وهذا يدل على أن الصلح أولى من القتال، في هذه الحال؛ كما كان كذلك في صلح الحديبية، وأن الحسن السبط مصيب للحق، مرضي الفعال؛ ولا دلالة فيه على إصابة البغاة القاسطين، كما لا دلالة في صلح الحديبية على ذلك في حق الكافرين، ولا على الرضى بشيء مما هم عليه من الضلال، وقد أطلق على الجميع في بعض رواياته اسم الإسلام، والمراد المعنى العام، الذي هو الاستسلام، وإظهار الشهاديتن والصلاة، ونحوها من الأشياء التي يفارقون بها في الأحكام ، أهلَ الكتابين وعبدةَ الأصنام، كما قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا }...الآية، [الحجرات:14].
وقد سبق الاستدلال على ذلك، وهو معلوم لمن له بمعالم الإسلام أي إلمام.
[وصية الإمام الحسن (ع) لما حضرته الوفاة]
هذا، وقد افترت الحشوية عليه، كما افترت على أبويه؛ من ذلك: ما وضعوه في وصيّته للحسين - عليهما السلام -، التي أوردها ابن عبد البر مقطوعة السند، غير معزوة إلى أحد.
ونقلها منه الطبري في الذخائر، والأمير في شرح التحفة .
وبطلانها لا يخفى على ذوي البصائر؛ لمخالفتها المعلوم من الكتاب والسنة، وما عليه أهل بيت النبوة، بالضرورة.
والذي عند أهل بيت محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من روايات وصية أبيهم الحسن - عليه السلام - نحو ما أشار إليه السيد الإمام؛ وقد روى معناه أبو العباس الحسني .
وروى الإمام الحسن بن بدر الدين - عليه السلام - في الأنوار، أنه لما حضرته الوفاة، قال لأخيه الحسين بن علي - عليهما السلام -: اكتب: هذا ما أوصى به الحسن بن علي.
وساق في الشهادة لله تعالى...إلى قوله: وإني أوصيك يا حسين، بمن خلفت من أهلي، وولدي ونسائي، وأهل بيتك، أن تحفظ منهم ما أوصاك الله به، وأن توالي وليّهم، وتعادي عدوّهم، /44

وأن تكون لهم والداً، وأن تغفر لمسيئهم، وتقبل من محسنهم، وأن تدفني مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فإني أقرب إليه وأحق به ممن دخل بيته بغير إذنه، ولا بعهد عنده منه؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } [الأحزاب:53]، فوالله، ما أمروا بالدخول من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ولا جاءهم كتاب من بعده بالإذن، فإن أبت عليك الامرأة، فأناشدك الله والقرابة، التي قرب الله منك، والرحم الماسّة برسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وفاطمة، وأمير المؤمنين، وسيد المسلمين، علي بن أبي طالب ؛ أن تهريق فيَّ دم محجمة، حتى نلقى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - غداً، فنختصم عنده، ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده.
ثم قُبض ـ رحمة الله عليه ورضوانه ومغفرته ـ.
[السبط الأصغر الحسين بن علي (ع)]
الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ، أبو عبد الله، سيد شباب أهل الجنة، وريحانة جدّه من الدنيا، الإمام قام أو قعد؛ مولده بالمدينة، في شعبان، سنة أربع من الهجرة؛ فبينه وبين الحسن مدة الحمل وأربعون يوماً.
قلت: أما أنه ليس بينهما إلا ما ذكر، فهو الصحيح في رواية أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ولكن يحمل على أن مدة الحمل تسعة أشهر وعشرون يوماً، لا على ما حمله عليه ابن حجر في الإصابة، من أنه لم يكن الطهر إلا بعد شهرين، فلا يصح ذلك، كما لا يخفى.
قال: تربى في حجر جده، وله عنه رواية، وأكثر الرواية عن أبيه؛ وشهد مع أبيه الجمل وصفين، ولبث في الكوفة حياة أبيه، ثم مع أخيه الحسن، حتى رجعا إلى المدينة، ولم يزل بالمدينة، حتى توفي الحسن، وحتى جاء نعي معاوية، سنة ستين؛ وورد الأمر بالبيعة ليزيد، فامتنع منها، فخرج من المدينة ليلاً، بمن معه من أهل بيته وبني عمه، نحو مكة /45

