سريرة صدره كسريرة صدري؛ وأن ولدك ولدي، تنجز عداتي، وأن الحق معك ليس أحد من الأمة يعدلك، وأن الحق معك، وعلى لسانك، وفي قلبك، وبين عينيك، والإيمان مخالط لحمك ودمك، كما خالط لحمي ودمي، وأنه لن يرد الحوض مبغض لك، ولا يغيب عنه محب لك، حتى ترد الحوض معي)).
وأخرجه الخطيب ابن المغازلي بسنده عن جابر، وفيه بعد قوله: ((ولا يغيب عنه محب لك)) فخر علي ساجداً، وقال: الحمد لله الذي منَّ علي بالإسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية، وأكرم أهل السماوات وأهل الأرض على ربه، خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وصفوة الله في جميع العالمين، إحساناً منه تعالى إليّ، وتفضلاً منه عليّ.
فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لولا أنت ياعلي، ماعُرف المؤمنون بعدي؛ لقد جعل الله ـ عز وجل ـ نسل كل نبي من صلبه، وجعل نسلي من صلبك، يا علي، فأنت أعز الخلق وأكرمهم علي، وأعزهم عندي، ومحبك أكرم من يرد عليّ من أمتي)).
أفاده حسام الدين حميد الشهيد ـ رضي الله عنه ـ في محاسن الأزهار.
ورواه الخوارزمي في الفصول، عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)؛ كما ساقه هنا من دون اختلاف يخل بشيء من المعنى، إلا أن فيه زيادات نحو: ((وأنت باب علمي، وأن الله عز وجل أمرني أن أبشرك أنك وعترتك في الجنة، وأن عدوك في النار)) قال: فخررت لله ساجداً، وحمدته على ماأنعم به من الإسلام والقرآن، وحببني إلى خاتم النبيين، وسيد المرسلين، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
[مخرجوا خبر فتح خيبر]
قال ـ أيده الله تعالى ـ في تخريج الشافي بعد روايته لما تقدم: ورواه الإمام القاسم بن إبراهيم، من طريقة عبد الرزاق بن همام، بسنده إلى جابر، قال: لما قدم علي على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بفتح خيبر، قال له: ((لولا أن تقول فيك طوائف إلخ)).
ورواه محمد بن سليمان الكوفي، بإسناده إلى جابر بن عبدالله من طريقين.
ورواه ابن المغازلي بإسناده عن جابر في مناقبه.
ورواه بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع، بسنده عن جابر.
ورواه محمد بن منصور المرادي، بسنده إلى جابر؛ ذكره الإمام أحمد بن سليمان.
وقد روى هذا /106

السيوطي في الجامع الكبير، وساق سنده من طريق ابن المغازلي، عن جابر؛ ذكره محمد بن إسماعيل الأمير، في شرح التحفة العلوية، وقال: وعلى فصوله شواهد.
وأخرجه الخوارزمي عن علي، والكنجي عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لولا أن تقول فيك طوائف)) إلى آخر ماهنا بيسير اختلاف. انتهى.
[تواتر خبر فتح خيبر ـ دلالته على عصمة أمير المؤمنين (ع)]
نعم، وفي هذا الخبر إشارة إلى فتح خيبر، الذي وعد الله تعالى به رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وشيد ذكره في الآيات؛ وقد أظهر الله تعالى فيه لسيد المرسلين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المعجزات النيرات، وأكرم به سيد الوصيين (ع) بغاية الكرامات البينات، وهو من المتواترات التي أطبق على نقلها أرباب الروايات؛ وذلك أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لما نزل بعسكر الإسلام، لمحاصرة خيبر، وقف المسلمون عدة أيام ينازلونهم فلا يفتح عليهم، وكان الوصي ـ صلوات الله عليه ـ في تلك المدة قد أصابه الرمد، فأخذ أبو بكر اللواء، فرجع منهزماً يجبن أصحابه ويجبنونه؛ ثم أخذها عمر كذلك؛ ورسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد أصابه ألم الشقيقة، فاشتد الخطب، وعظم الأمر، فخرج رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على المسلمين، وقال: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه)) فتطاول لها الناس؛ لما يعلمون من تأثر أمير المؤمنين (ع) وكان فيمن تطاول لها أبو بكر، وعمر.
قال الإمام في الشافي: وفي كثير من الروايات: فاستشرف لها كبار الصحابة كل يريدها لنفسه.
وفي بعضها: فأمسى المسلمون يدوكون ليلتهم. /107

