منهما؛ يا خيبة الداعي، إلى ما دعا؟ وبماذا أجيب؟ والله، إنهما لعلى ضلالة صماء، وجهالة عمياء.
ثم رفع يديه، فقال: اللهم إن طلحة والزبير قطعاني وظلماني، وأَلّبا علي، ونكثا بيعتي؛ فاحلل ما عقدا، وانكث ما أبرما، ولا تغفر لهما أبداً، وأرهما المساءة فيما عملا وأمّلا.
قال أبو مخنف: فقام إليه الأشتر، فقال: الحمد لله الذي مَنّ علينا فأفضل، وأحسن إلينا فأجمل؛ قد سمعنا كلامك يا أمير المؤمنين، ولقد أصبتَ ووفقت، وأنت ابن عمّ نبيئنا وصهره ووصيه، وأول مصدق به ومصلّ معه؛ شهدتَ مشاهده كلها، فكان لك الفضل فيها على جميع الأمة؛ فمن اتبعك أصاب حظه، واستبشر بفلجه؛ ومن عصاك ورغب عنك، فإلى أمه الهاوية؛ لعمري ـ يا أمير المؤمنين ـ ما أَمْرُ طلحة والزبير وعائشة علينا بمخيل؛ ولقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه، وفارقا من غير حدث أحدثتَ، ولا جور صنعتَ؛ فإن زعما أنهما يطلبان بدم عثمان، فليقيدا من أنفسهما، فإنهما أول من أَلَّبَ عليه، وأغرى الناس بدمه؛ وأشهد الله لئن لم يدخلا فيما خرجا منه، لنلحقنهما بعثمان؛ فإن سيوفنا في عواتقنا، وإن قلوبنا في صدورنا، ونحن اليوم كما كنا أمس.
وفيه: الأصبغ بن نباتة : لما انهزم أهل البصرة ركب علي - عليه السلام - بغلة رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - الشهباء وكانت باقية عنده، وسار في القتلى يستعرضهم؛ فمرّ بكعب بن سور قاضي البصرة وهو قتيل، فقال أجلسوه، فأجلس؛ فقال: ويل أمك ـ كعب بن سور ـ لقد كان لك علم لو نفعك؛ ولكن الشيطان أضلك فأزلك، فعجلك إلى النار؛ أرسلوه.
وروى صاحب المحيط بالإمامة ، بإسناده عن ابن عباس، قال: مرض علي بن أبي طالب - عليه السلام - فدخل رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في مرضه ليعوده، فرأى طلحة عند رأسه والزبير عند رجليه، فقال لهما رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: /104
((يشتد عليكما مرض علي؟)).
فقالا: سبحان الله! وكيف لا يشتد علينا مرض علي؟
فقال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((والذي نفسي بيده، إنكما لا تخرجان من الدنيا حتى تقاتلاه وأنتما له ظالمان)).
قال في الحدائق: ودعا علي - عليه السلام - طلحة، فقال: نشدتك الله، هل سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ))؟
قال: نعم.
قال: فلم تقاتلني؟
قال: لم أذكر؛ وانصرفَ.
وروي أنه لما رُمي بسهم، قال بعدما أفاق من غشيته: ما رأيتُ مصرع قرشي أضلّ من مصرعي.
وقتل طلحةَ مروانُ بن الحكم.
وفي الرواية أنه لما صرع مَرّ به رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: أمن أصحابنا أم من أصحاب أمير المؤمنين؟
فقال: بل من أصحاب أمير المؤمنين.
فقال: ابسط يدك لأبايعك لأمير المؤمنين، فألقى الله على بيعته؛ أما والله ما كفتنا آية من كتاب الله، وهي قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } [الأنفال:25]، فوالله لقد أصابت الذين ظلموا خاصة.
[طلحة بن معاوية السلمي]
طلحة بن معاوية السلمي.