فقدمها، وأقام بها خمسة أشهر، ووردت عليه كتب العراقيين بالبيعة؛ فبعث مسلم بن عقيل ، فكتب إليه كتاباً يستقدمه؛ فخرج في ذي الحجة لثمان مضت منها، سنة ستين، ولم يزل سائراً حتى ورد كربلاء بمن معه؛ وفيها قُتل ومن معه، في عاشر شهر محرم، سنة إحدى وستين.
وتولى حزّ رأسه سنان بن أنس النخعي ، ويقال: شمر بن ذي الجوشن .
وحمل رأسه خولي بن يزيد ، إلى ابن زياد ، ثم إلى يزيد بن معاوية .
ودفنت جثته ـ صلوات الله عليه ـ في الموضع المعروف بكربلاء، وعليه مشهد مزور معروف.
ورأسه ذكر المقريزي في أخبار مصر ، أنه نُقل إلى مصر، بدولة الفاطميين.
وحج خمساً وعشرين حجة، ماشياً، والنجائب تقاد.
روى عنه أولاده، منهم: علي بن الحسين، وغيرهم، ممن قتل معه.
أخرج له الستة، وأئمتنا جميعهم، إلا الشريف السيلقي ، انتهى كلام الطبقات بلفظه.
هذا، والوارد من الأخبار في الحسين السبط وفي استشهاده عن جده المختار، وأبيه الكرار ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وما ظهر في شأنه من الآيات البينات، واضحة المنار، لذوي الأبصار، وكذا ما نزل بأعداء الله وأعداء رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - القاتلين له من النكال والبوار، والخزي والدمار؛ أَضْرَبْتُ عن الخوض فيها للاختصار، ولمكانها من الاشتهار، قد مُلئت بها الأسفار، وسارت مسير الشموس والأقمار.
نعم، وكان الأولى بالتقديم بعد أصحاب الكساء ـ صلوات الله عليهم ـ سائر القرابة، ثم الصحابة؛ ولكن جريتُ في هذا على ما جرى من الترتيب، والله تعالى ولي الإعانة والتوفيق.
---
قال في الطبقات : (فصل) ومن هنا الشروع على حروف المعجم.
(فصل: الهمزة)
[أبي بن كعب الأنصاري ]
أبيّ (بضم الهمزة، وفتح الموحدة) بن كعب بن قيس الأنصاري /46

الخزرجي، النجاري، البدري، أبو المنذر، وأبو الطفيل، سيد القراء، شهد العقبة الثانية وبدراً وغيرها من المشاهد.
خرج له الشيخان ثلاثة عشر حديثاً، وخرج له الأربعة أيضاً، وبعض أئمتنا.
والأكثر أنه مات في خلافة عمر بالمدينة، ودُفن بها.
روى عنه ابن بشير، وأبو رافع، والنخعي، والطفيل بن أبي، ومن الصحابة: سهل بن سعد، ورافع بن خديج، ورفاعة، انتهى.
وله المقام المحمود، الذي رواه الإمامان: محمد بن عبد الله النفس الزكية، ويحيى بن عبد الله، عن آبائهما، عن علي ـ عليهم السلام ـ أوضح فيه الحجة، ولم تأخذه في الله لومة لائم؛ وقد سبق ذكره - رضي الله عنه -.
[أسامة بن زيد مأمور النبي لغزو الشام]
أسامة بن زيد بن حارثة القضاعي، الكلبي نسباً، الهاشمي ولاءً، أبو زيد المدني، كان مولى لخديجة بنت خويلد.
قلت: أي أبوه.
قال: فوهبته للنبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وهو ابن ثمان، وكان يدعى زيد بن محمد، فنزل: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } [الأحزاب:5].
قلت: وغيرها، كقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ } [الأحزاب:40]، وقد يتعلق بها غلف القلوب، من طغام النواصب، الذين لا يفهمون التنزيل، ولا يفقهون التأويل، والآية واضحة في نفي نسبة رجالهم إليه، لا نفي رجاله وذريته وعترته وأبنائه، بصريح الكتاب، في قوله ـ عز وجل ـ: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ } [آل عمران:61]، ودعا الحسنين، بإجماع الأمة؛ وبمتواتر السنة المعلومة.
ومثل هذا الكلام، لا يصدر إلا عن جهلة الأنام، الذين هم أشبه شيء بالأنعام، ولا يتجاسر أن يتفوه به من له أدنى مسكة من الإسلام.
قال السيد الإمام: وأمه أم أيمن، وكان النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أمَّره على جلّة المهاجرين /47