انتهى.
فأرسل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى أمير المؤمنين (ع)؛ فقالوا: يا رسول الله، مايبصر.
قال: ((ائتوني به)).
فتفل في عينيه وقال: ((اللهم اكفه الحر، والبرد))، فما ضره بعد ذلك حر ولا برد، ولا ألم العيون؛ وأعطاه الراية، فنهض معه المسلمون، ولقي أهل خيبر، وخرج مرحب يرتجز بين أيديهم ويقول:
قد علمَتْ خيبرُ أني مرحب .... شاكي السلاح بطل مجرَّبُ
الأبيات.
فأجابه الوصي (ع):
أنا الذي سمتني أمي حيدرة .... كليث غابات شديد قسورة
الأبيات.
وضربه ضربة سمع أهل العسكر صوت ضربته، وما تتام الناس حتى فتح لأولهم واقتلع الباب وحمله، حتى صعد المسلمون عليه، وما حمله بعد ذلك دون أربعين؛ قال ابن أبي الحديد:
ياحامل الباب الذي عن رده .... عجزت أكف أربعون وأربعُ
وقال في أخرى:
وما أنس لا أنس الَّذَين تقدما .... وفَرَّهما والفرُّ - قد علما - حوبُ
عذرتكما إن الحِمَام لمبْغَضٌ .... وإن بقاءَ النفس للنفس محبوبُ
ويكره طعم الموت والموت طالب .... فكيف يلذّ الموت والموت مطلوبُ
قلت: وقد وردت الرواية بأخذ عمر للراية أولاً، وأبي بكر ثانياً، ثم عمر ثالثاً.
قال الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة (ع)، جواباً على صاحب الخارقة مالفظه: لأن قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية غداً)) تعريف بأنه أحق وأولى، ولو كان أولاً وفتح الله على يديه لظن الناس أن غيره لو كان أعطيها لفتح الله عليه؛ فقدمهما ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ ليعرف تباين الأحوال؛ وتمييز موارد الرجال.
*وبضدها تتبين الأشياء *
ثم وصف ذلك /108

الرجل بأنه: ((يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)).
إلى قوله: وقوله (ع): ((كراراً غير فرار)) منه بيان تباين الحالين، حال مَنْ فَرّ في ذلك اليوم، وحال من يكر ولايفر؛ واقتضى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((كراراً غير فرار)) أنهما سجيته (ع).
إلخ كلامه (ع).
[رواة خبر فتح خيبر]
وقد روى خبر فتح خيبر كما سبق حفاظ الأنام، وأئمة الإسلام، فمن آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ: الإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام الناصر للحق، والإمام أبو طالب عن جابر من طريقين، والإمام المنصور بالله، والإمام الحسن، وأخوه الأمير الحسين، وغيرهم من أعلام أهل البيت، وشيعتهم، والعامة.
وقد جمع المولى العلامة الحسن في تخريج الشافي مافيه الكفاية، فقال أيده الله: وحديث الراية وقول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) فأعطى علياً وفتح خيبر على يديه.
رواه محمد بن سليمان الكوفي بأسانيده عن عدة من الصحابة: عن أبي سعيد، وفيه ذكر انهزام عمر وتجبينه لأصحابه، وتجبينهم إياه؛ وعن سلمة بن كهيل من طريقين، وعن أبي ليلى، وعن سعد بن أبي وقاص، وعن عمران بن الحصين، وعن سهل، وعن بريدة، وعن ابن عباس، وعن أبي هريرة، وعن عمر، وعن سعيد بن المسيب، وعن ابن عمر، من مناقبه.
وروى ابن المغازلي قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) إلخ بأسانيده، عن إياس بن سلمة عن أبيه من طريقين، وعن عمران بن الحصين من طريقين، وعن أبي هريرة من طريقين، وعن أبي سعيد الخدري من طريق، وعن بريدة من /109