قال: أتيت النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فقلت: إني أريد الجهاد، فقال: ((أمك حية؟)) قال: نعم، فقال: ((الزم رحلها فثمة الجنة )) رواه ولده محمد، وأخرجه الطبراني ، ورواه عنه الإمام المرشد بالله؛ وذكر الحديث كما ذكره في الجامع /105
[طلق بن علي السحيمي]
طلق (بفتح أوله، وسكون اللام) بن علي بن منذر بن قيس السحيمي (بمهملتين مصغراً) أبو علي اليمامي، وفد قديماً، وبنى في المسجد، وروى عنه: ابنه قيس.
قلت: روى عنه خبر عدم النقض بمس الذَّ كَر.
قال السيد الإمام وغيره: أخرج له المؤيد بالله ، والمرشد بالله، والأربعة.
---
(فصل العين المهملة)
[العباس بن عبد المطلب بن هاشم]
العباس بن عبد المطلب بن هاشم، عَمّ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أبو الفضل، كان أسن من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بسنتين أو ثلاث.
وفي رواية الإمام أبي طالب لما سُئل أيما أكبر، أنت أو رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؟ فقال: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله.
ولم يزل مُعظَمَاً في الجاهلية والإسلام؛ وخرج إلى بدر مع المشركين، فأسره المسلمون، ففادى نفسه وابني أخيه عقيلاً ونوفلاً، وأسلم عقيب ذلك.
قلت: وقد ذكر أنه أسلم قبل ذلك، ولكنه لم يظهره إلا فيه.
قال السيد الإمام: وعذره النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الإقامة بمكة من أجل سقايته، ولقي النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في سفر الفتح، وخرج معه إلى حنين.
قلت: وثبت عند رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - مع من ثبت من قرابته الذين أنزل الله سكينته على رسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وعليهم؛ قال العباس في ذلك:
نصرنا رسول الله في الحرب سبعة .... وقد فَرّ مَنْ قد فَرّ عنه وأقشعوا
وثامننا لاقى الحمام بسيفه .... بما مسّه في الله لا يتوجعُ
/106
أفاده في الاستيعاب عن ابن إسحاق، انتهى.
وأمره فنادى: يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة ـ وكان رجلاً صيِّتاً، قيل: إنه كان يسمع من ثلاثة أيام، وأنه نادى مرة في مكة: واصباحاه؛ فأسقطت الحوامل، وأنه كان يصيح على السبع فتنفتق مرارته؛ ذكره في الكشاف ـ فأقبلوا كأنهم الإبل يقولون: لبيك لبيك؛ وأخذ - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بيده كفاً من الحصى، فرمى العدوّ بها، وقال: ((شاهت الوجوه))، ثم قال: ((انهزموا ورب الكعبة ))، ولم يبقَ أحد منهم إلا دخل في عينه من رمية رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم- وأنزل الله تعالى الرعب في قلوبهم، وأيّد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بملائكته، فرآهم المشركون على خيل بلق، وعليهم عمائم خضر.
والوقعة مشهورة، قد قص الله تعالى في الكتاب منها ما فيه كفاية.
[استسقاء الصحابة بالعباس - رضي الله عنه -]
وقصة استسقاء الصحابة به معلومة.
قال في الاستيعاب: وروينا من وجوه عن عمر أنه خرج يستسقي، وخرج معه العباس؛ فقال: اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ونستشفع به، فاحفظ فيه لنبيك - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - كما حفظت الغلامين لصلاح أبيهما؛ وأتيناك مستغفرين ومستشفعين.
إلى قوله: ثم قام العباس وعيناه تنضحان، ثم قال: اللهم أنت الراعي، لا تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، وقد ضرع الصغير، ورق الكبير، وارتفعت الشكوى؛ فأنت تعلم السر وأخفى؛ اللهم فأغثهم بغياثك، من قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون.
فنشأت طريرة من سحاب، فقال الناس: ترون ترون.
ثم تلاءمت واستتمت ومشت فيها ريح، ثم هزت ودَرّت؛ فوالله، ما برحوا حتى اعتنقوا الجدر، وقلصوا المآزر، وطفق الناس بالعباس يمسحون /107
أركانه ويقولون: هنيئاً لك ساقي الحرمين.
