصاري حلفاً، بطل مقدام، شهد العقبة وأحداً.
سار إليه جابر بن عبد الله شهراً إلى الشام يسمع منه حديث المظالم.
عنه: بنوه، وجابر، ومحمود بن لبيد .
توفي سنة أربع وخمسين.
خرج له: الناصر للحق، وأبو طالب، والمحيط، ومسلم.
[عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي ]
عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي ، توفي سنة ست وثمانين بالكوفة، آخر الصحابة موتاً بها.
عنه: عمرو بن مرة ، وإسماعيل بن أبي خالد.
أخرج له: أبو طالب ، والجرجاني، والمرشد بالله، والجماعة.
قلت: وكان من المنحرفين عن أمير المؤمنين - عليه السلام -، كما أفاده الإمام المنصور بالله - عليه السلام - في الشافي .
[عبد الله بن بُحَينة]
عبد الله بن بُحَينة (بضم الموحدة، وفتح المهملة، فتحتية، فنون) الأزدي، كان من السابقين /119
ناسكاً فاضلاً، ينزل موضعاً بقرب المدينة؛ توفي آخر أيام معاوية.
أخرج له: المؤيد بالله ، والجماعة.
عنه: الأعرج.
[عبد الله بن بسر]
عبد الله بن بسر (بمهملتين) المازني، توفي سنة ثمان وثمانين، قال ابن عساكر : وضع النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يده على رأسه، فقال: ((يعيش هذا قرناً )) فعاش مائة سنة.
أخرج له: المرشد بالله، والطبراني، وأبو نعيم، وابن عساكر، وغيرهم.
[عبد الله بن جواد العقيلي]
عبد الله بن جواد العقيلي، قال ابن عساكر : له صحبة.
عنه: ولد أخيه يحيى الأشدق .
خرج له: المرشد بالله، وغيره .
[عبد الله بن الحارث بن جز]
عبد الله بن الحارث بن جز (بجيم ثم زاي) الزُّبَيدي (بضم الزاي) شهد فتح مصر.
عنه: يزيد بن حبيب، وغيره.
توفي سنة ست ومائة.
أخرج له: المرشد بالله، والأربعة، إلا النسائي .
[عبد الله بن رواحة ]
عبد الله بن رواحة (بفتح أوله) أبو رواحة الحارثي الأنصاري النقيب، شهد بدراً وما بعدها، وكان أحد النجباء الصادقين في الجهاد باللسان واليد، وأحد الأمراء في غزوة مؤتة، وبها استشهد، ولا عقب له.
خرج له: الإمام زيد بن علي، وأبو طالب ـ عليهم السلام ـ، ومحمد، والبخاري، وغيرهم /120
[عبد الله بن الزبير بن العوام ]
عبد الله بن الزبير بن العوام ، أبو خبيب الأسدي، أول مولود من المهاجرين بعد الهجرة، شهد مع خالته عائشة الجمل.
بويع له سنة أربع وستين بعد معاوية بن يزيد، وتخلّف عن بيعته ابن عباس وابن الحنفية، ثم حصره الحجاج بمكة، وقتل في جمادى سنة ثلاث وسبعين، وهي عمره.
أخرج له المؤيد بالله ، وأبو طالب، ومحمد، والجماعة.
قلت: قد تقدم كلام الوصي ـ صلوات الله عليه ـ في شأنه وهو من رؤوس الناكثين؛ لما خرج الحسين - عليه السلام - من مكة إلى العراق ضرب عبد الله بن العباس بيده على منكب ابن الزبير وقال: خلا الجو ـ والله ـ لك يا ابن الزبير.
وسار الحسين إلى العراق، فقال: يا ابن عباس، والله ما ترون هذا الأمر إلا لكم، ولا ترون إلا أنكم أحق به من جميع الناس.
فقال ابن عباس: إنما يرى من كان في شك، ونحن من ذلك على يقين.
...إلى آخر ما في شرح النهج.
[تركه للصلاة على النبي وآله أربعين جمعة]
وقال الإمام يحيى بن عبد الله بن الحسن ـ عليهم السلام ـ فيه: وهو الذي ترك الصلاة على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أربعين جمعة في خطبته؛ فلما التاث عليه الناس، قال: إن له أهيل سوء، إذا صليت عليه أو ذكرته أتلعوا أعناقهم وأشرأبُّوا لذكره، فأكره أن أسرَّهم، أو أقرّ أعينهم، رواه أبو الفرج في المقاتل.
وفي الفرائد ما لفظه: فإن المسعودي وغيره رووا أنه ترك الصلاة على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الخطبة أربعين جمعة قال: إنه ما تركها إلا لئلا تشمخ أنوف أقوام ـ يعني بني هاشم ـ.