طريقين، وعن سعد بن أبي وقاص بطريق، وفي بعضها زيادة، وبعض نقص. من المناقب .
وكذا رواه في خصائص النسائي، عن سعد، وعن علي، وعن بريدة، وعن سهل بن سعد.
فأما عن سعد بن أبي وقاص فبثلاث طرق، وكلها متفقة على مايفيد عصمة علي(ع).
قلت: لإخبار الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالقطع على محبة الله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ له، والقطع على مغيب الوصي (ع)، بمحبته لله ولرسوله، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وقال ـ أيده الله ـ: وكذا رواه في الخصائص عن الحسن بن علي (ع)، وعن عمران بن حصين، وعن أبي هريرة من أربع طرق، وكذا عن ابن عباس من حديث التسعة الرهط الذين قال فيهم: أُفّ وقعوا في رجل له عشر خصال، ومنها قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يجب الله)) إلخ.
وذكر حديثاً فيه، قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه))، فتطاولوا لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقال: ((أين علي؟)).
فقالوا: هو أرمد.
قال: ((فادعوه)).
فدعوه، فبصق في عينيه؛ ثم أعطاه الراية إلخ.
أخرجه ابن أبي شيبة والنسائي عن سعد بن أبي وقاص. من التفريج.
ومثل: حديث سعد، أخرجه أحمد، عن سعيد بن المسيب.
قال في التفريج: وحديث الراية أخرجه البخاري، ومسلم، وسائر المحدثين بألفاظ متقاربة.
وأخرجه مالك والدار قطني، والبخاري، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب، من التفريج بالمعنى.
وأخرجه أبو طالب عن جابر من طريقين، وأصل الحديث: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه)) فأعطى علياً.
رواه البخاري في آخر الجزء الثالث، رفعه إلى سلمة بن الأكوع، وإلى سهل بزيادة: فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أين /110

علي؟)).
فقالوا: يشتكي عينيه.
فدعا له فبريء.
ورواه في الجزء الرابع، رفعه إلى سهل أيضاً، وفي آخره قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك)) إلخ.
وفي الجزء الخامس، رفعه إلى سلمة، وإلى سهل.
ورواه مسلم في الجزء الرابع، بإسناده إلى عمر بن الخطاب، وإلى ابن عباس، وإلى أبي هريرة، ورواه عن سلمة بن الأكوع.
ورواه الترمذي بإسناده إلى سلمة؛ ذكره رزين في الجزء الثالث في الجمع بين الصحاح.
أفاد هذا، الإمام الحسن بن بدر الدين في أنوار اليقين.
وقد روى نحو حديث الثعلبي في الأصل ـ قلت: يعني الشاف،ي وهو خبر الراية ـ ابن المغازلي، والكنجي، والنسائي عن بريدة وفيه: أخذ أبو بكر أول يوم الراية، وفي اليوم الثاني عمر.
وأخرج نحوه بطوله محمد بن يوسف الكنجي عن بريدة، إلا أنه لم يذكر فيه التجبين، وقال: أخرجه ابن السمان.
وعن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن أبيه قال: كان علي يخرج في الشتاء في إزار، ورداء، ثوبين خفيفين، وفي الصيف في القبا المحشو والثوب الثقيل، لا يبالي بذلك.
فقيل لأبي ليلى: لو سألته عن هذا.
فسأله فقال: وما كنتَ معنا يا أبا ليلى بخيبر؟
قال: بلى والله لقد كنت معكم.
وساق الخبر حتى قال: فقال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله يفتح الله له ليس بفرار)) فأرسل إليّ فأتيته، وأنا أرمد لاأبصر شيئاً، فتفل في عينيّ وقال: ((اللهم اكفه الحر والبرد)) فما آذاني بعده حر ولابرد.
أخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن ماجه، والبزار، وابن جرير وصححه، والنسائي في خصائصه، والطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في الدلائل، وسعيد بن منصور.
وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار، يفتح الله عليه، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره)) قال: ((أين علي بن أبي طالب؟)).
قالوا: يارسول الله، مايبصر.
قال: ((آتوني به)) فقال النبي ـ صلى الله عليه وآله /111