وفي ذلك يقول أمير المؤمنين - عليه السلام -:
بعمي سقى الله البلاد وأهلها .... عشيّة يستسقي بشيبته عمر
وهذا صريح التوسل به والاستشفاع؛ لقربه من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فهل يسوغ لمسلم أن يجعل فعل الصحابة كالتوسل والاستشفاع بالأصنام؟! سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
قال السيد الإمام: وكان ـ أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ـ يعظمه ويعطيه العطاء الجَزْل؛ وكذلك الخلفاء بعده، ونصبه عمر للاستسقاء فسقوا؛ ثم توفي في المدينة، في رجب، سنة اثنتين ـ أو أربع ـ وثلاثين، عن ثمان وثمانين.
أخرج له: أئمتنا الثلاثة، والهادي للحق،، والجماعة.
عنه: ولده عبد الله، وخزيمة بن أوس ، وغيرهما.
[عبد الله بن جعفر بن أبي طالب]
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ـ رضوان الله عليهم ـ، أبو جعفر الهاشمي، أول مولود من المسلمين بالحبشة؛ وكان جواداً ممدحاً كأبيه.
أمه أسماء بنت عميس ، شهد فتوح الشام.
قلت: وشهد مع عمه الوصي - عليه السلام - مشاهد الجهاد.
قال في الطبقات : وله أخبار واسعة في السخاء والفتوة.
وتوفي بالمدينة سنة ثمانين، عن ثمانين.
خرج له: الإمام أبو طالب ، وله ذكر في المجموع في الوكالة والحجر، وروى له محمد.
عن علي - عليه السلام -، وعن أمه.
وعنه: هلال، وولده إسماعيل.
قلت: ولما سمع قول الشاعر:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة .... حتى يُصاب بها طريق المصنع
قال: أما أنا فأقول:
يدُ المعروف غُنْمٌ حيث كانت .... تلقّاها كفور أو شكورُ
فعند الصالحين لها جزاءٌ .... وعند الله ما جحد الكفورُ
/108
[عبد الله بن العباس]
عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، أبو العباس الهاشمي؛ حبر الأمة، وترجمان القرآن.
ولد قبل الهجرة، وحنّكه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بريقه، ودعا له؛ ويسمى البحر لسعة علمه، وهو أحد الستة المكثرين في الرواية، وكان أكثرهم فتيا وأتباعاً؛ وكان عمر وغيره يرجعون إليه، واستعمله علي - عليه السلام - على البصرة.
وتوفي بالطائف سنة سبعين.
قلت: وفي الاستيعاب والإصابة وغيرهما: سنة ثمان وستين.
قال في الطبقات : بعد أن كف بصره؛ وفي الرواية: أنه من البكاء على الوصي - عليه السلام -؛ وصلى عليه محمد بن الحنفية؛ وقبره به مشهور مزور.
أخرج له الهادي للحق، وأئمتنا كافة، والجماعة، وأصحاب المسانيد، وغيرهم.
وروى عنه ولده علي بن عبد الله ، وسعيد بن جبير ، وسليمان بن يسار ، والضحاك بن مزاحم ، وطاووس، والشعبي، وعطاء بن أبي رباح ، ومجاهد، وميمون بن مهران ، وأبو العالية ، وغيرهم.
قلت: قال الإمام الحجة المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليهم السلام:
وهو ـ أي ابن عباس ـ واحد زمانه، ونسيج وحده؛ اجتمعت هذه الأمة على محبته؛ وله من الفضائل ما تصعب الإحاطة به؛ وإنما نذكر طرفاً على وجه الرعاية لحقه، وإلا فشهرة أمره تغني عن الإطناب في ذكره.