قلت: وذلك في بعث أسامة المشهور، الذي بعثه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قبيل الوفاة، وشدد في تنفيذه غاية التشديد، وتوعّد على التخلف عنه نهاية الوعيد؛ وكان في جملته أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، وغيرهم، من المهاجرين والأنصار، غير أهل بيت النبوة؛ وتخلف المذكورون عن الجيش، وكان من أمر السقيفة ما كان؛ وجميع ذلك معلوم للأنام، متفق على نقله بين أهل الإسلام.
قال الإمام الحجة، عبد الله بن حمزة - عليه السلام - جواباً على صاحب الخارقة: ولو صحّ ما ذكرت من أمر رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لأبي بكر بالصلاة، لما دلّ على الإمامة؛ لأن الكل من آحاد الصحابة كان يصلي بالجميع، وأهل بيت الرسول مشغولون بأمره، فما في هذا من دليل على الإمامة؛ وقد عقد الولاية لأسامة بن زيد، على جلّة المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر؛ والولاية بالأمارة أقرب إلى الإمامة.
إلى قوله - عليه السلام -: إن الحجة عليهما باقية؛ فإنهما لم يأتمرا بأمر الله ورسوله، في الخروج مع أسامة...إلى آخره.
وهذا عارض جَرّ إليه المذكور، وإلى الله ترجع الأمور.
قال: واعتزل الفتن، وعنده علي - عليه السلام -.
وذكر السيد المرشد بالله، أنه لم يقاتل مع علي، مع تفضيله لعلي، تأولاً منه أنه لا يقاتل أهل الشهادتين ـ هكذا قيل ـ والذي نقلناه من خط شيخنا، أنه لما قَتَل القَتِيل بعد أن شهد الشهادتين، ولقي من رسول الله من الكلام، الذي ود أنه لم يسلم إلا ذلك اليوم، أنه آلى على نفسه أنه لا يَكْلُم مسلماً، ولا يقاتل مسلماً؛ ولذلك قعد عن علي - عليه السلام - يوم صفين والجمل، انتهى.
توفي سنة أربع وخمسين، وروى عنه عبد الرحمن بن عوف، وكريب، وأبو ظبيان؛ وأخرج له الستة، وبعض أئمتنا، انتهى.
قلت: وما ذكر غير مخلص، وقد قال الله ـ عز وجل ـ: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي /48

حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [الحجرات:9]، وقال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فيما تواتر عنه: ((علي مع الحق، والحق مع علي )) وقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((وانصر من نصره، واخذل من خذله )) وأخبار الناكثين، والقاسطين، والمارقين؛ وقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لعمار: ((تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار )) في آيات تتلى، وأخبار تملى.
[أسلع بن شريك خادم النبي (ص)]
أسلع بن شريك بن عوف التميمي ـ في الأصح ـ وهو خادم النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وصاحب راحلته؛ له حديث في التيمم، ذكره النواوي في التهذيب، والسيد المؤيد بالله .
وروى عنه ولده بدر؛ أخرج له ـ وبعده بياض ـ.
قال: ومن أئمتنا: المؤيد بالله فقط.
قلت: في الهامش: لم يخرج لأسلع الستة، وأهمله صاحب التقريب .
قلت: وليس له تاريخ وفاة في الطبقات ، ولا في الاستيعاب لابن عبد البر، ولا الإصابة لابن حجر، ولا جامع الأصول لابن الأثير، ولا الخلاصة للخزرجي.
ومن لم أذكر تاريخه، فلم أجده في هذه ولا في غيرها من كتب البحث، والله أعلم.
[أسيد بن أبي إياس]
أسيد بن أبي إياس.
قلت: هو الكناني، الدؤلي؛ كان شاعراً، وهو الذي كان يحرض مشركي قريش على قتل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأهدر النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - دمه يوم الفتح؛ فأتاه وأسلم، وصحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: وصحح أنه بفتح الهمزة؛ ذكره الإمام أبو طالب ، وصاحب الإكمال /49