وسلم ـ: ((أُدْنُ مني))؛ فدنا منه فتفل في عينيه ومسحهما بيده، فقام علي من بين يديه كأن لم يرمد.
أخرجه مالك بن أنس، والبخاري، والدارقطني في سننه، وابن عساكر. انتهى شرح غاية.
ثم ساق الروايات إلى قوله: قال الحاكم: هذا حديث دخل في حد التواتر.
وقال أبو نعيم الأصبهاني: قال أبو القاسم الطبري: فتح علي خيبر ثبت بالتواتر.
إلى قوله: انتهى ماأردت نقله على جهة الاختصار، والأمر فيه أجلى من النهار، والحديث دليل على فضل علي وعصمته، والقطع على مغيبه، وأنه أحق الأمة بمقام أخيه محمد، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قال السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير، في شرح التحفة: وهذه القضية من أشهر القضايا، رواها عدة من الصحابة.
وسرد جماعة من الرواة قد تقدموا.
إلى قوله: وهي من أشهر القضايا عند جميع الطوائف.
انتهى المراد من التخريج بتصرف يسير.
قال الأمير: قد اشتملت هذه القصة على معجزات للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وعلى فضائل لوصيه (ع).
إلى قوله: فمن معجزاته الإخبار بالغيب من فتح خيبر، واستجابة دعوته، وشفاء الرمد بريقه في ساعته، وفي أنه (ع) يُكفى الحر والبرد.
إلى قوله: ومن الفضائل إخبار من لاينطق عن الهوى، أن وصيه (ع) يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وهذه فضيلة تتضاءل عنها الفضائل؛ فإنها جملة تحتها جمل يعجز عن تفصيلها لسان كل قائل.
إلى قوله: كما أن الإخبار بأنه (ع) يحبه الله ورسوله، جملة تحتها أسفار من التفصيل.
إلى قوله: وكل فضيلة أخبر الرب ـ جل جلاله ـ أنه يحب المتصف بها، فقد دخل تحت الاتصاف بها، دخولاً أولياً.
قلت: يعني كالمحسنين والمتقين، والصابرين والمتطهرين.
قال: لأن الصادق المصدوق ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قد أخبر أن الله يحب وصيه، وأطلق الفعل عن التقييد، بسبب المحبة؛ فهو صادق على متعلقاته كلها. /112

كما أفادت أيضاً نفي كل رذيلة لايحب الله المتصف بها، كالظلم، لا يحب الله الظالمين؛ وكالاختيال والفخر: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)} [لقمان]، وغير ذلك مما لايأتي عليه العد، ولو أفردت هاتان الكلمتان بتأليف، لجاء بسيطاً.
إلى قوله: ومن هنا يظهر سر الإخبار من الصادق ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه لايحبه إلا مؤمن، ولايبغضه إلا منافق؛ لأن المؤمنين هم الذين يحبون ماأحب الله ورسوله وملائكته، فيالله، هاتان الجملتان ما اشتملتا عليه من الاتصاف بالفضائل، وما أفادتاه من طهارته (ع) من الرذائل!، ولا غرو، فهي من تحت شفاة من لا ينطق عن الهوى، ومن لسان من أوتي جوامع الكلم؛ فلأمرٍ ما اختار هذه الصفات في ذلك المقام، تنويهاً بالثناء، وإعلاماً بما منحه الله من الحسنى.
ومن فضائله (ع) وصفه بأنه كرار غير فرار؛ فإنها نهاية في وصفه بالشجاعة المحبوبة لله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وللعقلاء من كل ملة ونحلة.
إلى قوله: ولايحسن الإطناب في كون الشجاعة صفة مدح، ولا في كونه كان أكمل الناس اتصافاً بها؛ لأن الإطناب في ذلك كالإطناب في وصف الشمس بالإضاءة والإشراق، ووصف الليل والنهار بالتعاقب والافتراق. انتهى.
قلت: ودلالة خبر الغدير وخبر المنزلة، وغيرهما من الآيات والأخبار، التي هي أجلى من شمس النهار، قولاً وفعلاً وحالاً على إمامته ـ صلوات الله عليه ـ وعصمته، وقيام حجته متجلية المنار، واضحة الشموس والأقمار، لأولي الأبصار.
والشمس إن خفيت على ذي مقلة
وَسط النهارِ فذاكَ محصولُ العمى /113