في الحديث أن أباه العباس رحمه الله تعالى بعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبعض حاجته، فأتاه وجبريل - عليه السلام - يناجيه، فاستحيا أن يقطع نجواهما، ولم يعرف جبريل - عليه السلام - فرجع إلى أبيه، فأعلمه؛ فجاء إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فأعلمه بذلك؛ فضم النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عبد الله إليه، ومسح على صدره، وقال: ((اللهم فقهه في الدين، وانشر منه ))، فكان كذلك، فروت عنه جميع الأمة؛ وهو الفقيه الذي لا يُدافع، والمصقع الذي لا /109
يُنازع؛ وقد كان ذهب بصره في آخر أيامه، من البكاء على علي بن أبي طالب ...إلخ.
وقد كان العباس بن عبد المطلب ، وولده حبر الأمة، وإخوته، وأولاد جعفر بن أبي طالب ، وعقيل بن أبي طالب، وسائر بني هاشم، ومن معهم من أعيان الصحابة السابقين، ملازمين لأمير المؤمنين، داعين الأمة إلى إمامته، والقيام بطاعته، منذ قُبِض سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ كما هو معلوم عند ذوي العرفان من المسلمين.
وقد شهد جميع مشاهده، والجهاد بين يديه، مَنْ أدرك ذلك منهم؛ كما قال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمته: شهد عبد الله بن عباس مع علي رضي الله عنه الجمل وصفين والنهروان، وشهد معه الحسن والحسين ومحمد بنوه، وعبيد الله وقثم ابنا العباس، ومحمد وعبد الله وعون بنو جعفر بن أبي طالب ، والمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب، وعبد الله بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب .
قلت: ونقل ابن حجر ذلك في الإصابة؛ ومنهم: العباس بن ربيعة بن الحارث ، المبارز يوم صفين تلك المبارزة المشهورة المذكورة في شرح النهج.
[عدم صحة معاتبة الوصي (ع) لابن عباس]
نعم، وكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لابن عمه أمير المؤمنين - عليه السلام - الوزير الأعظم، والنصير المقدم؛ وما يحكى عنه من أخذه المال، ومفارقته لمحل عمله بالبصرة، ومعاتبة الوصي - عليه السلام - له غير صحيح؛ فمقامه أجل وأرفع من ذلك؛ والكتاب الذي في النهج غير موجه إليه، وليس فيه تصريح كما أفاده العلامة الشارح، والإمام عز الدين بن الحسن - عليه السلام - في المعراج .
ولم يزل عاملاً لأمير المؤمنين /110
- عليه السلام - عليها كما صرح به أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ، وذكره ابن حجر في الإصابة، حيث قال: ولم يزل ابن عباس على البصرة حتى قُتل علي.
قال المولى العلامة نجم العترة الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله تعالى ـ في تخريج الشافي : لأن مقامات عبد الله في شأن علي في حياته وبعد وفاته، وإجلاله له والذبّ عنه والانتماء إليه، ينافي ما قيل من المكاتبة في أخذ المال؛ على أن ما رواه أبو الفرج الأصفهاني ، من أن عبد الله بن العباس كتب إلى الحسن بن علي، في أول خلافته، من البصرة، ينافي أنه أخذ مال البصرة وهرب به إلى مكة.
روى أبو عبيدة عن عمرو بن عبيد ، أن ما قيل من أخذ ابن عباس للمال قول باطل؛ فإن ابن عباس لم يفارق علياً إلى أن قُتل، وشهد صلح الحسن بن علي.
قال: وكيف يجتمع المال بالبصرة.
إلى قوله: وهو يفرغ بيت المال في كل خميس ويرشه، انتهى من أمالي المرتضى.