[أسيد بن حضير ]
أَسِيد (بفتح الهمزة، وكسر المهملة) ابن حضير (بمهملتين) ـ قلت: وفي الخلاصة : أُسيد (بالضم) ابن حضير (بمهملة ثم معجمة مصغراً) ابن سماك، الأشهلي، البدري، أبو يحيى؛ أحد النقباء، أسلم بعد العقبة الأولى.
إلى قوله: توفي بالمدينة، سنة عشرين، في شعبان؛ وقبره بالبقيع، وروى عنه أنس وابن أبي ليلى.
قال في الكاشف: وكان كثير النسيان.
أخرج له الجماعة، ومن أئمتنا: السيد المرشد بالله.
[بعض أخبار السقيفة والبيعة]
قلت: وفي أخبار السقيفة: فلما رأى بشير بن سعد الخزرجي ، ما اجتمعت عليه الأنصار، من تأمير سعد بن عبادة - وكان حاسداً له، وكان من سادة الخزرج - قام، فقال: أيها الأنصار.
إلى قوله: إن محمداً - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - رجل من قريش، وقومه أحق بميراث أمره.
فقام أبو بكر، وقال: هذا عمر وأبو عبيدة، فبايعوا أيهما شئتم.
فقالا: لا والله، لا نتولى هذا الأمر عليك.
إلى قوله: فلما بسط يده، وذهبا يبايعانه، سبقهما إليه بشير بن سعد، فبايعه، فناداه الحُباب بن المنذر : يا بشير عَقَّكَ عَقَاقْ؛ والله، ما اضطرك إلى هذا الأمر إلا الحسد لابن عمك.
ولما رأت الأوس أن رئيساً من رؤساء الخزرج قد بايع، قام أسيد بن حُضَ ير، وهو رأس الأوس، فبايع، حسداً لسعد أيضاً، ومنافسة أن يلي الأمر.
إلى قوله: واجتمعت بنو هاشم إلى بيت علي بن أبي طالب ، ومعهم الزبير، وكان يعدّ نفسه رجلاً من بني هاشم، كان علي - عليه السلام - يقول: ما زال الزبير منا أهل البيت، حتى نشأ بنوه فصرفوه عنا.
وساق إلى قوله: وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة، منهم: أسيد بن حضير ، وسلمة بن أسلم .
إلى قوله: فقال لهم: انطلقوا فبايعوا، فأبوا عليه، وخرج عليهم الزبير بسيفه؛ فقال عمر: /50

عليكم الكلب.
فوثب سلمة بن أسلم ، فأخذ السيف من يده، فضرب به الجدار.
ثم انطلقوا به وبعلي، ومعهما بنو هاشم، وعلي يقول: أنا عبد الله، وأخو رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
حتى انتهوا به إلى أبي بكر، فقيل له: بايع.
فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي؛ أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فأنصفونا ـ إن كنتم تخافون الله ـ من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون.
فقال عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع.
فقال له علي: احلب حلباً لك شطره، اشدد له أمره؛ ليرد عليك غداً؛ لا والله، لا أقبل قولك، ولا أبايعه.
إلى قوله: فقال علي: يا معشر المهاجرين، الله الله، لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن ـ أهل البيت ـ أحق بهذا الأمر منكم، ما كان منا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله؛ العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية؛ والله، إنه لفينا؛ فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعداً.
فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر، ما اختلف عليك اثنان؛ ولكنهم قد بايعوا.
فانصرف إلى منزله ولم يبايع، .....إلى آخره.
أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، بسنده في كتاب أخبار السقيفة له.
قال شارح النهج: فأما امتناع علي من البيعة، حتى أُخرج على الوجه الذي أُخرج عليه، فقد ذكره المحدثون، ورواه أهل السير؛ وقد ذكرنا ما ذكره الجوهري في هذا الباب، وهو من رجال /51