وقد قرر الدلالات أعلام الأئمة، وعلماء الأمة، في مباحث الأصول، بما فيه كفاية لأرباب المعقول والمنقول.
ونرجع بإعانة الله إلى السياق في بيان مقامات خبر المنزلة.
[حديث الإنذار واللواء ـ مخرجوهما]
السابع:
حال الإنذار، وممن رواه الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي، بسنده إلى عبدالله بن العباس ـ رضي الله عنهما ـ عن علي (ع) قال: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء]، دعاني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وساق الرواية إلى قوله: ثم دعاهم فقال: ((إن الله ـ عز وجل ـ أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، ورهطي المخلصين؛ فأنتم عشيرتي الأقربون، ورهطي المخلصون؛ وإن الله ـ عز وجل ـ لم يبعث نبياً، إلا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووارثاً؛ فأيكم يقوم فيها يعينني، على أنه أخي ووزيري ووارثي دون أهلي، ووصيي وخليفتي في أهلي، ويكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)).
إلى قوله: فقام علي (ع)، وهم ينظرون كلهم؛ فبايعه وأجابه إلى مادعاه إليه؛ فقال: ادن مني، فدنا منه؛ فقال: افتح فاك؛ فمجّ فيه من ريقه، وتفل بين كتفيه وبين يديه.
إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ملأته عِلْمَاً، وحُكْمَاً وفَهْمَاً)).
قال الإمام (ع): وهذا قليل من كثير، مما نرويه في هذا الباب.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: روى هذا الخبر محمد بن سليمان الكوفي، عن علي (ع) بسنده إليه.
إلى قوله: وروى هذا الخبر بسنده إلى ابن عباس وفيه: ((أيكم يوازرني على أن يكون أخي ووصيي ووارثي وخليفتي ووزيري)).
ورواه الحاكم في السفينة، عن مسعدة العبدي أنه سئل علي ـ عليه /114

السلام ـ: بم ورثت ابن عمك دون عمك؟
فقال: جمع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ...وسرد حديث الإنذار، وفيه: ((ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي)).
وفيه: ((فأيكم يبايعني على أن يكون أخي، ووصيي ووارثي؟)) إلخ.
إلى قوله: قال: وعن جابر من حديث طويل: أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال لعلي: ((أنت مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى)) إلخ.
ذكره السيد الشرفي، في الآلي المضيئة، انتهى.
[أخبار المؤاخاة]
الثامن:
في خبر المؤاخاة.
ومن رواياته الشريفة، مارواه الإمام الحجة، المنصور بالله (ع)، في الشافي، عن مجدوح بن زيد الهذلي، أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ آخا بين المسلمين، ثم قال: ((يا علي أنت أخي مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لانبي بعدي؛ أما علمت يا علي، أنه أول من يدعا به يوم القيامة يدعا بي؛ فأقوم عن يمين العرش، فأكسى حلة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعا بالنبيين بعضهم على إثر بعض، فيقومون سماطين عن يمين العرش، ويكسون حللاً خضراً من حلل الجنة؛ ألا وإني أخبرك يا علي أن أمتي أول الأمم يحاسبون يوم القيامة؛ ثم أنت أول من يدعا؛ لقرابتك ومنزلتك عندي، ويدفع إليك لوائي، وهو لواء الحمد، فتسير به بين السماطين، آدم (ع) وجميع خلق الله يستظلون بظل لوائي؛ وطوله مسيرة ألف سنة)) الخبر.
قال في تفريج الكروب: رواه أحمد بن حنبل عن مجدوح بن زيد الهذلي، ورواه الخوارزمي في فصوله. انتهى.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: ورواه الخوارزمي، وابن المغازلي عن /115

13 / 143
ع
En
A+
A-