وفي شرح النهج: وكان عبد الله بن الزبير يبغض علياً وينتقصه.
وروى عمرو بن شبة، وابن الكلبي، والواقدي، وغيرهم من رواة السير /121
أنه مكث أيام ادعائه الخلافة أربعين جمعة لا يصلي فيها على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وقال: لا يمنعني من ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها.
وروى سعيد بن جبير : أن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن عباس: ما حديث أسمعه عنك؟
قال: وما هو؟
قال: تأنيبي وذمي.
فقال: إني سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((بئس المرء المسلم يشبع ويجوع جاره )).
فقال ابن الزبير: إني لأكتم بغض أهل هذا البيت منذ أربعين سنة.
[جواب محمد بن الحنفية على ابن الزبير]
قال: وروى عمرو بن شبة أيضاً عن سعيد بن جبير ، قال: خطب عبد الله بن الزبير، فنال من علي - عليه السلام -، فبلغ ذلك محمد بن الحنفية، فجاء إليه وهو يخطب، فوضع له كرسي، فقطع عليه خطبته، وقال: يا معشر العرب، شاهت الوجوه، أينتقص علي وأنتم حضور؟ إن علياً كان يد الله على أعداء الله، وصاعقة من أمره، أرسله على الكافرين والجاحدين لحقه، فقتلهم بكفرهم، فشنئوه وأبغضوه، وأضمرو له السيف والحسد، وابن عمه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - حي بعد لم يمت، فلما نقله الله إلى جواره، وأحب له ما عنده، أظهرت له رجال أحقادها، وشفت أضغانها، فمنهم من ابتزّه حقه، ومنهم من ائتمر به ليقتله، ومنهم من شتمه وقذفه بالأباطيل.
إلى قوله: والله ما يشتم علياً إلا كافر يُسِرّ شتم رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، ويخاف أن يبوح به، فيكني بشتم علي - عليه السلام -، أما إنه قد تخطت المنية منكم من امتد عمره، وسمع قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه: ((لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق )) وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فعاد ابن الزبير إلى خطبته، وقال: عذرت بني الفواطم يتكلمون، فما بال ابن أم حنيفة؟
فقال محمد: يا ابن أم رومان، وما لي لا أتكلم، وهل فاتني من الفواطم إلا واحدة، ولم يفتني فخرها؛ لأنها أم أخوي...إلخ /122
قال المقبلي في الأبحاث في بحث اختياره بقاء تحريم القتال في الأشهر الحرم، والأمكنة الحرم: ولو كانت الأحاديث أخباراً لم يقع شيء من ذلك، وإنما هو أمر خولف وظيفة الأفعال الخارجية من ابن الزبير فمن بعده، فهونت ذلك على النفوس، مع أن أحاديث الملحد في الحرم الذي عليه نصف عذاب أهل النار، ونحو ذلك، كثيرة متعاضدة المعنى.
وقال في الإتحاف: والأحاديث الواردة في أن أول من يلحد في الحرم كبش قريش، عليه نصف عذاب أهل النار، ومعناه متواتر لكثرة رواته، ولولا الورع واحترام ابن الزبير، والتجوز البعيد أن يصدق ذلك في غيره، لكان لا حاجة إلى اللجلجة...إلخ.
قال الإمام - عليه السلام -: فتأمل العصبية، وقد علم أنه الكبش الذي يلحد في حرم الله.
إلى قوله: ولا عليهم مما يلزمهم للقرابة، ولو جلّ وعظم، وتناسوا ما قرع أسماعهم، ورووه في كتبهم، عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - مثل: ((فانظروا كيف تخلفوني فيهم )) ومثل: ((أذكركم الله في أهل بيتي ـ ثلاثاً ـ)).
قال: وهذا ابن الزبير قد فتح هذه المعصية التي عظمها الفقيه، وهي عظيمة وفاقرة في حرم الله تعالى، ووصفه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بأنه ملحد، وأن عليه نصف عذاب أهل النار، وقد علم الفقيه أنه من رؤوس الناكثين، فلم تطب نفسه تبعاً لما أصّله أسلافه في هذه المسألة أن يقرر ويقول الحق.
إلى قوله: وهذا هو عذر المخالف، تواصوا به خلفاً عن سلف.
قال أبو عمر في الاستيعاب: وروي أن عبد الله بن صفوان بن أمية مَرّ يوماً بدار عبد الله بن عباس بمكة، فرأى فيها جماعة من طالبي الفقه، ومَرّ بدار عبيدالله بن عباس فرأى فيها جماعة ينتابونها للطعام، فدخل على ابن الزبير، فقال له: أصبحت والله كما قال الشاعر:
فإن تصبك من الأيام قارعة
لم نبك منك على دنيا ولا دين /123