الحديث، ومن الثقات المأمونين؛ وقد ذكر غيره من هذا النحو ما لا يحصى كثرة.
وقال فيه أيضاً: وهو عالم، كثير الأدب، ورع، ثقة، مأمون عند المحدثين، أثنى عليه المحدثون.
وروى نحو ما سبق في الكامل المنير ، وفيه: فقال علي: أنصفوا من أنفسكم..إلى قوله: وأنتم تعلمون.
وفيه: الله الله يا معشر المهاجرين..إلى قوله: فتزدادوا من الله بعداً.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: ورواه ابن جرير الطبري، في تاريخه، انتهى.
قال الإمام المنصور بالله - عليه السلام - في الشافي : فإنه لا خلاف بين الأمة أن أمير المؤمنين - عليه السلام - امتنع عن البيعة، وذكر أنه أولى بهذا الأمر، وأن العباس بن عبد المطلب قال لأمير المؤمنين - عليه السلام - بعد وقوع العقد لأبي بكر: امدد يدك أبايعك؛ فيقول الناس: عَمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بايع ابن أخيه؛ فلا يختلف عليك اثنان.
وليس هذا قول الراضي بالعقد الذي وقع.
ولا خلاف أن الزبير بن العوام قد امتنع من البيعة، وخرج شاهراً سيفه، إلى أن قال عمر ما قال، وأخذ سيفه فكسره.
ولا خلاف أيضاً أن خالد بن سعيد ، لما ورد من اليمن أظهر الخلاف، وحثّ بني هاشم وبني أمية على الخلاف؛ وقال: أرضيتم أن يلي عليكم تيمي.
وقال أبو سفيان لأمير المؤمنين - عليه السلام -: إن شئت ملأتها عليهم خيلاً ورجلاً.
وأمير المؤمنين - عليه السلام - قعد عنه، وقعد بنو هاشم أجمع، وامتنعوا من الحضور عنده.
وأظهر سلمان النكير، وقال: كرديد وبكرديد.
إلى قوله - عليه السلام -: وقد نقل الثقات في هذه القصة.
إلى قوله: وهو أنه ممن تخلّف عن بيعة أبي بكر: علي - عليه السلام - والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام، وخالد بن /52

سعيد، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر ، والبراء بن عازب ، وأبي بن كعب.
قال - عليه السلام -: وكان خالد بن سعيد غائباً في اليمن، فقدم، فأتى علياً - عليه السلام -، فقال: هلم أبايعك، فوالله، ما في الناس أولى بمقام محمد منك، انتهى.
وفي شرح النهج: وروى الزبير بن بكار ، قال: روى محمد بن إسحاق، أن أبا بكر لما بويع، افتخرت بنو تيم بن مرة.
قال: وكان عامة المهاجرين وجل الأنصار، لا يشكون أن علياً هو صاحب الأمر، بعد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
قلت: وكذلك أبو بكر وعمر ومن معهم، يعلمون ذلك؛ وهم مقرون أن بيعتهم كانت فلتة، كما قال عمر على المنبر، وحَكَمَ على من عاد إلى مثلها بالقتل، كما رواه البخاري ومسلم، وهو معلوم النقل.
ولا يستنكر شيء بعد واقعة يوم الخميس.
[يوم الخميس] وما يوم الخميس به .... كل الرزية قال البحر هي هي هي
التي أخرجها الشيخان وغيرهما؛ بل أجمع على روايتها الخلق، من صدور النزاع، والتقديم بين يدي الله ورسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - حتى أدى إلى منع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عما أراد من تأكيد عهده، وكتابة الكتاب الذي لا يضلون من بعده، وكان - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قد أقام الحجة، وأبان المحجّة؛ وإنما أراد التأكيد، وزيادة التبليغ؛ وفهم عمر ومن معه قصده؛ ولولا ذلك لما استطاع عمر ولا جميع الخلق منعه ولا رده.
وعلى كل حال، فلعمر الله، إن تلك واقعة في الإسلام، تذوب لها القلوب، وتقشعّر منها الجلود، من كل مَنْ بقي في قلبه مثقال ذرة من الإيمان.
فلهذا كان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ إذا ذكرها يبكي حتى يبلّ دمعه الحصى، ويقول: إنها الرزية كل الرزية؛ برواية البخاري ومسلم وغيرهما.
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة /53

125 / 143
ع
En
A+
A-