وروى المرشد بالله بإسناده عن أبي صالح، قال: ذكر علي بن أبي طالب - عليه السلام - عند عائشة، وابن عباس حاضر؛ فقالت عائشة: كان من أكرم رجالنا على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
فقال ابن عباس: وأي شيء يمنعه من ذلك؟ اصطفاه الله لنصرة رسوله، وارتضاه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لأخُوَّتِه، واختاره لكريمته، وجعله أبا ذريته، ووصيه من بعده؛ فإن ابتغيت شرفاً فهو في أكرم منبت وأورق عود، وإن أردت إسلاماً فأوفر بحظه وأجزل بنصيبه، وإن أردت شجاعة فنهمة حرب وقاضية حتم، يصافح السيوف أبسالاً، لا يجد لموقعها حساً، ولا تنهنهه تعتعة، ولا تفلّه الجموع، والله ينجده، وجبريل يرفده، ودعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعضده، أحدّ الناس لساناً، وأظهرهم بياناً، وأصدعهم بالجواب، في أسرع جواب؛ عِظَتُه أبلغ /111
من عمله، وعمله يعجز عنه أهل دهره؛ فعليه رضوان الله، وعلى مبغضه لعائن الله. انتهى.
وروى محمد بن سليمان الكوفي نحوه بسنده إلى عبد الله بن صفوان ، قال: كنت عند عائشة، فذكر علي؛ فقالت: كان من أكرم رجالنا على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
فقال رجل ـ ولم يسمه ـ...إلى آخره.
قال رجل لابن عباس: سبحان الله ما أكثر فضائل علي ومناقبه! وإني لأحسبها إلى ثلاثة آلاف.
فقال ابن عباس: أو لا تقول: إنها إلى ثلاثين ألفاً أقرب.
رواه الخوارزمي بإسناده، عن عيسى بن عبد الله ، عن أبيه، عن جده.
وقال ابن عباس: العلم ستة أسداس؛ لعلي بن أبي طالب خمسة أسداسه، وللناس سدس؛ ولقد شاركنا في السدس، حتى هو أعلم منا به.
رواه الخوارزمي عنه من طريقين، ومثله في ذخائر العقبى.
قلت: وروي عن ابن مسعود : قُسِّمت الحكمة عشرة أجزاء، فأعطي علي تسعة، والناس جزءاً واحداً.
وهو في تفريج الكروب بلفظ: كنت عند النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فسُئل عن علي، فقال: ((قُسِّمت الحكمة... الخبر)) رواه ابن المغازلي.
وفي بعض كتب العترة: عن ابن مسعود ، قال: كنت عند النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -...الخبر، بزيادة: ((وعلي أعلم بالواحد منهم )) الأزدي وابن النجار وابن الجوزي وأبو علي البرذعي وحل (وهو رمز الحلية لأبي نعيم) أي أخرجه هؤلاء.
وروى ابن عبد البر في الاستيعاب، بسنده إلى ابن عباس، قال: والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم؛ وأيم الله، لقد شارككم في العشر العاشر/112
وروى ابن عبد البر أيضاً، بسنده إلى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس، قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به.
ورواه ابن حجر العسقلاني ؛ وقد سبق معناه عنه، من غير هذه الطريق؛ وهو يدل على أن قول الوصي - عليه السلام - عنده حجة، كما قضت به الأدلة.
وروايات ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وأقواله وأفعاله، في شأن ابن عمه أمير المؤمنين - عليه السلام - أكثر من أن يحصيها كتاب، أو يحيط بها الاستيعاب.
قال شارح النهج: وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له، وانقطاعه إليه، وأنه تلميذه وخريجه، وقيل له: أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: سُئل ابن عباس عن علي، فقال: ملئ عزماً وحزماً وعلماً ونجدةً.
أخرجه الحاكم.
وقال ابن عباس: لعلي أربع خصال، ليست لأحد غيره، هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فَرَّ عنه غيره، وهو الذي غسَّله وأدخله قبره.
أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب، وأخرجه علي بن الحسين في المحيط عن ابن عباس، إلا لفظ (أربع)، وزيادة (المهراس) قال: وهو الذي صبر معه يوم المهراس، وانهزم الناس كلهم غيره.
وأخرجه الكنجي والإمام أبو طالب ، عن ابن عباس، كما في المحيط.
وقال ابن عباس: ليس من آية في القرآن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا } إلا وعلي بن أبي طالب رأسها وأميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في القرآن، وما ذكر علياً إلا بخير.
أخرجه عنه أحمد، والكنجي /113